Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أكراد العراق يحتفلون بعيد "نوروز" تحت عبء الأزمات

تحديات داخلية وخارجية تعترض مسار التجربة الكردية

احتفل أكراد العراق بعيدهم القومي المعروف بـ"نوروز" (المكتب الإعلامي لحكومة الإقليم)

بعد نحو 31 عاماً من تجربة حكم شبه مستقل عن بغداد، احتفل أكراد العراق بعيدهم القومي المعروف بـ"نوروز"، وهم مثقلون بجملة من الأزمات تتصدرها أزمة اقتصادية مزمنة، وانقسام في القرار السياسي والإداري بين القوى التقليدية الحاكمة، في وقت تبرز تساؤلات حول مآلات هذه التجربة، والمخاطر المحدقة بها في نطاق جيوسياسي شديد التعقيد.

"نوروز" تعني في اللغتين الفارسية والكردية بـ"اليوم الجديد"، وهو بمثابة رأس السنة تحتفي به أقوام وشعوب مختلفة في دول إيران وأذربيجان وقرغيزستان وغيرها من شعوب في آسيا الوسطى، في 21 من مارس (آذار) في كل عام. بينما يعتبره الأكراد المنتشرون بين دول العراق وإيران وتركيا وسوريا عيداً قومياً، ويتخذونه رمزاً للتأكيد على حقوقهم القومية بكونهم "أحد أشد الشعوب مظلومية وحرماناً من قبل المجتمع الدولي من التمتع بدولة مستقلة".

وشهدت مختلف المدن الكردية احتفالات رسمية وشعبية مساء الأحد 20 مارس عبر إيقاد "شعلة نوروز" على المرتفعات الجبلية، ضمن طقوس تمارس للدلالة على "النصر" وفق الرواية التاريخية، وسط دبكات شعبية يرتدي خلالها المحتفلون الزي الكردي التقليدي. في حين أعلنت بعض وسائل إعلام مقاطعتها تغطية بيانات التهنئة الصادرة عن المؤسسات الحكومية والقوى السياسية والمسؤولين، احتجاجاً على "تفاقم الوضع المعيشي، ووفاة اثنين من المتقاعدين المسنين أثناء انتظارهم في طابور لاستلام مرتباتهم المتأخرة منذ نحو شهرين أمام أحد البنوك في السليمانية".

مكاسب وإخفاقات

أكراد العراق بخلاف أقرانهم في الدول المجاورة، حظوا برعاية دولية لتشكيل كيان شبه مستقل عن دولتهم، عندما انتفضوا على نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 1991. ومرت تجربتهم التي يصفونها بـ"الفريدة" بإنجازات حققوا من خلالها مكاسب، لكنها غالباً ما تعثرت بإخفاقات وأزمات ناجمة عن انقسام في القرار، وصراع على الإيرادات والنفوذ بين الحزبين التقليديين الحاكمين: "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة الراحل جلال طالباني، إذ لا يزالان يعانيان من آثار حكم الإدارتين بين أربيل والسليمانية، اللتين نشأتا على وقع حرب أهلية منتصف تسعينيات القرن الماضي، في موازاة خلافات مزمنة مع بغداد حول ملفي النفط والموازنة الاتحادية.

الحكومة الكردية واجهت منذ انطلاق أول اعتصام شعبي في فبراير (شباط) عام 2011، تظاهرات ووقفات احتجاجية على "سوء الإدارة والفساد واحتكار للسلطة"، والتي كانت أفرزت للمرة الأولى عن صعود معارضة متمثلة بحركة "التغيير" التي أسسها منشقون عن حزب طالباني إلى جانب قوى إسلامية، قبل أن تنضم في ما بعد إلى حكومة ائتلافية.

غضب متصاعد

ويتصاعد غضب الشارع على السلطات لعجزها عن تأمين مرتبات موظفي القطاع العام، بفعل التعثر المتكرر للاتفاقات مع بغداد. كما يشكو المواطن من زيادة غير مسبوقة في الضرائب وتردي في الخدمات كالماء والكهرباء والوقود وانتشار البطالة، عبر وقفات احتجاجية شبه يومية، خصوصاً في مناطق السليمانية الخاضعة لنفوذ حزب طالباني، الذي يتبادل الاتهامات مع حزب بارزاني حول سوء توزيع الإيرادات، للمطالبة بالكشف عن مصير إيرادات النفط والغاز التي تدار بمعزل عن بغداد، على الرغم من التصاعد المطرد في الأسعار عالمياً.

وقد استطلعت "اندنبدنت عربية" آراء محللين وسياسيين للوقوف على أسباب الأزمات ونقاط الخلل في هيكلة ومفاصل إدارة الحكم، ولحظت انقساماً في المواقف بين محذر من تداعيات غير محسوبة النتائج، وآخر يراها أزمات عابرة.

فرصة تاريخية

الكاتب والمحلل السياسي الكردي كمال رؤوف يرى في التجربة بأنها "أكبر فرصة في التاريخ يحظى بها الكرد، كان يفترض أن تكون نتائجها أفضل ليس على صعيد الإقليم فقط، ولكن على مستوى أجزاء كردستان الأخرى (في إشارة إلى أكراد إيران وتركيا وسوريا). ولأن الكرد تعرضوا لعقود لحملات القمع والإبادة، كان على قادتهم أن يتعاملوا بأمانة مع هذه الفرصة، لكن للأسف النتائج ليست بمستوى الطموح".

وأوضح "اليوم هنالك نقمة شعبية على سوء الإدارة وهدر الثروات، وغياب للعدالة الاجتماعية وتهميش للكادحين والفقراء. هذا كله لم يخلق إحباطاً فقط بل دفع قسماً كبيراً من الشباب للهجرة، فيما قسم آخر يعاني البطالة. لذا فإن الشعور العام بالانتماء الوطني وكذلك روح المشاركة السياسية والعمل الحزبي بلغا مرحلة سيئة للغاية، يتحمل مسؤوليتها الحزبان الرئيسان قبل بقية الأحزاب، فالنقمة بلغت مستوى قياسياً خطيراً".

ويعزو مراقبون أسباب معظم الأزمات إلى التصادم في "المصالح الضيقة" بين الحزبين، اللذين يخوضان منذ أشهر صراعاً على منصب رئاسة الجمهورية. ويعتبر البعض أن سياستهما أفقدتهما مئات آلاف الأصوات في الانتخابات النيابية الاتحادية الأخيرة، جراء مقاطعة المصوتين بنسبة تفوق الـ60 في المئة، في مؤشر على اتساع الرفض الشعبي لأداء القوى السياسية في عموم البلاد.

فجوة بين السلطة والشارع

ويعتقد رؤوف أن الحزبين "فشلا في تجاوز صراعاتهما الثنائية القديمة أيام الكفاح المسلح، ولم ينسجما مع معايير ومتطلبات المرحلة والمتغيرات التي حصلت، وما زالا في المربع الأول، بسبب آثار حكم الإدارتين والفساد. فقواتهما مقسمة حزبياً، والقيادات السياسية تتعامل وفق مزاجها بعيداً من متطلبات الشارع، كما أن هناك تهميشاً لدور البرلمان والقضاء".

وأضاف "المجتمع الكردي أثبت أنه مجتمع حي وفعال من خلال عشرات الاحتجاجات التي نظمها، لكنها لم تحظ بآذان صاغية. غير أن السلطة باتت تدرك اتساع الفجوة بينها والشارع، بل حتى بين القوى الحاكمة نفسها التي لا تعرف كيف تقنع جماهيرها حول ما هي المنجزات. ونلاحظ هنا أن العمل الحزبي يعاني من خلل كبير، وأصبح محصوراً بإرادة عوائل بعينها"، محذراً من أن "كيان الإقليم يواجه مخاطر جمة خصوصاً بعد قرار المحكمة الاتحادية الأخير ببطلان إدارة الإقليم لملفه النفطي، ولا نعلم ماذا سيصدر من قرارات لاحقة".

في المقابل يُلقي الحزبان أسباب تردي الأوضاع في الإقليم باللائمة على الحكومة الاتحادية، لـ"تنصلها" عن "تطبيق الدستور" في ما يخص الاتفاقات المبرمة في ملفات النفط والموازنة. بينما تقول بغداد إن الحكومة الكردية "تتهرب عن التزاماتها الدستورية" في تسليم إدارة ملفها النفطي إلى شركة النفط الوطنية "سومو".

"إنجازات لافتة"

يقول العضو البارز في الحزب "الديمقراطي" عماد باجلان إن "تجربة الإقليم الفريدة من نوعها في منطقة تحكمها أنظمة شمولية، لم تكن سهلة، فقد اجتازت مراحل صعبة من حصار اقتصادي مزدوج من قبل النظام السابق الذي كان واقعاً تحت حصار دولي أيضاً، لغاية سقوطه عام 2003، ومن ثم شهد انتعاشاً بين 2004 - 2014، قبل أن تقدم حكومة بغداد على قطع موازنة الإقليم، لتضطر أربيل على بيع نفطها بشكل مستقل". ولفت إلى أن "معظم الخلافات كان سببها خرق الحكومات الاتحادية للدستور، وعلى ضوئها تم سلب حقوق الكرد، ولكن على الرغم من ذلك استطاعوا أن يقدموا من خلال 7 في المئة من حصتهم بالموازنة إنجازات لافتة مقابل تدهور ملحوظ في الجانب الاتحادي على مستوى البنية التحتية والإعمار".

ويرى باجلان أن أزمة الإقليم المالية "ليست ناجمة عن الخلاف داخل البيت الكردي، بقدر ما هي مسؤولية حكومة بغداد"، واستدرك، "لكن بعض الأحزاب تحاول دق الإسفين بين أربيل وبغداد ما زاد المشهد تعقيداً. ولنتذكر كيف أن جناحاً في حزب الاتحاد الوطني (في إشارة إلى المبعد عن رئاسة حزب الاتحاد بالتشارك لاهور شيخ جنكي)، كان يعمل ضد حكومة الإقليم، واليوم هناك خلاف جزئي على منصب رئاسة الجمهورية وبمجرد تجاوزه ستعود الأمور إلى نصابها". وأشار إلى أن جناحاً "في حزب الاتحاد يستغل الخلافات السياسية بين الحزبين، ما سبب في عدم تحويل إيرادات السليمانية إلى خزينة الحكومة".

في الأثناء حذر شيخ جنكي خلال جولة له في منطقة كرميان عشية احتفالات نوروز، قائلاً إن "معيشة المواطنين والموظفين والعمال في ظل الغلاء القائم في أسوأ حالاتها، وهناك إحباط شديد من السلطة، والمطالب تتصاعد للبدء بإصلاحات جدية وتقديم الخدمات والمشاريع"، وتابع، "هذا الوضع بلغ حد الانفجار الجماهيري، تجربتنا تقف على حافة الخطر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حجم المخاطر

لكن باجلان قلل من حجم الهواجس حيال المخاطر المحدقة بالتجربة الكردية، قائلاً إن "الشعب الكردي وأحزابه اكتسبوا خبرة ووعياً بما يكفي لعدم نشوب صدام داخلي مجدداً، والمسألة لا تتعدى كونها تحتاج إلى إعادة تنظيم بعض الأمور، فالمشكلة الأساس وحلها هو مع بغداد".

وبيّن أن "حكومة الإقليم تدفع مرتبات للقطاع العام بقيمة 890 مليار دينار، ولا يمكن توفير هذا المبلغ عبر إيرادات نفط يتم استخراجه من آبار حديثة العهد والتي يترتب عليها نفقات ضخمة، كمستحقات الشركات وكلف النقل والتصدير وغيرها، ولا يتبقى منها سوى 41 في المئة، وهذه النسبة لا تكفي لسد النفقات الداخلية للإقليم".

موقف حزب "الاتحاد" إزاء الأزمات المتراكمة جاء على لسان زعيمه بافل طالباني خلال لقائه سفير الاتحاد الأوروبي في العراق فيله فاريولا، وترك الباب مفتوحاً لإنهاء الخلاف مع حزب بارزاني. ونقل بيان عنه قوله، "لقد بذلنا جهوداً حثيثة للحفاظ على وحدة الخطاب والصف الكردي والعمل كفريق واحد وقوي في بغداد، إلا أنه تم إجهاضها خارج الإدارة الكردستانية (في إشارة إلى دخول حزب بارزاني في تحالف مع قوى شيعية وسنية)"، وزاد، "ما زلنا نؤمن بأن هناك فرصة لتمتين كيان كردستان وحماية المصالح العليا لشعبنا".

ونوه طالباني إلى "الوقوف بوجه الهدر الحاصل في ثروات الإقليم، وتحقيق الشفافية في الإيرادات والحد من التمييز في توزيع النفقات. فالثروات يجب أن تصب بشكل متساوٍ في مصلحة المواطنين".

النائب عن "الاتحاد" في البرلمان الاتحادي كاروان يارويس حثّ في تصريحات له، الحزبين على "توسيع رؤيتهما لأبعد من منصب الرئاسة، لأن أحداث الإقليم الأخيرة إشارة واضحة إلى أننا نواجه مخاطر حقيقية إقليمياً، ومشاكلنا في بغداد عميقة، وخلاف الحزبين على إدارة الإقليم عميق أيضاً، وأتوقع أن يعقدا اجتماعاً هاماً بعد عطلة نوروز".

وكان "الحرس الثوري الإيراني" قصف مطلع الأسبوع الماضي أهدافاً في أربيل بصواريخ باليستية، قال إنها "مراكز صهيونية"، بينما نفت الحكومة الكردية وجود أي نشاط إسرائيلي في الإقليم، وقالت إن الصواريخ أصابت مواقع مدنية بحتة.

هيمنة حزبية

الكاتب السياسي عدنان عثمان من جهته، يرى في نتائج التجربة الكردية أنها "حققت نتائج ذات أهمية على الرغم من الإخفاقات والأزمات التي رافقتها ومنها خوض الحزبين الحاكمين حرباً أهلية، لكن هذه التجربة يُحسب لها". وأوضح، "هناك أسباب موضوعية تعرقل هذه التجربة، منها الفساد وغياب الثقة بين القوى المتحكمة بمسارها، فضلاً عن هيمنة الحزب على المقدرات والمؤسسات ومفاصل الإدارة من خلال الصراع والتنافس القائم، خصوصاً بين الحزبين الرئيسيين ما أدى إلى تقسيم الإقليم إدارياً. وقد خضعت تجربته للإملاءات والإرادة الحزبية وليس للحكم المؤسساتي".

وفي الحلول يقترح عثمان لقلب المعادلة الآنية، اتخاذ بعض الخطوات الأساسية "مثل الحد من الهيمنة الحزبية، ورفع يد الأحزاب عن التحكم بالمقدرات المالية والعسكرية، مقابل تعزيز دور البرلمان وتقويته ما يفتح آفاقاً أمام إجراء إصلاحات حقيقية في مقدمتها محاربة الفساد. هذه الحلول مرهونة بتوافر الإرادة التي لا بد أن تخضع للنقمة المتصاعدة، فمن الواضح أن هذه الطريقة في الحكم أثبتت فشلها، ولها مخاطرها على هذا الكيان من دون الاتفاق على حكم مؤسساتي رصين".

معارضة ضعيفة

وعلى صعيد أداء المعارضة السياسية، يقول عثمان إن "المعارضة التي تشكلت عام 2009 كان لها الأثر الفعال، ولولا دخولها في الائتلاف الحكومي، لكانت الأوضاع اتجهت نحو مسار آخر"، مؤكداً أن "المعارضة الحالية تبدو ضعيفة إذا ما أخذنا عدد المقاعد كمعيار، فالعملية السياسية تتطلب معارضة قوية وفعالة لها حضور نيابي قوي، من دون ذلك لن تخضع القوى الحاكمة لإجراء إصلاحات حقيقية".

من جانبه، يرى باجلان في وجود المعارضة بأنها "حالة صحية شرط أن تتخذ دور الرقيب لعمل الحكومة بغية كبح الفساد المالي والإداري. صحيح أن الإقليم ليس جمهورية أفلاطون فهو يعاني من فساد وإخفاقات، لكن بالمقارنة مع بغداد فالنسبة لا تتجاوز 10 في المئة، وهنا لا بد من تحديد دور هذه المعارضة، فإذا كانت تقويمية فإن الحكومة ستهابها، أما إذا مارست أسلوب التسقيط السياسي فإن مصيرها حتماً سيكون الفشل".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير