Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحكومة في المنفى"... شرعيتها مرهونة بالقبول الدولي

غالباً ما تؤسس الحكومات في المنافي بعد حدوث ثورة أو انقلاب عسكري أو خلال الحروب

شارل ديغول يتفقد القوات الفرنسية خلال العرض العسكري للاحتفال باليوم الوطني الفرنسي في لندن في 14 يوليو 1940 خلال الحرب العالمية الثانية (أ ف ب)

من بين السيناريوهات المحتملة التي قدمها محللون سياسيون ومسؤولون غربيون منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، طرح على طاولة الحلول السياسية نقاش جاد حول دعم حكومة أوكرانية في المنفى بقيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي في حال اضطر إلى الفرار من كييف أو حتى من الدولة نفسها.

هذا التخطيط للطوارئ من قبل حلفاء أوكرانيا، أخذ بعين الاعتبار أن توجه هذه الحكومة عمليات حرب العصابات ضد الروس، مدعومة بالأسلحة الغربية التي تستمر في التدفق إلى البلاد.

لكن ماذا تعني "حكومة في المنفى"، وهل من تاريخ يحدد نشأتها؟

الظاهرة سبقت التسمية

في الحقيقة لا توجد بداية تاريخية محددة لظهور هذا النوع من الحكومات على ساحة العلاقات الدولية عبر العصور، لكن في المقابل تقدم الوثائق التاريخية حادثتين شهيرتين باعتبارهما من أشهر الأمثلة البعيدة عن "الحكومة في المنفى"، ما يعني أن الظاهرة قد سبقت من دون شك الاستخدام الرسمي للمصطلح.

وقعت الحادثة الأولى في القرن السابع عشر بعد الإطاحة بالملك البريطاني جيمس الثاني على إثر "الثورة المجيدة" التي اندلعت عام 1688. وما حدث حينها أن الشعب البريطاني نفى الملك في البداية إلى إيرلندا، حيث استمر الإيرلنديون في اعتباره الحاكم الشرعي لبلاده، ومرر من هناك قانوناً يقضي بمصادرة الممتلكات الهائلة لأولئك الذين ثاروا عليه.

كذلك أسس جيمس الثاني جيشه الخاص بإيرلندا، لكنه ما لبث أن هزم في معركته الأولى عام 1690، فسافر إلى فرنسا، وعلى مدى نصف قرن ظل يدعي وابنه جيمس فرانسيس إدوارد ستيورات وحفيده تشارلز إدوارد ستيورات أنهم الملوك الفعليون، على الرغم من أنهم كانوا يعيشون منفيين خارج حدود بلادهم التي من المفترض أنهم يحكمونها، حتى أن بعض الملوك الآخرين اعترفوا بهم كحكام شرعيين.

الحادثة الثانية، جرت في القرن الثامن عشر إبان الثورة الفرنسية عام 1789، والتي أبعدت آل بوربون عن الحكم ونفتهم بعيداً. ومن منافيهم ظل هؤلاء الحكام السابقون يعتبرون أنفسهم على رأس السلطة في فرنسا ونالوا اعتراف دول كثيرة بهذا الشأن.

لاحقاً ومع انتشار نظام حكم الملكية الدستورية، أصبحت الحكومات المنفية تضم رئيساً للوزراء. والمثال الأبرز هنا ما حصل بعد انتصار الألمان في معركة هولندا عام 1940 وهروب العائلة المالكة الهولندية والعديد من السياسيين البارزين إلى لندن، حيث شكلوا حكومة في المنفى برئاسة السياسي الهولندي بيتر شوردس غيربراندي.

حكومة خارج أراضيها

ما زال غير معروف بالضبط متى أصبح هذا المصطلح رائجاً في عالم السياسة والدول، وفي المقابل تعرف الحكومة في المنفى بأنها جماعة سياسية تزعم أنها الحكومة الشرعية لبلد ما، لكنها غير قادرة على ممارسة سلطتها القانونية، ولذلك تقيم في بلد أجنبي.

تعتبر هذه الحكومة هي المسؤولة عن البلد الذي تمثله ومستعدة للتعامل مع العالم الخارجي نيابة عنه. ويفترض أن يكون أهل البلد الذي تمثله راضين عن تمثيلها لهم ويؤيدونها إلى المدى الذي يستطيعونه تبعاً للظروف التي يعيشونها.

قد تتألف من فرد أو مجموعة من الأفراد وفقاً للإطار الدستوري للدولة التي تدعي أنها سلطتها العليا. ويجب أن يعترف بها على الأقل من قبل البلد المضيف الذي تقيم على أرضه.

وبموجب القانون الدولي قد تتخذ الحكومة في المنفى إجراءات مختلفة لتسيير شؤونها اليومية، كتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات مع دول أخرى وإنشاء أو تعديل دستورها الخاص وإصدار بطاقات الهوية والسماح بتشكيل أحزاب سياسية جديدة وإجراء انتخابات.

وهذا ما نراه كثيراً في الحالات التي يوجد فيها بلد مضيف يضم عدداً كبيراً من المغتربين من جنسية الحكومة التي في المنفى، ومثال عليه أداء الحكومة المؤقتة للهند الحرة في فترة الحرب العالمية الثانية، مهام إدارية عدة بين السكان الهنود في مالايا البريطانية وبموافقة من السلطات العسكرية اليابانية وقتها.

أما استمرارية تلك الحكومة، فتعتمد بشكل أساسي على نوع ومقدار الدعم الذي تتلقاه في منفاها. ليس فقط من سكان بلدها المؤيدين لها، وإنما من الحكومات والدول الأخرى أيضاً. وفي بعض الأحيان تتطور الحكومات المنفية لتصبح قوة عظيمة مما يشكل تحدياً خطيراً للنظام الحاكم في البلاد، بينما يبقى بعضها الآخر مجرد مبادرة رمزية لا أكثر.

وغالباً ما تؤسس الحكومات في المنافي بعد حدوث ثورة أو انقلاب عسكري أو خلال الحروب. وقد شهدت المملكة المتحدة أثناء التوسع الألماني في الحرب العالمية الثانية توافد حكومات أوروبية عدة خشية من المواجهة المباشرة مع النازيين أو الوقوع في قبضتهم. ونذكر إلى جانب الحكومة الهولندية التي سبق وأشرنا إليها، حكومة فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول التي تأسست في يوليو عام 1940 في لندن، واستطاعت القتال ضد دول المحور باعتبارها من دول الحلفاء ودعمت المقاومة في الأراضي الفرنسية الراسخة تحت الاحتلال.

كذلك قد تتشكل الحكومة في المنفى كنسخة معارضة من الحكومة الحاكمة في بلد ما وتشكيكاً في شرعيتها، الأمر الذي قام به بعض المعارضين السوريين الذين شكلوا حكومة ائتلاف وطني سعت إلى إبطال شرعية حزب البعث الحاكم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أمثلة من التاريخ الحديث

بعد وصول القوات الروسية إلى التبت عام 1959 اضطر الداي لاما الرابع عشر للجوء إلى الهند مع والدته وشقيقته ثم لحق به الآلاف من مؤيديه وأتباعه على مراحل...

أسس إدارة مركزية لحكومة التبت في المنفى في دهار مسالا بولاية هيمشال براديش شمال الهند، وأنشأ أيضاً برلماناً تبتياً عام 1960 ثم أصدر دستوراً للتبت في عام 1963.

وعلى مر العقود الماضية عارضت الصين الترحيب الدولي للداي لاما واعتبرته تدخلاً مرفوضاً في شؤونها الداخلية، وتكشف غضبها أكثر في فبراير (شباط) 2015 عندما استقبله الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وزعمت حينها أن هذا الزعيم التبتي يهدف إلى ضرب نظام الحكم في بكين ويقود أنشطة انفصالية ضدها باسم الدين.

في خضم كلامنا عن الصين يطل مثال آخر ما زال يلقي بظلاله المتأزمة على الساحة الدولية الحالية. بدأت أحداثه خلال فترة الحرب الأهلية في الصين عندما تفاقم النزاع بين الشيوعيين والقوميين أتباع "حزب الكومينتانغ الوطني" بقيادة تشيانغ كاي شيك، وسيطر الحزب الشيوعي الصيني على نحو كامل بر الصين الرئيس.

وبعد إعلان الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ تأسيس "جمهورية الصين الشعبية" في بكين في الأول من أكتوبر عام 1949 لتحل محل "جمهورية الصين"، انسحبت القوات الموالية لحزب كومينتانغ الوطني إلى تايوان على مدار أربعة أشهر متتالية وأعلن تشيانغ كاي شيك هناك الأحكام العرفية وأصبحنا أمام حكومة في المنفى بموجب القانون الدولي.

واليوم تتمتع تايوان بحكم ذاتي وترى في أنها صاحبة الحق في حكم كل من تايوان والصين في حين تعدها بكين منطقة متمردة خارجة عن سلطة جمهورية الصين الشعبية الكبرى، ولا يجب أن تحظى باستقلالها، لهذا هي تهدد دوماً بدخولها واستعادتها إلى مناطق نفوذها.

مثال أوكراني سابق

بالعودة إلى السيناريو المطروح حالياً في الأزمة الأوكرانية، نستحضر سيناريو مشابهاً من الأرشيف الأوكراني، استمر نحو سبعة عقود على امتداد القرن الماضي. إذ وبعد تأسيس جمهورية أوكرانيا الشعبية أو الوطنية عام 1917 تحت حكم سيمون بيتلورا، ما لبثت أن دخلت فوراً في حرب ضد السوفيات الشيوعيين والروس القوميين لتحافظ على استقلالها. لكنها لم تستطع الصمود طويلاً نظراً لاستيلاء الجيش الأحمر على أراضيها وإعلان البلاشفة تأسيس "جمهورية أوكرانيا السوفياتية الاشتراكية".

نُفي رموز جمهورية أوكرانيا الشعبية وأسسوا حكومة في المنفى بقيادة بيتلورا، وفي الوقت ذاته نقلت معظم المؤسسات الحكومية وتوزعت بين تارنوف وتشيستوشوفا ثم بين وارسو وباريس وبراغ.

وبعد اغتيال بيتلورا في مايو 1926 تولى المسؤولية أندريه ليفيتسكي الذي وضع في عام 1948 أسس منصب رئيس الدولة في المنفى، وخدم فيه حتى يناير 1954. ثم توالى الرؤساء على الحكومة الأوكرانية في المنفى إلى أن سلم رئيسها الأخير ميكولا بلافيوك سلطاته الرسمية إلى رئيس أوكرانيا ليونيد كرافشوك بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991.

استندت هذه الحكومة إلى قانون السلطة العليا المؤقتة والنظام التشريعي للجمهورية الوطنية الأوكرانية وقانون مجلس الدولة الشعبي الذين اعتمدهم الدليل الوطني الأوكراني المتأسس في 14 نوفمبر 1918.

وعلى الرغم من أنها عملت من خلال عدد من الوزارات والمؤسسات وأوفدت ممثلين دبلوماسيين إلى بلدان عدة من بينها فرنسا وسويسرا ورومانيا، فإنها لم تستطع أن تثبت نفسها كسلطة سياسية وحيدة للأوكرانيين في الشتات بسبب المعارضة الشديدة التي واجهتها من أحزاب أوكرانية عدة؛ حتى أنه وفي بعض الأحيان كانت تعامل باعتبارها مجرد حزب آخر لا أكثر.

المزيد من تقارير