Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخرج فيلم "سبنسر": "الأميرة ديانا كانت مثل شخصية أغريقية تراجيدية"

أخرج السينمائي التشيلي هذا العمل الذي تؤدي فيه كريستن ستيوارت دور ديانا المضطربة. لاراين يتحدث مع لويس تشيلتون عن استعادة ديانا اليوم، والتشابهات بينها وبين ميغان وهاري، وعن عدم الاهتمام بما يفكر به الآخرون

أميرة الشعب: ستيوارت في دور ديانا في "سبنسر" (يوتيوب)

"أنا غريب عن بريطانيا وغريب عن الأسرة الملكية [البريطانية]" يقول بابلو لاراين، ويردف "لكني لا أعتقد أنني غريب عن ديانا". هكذا يبرر مخرج الأفلام التشيلي صناعته لفيلم عن أميرة ويلز، وهو العمل السينمائي المنتظر الذي يحمل عنوان "سبنسر"  "Spencer"، إذ إن ديانا وفق ما يقول كانت "أيقونة عالمية"، وقد تملكته القصة التي تروي أنها كانت "امرأة مدهشة وغامضة وأسيرة لصيرورة التاريخ والتقاليد".

وأحس لاراين أنه المخرج الملائم لاستكشاف ذاك الغموض، وربما أيضاً تلك الألفة. إذ "مع أنها ولدت بامتيازات خاصة، وغدت في ما بعد الأميرة ديانا، إلا أنها لطالما شعرت بأنها عادية جداً. شخص من السهل التعلق به. وهذا أحد أسرارها، كيف استطاعت خلق ذاك المقدار من التعاطف مع قصتها؟".

في هذا السياق، ومهما يكن موقف المرء من الأسرة الملكية، يبقى مستحيلاً عدم التعاطف مع ديانا، كما تخيلها فيلم "سبنسر"، الذي يخوض عميقاً للمرة الأولى في حياة السيدة البالغة من العمر 45 سنة، فيرصد شخصيتها الكامنة خلف الصور. والفيلم من خلال مقاربته للتاريخ على نحو متحرر (لكن يمكن القول إنها مقاربة صادقة) يتناول ديانا في لحظة إقامة ميلادية (بفترة عيد الميلاد) كابوسية ببيت الملكة (إليزابيث الثانية) في ساندرينغهام، حين كان زواجها من تشارلز على حافة الانهيار. "إنها قصة الأميرة المكسورة"، يقول لاراين وهو يرتشف الشاي جالساً إلى طاولة صغيرة في جناح فندق في "سوهو". يضيف، "إنها تدخل في قصة خرافية، وتلك القصة تنقلب رأساً على عقب ما إن تقرر عدم الانتماء إلى الأسرة (الملكية)".

وثمة معطيات عديدة في "سبنسر" يمكن أن تزعج مهوسي التقيد بحقيقة الأمور، ليس أقلها قرار إسداء دور البطولة إلى الممثلة الأميركية كريستن ستيوارت. وأيضاً لأن الفيلم يصور على نحو لاذع جداً الأسرة الملكية (البريطانية) كمؤسسة (رسمية). وتبدو لنا ديانا بأداء ستيوارت امرأة على حافة الانهيار (يقول لاراين إنها "تشبه شخصية أغريقية تراجيدية")، يطاردها الإعلام وتخنقها صرامة "المؤسسة" الباردة. وفي الإطار نشاهدها بمواجهة الشره المرضي (البوليميا)، حيث أعيد تمثيل ذلك بتفاصيل مريعة. كما نرى أفعال إيذاء نفس مؤلمة قامت بها ديانا، قد تكون مجرد مشاهدتها صادمة. لكن على الرغم من هذا، يذكر لاراين، فإن الفيلم لا يهدف إلى الاستفزاز. بل "أنا أحاول فقط تصوير أمر يبدو حقيقياً" وفق ما يقول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتابع المخرج حديثه، فيذكر: "أعتقد أن الفيلم يقدم وصفاً لائقاً لحالة الضيق الداخلي التي عانت منها ديانا. وهذا هو ما يهمني. فالإضطراب الغذائي ليس مجرد اضطراب غذائي. إنه نتيجة مشكلة نفسية. نتيجة أزمة داخلية كانت تمر بها. من المهم بالنسبة لي إن كنت سأصور شخصاً يؤذي نفسه ويلحق الضرر بها، أن أبين سبب حدوث ذلك وكيفيته. والجدال هنا يبقى خارج الموضوع تماماً. فهو ليس فكرة إنسانية أبداً".

وكان لاراين في أفلام سابقة تناول على نحو غير نمطي شخصيات معروفة، وعلى الرغم من اختلاف أفلامه الأخرى عن هذا الفيلم الجديد، إلا أن ما يجمع بين مجمل أعماله يتمثل برقيها البصري المذهل، وجاء فيلمان من أفلامه الثلاثة الأحدث ليتناولا أيضاً موضوع السيرة، وتميزا بالجموح من ناحية خروجهما على التقاليد، أما أشهر أفلامه بالنسبة لجمهور السينما الإنجليزي فيتمثل بـ "جاكي" "Jackie"، الدراما من عام 2016 التي أدت بطولتها ناتالي بورتمان بدور أرملة "جي أف كي" (الرئيس جون كينيدي) المصدومة (بعد اغتيال زوجها). وفي السنة ذاتها أصدر المخرج دراما المطاردات العابثة، "نيرودا" "Neruda"، بطولة لويس غنيكو بدور الشاعر المطارد بابلو نيرودا، وغائيل غارسيا بيرنال بدور محقق شرطة خرافي يطارد الشاعر المذكور، بعد ذلك في عام 2019، عاد لاراين إلى جذوره مع فيلم الحركة الممتع ومنخفض الميزانية، "إيما" "Ema"، الذي جاء عبارة عن قصة درامية من تشيلي، إلا أنه ما لبث وعاد إلى مزاج السير، أما السبب الذي دفعه لاختيار ديانا موضوعاً جديداً، فيرده لدافع واحد، وفق تعبيره، وهو أمه. ويشرح، "لقد كانت الشخص الأول الذي رأيته وأنا أكبر، وكنت مهتماً بأمره. عندما حصلت المأساة عام 1997 وتوفيت ديانا، أصيبت أمي بحزن شديد. في ما بعد أدركت أنها لم تكن سوى واحدة من مئات ملايين الناس حول العالم الذين أحزنهم موت ديانا. وصرت شديد الاهتمام بالموضوع. لماذا؟ لماذا تملك تلك المرأة، التي كانت أميرة في بريطانيا، هذا التأثير في حياة أمي؟ وبعد عملية بحث واسعة تضمنت مراجعة أفلام وعروض تلفزيونية ومقالات وكتب، فإن معلوماتي لم تزدد إلا ضآلة. إذ كلما رحت أطلع، كانت معلوماتي تتضاءل، وتغدو ديانا أكثر غموضاً بالنسبة لي، كما تتضاءل الأجوبة المتعلقة بها. وأعتقد أن هذا الغموض جوهريّ بالنسبة للسينما".

 

 

حسن التوقيت بدوره قد يكون جوهرياً أيضاً، إذ إن أحد المواضيع الرئيسة في "سبنسر" يتمثل بـ "الهرب"، من زواج محطم، كما من الطقوس الباردة والمضنية، السائدة في أوساط الأسرة الملكية، وإنه لأمر مغو جداً أن تجري إحالة صورة الأسرة الملكية التي يقدمها فيلم "سبنسر" إلى وضع الأمير هاري وميغان ماركل، وقرارهما المتمثل بالقطع مع التقاليد الملكية والمغادرة إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أن ذلك قد يبدو استشرافياً على نحو مخيف، إذ إن "سبنسر" لم يكن قد تجاوز منتصف عمليات تصويره عندما بثت مقابلة الشريكين المفاجئة والشهيرة مع أوبرا وينفري، في وقت سابق من هذا العام، بيد أن لاراين يصر على أن التشابهات الواردة بالفيلم مع الوقائع، لم تكن متعمدة، "هذا لم يكن في نيتنا عندما صنعنا الفيلم"، يقول المخرج، ويضيف، "إلا أننا ننظر إلى الواقع من حيث نقف. من الحاضر. لذا طبعاً سيقوم الناس بربط الأمور بأي شيء يحصل الآن، وبأي شيء سيحصل غداً، أو حصل بالأمس. لكني سأكون شديد الدقة والوضوح في قولي إن هذا لم يمثل سبب صنعنا للفيلم. نحن لم نكن نسعى تحديداً لذلك. إلا أنني أعتقد أن ذاك الأمر لم يكن بالإمكان تلافيه".

على أن لاراين لم يسبق له تجنب السياسة، فأفلامه الأولى، من ضمنها الدراما الرائعة التي رشحت لجائزة أوسكار عام 2012، "لا" "" No، قدمت نقداً حاداً لديكتاتورية بينوشيه، لكن "سبنسر" يأتي اليوم أقل سياسية في هذا الإطار، على الرغم من وضوح إدانته للمؤسسة الملكية من خلال مشاهده التي تصور الغنى والوفرة الفاحشين، وعبر الموقف الذي يتخذه لصالح ديانا، وما يؤطر على أنه موقف حسَن النية، إغلاق ستائر ديانا بإحكام لمنع مصوري الـ "باباراتزي" من الرؤية عبر نوافذها، مثلاً، قد يعني عملاً أقرب إلى القمعية مما هو إلى الحماية، لكن في أي حال، يبدو لاراين سعيداً في ترك الفيلم يفصح عن نفسه، وعن هذا يذكر، "مهما يكن رأيي بالنسبة لوضع الأسرة الملكية الراهن، أعتقد، بصدق وصراحة، أنه [رأيه] لا تأثير له. من هو الذي قد يهتم برأيي هذا؟ سأقول إن لدي احتراماً كبيراً (للأميرين) وليام وهاري على حد سواء. وأعتقد أنهما واجها أوقاتاً في غاية الصعوبة". في الإطار ذاته، وكما هو متوقع، لم يحظ تشارلز باهتمام فعلي في الفيلم، ويلعب دوره ببرودة شديدة جاك فارذينغ، بطل مسلسل "بولدارك" ""Poldark، كذلك لم تحظ كاميلا بأي لقطة.

أما ممثلو الفيلم الآخرون فهم ليسوا نجوماً مثل حال ستيوارت، لكنهم يتضمنون وجوهاً مألوفة مثل تيموثي سبال الذي يلعب دور سائس الأحصنة الرصين، وشون هاريس طباخ منزل الأميرة؛ وسالي هوكينز التي تلعب دور مسؤولة الثياب الملكية والشخص الوحيد الذي تثق بها ديانا، على أن هذه التفاصيل هي التي تقدم نظرات ثاقبة تخترق حجب الأسرة الملكية، في وقت ينحصر حضور تشارلز والملكة (التي تؤدي دورها ستيلا غونيت) بمشاهد قليلة في سياق السردية.

كما أن لاراين لا ينزعج من النقد الذي وجه لممثليه، خصوصاً ستيوارت، باعتبارهم لا يقدمون صورة مطابقة عن شخصيات الأسرة الملكية، عن هذا الأمر يقول، "عندما تدور الأفلام حول قصة أشخاص حقيقيين، وينصب الاهتمام على مقدار محاكاة الممثلين لأولئك الأشخاص الحقيقيين، فإننا حينذاك نواجه خطر الوقوع في مسابقة للتقليد"، يتابع، "يمكنك أن تفوز في تلك المسابقة! لكنك قد تنتهي متسبباً بتشتيت انتباه كل من له علاقة. أما الجميل فعلاً فيأتي حين يتمكن ممثل مثل كريستن، التي هي أميركية، من السفر نحو الشخصية، وتقديم شيء شديد الإقناع".

وفي هذا الإطار يبدو لاراين سخياً في مديحه لممثلته الأساسية (كريستن)، التي يعتبرها "مثل نجمات السينما القدامى بالمعنى الأسمى للكلمة، مثل تلك الممثلات في الخمسينات والستينات". ومع استذكار ذاك الزمن خلال التصوير، فإن لاراين، وفق ما يقول، لم يقم بتوجيه وإدارة تمثيل ستيوارت "بالطريقة النمطية المعهودة"، يتابع، "كانت هناك مرحلة تمكنت فيها من السيطرة على الشخصية سيطرة تامة، إذ إنها غاصت فيها بعمق شديد... واكتشفتُ في كثير من الأحيان أن توجيهاتي الفضلى تتمثل بعدم تقديم أي توجيه. بل أبقى صامتاً وحسب، وأقوم بتصويرها. بصراحة، أتمنى لو عرفت ذلك من قبل. إذ إن المرء يفهم حدوده كرجل، حين يصور شخصية امرأة".

أما ستيوارت من جهتها فقد تحدثت عن الدور من منطلقات روحانية، إذ إنه دور مثل لها مهمة بالغة الانفعال والتكثيف بكل المعاني، فذكرت أنها كانت تتأثر باستمرار بالذكرى "المفجعة" لموت ديانا، وتحدثت عن "مشاعر عصبية وروحانية" راحت تعتريها خلال التصوير، "كانت هناك لحظات ينسى فيها جسدي وعقلي أنها ماتت"، قالت في حديث مع "أل إي تايمز". لاراين لم يذهب في كلامه إلى هذا الحد، لكنه حين ينتقل في الحديث إلى موضوع أداء نجمته، فإن نبرته تأتي مفعمة بتبجيل بالغ. هل كان منتبهاً لتلك المشاعر التي اعترت ستيوارت؟ يجيب، "المسألة لا تكمن في الانتباه أبداً. فأنا عاينتها. كان ذلك يحدث أمام عيني تماماً. هناك مرحلة تكون فيها أمامنا ممثلة، هي كريستن. ثم ننتقل إلى التصوير، والمكياج. ثم إلى ممثل آخر، وبعدها المزيد من المكياج، وأمور أخرى. ثم يأتي دور الدعائم السينمائية، والإضاءة، والميكروفون. أي عمليات الإنتاج. لكن، هناك مرحلة تبصر فيها أمراً يتضمن حقيقة كونية. تبصره على شاشة (الكاميرا). وترفع نظرك عن الشاشة، فتبصرها هي، وتقول لها "هذا هو المطلوب"، فهي لا تقلد شخصيتها، ولا تقوم بمجرد أداء دورها. الأمر ليس تمثيلاً. إنه شيء آخر، "وهذا خارق عندما يحصل. إنها معجزة لعينة".

بناء على هذا، وكما هو متوقع، فإن ستيوارت أخبرت سلفاً أنها في طريقها للفوز بجائزة أوسكار على هذا الدور، وذاك أمر يأمل لاراين في أن يسهم في جذب اهتمام أكبر بالفيلم. لكنه يبقى في غاية الهدوء، "هل يهمني هذا الأمر؟ طبعاً. هل سيجعل هذا الأمر مزيداً من الناس يشاهدون الفيلم؟ هللويا. بيد أنك تعرف ماذا يقولون عن الجوائز، فالمرء لا يهتم بها إلا عندما يحصل عليها".

بدأت عروض "سبنسر" "Spencer" في دور السينما ببريطانيا يوم الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني).

*نشرت اندبندنت المقابلة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021

© The Independent

المزيد من سينما