Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مواليد "الأرحام البديلة" في أوكرانيا محاصرون في كييف

رُضّع يصبحون أصغر ضحايا النزاع بعدما حملتهم أمهات بديلات أوكرانيات لأزواج يعيشون خارج البلاد هم غير قادرين على أخذ مواليدهم بسبب الغزو الروسي

أحد الأطفال في عيادة بالعاصمة الأوكرانية (كيم سنغوبتا)

أصغر المواليد الجدد يبلغ من العمر 3 أيام فقط، أما أكبرهم فبات عمره 5 أشهر الآن. جميع هؤلاء يقبعون في صفوف من أسرّة الأطفال، داخل ملجأ يقع في الطابق السفلي من أحد الأبنية، وذلك لحمايتهم من الصواريخ والقصف المدفعي. إنهم أبرياء حاصرتهم الحرب، وسط حال كبيرة من الغموض بشأن ما يخبّئه لهم المستقبل.

هؤلاء الأطفال وُلدوا لأمهات بديلات حملن بهم لأزواج أجانب، هم غير قادرين الآن على المجيء إلى كييف لأخذ مواليدهم، بسبب الغزو الروسي، فيما يجعل العنف الدائر في البلاد من أي محاولة لإخراجهم من أوكرانيا مسألة محفوفة بالمخاطر.

لم يبقَ في عيادة الحمل البديل "بيو تكس كوم للإنجاب" BioTexCom  في كييف، سوى 11 مربّية يقمن برعاية 21 مولوداً، من أصل 50 مربّية كنّ في المؤسسة قبل بدء النزاع، وغادرن للانضمام إلى أسرهن. كثيرات منهن أصبحن في مناطق أكثر أماناً خارج كييف.

أنطونينا يفيموفيتش هي إحدى المربّيات اللواتي لم يغادرن العيادة، تقول في وصف ما تعيشه: "إنه عمل شاق بالنسبة إلينا هنا، فنحن بالكاد ننام ساعتين إلى ثلاث ساعات كل ليلة إذا حالفنا الحظ، وهذه الحال مستمرة منذ أن بدأ القصف. لقد غادرت أسرتي العاصمة كييف. لكنني بقيتُ هنا. فهل أملك خياراً آخر؟ لن نتخلّى بالتأكيد عن هؤلاء الأطفال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف يفيموفيتش: "كان يُفترض الآن أن يكون معظم الأهالي قد أخذوا صغارهم. فالطفل البالغ من العمر 5 أشهر، مكث هنا أكثر بكثير من المدة المفترضة، لكن والديه هما صينيان، وأحياناً ينتظر الصينيون وقتاً أطول بقليل من الآخرين لأخذ أبنائهم، إلا أن الحرب اليوم أطبقت على الجميع".

وتتابع: "نحن نعيش في هذا الطابق السفلي على مدار 24 ساعة في اليوم، ولا نصعد إلى الطابق العلوي إلا للاستحمام فقط. القصف يتجدد كل مساء. وعادة ما ينام معظم الأطفال طوال الليل، لكن الوضع مقلق للغاية بالنسبة إلينا، ليس بسبب ما يمكن أن يحدث هنا فحسب، بل أيضاً لما قد يصيب عائلاتنا في المنزل".

تقع العيادة في منطقة سكنية على الطرف الشرقي للمدينة. ويقود الطريق المتفرع منها إلى مدن على غرار إيربين التي تحوّلت إلى مسرح قتال، على خلفية اندلاع معارك شرسة فيها، فيما تحاول قوات روسية تطويق العاصمة كييف. وفي الوقت الذي تتحدث السيدة يفيموفيتش البالغة من العمر 37 سنة، يُسمع دويّ قذائف مدفعية، فتسألها إحدى زميلاتها: "هل تعتقدين أنهم يقتربون منّا؟".

 

تُعدّ سوق تأجير الأرحام في أوكرانيا الأولى عالمياً، إذ إن البلاد هي من بين الدول النادرة التي تسمح بتوفير هذه الخدمة إلى الأزواج الأجانب وتجيزها قانوناً. وكانت بلدان عدة أخرى، لا سيما في آسيا، توقفت عن تقديم هذه الخدمات، منعاً من أن يستغل الوسطاء النساء المستضعفات في المجتمع.

غير أن القانون في أوكرانيا ينصّ أيضاً على وجوب أن يؤكد الوالدان البيولوجيان جنسيتهما شخصياً، ما تسبب بمشكلات كبيرة متعلقة بالوصاية القانونية على الأطفال في الظروف الراهنة المضطربة.

أما الأزواج المهتمين، فكانوا يأتون إلى أوكرانيا من دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة والصين واليابان والأرجنتين وأستراليا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، بعدما أصبحت دولة موثوق بها للقيام بعمليات استئجار الرحم.

تجدر الإشارة إلى وجود نحو 15 مؤسسة متمرّسة بهذا العمل وأكبرها عيادة "بيو تيكس كوم". تتقاضى الأمهات البديلات في أوكرانيا بين 15 و20 ألف جنيه استرليني عن كل ولادة، وهو مبلغ كبير نسبياً في بلاد تواجه ضائقة اقتصادية.

ويُولد كل سنة في أوكرانيا نحو 2500 طفل من أرحام مؤجرة، ومن المفترض أن قرابة 500 امرأة ينتظرن اليوم مواليد لأزواج أجانب. تتم الولادات في دور رعاية للأمهات الحوامل، ويُنقل الأطفال في ما بعد إلى عيادات متخصصة.

كانت صوفيا، البالغة من العمر 28 سنة، التي طلبت عدم الإفصاح عن اسم عائلتها، تعمل سابقاً موظفة في أحد المتاجر. هي حامل اليوم بطفل بديل في منتصف الشهر الثالث. مع تزايد احتمال اندلاع الحرب، كانت تخطط للانتقال مع طفليها إلى مدينة فينيتزيا التي تبعد نحو 120 ميلاً (193 كيلومتراً) عن العاصمة الأوكرانية. لكنها اضطُرت إلى إلغاء رحلتها بسبب مرض والدتها.

وفي هذا السياق، قالت: "طبعاً لم يخطر ببالي احتمال اندلاع الحرب عندما خضعت لعملية التلقيح، ولم يكُن أحد يتوقّع حدوثها".

وتضيف: "أشعر بقلق شديد مما سيحدث. إنني متوترة للغاية. كنت مريضة وأخشى أن يؤثّر ذلك في الطفل. كان من الأفضل لو غادرنا كييف. أعتقد أن هذا هو ما يريده الزوجان اللذان أحمل طفلهما، لكن والدتي لم تكُن على ما يرام كي نتمكّن من المغادرة".

وتقول: "أنا أقوم بهذا (تأجير الرحم) لأنني أريد مساعدة الأزواج الذين لا يستطيعون الإنجاب، وقد قيل لي إن الزوجين اللذين يريدان هذا الطفل كانا يحاولان الإنجاب منذ أكثر من 12 عاماً، لذا أشعر بسعادة لأنه يمكنني تقديم المساعدة".

وتتابع صوفيا: "إضافة إلى ذلك، ليست لدي وظيفة في الوقت الحالي وكل ما قمت به هو بعض الأعمال لتأمين مصدر رزق مؤقت. لقد انفصلت عن زوجي، ولا بدّ لي من رعاية ابني وابنتي ووالدتي، وكان الأجر المعروض جيّداً. أنا أدرك أن سلامة الطفل هي من مسؤوليتي إلى حين تمكّن الوالدين من تسلّمه. لقد ناقشت معي الشركة التي أتعاون معها إجراءات الولادة. إنني أصلّي كي تنتهي هذه الحرب قريباً وأتمكّن من إنجاب طفل أو طفلة بصحة جيدة".

ومن جهتها، لفتت المربّية يفيموفيتش، التي لا يرتبط عملها بالمؤسسة التي تتعاون معها صوفيا، إلى أنه "من البديهي أن مزيداً من الولادات الجديدة سيعني مزيداً من الضغوط على العيادات. هكذا هو الوضع الراهن، ويجب التأقلم معه".

وأضافت وهي تشير إلى رفوف أغذية الأطفال والأدوية وحزم الحفاضات والزجاجات ومنضدات تغيير الحفاضات للأطفال: "تؤمّن لنا العيادة إمدادات جيدة من هذه المواد، وأعتقد أن إدارتها ستواصل القيام بذلك. لكن المشكلة الكبيرة هي في غياب العدد الكافي من الموظفين وانعكاس ذلك علينا، فنحن ...".

تقاطعها هنا إحدى زميلاتها واسمها سفيتلانا ستيتسويك، قائلةً: "بتنا نشبه ’الزومبي‘ (الأموات الأحياء). إننا نبدو كذلك في الوقت الراهن نتيجة قلّة النوم والتعب المفرط. فمن الصعب للغاية أن تبقى مستيقظاً، لكن يتوجب عليك في المقابل القيام بعملك والاعتناء بالأطفال".

وتردف: "عائلتي ليست في كييف، وهي تلحّ عليّ للعودة إلى المنزل. لكن لم يبقَ هنا إلا عدد قليل من المربيات، ما يجعل من مغادرتي أمراً غير عادل بالنسبة إلى زميلاتي، والأطفال بالطبع. علينا أن نحاول الحفاظ على سلامتهم كي يتمكّنوا من الانتقال في نهاية المطاف إلى منازلهم الجديدة".

في إطار آخر، أعربت كل من يفيموفيتش وستيتسويك عن غضبهما الشديد من فلاديمير بوتين، بسبب الكارثة التي تسبّب بها.

وقالت يفيموفيتش: "تربط أوكرانيا وروسيا روابط كثيرة، سواء على مستوى الأصدقاء أو العائلات، والآن تم تدمير كل ذلك، ولا أرى أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه. أشعرُ بغضب ممّا يقوم به بوتين، وأشعر بغضب أيضاً من المواطنين الروس الذين يصدّقون الأكاذيب التي تُقال لهم".

أما ستيتسويك، فرأت أخيراً ببساطة أن "الروس يشنّون حرباً على أبرياء، سواء كانوا نساء أو رجالاً أو أطفالاً أو رُضّع. وهذا هو الجانب المروّع من القصة".

© The Independent

المزيد من تقارير