Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاريخ من فرص المفاوضات المبعثرة في اليمن

"اتفاق ستوكهولم" نموذج اقتران قبول الحوثي للهدنة باقتراب السقوط العسكري

رفضت ميليشيات الحوثي دعوات سلام عديدة طيلة السوات الماضية (أ ف ب)

تتوالى الدعوات الإقليمية والدولية للحوثيين إلى القبول بدعوات السلام والدخول بحسن نية في مفاوضات سياسية تنهي الصراع الدامي في اليمن وتقرب وجهات النظر، بما يكفل للجميع تمثيلاً عادلاً في ظل دولة تتيح سبل العيش المشترك لكل اليمنيين بلا استثناء، واستشعار المعاناة الإنسانية القاسية التي يكابدها معظم اليمنيين.

وعلى نحو مغاير لما كان يتوقعه مراقبون، جاءت دعوة مجلس التعاون الخليجي إلى عقد مشاورات سياسية في الرياض بين كافة القوى والمكونات اليمنية، للخروج بحل سياسي مشترك يضع حداً للحرب، وتهيئة الظروف الموضوعية لتسوية سياسية شاملة تضمن إنهاء الصراع، وهي الدعوة التي ما زال الحوثي يقابلها برفض تعداه إلى قصف منشآت وأعيان مدنية في السعودية، ما اعتبرته الأخيرة رداً على الدعوة الخليجية للحوار في الرياض نهاية الشهر الحالي.

ماراثون البحث عن الاتفاق

وشهدت الحرب اليمنية المشتعلة جولات توقف بين حين وآخر، متيحة الفرصة لصوت الحوار أن يجرب مداه على أصوات المدفعية التي لم يطلق أياً منها قذيفة الاجهاز على الآخر، الأمر الذي أطال أمد الصراع وأدخل البلد في أزمة إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم.

وعلى الرغم من الدعوات العربية والأممية ورعايتها للحوار اليمني، إلا أن صوت العقل مع كل جلسة لـ "تحكيم لغة الحوار" سرعان ما يتلاشى في غمار المعركة، ويتوه صداه في هدير الحرب وسعيرها التي يكتوي بنارها اليمنيون، ولهذا فشلت كل تلك الجولات التفاوضية في إحداث خرق جوهري في جدار الأزمة، بقدر ما وفرت للمتحاربين فرصة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق العودة لوطيس المعركة أشد شراسة ودموية.

الالتقاء والخلاف

ومنذ الانقلاب الحوثي على الدولة بقوة السلاح في العام 2014 التي جاءت على إثره عملية "عاصفة الحزم" بطلب من الرئيس اليمني الشرعي عبدربه منصور هادي، لم تفلح جهود جولات عدة من المفاوضات في إسكات آلة الحرب على نحو مستدام، وأخفقت جميعها في التوصل إلى تسوية سياسية ببنود يتوافق عليها الطرفان، عدا استثناءات محدودة من القبول بالهدنة ومشاورات الحل السياسي، اقترنت بحسابات المكسب والخسارة في أرض المعركة، فعندما يشعر طرف بدنو سقوطه يسارع إلى القبول بدعوات السلام غير المشروط، وما إن تتحول شوكة الغلبة لمصلحته على الأرض حتى يبدأ بالتنصل منها، كما هو الحال بـ "اتفاق ستوكهولم"، فالحكومة تعتبر الحوثي منقلباً على الدولة والإجماع الشعبي بالقوة، وعليه البدء بتسليم السلاح والانسحاب من المدن وتشكيل حزب سياسي مثل باقي القوى السياسية اليمنية الأخرى، على أن تضمن مشاركته في حصة معينة من الوظائف العليا، وهو ما يرفضه الأخير ويعتبره ارتكاساً عن "ثورة شعبية" جاءت به للسلطة في سبتمبر (أيلول) 2014، ليشترط تالياً تحقيق جملة من المطالب، منها ما يدخل المفاوضات في مواطن الخلاف الحاد، كأن يصر على تنفيذ الشق السياسي والوصول إلى حل تتشكل بناء عليه حكومة وحدة وطنية قبل سحب القوات من صنعاء، مما عجل بانهيار المفاوضات والهدنة، إضافة إلى دخول اشتراطات جديدة أخيراً ومنها فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ليتيح للجماعة، وفقاً لفريق الخبراء الأميين التابعين لمجلس الأمن الدولي، "تدفق الدعم اللوجستي والحاجات الخاصة بها، ومنها الوقود الذي يمثل جزءاً من تمويل عملياتها الحربية ضد اليمنيين"، وذلك قبل الحديث عن وقف إطلاق النار.

ويعتبر مراقبون أن دوافع الموقف الحوثي هي محاولة لنسف مشروعية الضوابط المفروضة على حركة الملاحة البحرية والجوية في صنعاء والحديدة من قبل قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي والمجتمع الدولي، لاستمرار تدفق الأسلحة إليه وتحكمه بإيرادات هذه المرافق الضخمة.

رحلة البحث عن الهدنة

وفي جردة سريعة لرحلات اليمنيين المضنية التي لم تتوقف بحثاً عن فسحة للحوار، نجد أنها بدأت من أشهر الحرب الأولى، وكانت أول المحاولات الجادة في الـ 12 من مايو (أيار) 2015، أي بعد شهرين من بداية الحرب، عندما أعلنت السعودية هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام، وحققت تلك الهدنة الهدف منها إلى حد كبير بعد رسو عدد من السفن في أربعة موانئ يمنية (الحديدة وعدن والمكلا والمخا)، إضافة إلى 18 قاطرة دخلت منفذ الوديعة تحمل مواد غذائية وطبية، إلا أن استمرار الحوثيين في الهجوم على تعز والضالع ومأرب والحدود السعودية أيضاً، عجل بعودة الاقتتال السابق مع انقضاء اليوم الخامس.

ولم تتوقف محاولات العام 2015، فبعد أشهر من ذلك التاريخ أعلنت الأمم المتحدة في يونيو (حزيران)

مفاوضات مباشرة بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي في جنيف، واستدعى ذلك سعياً إلى وقف إطلاق النار، لكن سرعان ما انهارت المحاولة بعد أن اشترط الحوثي التحاور مع السعودية بشكل مباشر، في حين اشترطت الشرعية أن يكون قرار مجلس الأمن رقم (2216) مرجعاً أساساً للمفاوضات، وهو ما رفضه الطرفان لتنتهي المحاولة قبل بدايتها.

تبادل الأسرى

وقبل نهاية عام الحرب الأول في ديسمبر (كانون الأول) بالتحديد، أعلن الحوثي قبول دعوة أممية جديدة بهدنة شاملة تبدأ خلال أيام، وإرسال وفد إلى بيل السويسرية للجلوس إلى الطاولة قبالة الشرعية، سعى فيها الطرفان إلى وضع حد للحرب، إلا أن أقصى ما حققته من مكاسب كان تبادلاً للأسرى، لتنهار المفاوضات على وقع الخروقات.

محاولات الكويت

احتضنت الكويت أولى محاولات العام الجديد التي تخلف الحوثي عن حضورها في البداية بحجة عدم التزام الطرف الآخر بالهدنة، إلا أن انتظار وفد الشرعية لثلاثة أيام كان كافياً لإقناع الميليشيات بصعود الطائرة الأممية التي كانت تنتظرهم في مطار صنعاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعقب ثلاثة أشهر من جلسات الحوار التي اكتنفها تكتم إعلامي بغية إنضاج تسوية هادئة، إلا أن إحدى المرجعيات الثلاث (قرار مجلس الأمن رقم 2216) كان سبباً رئيساً في عدم التوصل إلى اتفاق، إذ دعا الطرف الحوثي المشترك ووفد علي عبدالله صالح إلى إعادة ترتيب نقاط القرار الخمس، وهي التوقف عن اتخاذ أي إجراء عسكري، وسحب جميع القوات العسكرية التي دخلت صنعاء في العام 2014 (قوات الحوثي)، والالتزام بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني كمرجعيات لأي خطوة سياسية، إضافة إلى الانخراط في عملية سياسية يرعاها مجلس التعاون الخليجي بعقد مفاوضات في الرياض، فضلاً عن خطوات أخرى متعلقة بحظر التعامل مع علي عبدالله صالح وأطراف وكيانات أخرى تتبع الطرفين المتحالفين حينها.

سلطنة عُمان ودور غير معلن

سعت سلطنة عمان منذ تصاعد المواجهات العسكرية في اليمن إلى التوسط من أجل حل الأزمة، نظراً إلى علاقتها الجيدة بالحوثيين الذين يقيم وفد منهم فى ضيافة مسقط، واستضافت مفاوضات غير معلنة في مايو (أيار) 2015 بين مسؤولين أميركيين ووفد حوثي لمناقشة "سبل الوصول إلى حل بين أطراف الصراع اليمني"، كما استضافت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 محادثات أخرى بين الحوثيين ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، لحثهم على وقف إطلاق النار والانخراط في مفاوضات جديدة.

كما أشار عدد من التقارير الإعلامية في يناير (كانون الثاني) 2018 إلى استضافة السلطنة محادثات سرية بين قيادات حوثية ودبلوماسيين أميركيين وروس وبريطانيين للبحث عن مخرج للأزمة اليمنية، إلا أن كل تلك المساعي لم ينتج منها شيء يذكر.

"جنيف2" (سبتمبر 2018)

بدورها، واصلت الأمم المتحدة جهودها للتوصل إلى سلام دائم وشامل في اليمن، وسعت إلى عقد جولة أخرى من المفاوضات بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وذلك خلال الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) 2018، إلا أن المبعوث الدولي لليمن حينها مارتن غريفيث أعلن فشل المحادثات قبل أن تبدأ، بسبب عدم حضور وفد الحوثيين "وهو ما كان متوقعاً، لأن الحوثيين اعتادوا ذلك"، وفقاً لرواية الحكومية حينها، وإن كانوا تحججوا هذه المرة بعدم موافقة دول التحالف العربي على شروطهم بنقل وفدهم إلى جنيف بطائرة خاصة من دون تفتيش، ومنح ممثليه ضمانات للعودة إلى صنعاء، إضافة إلى نقل جرحى من عناصر الميليشيات إلى سلطنة عمان، ويومها اتهم وزير الخارجية اليمني خالد اليماني الحوثيين بإفشال مفاوضات جنيف، وقال إن "هذا الأمر يحدث في كل مرة".

"ستوكهولم" النجاة من الغرق

على وقع الزحف السريع والثابت للقوات اليمنية المشتركة نحو مدينة الحديدة ومينائها الكبير (ثاني أهم ميناء في اليمن بعد ميناء عدن) وتوالي الهزائم الحوثية على امتداد الساحل الغربي للبلاد، وبعد أن بدا أن القوات المشتركة على مرمى حجر من المدينة الاستراتيجية، كان الحوثيون أمام خيارات مرة أحلاها تسليم المدينة التي تدر عليهم موانئها مليارات الريالات يومياً.

وبحسب كل المعطيات فالحوثي هو من طلب التهدئة وسعى إلى السلام هذه المرة بعد أن كان على وشك الغرق في مياه الساحل الغربي للبلاد، ليعلن مبعوث الأمم المتحدة استعدادهم للتفاوض، منتهزاً الفرصة للضغط على القوات الحكومية والتحالف العربي بوقف الهجوم والجلوس إلى طاولة المفاوضات في ستوكهولم.

وبالفعل استجابت الشرعية ورحب التحالف العربي عبر بيان بالمحادثات، لتنطلق برعاية أممية في مدينة ستوكهولم السويدية، يوم السادس من ديسمبر (كانون الأول)، وأسفرت عن توصل الحكومة الشرعية والحوثيين إلى اتفاق يقضي بانسحاب الميليشيات من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، ووقف إطلاق النار وإطلاق سجناء من الجانبين، والتوصل إلى تفاهم مشترك حول محافظة تعز (وسط البلاد) يهدف إلى فتح ممرات إنسانية عبرها وإدخال المساعدات إليها، إضافة إلى تجميد جبهة الحديدة التي كان سقط جزء كبير منها في يد الحكومة الشرعية التي سيطرت على مرافقها الأساس مثل المطار ومركز المدينة، إلا أنها انسحبت كجزء من عملية وقف إطلاق النار في مقابل وقوع الميناء تحت الرقابة الأممية لعدم استخدامه من الحوثيين لدواع عسكرية، وهي الخطوة التي وصفها رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك بعد ثلاث سنوات من تلك اللحظة بـ "الفاشلة"، نتيجة فشل ضبط التهريب بحسب ما تصرح به السلطات اليمنية وينفيه الحوثيون.

 ومع ذلك لم يتم تنفيذ "اتفاق ستوكهولم"، إذ رفض الحوثيون الانسحاب، وعندما انتشرت قوة الأمم المتحدة في الحديدة تعرضت إلى إطلاق النار ونجح الحوثيون في تعزيز وجودهم خلال فترة المفاوضات وأعادوا تنظيم خطوط معاركهم في المناطق التي بدت على وشك الانهيار قبل تدخل مبعوث الأمم المتحدة.

ووفقاً لخبراء عسكريين فقد أنقذ "اتفاق ستوكهولم" الحوثيين الذين شرعوا بعد ذلك في شن حملة عسكرية للاستيلاء على محافظة مأرب الغنية بالموارد.

هدنة كورونا

في أبريل (نيسان) 2020 بلغت حال التفشي الوبائي لفيروس كورونا ذروته التي ضربت العالم، ودعت الأمم المتحدة المتحاربين حول العالم إلى مراعاة الظرف الصحي وعدم مفاقمة الأوضاع الإنسانية، داعية إياهم إلى وقف الاقتتال وإعلان هدنة بشكل مؤقت، وهو الأمر الذي استجاب له تحالف دعم الشرعية في اليمن عندما أعلن المتحدث باسمه العميد تركي المالكي في التاسع من أبريل وقف القتال من طرف واحد مدة أسبوعين.

وعرض المالكي تمديد الهدنة في حال التزام الطرف الآخر بها، وهو ما تم فعلاً عندما تم تمديدها بعد ذلك لمدة شهر، على الرغم من ادعاء التحالف أن الحوثي لم يبد التزاماً كاملاً، إلا أنه ينوي "وقف إطلاق النار من طرف واحد"، وهو ما لم يعلق عليه الحوثيون في حينه.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي