Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"النوستالجيا" كلمة السر في معرض "حواديت مصرية" لهاني رزق

"لوحاته تعيد صياغة أسئلة الهوية بصرياً لتوثيقها وصونها من النسيان

الرسام المصري هاني رزق أمام لوحته في المعرض (اندبندنت عربية)

يواجه الفنان التشكيلي المصري منذ بداية القرن العشرين تحديات الهوية في العديد من الأعمال الفنية التي قامت إما على الاستلهام المباشر، أو على إعادة إنتاج العوالم الشعبية التي تمجد بعض المأثورات وتسعى للحفاظ على الذاكرة الجماعية. ولم تكن تلك التحديات مقطوعة الصلة بتحديات مماثلة واجهها خطاب النهضة العربية في سعيه نحو تمثل أشكال الحداثة أو العمل على تمصيرها.

وتحفظ المتاحف المصرية كثيراً من النماذج التي أنتجها الرواد من أمثال محمد ناجي ومحمود سعيد ومن بعدهما جيل عبد الهادي الجزار وحامد ندا، ومعهما طليعة من الفنانين ضمت تحية حليم وجاذبية سري وإنجي أفلاطون وكثيراً من الأسماء التي حاولت صناعة توازن بين الميل نحو التيار القومي بملامحه الواقعية وابتكار نموذج محلي لـ"فانتازيا شعبية" جاء قريباً من عوالم الواقعية السحرية كما نعرفها في الأدب.

ومن بين الفنانين المعاصرين تبرز تجربة الفنان هاني رزق (53 عاماً) الأستاذ في كلية التربية الفنية- جامعة حلوان، لأنها تقوم بالكامل على استدعاء ما هو راسخ في الذاكرة الشعبية، وإنتاج العوالم والسرديات الوثيقة الصلة بعالم الريف المصري بما يحمله من علامات وأعاجيب سردية تغري الراغبين في إنتاج لوحة ذات ملامح مصرية خالصة. وفي معرضه الجديد "حواديت مصرية" الذي تشهده قاعة الباب في دار الأوبرا المصرية تبدو "النوستالجيا" هي كلمة سر المعرض، إذ يلح رزق على تأكيد ملامح مشروعه الفني سواء على صعيد الموضوعات والموتيفات التي يكررها، أو الخط الفني الذي يميزه في اختزال اللون والعناصر.

 يرسم رزق بحرية تامة، غير منشغل بفكرة الانتماء إلى مدرسة فنية معينة، كأنه يكرر بيت المتنبي: "أنام ملء جفوني عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصم"، فهو يظل يرسم ويرسم وتبدو كل مجموعة ينتجها انتماء لذاتها.

تحريك الأسطح

وعلى الرغم من رحابة عالمه الفني وتعدد تقنياته، فإن لوحاته في المجمل تعكس مجموعة من العلامات التي تظهر انشغاله بإنتاج أعمال وثيقة الصلة بمفهومه عن الهوية المصرية، في طبقاتها الحضارية المختلفة. فالبيت هو دال رئيس داخل اللوحة التي تغلب على موضوعاتها فكرة الحكاية، بحيث لجأ رزق في غالبية اللوحات إلى إنتاج سرديات شعبية متكاملة العناصر استدعى فيها رموزاً وأساطير ومشاهد من الحياة اليومية وأعاد صياغتها بصرياً، ليس فقط بغرض التوثيق، وإنما بغرض تأكيد فكرة الانتماء إلى العالم الأليف الذي يخشى زواله.

ومن هنا يمكن فهم الكيفية التي يقدم بها الفنان أعماله كـ"منمنات مصرية"، وهي جديرة بهذا الوصف الدال على طابعها الحميم القائم على تمثيل بصري للعالم الذي استقر في وعي الفنان، والذي يعزز فكرته عن الانتماء لهذا العالم الذي يرده إلى أصل موجود في جداريات الفن المصري القديم، حيث تبرز حالة التآلف بين الإنسان والكائنات الحية المحيطة به، من طيور وحيوانات تلعب أدواراً رئيسة في إبراز العلاقات الدرامية داخل اللوحة. ويتأكد هذا المعنى في طريقة رسمه للوجوه أيضاً، إذ يلجأ الفنان إلى تقنيات الفن الفطري في التعامل مع الأسطح وطرق التحريك، مع إجراء كثير من التحريفات في رسم الوجوه وأساليب البناء. أما الخطوط فتتسم بمقدار كبير من الليونة والانسيابية والبساطة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في اللوحات إجمالاً تنتصر "النوستالجيا" بطابعها الجمالي على اللحظة الراهنة. وعلى الرغم من ذلك، فلا يمكن اعتبار لوحاته "شعبية" بالمعنى الذي نعرفه لدى الفنانين القطريين، وإنما هي حالة تعبيرية خالصة باللون، يطغى عليها المرح بكافة أشكاله. من الظلم البحث في لوحات هاني رزق عن استعارات مستمدة من فنانين آخرين ينتجون لوحاتهم بتقنيات شبيهة أو عبر وسائل وعوالم أخرى يمكن تصنيفها في إطار السريالية الشعبية، بحيث تبرز أحياناً رغبة في التحريف ومفارقة الواقع والتأكيد على المبالغة أحياناً في الأحجام والخطوط.

بلاغة السرد البصري 

ويمكن تقسيم لوحاته إلى موضوعات فيها أنفاس وملامح سردية طاغية، وثيقة الصلة بمصادر تكوين المخيلة البصرية للفنان، وعلى رأسها الحكايات الشعبية الشفهية والفنون الفطرية، وما فيها من حرية في التعاطي مع الخيال، انطلاقاً من تصور يقارب تصور فناني لوحات الغروتسك في الماضي. وكانت تشير إلى أسلوب زخرفي وتزييني شبيه باللوحات الصينية أو لوحات المنمنمات الفارسية، والتي تربط بين عوالم سحرية وطابعها في الهدم والمحاكاة الساخرة وعدم الالتزام بالنظام والتناسق بحجم النسب.

ومن يشاهد لوحات الفنان بروغل يمكن أن يجد فيها ملمحاً شبيهاً، فـ"الغروتسك" يمزج بين الخوف والفكاهة، وهو فن ثنائي الطابع وشبحي التركيب.  

وعلى صعيد آخر تحفل البورتريهات في تجربة الفنان بقدرة باهرة على التلخيص واستخدام البالتات اللونية الساخنة "إلا أنه أعطى البطولة لألوان ’أوف وايت’". وهناك مجموعات تقوم على اللعب بـ"حالة التحريك القوية للسطح"، وهي وثيقة الصلة بفهم فناني الحروفيات للسطح. وعموماً تبدو الحلول التصميمية ذات قدرة عالية جداً. وحركة العين داخل اللوحات لها مسارات تسمح بتحرك العين وسع اللوحة بطريقة مريحة وسلاسة بالغة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة