Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركيا والحرب الروسية الأوكرانية... مكاسب الحياد والانخراط

واشنطن تواصل محاولات إقناع أنقرة بتسليم منظوماتها الصاروخية"أس-400" الروسية إلى كييف

إدارة بايدن أجرت مشاورات مع السلطات التركية بشأن احتمال إرسال أنظمة صواريخ أس-400 إلى أوكرانيا (رويترز)

في الوقت الذي تبدو فيه الغالبية الساحقة من دول العالم وقد لحقت بها الكثير من أضرار الحرب الروسية - الأوكرانية، تقف تركيا لتكون كأنها الرابح الأكبر من هذه الحرب. وكانت تركيا وعلى مدى السنوات القليلة الماضية تتأرجح على حد السيف، تحاول الاحتفاظ بأكبر قدر من التوازن في علاقاتها بين الخصمين روسيا وأوكرانيا، من غير أن يشعر أي منهما بغبن كبير يمكن أن يحول دون علاقات طبيعية مع تركيا. ومن الواضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نجح إلى حد كبير في "ضبط" وتيرة علاقاته مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حتى الحد الذي سمح لتركيا بتعاون عسكري واسع المدى بين البلدين بما في ذلك تصديرها الطائرات المسيرة إلى أوكرانيا مع السماح باستخدامها ضد جمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك". 

وذلك في الوقت الذي يواصل تعاونه السياسي والعسكري والاقتصادي مع روسيا في مختلف الجبهات، ومنها الجبهة الأذربيجانية الأرمينية، إلى جانب سابق تعاونه على صعيد المحاولات الرامية إلى التوصل إلى سياسة سلمية لحل الأزمة في سوريا. وتشير الكثير من المؤشرات إلى نجاح تركيا في سياساتها للبقاء فوق الصراع، إن جاز هذا القول، فضلاً عن أنها وحسب ما يبدو أيضاً، لم تتأثر اقتصادياً كذلك بمثل ما تعانيه البلدان الأخرى من حصار وعقوبات من جانب أي من الطرفين المتصارعين. فلديها من الموارد ما يكفي، ومن الأمان ما يتناسب مع مواقعها الجيوسياسية، على الرغم من كل الضغوط الخارجية. ولعل ما قامت وتقوم به من مناورات بين الطرفين، إلى جانب محاولاتها للوساطة بين الطرفين، يوفر لتركيا ما يكفل لها الحفاظ ليس فقط على مصالحها مع كل من البلدين، بل وأيضاً مع كل التحالفات التي تجمع هاتين الدولتين. 

وفي هذا الصدد كتب ميخائيل روستوفسكي المعلق السياسي لصحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" يقول إن "أردوغان يعتزم من خلال إظهار الود الذي هو مهم للغاية بالنسبة إلى روسيا الآن، التوغل في شؤوننا بعمق، ليصبح شريكاً لا غنى عنه لموسكو. يتوقف كل شيء على مدى نجاح روسيا في تنفيذ استراتيجيتها الجيوسياسية الحالية. إذا حققت نجاحاً كبيراً أو معتدلاً في الأقل، فسوف تحتفظ تركيا بخطها السياسي المتوازن. لكن أردوغان نفسه، وكما أظن، يرغب في سيناريو مختلف، سيناريو يمكن أن يقول فيه (ويل للمهزوم!) والبدء في إملاء شروطه القاهرة علينا". ومن منظور أن المصالح المتبادلة تظل الفيصل في استقرار وتطور كل العلاقات على مختلف الصعد، كشف رينات عبدولين، معلق الصحيفة، عن ماهية المكاسب التي يمكن أن تعود على تركيا من تكرار تدخلاتها أو محاولات وساطتها في الأزمة الأوكرانية. 

وأشار عبدولين إلى أن تركيا وعلى خلفية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، "تدعي أنها أحد الوسطاء الرئيسين في التسوية السلمية". وفي محاولة لتأكيد ذلك، بادرت أنقرة أخيراً إلى عقد اجتماع بين وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف، وأوكرانيا دميترو كوليبا، إلى جانب قيام وزير الخارجية التركية مولود تشاوش أوغلو بزيارة كييف، في الوقت نفسه الذي لم تنضم فيه حكومة أردوغان إلى العقوبات المناهضة لروسيا. ونقلت الصحيفة الروسية عن أليكسي أوبرازتسوف الأستاذ المساعد في مركز الدراسات الآسيوية والأفريقية، بالمدرسة العليا للاقتصاد، ما قاله حول أن موقف أنقرة في الصراع بين موسكو وكييف ودورها المتنامي كوسيط مرتبطان بعدة عوامل، مستنداً في ذلك إلى تقاليد الشرق وأنماطه التي تجعل أن "لا شيء في الشرق يمكن أن يقتصر حدوثه إلى سبب واحد"، كما يقال. ولذا فإن الهدف الأقرب الذي تضعه القيادة التركية نصب أعينها هو الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ في الوقت الذي تستهدف فيه هذه القيادة المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تعود على تركيا من جراء رفع وتائر التعاون التجاري والاقتصادي، إلى جانب ضمان تدفق السياح الروس، من دون توقف أو عقبات. بل ومن الممكن لتركيا أيضاً في هذا الصدد التوصل إلى ما ترومه من مكاسب في إطار علاقاتها مع بلدان "الناتو"، وهي التي لتظل دوماً بعيدة من صدارة الموقع ودائرة اتخاذ القرار. وننقل عن عبدولين ما قاله حول إن علاقات تركيا مع الولايات المتحدة لطالما كانت دوماً على غير المرام المنشود من كلا الجانبين. كما أن أنقرة "قلما اعتمدت على أعضاء الناتو أو الاتحاد الأوروبي، بوصفهم حلفاءها الرسميين، إنما تراهن أكثر على التحالفات الظرفية. لذلك، في الوضع الحالي، المتسم بغياب التوافق الكامل داخل الغرب الجماعي، تحاول أنقرة أن تلعب لعبتها الخاصة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا مراء في أن تركيا تظل تحافظ على الدرجة المناسبة من الاستقلالية في علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة من جانب، وبقية أعضاء "الناتو" من جانب آخر، على الرغم من كل المحاولات التي تنال من درجات هذه الاستقلالية، وتتواصل من جانب كل هذه الأطراف. وفي هذه المناسبة نشير إلى الجهود المستمرة من جانب الولايات المتحدة، وما تمارسه من ضغوط على تركيا من أجل دفعها إلى المزيد من المساعدات والمعونات العسكرية إلى أوكرانيا في مثل الظروف الراهنة. بل وتمضي الجهود والضغوط إلى محاولة إثناء تركيا بعيداً من حالة "ما هو أقرب إلى الحياد" التي تظل تلتزم بها تجاه طرفي الصراع، فضلاً عن محاولات الحصول على موافقتها لتسليم ما تسلمته أخيراً من روسيا من الأنظمة الصاروخية الحديثة "أس-400"، إلى أوكرانيا. وذلك ما كشفت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" (الصحيفة المستقلة) أخيراً عن بعض جوانبه. وفي هذا الصدد كتبت الصحيفة تقول إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أجرت مشاورات مع السلطات التركية بشأن احتمال إرسال أنظمة صواريخ "أس-400" المضادة للطائرات إلى أوكرانيا بما يمكن معه أن تصبح أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع، عنصراً من عناصر الدعم غير المباشر لكييف، بينما تخشى واشنطن التورط المباشر في الصراع. 

ونقلت الصحيفة الروسية عن مصادر في "نيويورك تايمز"، ما قالته حول "أن المسؤولين الأميركيين يريدون تحويل تركيا عن سياستها القائمة على التوازن بين موسكو وكييف. ولكن البيت الأبيض قلق من ردة فعل الكرملين على احتمال ظهور (أس-400) في منطقة الصراع". وأكدت "نيزافيسيمايا غازيتا" أن هناك شيئاً واحداً واضحاً يقول إنه "في حال وافقت أنقرة على تقديم مثل هذه المساعدة إلى كييف، فإنه يمكن توقع إزالة الخلافات القائمة التي نشأت بين واشنطن وأنقرة بسبب شرائها هذه المنظومة".

ومضت الصحيفة الروسية لتقول إنه "على الرغم من حقيقة أن تركيا وصفت علانية ما كان يحدث بأنه (حرب) وأعلنت أن الإجراءات الروسية غير مقبولة، فإنها في الوقت نفسه لم تنضم إلى حملة العقوبات ضد روسيا. بل أبدت تركيا رغبتها في أن تكون وسيطاً وأجرت مفاوضات منظمة بين الوفدين الروسي والأوكراني على أراضيها، وهي المباحثات التي جرت في أنطاليا بين سيرغي لافروف ودميتري كوليبا. لذلك، ووفقاً للمدير العلمي لمعهد أبحاث السياسة الخارجية آرون شتاين، يبدو "خيار إرسال (أس-400) إلى كييف غير مربح بالنسبة إلى تركيا وغير واقعي. فقد تمكنت تركيا من السير على حد السيف، ومن المؤكد أن يثير نقل صواريخ أس-400 الروسية غضباً خطيراً لدى روسيا". وذلك يقول ضمناً إن قضية حصول تركيا على منظومات "أس-400" الصاروخية الروسية تظل قائمة في صدارة اهتمامات الولايات المتحدة وتركيا. 

وعلى الرغم من كل المساعي والجهود المبذولة علانية بشأن مسألة تسليم "أس-400" الروسية الصنع للدفاع الجوي التي اشترتها تركيا من موسكو، لأوكرانيا، فقد أعلن جون كيربي المتحدث الرسمي باسم البنتاغون عن رفضه التعليق على هذه القضية. وقال كيربي رداً على طلب التعليق على المعلومات عن إجراء واشنطن مباحثات مع أنقرة بهذا الشأن "لن أتخطى حدود ما أعلنه الرئيس (جو بايدن). وبشأن (أس-300) و(أس-400) والشائعات التي اطلعنا عليها في الصحافة، أود أن أقول إننا نركز على العمل مع الشركاء والحلفاء لمساعدة أوكرانيا في الحصول على الأنظمة الإضافية". وننقل عن موقع قناة "روسيا اليوم" الناطقة بالعربية ما أشار إليه كيربي تعليقاً على المساعي لتزويد أوكرانيا بأنظمة الأسلحة المضادة للجو، بخاصة من ألمانيا وسلوفاكيا، حول أنه "تجري هناك مناقشات مستمرة ليس فقط مع هذين البلدين، بل ومع دول كثيرة أخرى، حول تزويد أوكرانيا بقدرات دفاعية، بما فيها أنظمة مضادة للجو بعيدة المدى، سيكون استخدامها مريحاً". 

وأشارت وكالة أنباء "تاس" إلى بعض التقارير الإعلامية التي كشفت عن أن واشنطن أجرت مباحثات مع أنقرة حول تسليم أنظمة "أس-400" التي اشترتها تركيا من موسكو في وقت سابق، لأوكرانيا. ومن هذه التقارير ما أشارت إليه وكالة "رويترز" التي نقلت عن ثلاثة مصادر وصفتهم بالمطلعين أن "المسؤولين الأميركيين عبروا عن الفكرة خلال الشهر الماضي في اتصالات مع نظرائهم الأتراك، لكن لم يتم تقديم طلب محدد أو رسمي بهذا الشأن". وكشفت وكالة "نوفوستي" الروسية عن أن السلطات الأميركية تبحث الآن في جميع أنحاء العالم عن أنظمة صواريخ روسية أو سوفياتية الصنع مضادة للطائرات يمكن أن تستخدمها أوكرانيا لمواجهة الطائرات والصواريخ الروسية. وقالت إن "صفقة شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية (أس-400) تسببت في توتر العلاقات الأميركية-التركية، ودفعت هذ الصفقة واشنطن إلى اتخاذ إجراءات ضد أنقرة أهمها استبعادها من برنامج إنتاج مقاتلات الجيل الخامس (أف-35) وممارسة ضغوط سياسية وتهديدات بهدف إجبار تركيا على التراجع عن هذه الصفقة". كما أن سلوفاكيا أعربت في وقت سابق عن استعدادها، لنقل أنظمة "أس-300" للدفاع الجوي إلى أوكرانيا، إذا زودتها الولايات المتحدة ببديل مناسب عن هذه المنظومة.

المزيد من تقارير