Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكلام عن عودة الخليج إلى لبنان... هل فيه مبالغة؟

يرى مراقبون أن الإيجابية العربية تجاه بيروت قد تدعم إجراء الاستحقاقات المقبلة

تزامنت الإيجابية الخليجية مع زيارة لموفدي جنبلاط وجعجع إلى الرياض (رويترز)

بعد مرور خمسة أشهر على شبه انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج، وبعد نحو الشهرين على المبادرة الكويتية التي حددت خريطة طريق حل لمعالجة الأزمة اللبنانية - العربية الخليجية، برز في الأيام الأخيرة تطور إيجابي لافت عكس عودة اهتمام خليجي بالملف اللبناني، وهو ما دفع برئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى التأكيد في مستهل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، أن "الغيمة التي خيمت على علاقات لبنان بأشقائه في دول الخليج هي إلى زوال في القريب إن شاء الله". واستند ميقاتي بتفاؤله إلى بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، وآخر عن وزارة الخارجية الكويتية باسم مجلس التعاون الخليجي، تضمن رسائل إيجابية وتلميحاً إلى استعادة لبنان دوره ومكانته العربية والدولية. وكشفت مصادر دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية" عن أن أولى علامات الانفتاح الخليجي "المدروس" على لبنان ستكون إعادة التمثيل الدبلوماسي وعودة قريبة متوقعة خلال أيام إلى بيروت، للسفير السعودي وليد البخاري والسفير الكويتي عبد العال القناعي بالتزامن مع تعيين الإمارات سفير جديد لها في العاصمة اللبنانية.

الاهتمام الخليجي على وقع مؤتمر فيينا

وكشفت مصادر مقربة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عن أن عملاً حثيثاً كان يجري بعيداً من الإعلام على المستوى العربي لترجمة المبادرة الكويتية، شاركت في جزء منه جامعة الدول العربية. والتقط ميقاتي إشارات دبلوماسية عن ليونة في الموقف الخليجي تجاه لبنان، فرضها اقتراب حسم الاتفاق النووي في فيينا بين أميركا وإيران، ما استدعى حضوراً عربياً في كل من سوريا ولبنان، حيث لإيران القرار الفصل من خلال رئيس النظام السوري بشار الأسد و"حزب الله". وفي الاتصال الهاتفي الذي تلقاه ميقاتي من وزير خارجية الكويت، الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، أبلغ رئيس الحكومة اللبناني بقرار خليجي يقضي بإعطاء فرصة جديدة للبنان، لكن لم تتضح معالم هذه الفرصة وحدودها وما إذا كانت ستقتصر على اهتمام إنساني بلبنان عبر صندوق الائتمان المتفق عليه مع فرنسا والمخصص للمساعدات الإنسانية للشعب اللبناني، أم سيتعداه إلى اهتمام سياسي قد ينعكس على التوازن الداخلي اللبناني بين قوى سيادية وأخرى حليفة لإيران.
في أي حال، من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة عودةً لسفراء دول مجلس التعاون الخليجي إلى بيروت، كما تفسر مصادر ميقاتي أن "الاهتمام القطري بالتنقيب عن النفط في لبنان أتى بمباركة سعودية"، وفي الإطار نفسه تصب دعوة ميقاتي للمشاركة في منتدى الدوحة يوم الجمعة 25 مارس (آذار). وكشفت مصادر دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية" عن أن "التطور الإيجابي في العلاقات بين دول الخليج ولبنان، لم تكن فرنسا والفاتيكان ومصر بعيدة عنه، وكذلك جامعة الدول العربية، ويحكى في هذا الإطار عن التحضير لمؤتمر خاص بلبنان ذا طابع اقتصادي اجتماعي قد ينعقد في أوائل الصيف، بمشاركة مصر وفرنسا والسعودية والإمارات والكويت وجامعة الدول العربية، ليس على جدول أعماله بحسب المعلومات أي ملف سياسي، علماً بأن الدول المشاركة تتبنى جميعها طرح الحياد الذي ينادي به البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، لكن الحياد لا يتطلب مؤتمراً لإقراره أو الاتفاق عليه، فهو منصوص عنه في اتفاق الطائف والمطلوب فقط تطبيقه.

ميقاتي يتلقف الإشارات

هل بالغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في تكبير حجم التوقعات من الإشارات الإيجابية الخليجية المتمثلة حتى الآن ببياني وزارتي الخارجية السعودية والكويتية؟ المعلوم أن ميقاتي سارع إلى تلقف الفرصة الحالية لعلمه المسبق بأن الدعم العربي، في أي شكل كان، سيشكل جرعة أوكسيجين جديدة لحكومته، ولو معنوية. ففي الوقت الذي كان رئيس الجمهورية ميشال عون يطلق سلسلة مواقف من الفاتيكان مبرراً دور "حزب الله" في لبنان الذي لا يشكل خطراً على المسيحيين كما قال، أصدر ميقاتي بياناً أعلن فيه "الالتزام الكامل بما تضمنته بنود المبادرة الكويتية والتزام لبنان بكل قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية والعمل الجدي والفعلي لمتابعة واستكمال تنفيذ مندرجاتها بما يضمن السلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان وتحصين وحدته". وأكد البيان على "وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها، والتي تنطلق من لبنان".  

وتكشف مصادر رئيس الحكومة لـ"اندبندنت عربية" عن أنه بالتزامن مع تلقيه سلسلة إشارات إيجابية عن حلحلة في الموقف الخليجي، كان آخرها من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أرسل بدوره أكثر من إشارة أكدت أنه "لم يخرج يوماً عن الخط السني"، مستعرضاً مع الوسطاء كل المرحلة السابقة منذ تسلمه رئاسة الحكومة حتى اليوم، معدداً المواقف التي اتخذها والتي "لم تسمح لحلفاء إيران بتحقيق أي فوز في السياسة". فلم يرضخ ميقاتي، كما تقول مصادره، لمحاولات تعطيل حكومته ولم يقبل بـ"قبع" المحقق العدلي في انفجار المرفأ، القاضي طارق البيطار، وأصر على الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، كما على استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ونفذ مطلب خطة الكهرباء وإنشاء الهيئة الناظمة لهذا القطاع، ورفض ميقاتي التعيينات الدبلوماسية التي خيطها رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بالتناغم مع رئيس البرلمان نبيه بري، لأنها اعتمدت، كما تقول مصادره، "المحاصصة على حساب المعيار القانوني في اختيار الأسماء"، ليخلص إلى القول إنه "لم يترك حلفاء إيران يربحون في السياسة".

أما عن مدى قدرته على تنفيذ ما تعهد به، لا سيما في اعتماد النأي بالنفس ومنع استخدام لبنان منصة ضد الدول العربية والخليج والالتزام بالقرارات الدولية، بما فيها ضمناً القرارات التي تنص على نزع سلاح "حزب الله"، فتقول مصادره إن "الرهان يبقى على أنه لا مصلحة لأحد في لبنان بإقفال الباب أمام أي دعم خارجي، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تصيب كل الشعب اللبناني وضمنه بيئة (حزب الله)".

مبالغة في التقدير

ولا يشاطر السياسي خلدون الشريف حماسة المهللين والمبشرين بعودة دول الخليج إلى لبنان، بشكل كامل كما كانت في السابق، مؤكداً أن "دول الخليج لا تزال تعتبر أن لبنان واقع في الفلك الإيراني وبيد (حزب الله)، وأن القدرة على التخلص من هذه الهيمنة ليست سهلة على المستوى الداخلي"، كما أن السعودية بحسب الشريف "لا تزال تعتقد حتى الآن، أن الاستثمار في لبنان ليس مجدياً لها وإن كانت في الوقت عينه تساير فرنسا في الموضوع اللبناني، ولكن بالحد الأدنى، وهو ما تظهر في حجم المشاركة السعودية في صندوق الائتمان الخاص بلبنان، التي بلغت 36 مليون دولار". وصرح خلدون الشريف لـ"اندبندنت عربية"، أن "السعودية تعتبر أن الهيمنة الإيرانية على لبنان باتت تتطلب صياغة اتفاق إقليمي شامل مع إيران في حال أنجز الاتفاق النووي، وهذا يتطلب تضامناً عربياً شاملاً، من هنا السعي إلى إعادة جمع الشمل العربي بعد لم الشمل الخليجي في قمة الرياض التي عقدت مطلع العام الحالي. وفي هذا الإطار تفهم زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات التي قررت على عجل بحسب ما تكشف المصادر، وفي هذا الإطار أيضاً يصب بيان وزارة الخارجية السعودية الإيجابي تجاه لبنان واستقبال الدوحة لميقاتي في منتداها الجمعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أي انعكاس على الانتخابات النيابية؟

وتزامنت الليونة الخليجية والمعلومات عن عودة السفراء إلى بيروت، وفي مقدمتهم السفير وليد البخاري قبل الانتخابات النيابية، ما تشهده التحالفات لا سيما في صفوف القوى المعارضة لإيران و"حزب الله" من انقسامات، وسط تعليق رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري عمله السياسي ورفضه حركة يقودها الرئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة مع "القوى السيادية" وفي مقدمتها "الحزب التقدمي الاشتراكي" بزعامة وليد جنبلاط و"حزب القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع لتوحيد الصفوف. وتزامنت الإيجابية الخليجية مع زيارة لموفدي جنبلاط وجعجع إلى الرياض، الوزيرين السابقين وائل أبو فاعور وملحم رياشي، ولقائهما مسؤولين في الديوان الملكي. فهل سيكون للإيجابية الخليجية تجاه لبنان أي تأثير على الانتخابات النيابية والتحالفات؟
يجيب مصدر دبلوماسي عربي أن عودة الاهتمام الخليجي بالملف اللبناني والليونة التي عبر عنها بيان الخارجية السعودية وبيان الخارجية الكويتية، "سيكون لها تأثيرها على الاستحقاق الانتخابي المقبل بحيث ستشكل دفعةً لمحبي لبنان واستقلاله وقراره الحر من القوى السياسية اللبنانية لخوض الانتخابات النيابية والدخول بقوة لتغيير الوضع الداخلي". ويؤكد المصدر العربي أن "الالتفاتة الإيجابية الخليجية هي جرعة مفيدة ستشجع المخلصين في لبنان من القوى الصديقة للمملكة. كما أن الاهتمام الخليجي بلبنان لم يغب يوماً، إنما في ظل الوضع الحالي كان على اللبنانيين أن يقرروا بين اختيار الدولة القوية وهويتها العربية وبين الدولة التابعة وغير الحرة". ويقول المصدر العربي، إن "دول الخليج تتطلع إلى تغيير في الوضع فيعود الاهتمام إلى ما كان عليه سابقاً".

في المقابل، استبعد السياسي اللبناني خلدون الشريف "أي تأثير لأي موقف خليجي على الاستحقاق الانتخابي". واعتبر في قراءة خاصة، أن "الانتخابات النيابية لن تغير الكثير في المشهد الداخلي، فعلى المستوى الشيعي التغيير معدوم وعلى المستوى السني سيزداد عدد النواب حلفاء حزب الله في مجلس النواب، أما على المستوى المسيحي فالتبدلات بحسب الشريف لن تكون جذرية أي قد يقل عدد هذا الفريق ويزداد عدد النواب لدى الفريق الآخر، لكن ذلك لن يمكن أي فريق مسيحي من الحصول على الأغلبية. كل ذلك وسط قناعة باتت شبه مؤكدة بأن مفاعيل ثورة 17 تشرين قد اضمحلت". وأضاف الشريف أن "التعويل على التغيير في الميزان المختل لمصلحة (حزب الله) وفريقه ليس دقيقاً"، معتبراً أنه "أمام هذا الواقع، لا أحد يتطلع إلى نتائج الانتخابات على المستوى الدولي والإقليمي، بالتالي فإن الانتخابات النيابية بالنسبة للخارج هي تفصيل، في ما قد تحدثه في الداخل من مشاكل قد تعوق تشكيل الحكومة المقبلة وانتخاب رئيس للجمهورية. من هنا يجري الهمس بحسب الشريف، بتأجيل الانتخابات النيابية إلى حين حصول توافقات إقليمية موضعية في الأشهر المقبلة. 

المزيد من العالم العربي