Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني تزويد مصر بمقاتلات "أف-15" الأميركية؟

يرى مراقبون أن الصفقة تمثل نقلة نوعية في مستوى العلاقات العسكرية بين واشنطن والقاهرة

اعتزام واشنطن تزويد مصر بمقاتلات "أف 15" يُعدّ سابقة تاريخية في العلاقات العسكرية بين الجانبين (أ ف ب)

أعلنت الولايات المتحدة الأميركية صفقة عسكرية غير مسبوقة، تشمل بيع مقاتلات "أف-15" إلى مصر، في خطوة طال انتظارها لعقود. وبانضمام الطائرة الأميركية إلى أسطول سلاح الجو المصري، تدخل البلاد إلى قائمة من 6 بلدان فقط تتمتع بميزة استخدام تلك المقاتلة الرئيسة في سلاح الجو الأميركي، وتصبح من بين 3 بلدان فقط تستخدم تلك المقاتلة إلى جانب أسطول كبير من مقاتلات "أف-16"، إحدى أكثر الطائرات الحربية استخداماً وانتشاراً في العالم.

وأثار هذا الإعلان المفاجئ تساؤلات المراقبين حول دلالة الوصول إلى تلك الخطوة التي تعكس ترقية في مستوى التعاون العسكري بين الجانبين، لا سيما مع مجيء الإعلان عن الصفقة عقب حجب الإدارة الأميركية جزءاً ضئيلاً من المساعدات العسكرية السنوية المقدمة إلى مصر التي تزيد على مليار دولار.

إعلان مفاجئ بعد عقود من الانتظار

أعلن قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكينزي، اعتزام بلاده تزويد الجيش المصري بمقاتلات "أف-15"، بعد أعوام طويلة من طلب مصر طائرة السيادة الجوية المتطورة. وقال ماكينزي خلال جلسة في الكونغرس الثلاثاء: "في حالة مصر، أعتقد أن لدينا أخباراً جيدة، تتمثل في أننا سنزوّدهم بطائرات أف-15، وهو عمل طويل وشاق. لقد شعروا أنها كانت عملية طويلة جداً، واستغرقت وقتاً طويلاً".

وأضاف رداً على سؤال من السيناتور تومي توبرفيل خلال جلسة استماع في الكونغرس "هذا هو النقد الأساسي لقدرتنا على توفير الأسلحة لأصدقائنا وشركائنا. يستغرق الأمر وقتاً طويلاً للحصول عليها".

وجاء الإعلان عن الصفقة بصورة مفاجئة بعد عقود من سعي القاهرة للحصول على تلك الطائرة المتطورة التي لا تمتلكها في المنطقة إلا إسرائيل والسعودية، وأخيراً انضمت قطر إلى القائمة بتلقّيها العام الماضي الدفعة الأولى من صفقة تشمل 36 مقاتلة (أسراب) من طراز F-15QAs كانت الدوحة طلبتها عام 2017، بقيمة إجمالية تصل إلى 12 مليار دولار أميركي.

ويرى أحمد عليبة، الباحث المتخصص في شؤون الدفاع والتسلح أن الإعلان عن هذه الصفقة يمثل "نقلة نوعية" في مستوى العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن مصر سعت للحصول على هذا النوع المتطور من المقاتلات الأميركية منذ مطلع الثمانينيات، لكن الولايات المتحدة "كانت تماطل في الموافقة على بيعها إلى مصر".

واعتبر أن واشنطن بدأت السماح لمصر بصفقات نوعية عدة لم تكُن على قائمة التوريدات من قبل، من بينها أنظمة رادارية وصاروخية سبقت هذه الصفقة، مضيفاً "رفع سقف التعاون العسكري بين الجانبين جاء في أعقاب ترقية مستوى هذا التعاون من خلال ما شهدناه في الفترة الأخيرة من اجتماعات وزيارات متبادلة لوفود عسكرية رفيعة المستوى من البلدين، وإجراء أكثر من مناورة وتدريب عسكري مشترك ومتعدد الجنسيات مثل النجم الساطع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووقّعت الولايات المتحدة الأميركية ومصر في 27 أبريل (نيسان) الماضي مذكرة تفاهم لتسهيل تبادل الدعم اللوجستي العسكري والإمدادات والخدمات، وذكر موقع السفارة الأميركية في القاهرة أن واشنطن تبرم مثل هذه الاتفاقيات مع "الدول الشريكة الرئيسة حول العالم. وتعزز هذه الاتفاقيات ذات المنفعة المتبادلة القدرة على دعم التدريبات وعمليات حفظ السلام وبعثات الدعم الإنساني وجهود الإغاثة في حالات الكوارث في جميع أنحاء العالم. وتُسهّل اتفاقيات ومذكرات التفاهم للاستحواذ والخدمات المتبادلة، التشغيل البيني اللوجستي والتعاون العسكري وجاهزية الوحدات وتعزز عنصر المرونة لقادة العمليات".

وقال عليبة إن الوصول إلى صفقة "أف-15" يعكس موثوقية العلاقات العسكرية بين الجانبين، مشيراً إلى أن "مصر تعمل منذ 7 أعوام على تحقيق استراتيجية تنويع مصادر التسليح، وتحديث الجيش بشكل كامل، لكنها لم تنخرط في صراعات مسلحة، وحققت رشداً في استخدام قواتها المسلحة المحترفة، ولا مخاوف من عسكرية سياستها الخارجية، إذ لم تنخرط في صراعات مسلحة عدة بجوارها المباشر ومنها الأزمة الليبية التي لم تشتبك فيها عسكرياً، باستثناء استخدام حق الرد والدفاع عن النفس مرتين بعد تعرّضها لهجمات إرهابية منبعها الأراضي الليبية".

وأوضح الباحث أن الولايات المتحدة بدأت بالموافقة على تسليح بعض دول المنطقة العربية بمقاتلات "أف-15" و"أف-22" بعد أن طلبت تلك البلدان تطوير تسليحها الجوي بصفقات متقدمة مثل مقاتلات "أف-35" التي طالبت بها الإمارات أخيراً، مشيراً إلى أن تنويع مصادر الحصول على الأجيال المتقدمة من المقاتلات، دفع واشنطن إلى تزويد حلفائها بهذه الطائرات المتقدمة، ومؤكداً أن مصر باتت تُعدّ من أبرز شركاء واشنطن العسكريين من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأن حصولها على "أف-15" ينوّع من الخيارات أمام التسليح المصري.

وقال الباحث في السياسات الدفاعية محمد حسن إن إعلان ماكينزي، اعتزام واشنطن تزويد مصر بمقاتلات "أف-15"، يُعدّ سابقة تاريخية في العلاقات العسكرية بين الجانبين، إذ "كانت واشنطن تمنع وصولها إلى القاهرة لاعتبارات تتعلق بموازين القوى في المنطقة بصورة عامة، ومع إسرائيل بصورة خاصة. لكن إذا ما نظرنا إلى تطورات العلاقة الثنائية بين القاهرة وواشنطن منذ بداية عام 2021، سنجد أنه عام تجديد تلك العلاقة ورفعها إلى مستوى أعلى من الشراكة والتنسيق في مختلف القضايا الإقليمية، لا سيما مع اندلاع الحرب الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في مايو (أيار) الماضي، بحيث أثبتت مصر جدارتها بإدارة الملف الفلسطيني، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتثبيت العمل بالهدنة، ما دفع إدارة بايدن إلى المبادرة والاتصال بالقيادة المصرية وإجراء الاتصال الأول بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره جو بايدن.

وتلى ذلك بدء الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد توقف 6 أعوام. ثم وافقت الإدارة الأميركية على توريد 12 طائرة عسكرية للنقل التكتيكي طراز "سوبر هيركوليز" للجيش المصري، وبلغت قيمة الصفقة نحو 2.2 مليار دولار في صفقة هي الأضخم في تاريخ العلاقات بين البلدين. وتجدر الإشارة إلى الصفقة التي مررتها الخارجية في يناير (كانون الثاني) الماضي لأجهزة رادار حديثة طراز "SPS-48".

إضافة قوية لسلاح جو متنوع

تُعدّ طائرات "أف-15" من أبرز المقاتلات التي يستخدمها سلاح الجو الأميركي في التفوق الجوي، الاعتراضية والهجومية متعددة المهمات، ولا تمتلكها سوى بلدان قليلة من أهم حلفاء واشنطن وشركائها العسكريين، ومن أبرز عملاء المقاتلة "أف-15" الولايات المتحدة واليابان والسعودية وكوريا الجنوبية وإسرائيل وقطر وسنغافورة.

وخلال الأعوام الماضية، تمكّنت القوات الجوية المصرية من تنويع معداتها وتشغيل مقاتلات من أنظمة تسليحية مختلفة، بما في ذلك مقاتلات "أف-16" الأميركية و"رافال" الفرنسية، و"ميراج 2000" الفرنسية، وأخيراً الروسية "ميغ-29"، إضافة إلى صفقة للحصول على المقاتلات الروسية "سوخوي-35" جرى الإعلان عن توقيعها عام 2019، ويتوقع أن تتسلّمها القاهرة عام 2023.

ويصف محمد حسن المقاتلة "أف-15" بأنها متعددة المهمات ويمكنها التعامل مع تهديدات متنوعة، علاوة على كونها من مقاتلات السيادة الجوية في المقام الأول، موضحاً "يبلغ مدى المقاتلة بخزانات الوقود الإضافية حوالى 5500 كم، وتبلغ سرعتها بفضل محركها الثنائي 2.5 ماخ، ونصف قطر الاشتباك القتالي 1960 كم، فضلاً عن تصميمها الأيروديناميكي الذي يعطيها مزايا إجراء المناورات الحادة، وتنفيذ مهمات القصف الاستراتيجي. فالمقاتلة لم تخسر في أي اشتباك جوي تلاحمي حتى اللحظة".

ويضيف، "إذا ما نظرنا إلى قدراتها في الحرب الإلكترونية، سنجد أنها تتمتع بعقل فائق الذكاء، فلديها منظومة ردارات أيسا المتطورة، التي تتميز بوعي شديد تجاه مختلف الأهداف الجوية والبحرية والبرية، والأهم التعامل مع الأهداف الجوية بحسب أولوية الخطورة، والاشتباك معها في وقت واحد. هذا علاوة على حمولتها التسليحية من الصواريخ جو جو، وجو سطح، والقنابل الذكية والموجهة بالليزر والأقمار الاصطناعية وصواريخ القتال الجوي خلف مدى الرؤية".

ويرى حسن أن قيمة المقاتلات "أف-15" كمقاتلات فرض سيادة جوية ستضع سلاح الجو المصري في صدارة المشهد الإقليمي، نظراً إلى قوتها الضاربة، وتابع "الأهم من النظر إلى مقاتلات أف-15 بصورة منفردة، هو تصور القيمة الإضافية التي ستخلقها بالعمل مع مقاتلات أف-16، إذ تملك مصر واحداً من أكبر أساطيل المنطقة من مقاتلات أف-16 مختلفة الطرازات، إذ تعمل الأخيرة كمقاتلة متعددة المهمات، فيما تؤمّن مظلتها الجوية مقاتلات ميراج ورافال، ولكن قدوم أف-15 ضمن هذه التشكيلة، سيسمح للمقاتلات الأخرى بمزاولة مهمات تكتيكية بأريحية كبيرة، وسيدعم المظلة الجوية متعددة الطبقات لمقاتلات الجيش المصري كافة، وسيعطي مصر القدرة على تنفيذ الضربات الجراحية ومهمات القصف التكتيكي، وإخماد الدفاعات الجوية، وحرمان العدو من تحقيق السيادة الجوية، وذلك بتقاسم الأدوار مع مقاتلات أف-16 ورافال وميغ-29. لذلك، فإن القيمة الحقيقية لمقاتلات أف-15 تظهر أكثر إذا ما نظرنا إلى المنظومة المتكاملة من المقاتلات التي تعمل ضمن ترسانة سلاح الجو المصري. وذلك بالتكامل أيضاً مع أعقد منظومة دفاع جوي في المنطقة، وهي منظومة الدفاع الجوي المصرية متعددة الطبقات".

جدل حول الصفقة

وتتعيّن موافقة الكونغرس الأميركي ووزارة الخارجية على الصفقة التي أعلنها البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، وحتى الآن لم يوضح الجانب الأميركي موعد تسليم هذه الطائرات، ولم يذكر ماكينزي مزيداً من التفاصيل. وبعد إعلان الأخير، ستكون الخطوة التالية هي إخطار رسمي من وكالة التعاون الأمني ​​الدفاعي وموافقة المشرعين الأميركيين على الصفقة رسمياً.

وقال موقع "ديفنس ويب" إن عرض الحصول على مقاتلات "أف-15" الأميركية يأتي في أعقاب أنباء عن تخلي مصر عن صفقة مقاتلات "سوخوي-35" الروسية، مضيفاً، في تقرير الخميس، "تم تصنيع 11 طائرة على الأقل ولكن لم يتم تسليمها على ما يبدو لأن المصريين كانوا غير راضين عن أداء رادار الطائرة، الذي جرى التغلب عليه بسهولة من خلال الإجراءات الإلكترونية المضادة لطائرة رافال. ويُعتقد أيضاً أن الضغط من الولايات المتحدة، بما في ذلك العقوبات الأميركية ضد الدول التي تطلب معدات روسية، كان أحد العوامل"، ولم يعلن الجانب المصري أو الروسي عن تخليه عن تلك الصفقة.

ويأتي البيع المحتمل لمقاتلات "أف-15" في أعقاب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على صفقة بيع 12 طائرة نقل عسكري من طراز C-130J Super Hercules من صنع شركة لوكهيد مارتن لمصر عبر مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي. وصوّت المجلس بغالبية 81 صوتاً لصالح الصفقة و18 ضد الصفقة البالغة 2.2 مليار دولار الأسبوع الماضي، بعدما حاول السيناتور الجمهوري راند بول وبعض الديمقراطيين وقف البيع، بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

ولم تخطر وزارة الخارجية علناً ببيع المقاتلة "أف-15" لمصر، ولم يقدم متحدث باسمها تفاصيل. وقال متحدث الخارجية "كسياسة عامة، لا تعلق الوزارة أو تؤكد مبيعات الدفاع المقترحة حتى يتم إخطارها رسمياً من الكونغرس".

وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها وافقت على المبيعات العسكرية المحتملة لطائرات "سي-130" وكذلك رادارات الدفاع الجوي لمصر بقيمة 355 مليون دولار في يناير الماضي، مع قيام وكالة التعاون الأمني ​​الدفاعي بإخطار الكونغرس في اليوم ذاته.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قد قالت إنها ستحرم مصر من 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية، أو 10 في المئة من إجمالي المساعدات المخصصة للبلاد والبالغة 1.3 مليار دولار، "إذا لم تعالج الدولة مخاوف حقوق الإنسان".

وفي الشهر الماضي، قال ماكينزي خلال زيارة إلى القاهرة، إن مصر ستتلقى مساعدة عسكرية "قوية للغاية" على الرغم من قرار حجب المساعدة البالغة 130 مليون دولار. وأضاف قائد القيادة المركزية الأميركية "ما زلنا منخرطين بشدة معهم".

والشهر الماضي، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على صفقة محتملة لبيع 36 مقاتلة "أف–15 إي أكس" إلى إندونيسيا، في خطوة تسهم في تعزيز "أمن شريك إقليمي مهم يمثل قوة استقرار سياسية وتقدم اقتصادي في منطقة آسيا- المحيط الهادي"، وفق بيان صادر عن الوزارة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير