كشف تقرير حديث أن معظم النشاط في عالم التمويل المستدام سريع النمو كان يتركز في السابق بالاقتصادات المتقدمة، لكن الأسواق الناشئة، وعلى الرغم من أنها لا تزال تمثل حصة صغيرة من الإجمالي، فإنها شهدت ارتفاعاً كبيراً في هذا النشاط خلال العام الماضي. ونتيجة لذلك، زادت حصتها بالسوق للمرة الأولى منذ عام 2016، ما يؤكد تزايد شهية المستثمرين للمنتجات البيئية والاجتماعية والحوكمة "أي أس جي"، ولكن هذه الفرصة المتزايدة تشكل أيضاً مخاطر جديدة.
وأشار صندوق النقد الدولي، إلى "أن التمويل المستدام يدمج مبادئ (أي أس جي)، في قرارات الأعمال واستراتيجيات الاستثمار، ويغطي قضايا من تغير المناخ إلى ممارسات العمل. وقد أصبح أكثر انتشاراً في الأسواق الناشئة جزئياً بسبب احتياجات التمويل المرتبطة بجائحة كورونا خلال السنوات الماضية، مثل الرعاية الصحية، فضلاً عن طفرة أميركا اللاتينية في الاقتراض المتعلق بالمناخ".
وتشير البيانات إلى تضاعف إصدار الديون المرتبطة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية أكثر من ثلاثة أضعاف العام الماضي ليصل إلى 190 مليار دولار. كما ارتفعت تدفقات صناديق الأسهم المرتبطة بالاستدامة إلى 25 مليار دولار، ليصل إجمالي الأصول المدارة إلى ما يقرب من 150 مليار دولار.
في الوقت نفسه، تشكل استثمارات "أي أس جي"، في الوقت الحالي ما يقرب من 18 في المئة من التمويل الأجنبي للأسواق الناشئة باستثناء الصين، أي أربعة أضعاف المتوسط خلال السنوات الأخيرة. ويثير هذا تساؤلات حول مخاطر الاستقرار المالي المحتملة.
ارتفاعات قياسية بحجم التمويل المستدام
وكشف صندوق النقد الدولي، "أن النظام البيئي والاجتماعي (أي أس جي)، في الأسواق الناشئة لم ينم من حيث الحجم فحسب، بل اتسع أيضاً ليشمل أبعاداً أخرى. فيما تظل الروابط الخضراء جزءاً أساسياً من هذا النظام البيئي، حيث تنمو أحجامها بمعدل متوسط يبلغ 20 في المئة. ومع ذلك، أصبحت الأدوات الاجتماعية وغيرها من الأدوات المرتبطة بالاستدامة أكثر أهمية، حيث وصلت إلى ما يقرب من نصف إجمالي الإصدارات خلال الفترة من 2019 وحتى 2021، ارتفاعاً من نحو 20 في المئة خلال الفترة من 2016 وحتى 2018". ويتضح هذا التوسع في التمويل المستدام أيضاً في إصدار السندات الخضراء الأكثر نشاطاً من قبل الشركات غير المالية والقطاعات الحكومية ذات الصلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر الصندوق، "أن إحدى الديناميكيات الرئيسة لعالم التمويل المستدام في الأسواق الناشئة هو النمو خارج الصين. وشكلت الإصدارات باستثناء الصين ما يقرب من نصف الإجمالي خلال الفترة من 2019 وحتى 2021، مقارنة بنحو الثلث فقط خلال السنوات الثلاث السابقة". اللاعبون الآخرون ذوو الأهمية المتزايدة في سوق الاستدامة هي تشيلي، حيث وصل إصدار "أي أس جي" إلى ما يقرب من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى بيرو والمكسيك. كما أصدرت بعض البلدان منخفضة الدخل، مثل بنين وتوغو، ديوناً مرتبطة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في عام 2021.
ما دور التمويل الخاص؟
قد تكون المكاسب الأخيرة في أسواق الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية فرصة مهمة للأسواق الناشئة للوصول إلى مصادر تمويل أكثر استقراراً وتطوير نظام تمويل بيئي مستدام أوسع وأكثر نضجاً. ومع تعرض العديد من هذه الدول بشدة إلى مخاطر المناخ التي تواجه بالفعل تحديات التحول ذات الصلة، سيلعب التمويل الخاص دوراً حاسماً في التخفيف منها وتعزيز القطاع المالي. ولكن في الوقت نفسه، هناك أيضاً مخاطر يجب على صانعي السياسات في الأسواق الناشئة مراقبتها والتحديات التي يحتاجون إلى معالجتها.
وفق صندوق النقد، "تشمل مخاطر الاستقرار المالي قاعدة المستثمرين المختلفة مقارنة بالمستثمرين التقليديين وحساسية أعلى محتملة للظروف المالية العالمية، نظراً للتكوين التكنولوجي الثقيل للعديد من مؤشرات (أي أس جي). ويعد هذا اعتباراً مهماً في بيئة السياسة الحالية، حيث تقوم البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة برفع أسعار الفائدة وتقليل مواءمة السياسة الموضوعة أثناء الوباء، وهو تطور بدأ في تشديد الأوضاع المالية في جميع أنحاء العالم".
التسعير الفعال
وشدد الصندوق على "ضرورة أن يعمل صناع السياسات المالية والنقدية على تعزيز بنية المعلومات المناخية لتحفيز التسعير الفعال لهذه المخاطر وتجنب الغسل الأخضر، واستخدام العلامات أو الاستراتيجيات الخضراء التي غالباً ما تكون غير مؤكدة أو خادعة بشأن سلامة البيئة. ويجب أن تهدف السياسات إلى تحسين جودة البيانات المناخية واتساقها وقابليتها للمقارنة، وتطوير تصنيفات تتماشى مع الاستثمارات مع أهداف المناخ، وتعزز معايير الإفصاح العالمية".
وفي حين أن بعض هذه القضايا شائعة أيضاً في الاقتصادات المتقدمة، تواجه نظيرتها بالأسواق الناشئة تحديات إضافية، لا سيما فيما يتعلق بالانتقال إلى الاقتصاد الأخضر وتوافر البيانات المناخية وجودتها. ولتجنب تجزئة الأسواق والنهج التنظيمية، يظل التنسيق الدولي واعتماد المعايير العالمية أمراً بالغ الأهمية، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي يشهد العديد من المتغيرات خلال السنوات القليلة الماضية، سواء بسبب التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، أو الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها السلبية على جميع الاقتصادات سواء المتقدمة أو الأسواق الناشئة.