Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن "النظام العالمي الجديد" والضجة التي أثارها بايدن بتلك العبارة

الرئيس الأميركي يثير أصحاب إحدى نظريات المؤامرة باختيار غير موفق للكلمات خلال مناسبة في البيت الأبيض

أحد معتنقي نظرية المؤامرة في حركة "كيو آنون" أثناء تظاهرة في لوس أنجليس خلال أغسطس (آب) 2020 (أ ف ب)

أثار جو بايدن ضجة الاثنين الماضي خلال تجمع لقادة الأعمال في البيت الأبيض حين ألمح إلى "نظام عالمي جديد" سيحلّ في أعقاب أزمة أوكرانيا. ويبدو أنه لم يتمهل برهة كي يفكر في التبعات المحرجة المترتبة على تلك العبارة.

وإذ خاطب السيد بايدن الاجتماع الفصلي للرؤساء التنفيذيين الذي تعقده الطاولة المستديرة للأعمال وضم قادة "جنرال موتورز" و"أبل" و"أمازون"، اختتم ملاحظاته بالقول، "الآن هو وقت تتحول فيه الأمور. نحن نتجه إلى ذلك. سيكون هناك نظام عالمي جديد، وعلينا أن نتولّى قيادته. وخلال ذلك، علينا أن نوحد بقية العالم الحر".

وسرعان ما بدأت هذه العبارة في الانتشار على "تويتر"، إذ لم يهدر المعلقون أي وقت للشماتة في ما اعتبروه استحضاراً من قبل الرئيس، من المفترض عن طريق الخطأ، لإحدى نظريات المؤامرة المعروفة جيداً التي تزعم أن جماعة سرية من أنصار العولمة تعمل في الظل وتخطط لتشكيل العالم وفرض حكم شمولي.

وعلى" تويتر"، غرّد أحدهم "لا أريد أن يقود جو بايدن طابوراً للحصول على طبق جيلو في دار للرعاية، ناهيك عن قيادة العالم. فأن ينشئ المجانين الذين جلبوا لنا الإغلاقات 'نظاماً عالمياً جديداً' فكرة مرعبة".

ووفق تغريدة كتبها شخص آخر، "هل نسيتم جميعاً ما تعلمناه كله في الفيديوهات الخاصة بالمؤامرة في 2012؟ هل نسيتم جميعاً التلقيح الجماعي والمراقبة الجماعية (جوازات التلقيح) والدولة البوليسية الكاملة [حرفياً] التي يمثلها النظام العالمي الجديد؟".

وتواصل الأمر على هذا النحو. وبإخلاص في ما يبدو، غرّد أحدهم، "أعتقد من كل قلبي بأن جو بايدن نصّبه 'أنصار العولمة'، بما في ذلك 'بابل'، لكي يفتتح النظام العالمي الجديد".

لا يشك أي شخص تجشم عناء الاستماع إلى خطاب السيد بايدن بالكامل في أن الرئيس كان يشير إلى الأرضية المتحولة للعلاقات الجيوسياسية، رداً على غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا الشهر الماضي.

ويشمل النزاع تدميراً لمدن في تكتيكات حربية فرضت حصاراً وحشياً، وينفذ الأوكرانيون مقاومة شجاعة، وتدور مزاعم عن وقوع جرائم حرب مع تساقط القنابل على مستشفيات الولادة وحضانات الأطفال ومراكز التسوق ومسرح تابع لمجتمع محلي، وحتى نصب تذكاري للمحرقة.

ومن ناحية أخرى، تحرك المجتمع الدولي لفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة قط ضد شركات ومصارف وأوليغارشيين في روسيا، فحُظرت صادرات البلاد وطاقتها مع توقف الشركات عن العمل، وحوصرت البلاد تجارياً وكذلك دبلوماسياً على أمل وضع حد للأعمال العدائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحذّر السيد بايدن الرؤساء التنفيذيين الذين اجتمعوا في واشنطن من أن روسيا يمكن أن تنتقم بمزيد من الهجمات الإلكترونية ضد الغرب وتستخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين الأوكرانيين مع تحوّل النزاع إلى حرب استنزاف مستمرة، بدلاً من الغزو السريع الذي يبدو أن السيد بوتين قد تصوره.

ويعني ذلك كله أن توازن القوى بين الأمم سينقلب حتماً مع سعي العالم إلى إعادة ترتيب العلاقات الدبلوماسية بطريقة تستبعد الكرملين، ما دام السيد بوتين مسؤولاً وما دامت حربه ضد أمة ديمقراطية حرة مستمرة من دون ضوابط، وذلك ما أشار إليه الرئيس الأميركي بوضوح.

وتاريخياً، كانت عبارة "النظام العالمي الجديد" شائعة، واستخدمها بالطريقة ذاتها على غرار السيد بايدن، أشخاص من أمثال وودرو ويلسون والسير ونستون تشرشل في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية على التوالي، وفي وقت أقرب، جورج إتش دبليو بوش رداً على انهيار الاتحاد السوفياتي.

ففي خطاب ألقاه أمام جلسة مشتركة لمجلسَي الكونغرس في 11 سبتمبر (أيلول) 1990، ألقى الرئيس بوش الأب خطاباً بعنوان "نحو نظام عالمي جديد" اقتبس فيه عبارات للسيد تشرشل.

وبدأ كلامه بالإشارة إلى أنه "حتى الآن، كان العالم الذي نعرفه عالماً منقسماً، عالماً من الأسلاك الشائكة والكتل الخرسانية، والنزاع و"الحرب الباردة". والآن بوسعنا أن نرى عالماً جديداً يتبلور. عالم فيه احتمال حقيقي لقيام نظام عالمي جديد. وعلى حد تعبير ونستون تشرشل، 'نظام عالمي' حيث تعمل 'مبادئ العدالة والسلوك المنصف كي تحمي الضعفاء من الأقوياء'. عالم تستعد فيه الأمم المتحدة، التي حُرّرت من جمود الحرب الباردة، لتحقيق الرؤية التاريخية لمؤسسيها. عالم حيث تجد الحرية واحترام حقوق الإنسان موطناً لدى الأمم كلها".

بيد أن هذه العبارة استُخدمت أيضاً بمعنى أقل تفاؤلاً، لا سيما في تعزيز "الخوف الأحمر" من انتشار "المؤامرة الشيوعية الدولية" في خمسينيات القرن العشرين، وقد بلغ ذروته في الاضطهاد المخزي الذي مارسه عضو مجلس الشيوخ الجمهوري جوزيف مكارثي خلال تلك الفترة.

واستغلت هذه الحالة من جنون الشك في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قدراً أعظم من المخاوف الاجتماعية القديمة في شأن احتمالات انخراط مجموعات سرية غامضة في الشر، وهي مخاوف دفعت إلى سلوك يذكّر بحقبة "مطاردة الساحرات" وإدانتهن وإعدامهن من قبل البيوريتانيين في إنجلترا واسكتلندا وأميركا في القرن السابع عشر، واتهام منظمات أخوية على غرار "الماسونيين" بممارسة عبادة الشيطان.

أما "المتنورون"، [الذين تقدمهم نظرية المؤامرة بوصفهم] النموذج الخاص عن كل ما تلا تلك الحقبة من جماعات سرية شريرة تعمل وراء أبواب مغلقة، وليس آخرها رابطة الديمقراطيين الشيطانيين التي يُزعم أنها تجمع مادة "أدرينوكروم" [أصل الكلمة يشير إلى مركب كيماوي له علاقة بالأدرينالين، لكنها استُخدمت في إحدى نظريات المؤامرة الشائعة في اليمين الأميركي، كوصمة مزعومة عن دور تؤديه هوليوود في السيطرة على أذهان الناس] ويُزعم أنها تعمل من مطعم البيتزا المفضل لدى هيلاري كلينتون، فتعود أصولهم إلى عصر التنوير في ألمانيا خلال القرن الثامن عشر [بالنسبة إلى أصحاب تلك النظرية في المؤامرة].

وطبقاً لـ"رابطة مكافحة التشهير" [إحدى مجموعات مكافحة معاداة السامية]، اكتسب الاعتقاد في أن مجموعة كهذه تخطط لعصيان مسلح من أجل تحقيق "نظامها العالمي الجديد" شهرة حقيقية في الولايات المتحدة بين المتطرفين المناهضين للحكومة في تسعينيات القرن العشرين.

وبحسب تلك الرابطة، "يعتقد أصحاب نظرية المؤامرة هذه بأن مؤامرة لإقامة 'عالم واحد' استبدادي واشتراكي استحوذت بالفعل على غالبية الكوكب وتخطط لإزالة آخر معقل للحرية، الولايات المتحدة، بمساعدة من عملاء داخل الحكومة".

ووفق الرابطة ذاتها، "من خلال إجراءات قمعية، فضلاً عن أزمات مصطنعة مثل الهجمات الإرهابية والجوائح، يسعى المتآمرون من أنصار العولمة إلى القضاء على المعارضة ونزع سلاح الأميركيين حتى يتسنّى لـ'النظام العالمي الجديد' أن يحل ويستعبدهم".

واستطراداً، ترى الرابطة أن أتباع نظرية المؤامرة هذه يعتقدون بأن المتآمرين يخططون يوماً ما لإعلان الأحكام العرفية في الولايات المتحدة ومصادرة الأسلحة النارية وجمع المنشقين في معسكرات اعتقال سرية.

وتجمع الحركة بين الغرائز الأميركية اليمينية المتشددة ونبوءات الهلاك الأصولية المسيحية، مع الإشارة إلى أن المبشّر التلفزيوني اليميني بات روبرتسون وضع كتاباً، حلّ بين الكتب الأفضل مبيعاً وحمل عنوان "النظام العالمي الجديد" عام 1991 وحذّر من أعداء وهميين. وقد شهدت تلك الحركة نمواً انفجاريّاً على مدى العقود الثلاثة الماضية بالترافق مع انتشار الإنترنت التي هي مُولّد محموم للشائعات عبر صنع أنصاف الحقائق والتباسات سياسية وتفسيرات سيئة النية بشكل متعمد، في أفضل الأوقات.

وتحولت نظريات المؤامرة الآن إلى شكل من أشكال الترفيه الجماعي على وسائل التواصل الاجتماعي، تتغذى على كل شيء من [المسلسل التلفزيوني] "الملفات إكس" إلى [مقدم البرامج الإذاعية اليميني] أليكس جونز، وتُتوَّج بـ"كيو آنون"، حركة الأوهام الخطيرة التي تسمح للمرء باختيار واقعه الخاص. وقد عمد المتعصبون لتلك الحركة، إذ شعروا بالملل خلال الإغلاقات التي فُرضت بسبب الجائحة، إلى الخلط بشكل مثير للقلق بين الوصمات القديمة المعادية للسامية والأساطير المبنية على الرغبات الذاتية والاقتراض من الثقافة الشعبية.

لا تفيد الهفوات الواضحة على غرار هفوة السيد بايدن إلا في تعزيز موقف أولئك الذين يختارون الاعتقاد بأن سحالي بشرية بعصابات أعين حريرية تتجمع خلف أبواب مجالس الإدارة للتشاور مع سيدها السري المتحمس للهيمنة العالمية والمنشغل بالتلاعب بالحوادث الدولية من أجل تحقيق غاياته الشريرة.

 

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 23 مارس 2022

© The Independent

المزيد من تحلیل