Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب التجارية الأميركية- المكسيكية... انتهت قبل أن تبدأ

تكشف الحلحلة السريعة للملف عن أهمية مكسيكو بالنسبة إلى اقتصاد واشنطن

"انتهت قبل أن تبدأ"، هذه هي حال الحرب التجارية الأميركية- المكسيكية، التي كان يفترض أن تبدأ الاثنين 10 يونيو (حزيران) برفع التعرفة الجمركية على البضائع المكسيكية الواردة بنسبة 5 في المئة، إلا أن البيت الأبيض أعلن، مساء أمس الجمعة، أن الولايات المتحدة توصلت إلى اتفاق مع المكسيك بشأن ملفات الهجرة واللجوء. بالتالي، فإن "الرسوم الجمركية تم تعليقها إلى أجل غير مسمى".

وتكشف الحلحلة السريعة للملف المكسيكي عن أهمية مكسيكو بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي. فما إن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، عن اتجاهه إلى فتح حرب تجارية مع المكسيك بعد الصين، حتى انهارت أسهم الشركات التي تتخذ من المكسيك مقراً لها للتصنيع والتجميع، مثل شركات السيارات والمنتجات الزراعية والاستهلاكية. وعلى الفور، تدخلت السياسة في الأزمة التجارية مع المكسيك، حيث لقي قرار ترمب اعتراضاً من حزبه الجمهوري حيث وصف بعض النواب الجمهوريين قراره بـ"الأحمق"، قائلين إنهم سيعترضون على هذا القرار.

تكلفة على المستهلك الأميركي

يبلغ حجم البضائع التي تصدرها المكسيك إلى الولايات المتحدة الأميركية نحو 350 مليار دولار. ويعني فرض 5 في المئة رسوماً عليها أن تكاليف إضافية تقارب17  مليار دولار ستفرض على هذه البضائع وسيتحملها المستهلك الأميركي. ما اعتبرته غالبية الاقتصاديين قراراً لن يصب في مصلحة الاقتصاد الأميركي.

وأكثر الشركات المستفيدة من التجارة الحرة مع المكسيك تأخذ مقراً لها الولايات الحدودية، مثل تكساس، حيث تأثير الحزب الجمهوري. وهو ما يفسر اعتراض النواب الجمهوريين من تكساس على القرار، إذ اعتبروا أن ارتفاع هذه الرسوم شهرياً من 5 في المئة حتى بلوغها 25 في المئة في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، كما هدد ترمب، برفع فاتورة واردات تكساس من البضائع المكسيكية بنحو 27 مليار دولار.

وأكثر الولايات التي تتأثر بالحرب التجارية مع المكسيك هي ميتشغان، حيث تتركز فيها صناعة السيارات التي تتخذ من المكسيك مقراً للتجميع والتصنيع، مستفيدة من رخص العمالة وكفاءتها وفرق العملة لمصلحة الدولار، ثم ولاية تكساس الملاصقة للمكسيك، والتي تعتمد على قطاع الطاقة إضافة إلى اعتمادها على المنتجات المكسيكية كالأطعمة والبضائع، وفي المستوى الثالث تأتي كاليفورنيا وإيلينوي اللتان تعتمدان على المنتجات المكسيكية والبضائع والأطعمة الطازجة بحسب رصد لنيويورك تايمز.

الوضع مختلف عن الصين

على عكس الحرب التجارية مع الصين، كان هناك شبه اجماع في الولايات المتحدة على قرار ترمب ضد بكين وإن كان سيضر الاقتصاد الأميركي، إذ إن هناك شبه اتفاق أميركي عام أن بكين لا تلتزم بقواعد التجارة الحرة العادلة للطرفين، وأن بعض شركاتها تسرق الابتكارات وحقوق الملكية للشركات الأميركية، بينما تدعم الحكومة الصينية شركات أخرى، مثل (هواوي)، ما يعطيها تنافسية أكبر مقارنة مع الشركات الأميركية التي تنافس وفق آليات السوق ومن دعم حكومي، إضافة إلى وجود ميزة تنافسية لمصلحة الصين في عملتها اليوان التي تبقيها بكين منخفضة القيمة ولا تريد تحريرها، كما تتهمها الحكومة الأميركية.

لكن الوضع بالنسبة إلى الحرب التجارية مع المكسيك مختلف، وأبعاده سياسية أكثر منها اقتصادية، إذ إن الرئيس ترمب وعد في حملته الانتخابية عام 2016 بخفض تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبناء سور على طول الحدود مع المكسيك لوقف هذا التدفق. إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فهناك ازدياد في أعداد المهاجرين، إذ سجل شهر مايو (أيار) 2019 وصول نحو 144 ألف مهاجر إلى الحدود الأميركية، وهو أعلى شهر يصل فيه هذا العدد منذ 13 سنة، وفق ما أعلنت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية.

لماذا أزمة المهاجرين؟

تقع المكسيك على الحدود الجنوبية لأميركا، وتمتد على مسافات شاسعة، نحو 3,141 كلم، وتشمل الوسط الأميركي من ولاية تكساس مروراً بنيو مكسيكو، ثم أريزونا، وصولاً إلى كاليفورنيا، حيث تفتح هذه المسافات باباً لعبور المهاجرين إلى الولايات المتحدة، ثم عملهم بصورة غير قانونية، أو طلبهم اللجوء عندما يصلون إلى الحدود الأميركية، حيث تعتبر الأراضي الأميركية تاريخياً ملاذاً آمناً لطالبي اللجوء والساعين إلى فرصة جديدة للحياة أو ما يُعرف بـ"الحلم الأميركي". ويأتي المهاجرون غالباً من الدول التي تشهد صراعات سياسية وأزمات اقتصادية واجتماعية، مثل تلك الدول التي تقع على حدود المكسيك الجنوبية مثل غواتيمالا وبيليز أو الملاصقة لهاتين الدولتين مثل هندوراس والسلفادور.

وبينما يستعد ترمب لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2020، يزيد من مستوى العداء تجاه الأجانب والمهاجرين غير القانونيين، حيث كانت هذه اللهجة التصعيدية أحد أسباب نجاحه في الولايات ذات الغالبية المحافظة من الحزب الجمهوري والمؤيدين للطروحات المحافظة مثل تقنين تدفق العمالة الأجنبية وإجراءات اللجوء. وتعرف هذه الولايات باسم الولايات الجنوبية أو Southern States ، وكانت شعبية ترمب وحزبه الجمهوري بدأت بالتراجع. وهو ما ظهر في الانتخابات النصفية لمجلس النواب الأميركي التي تفوق فيها الديمقراطيون على الجمهوريين.

اتفاق غير واضح

 وقال ترمب في تغريدة على "تويتر"، الجمعة 7 يونيو، إنه تم التوصل إلى اتفاق مع المكسيك: "يسعدني أن أبلغكم بأن الولايات المتحدة توصلت إلى اتفاق موقع مع المكسيك. الرسوم الجمركية التي كان مقرراً فرضها من جانب الولايات المتحدة يوم الاثنين ضد المكسيك، تم بالتالي تعليقها إلى أجل غير مسمى".

وأضاف أن "المكسيك وافقت بدورها على اتخاذ تدابير قوية لوقف تدفّق المهاجرين عبر المكسيك إلى حدودنا الجنوبية".

وأوضح أن هذه التدابير ستؤدّي إلى "خفض كبير أو القضاء على الهجرة غير الشرعية من المكسيك إلى الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن "تفاصيل الاتفاقية ستنشرها قريباً وزارة الخارجية.

ماذا تريد أميركا؟

وطالبت إدارة ترمب مكسيكو مراراً باتخاذ خطوات صارمة لوقف تدفق مئات آلاف المهاجرين من دول أميركا الوسطى عبر الأراضي المكسيكية إلى الولايات المتحدة، مصرّة على ضرورة أن تغلق المكسيك حدودها الجنوبية مع غواتيمالا وأن توافق على السماح لطالبي اللجوء بتسجيل طلباتهم داخل الأراضي المكسيكية. ويعني ذلك أن هؤلاء المهاجرين يبقون في المكسيك، ويحصلون على التعليم والطبابة والحق في العمل، الى أن يتم البت في ملفاتهم بطلب اللجوء إلى الولايات المتحدة، وهو أمر تعترض عليه منظمات حقوق الإنسان وتعتبره غير قانوني، إضافة إلى أنه يصعب على طالب اللجوء التواصل مع المحامي الأميركي الذي يتابع قضيته. ويضغط الوضع الحالي على إدارات الهجرة على الحدود لإجراء مقابلات سريعة معهم وحسم موضوع الموافقة من عدمه على منحهم اللجوء إلى الولايات المتحدة.

وبسبب هذا الضغط، أصبح هناك تأخر في إجراء المقابلات بما يزيد على 150  يوماً، وهي الفترة التي يمنح فيها طالب اللجوء إقامة عمل في أميركا في حال لم يتم اجراء مقابلة معه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، هناك من يتسلل إلى داخل الأراضي الأميركية، خصوصاً للولايات التي يتمتع فيها المهاجر بحصانة كبيرة وعدم مضايقة أو توقيف من رجال الأمن مثل ولاية كاليفورنيا، إذ هناك آلاف اللاجئين الذين يعيشون في كاليفورنيا من دون أي أوراق رسمية، ويعملون ويعيشون حياة طبيعة ويتمتعون بالرعاية الصحية والحق في العمل وكافة الحقوق الإنسانية الأخرى.

اقتصاد خفي

وهناك اقتصاد خفي يهم أصحاب الأعمال الأميركيين، خصوصاً في القطاعات الزراعية والخدمات والأعمال الحرة واليدوية في غالبية الولايات الأميركية، حيث يستفيد هؤلاء من المهاجرين غير القانونيين، ويعملون في هذه القطاعات بالحد الأدنى من الأجور وبالاتفاق مع أصحاب الأعمال، وهو أمر يغلق بعضاً من الفجوة والتكلفة التي تركتها إدارة ترمب في السوق، بتشديدها على إجراءات الهجرة والعمل واللجوء وغيرها من الميزات التي كانت تسمح بتدفق العمالة الى السوق الأميركية.

وهناك أزمة حالياً في أميركا لعدم وجود موظفين في قطاعات كثيرة، بسبب الإجراءات التي فرضتها إدارة ترمب. وهو ما أدى إلى إغلاق محال ومطاعم صغيرة ومتوسطة. وجاءت بيانات الوظائف الأميركية لتكشف ذلك، حيث تباطأ النمو في الوظائف بشكل حاد في مايو (أيار) وارتفعت الأجور أقل مما كان متوقعاً.

وكان البنك المركزي الأميركي أعلن أنه قد يتجه إلى خفض الفائدة في العام الحالي، في إشارة إلى تباطؤ في نمو الاقتصاد الأميركي، على الرغم من أنه يعيش أدنى بطالة في50  عاماً وقفزات في البورصة. وهو تناقض ذو خلفية سياسية ولم يشهده الاقتصاد الأميركي بهذه الحدة من قبل.

وعلى وقع الحلحلة في الملف المكسيكي، وبفضل تصريحات الفيدرالي الأميركي، عادت البورصات الأميركية إلى الارتفاع.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد