Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحيز العرقي في التغطية الإعلامية الغربية للحرب الأوكرانية هو أمر مخجل

كأن إراقة الدماء والاجتياحات لا تخص سوى بلدان السود والملونين

دبابة روسية تحت غطائها في الباحة الخارجية لمحطة "زابورجيا" النووية، في "إنرهودر" الأوكرانية، بتاريخ 16 مارس 2022 (رويترز)

من فرنسا إلى بريطانيا والولايات المتحدة، يأتي الكثير من التغطيات الإعلامية للحرب في أوكرانيا مشبعاً بالتمييز العرقي. إنه أمر خطير حتى لو لم يكن مفاجئاً.

لقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بالدخول إلى أوكرانيا يوم الخميس في 24 فبراير (شباط) 2022، إثر أسابيع من الحشود العسكرية على الحدود، مغرقاً هذا البلد بالفوضى. ويحاول مئات الآلاف من الأشخاص النزوح إلى أماكن آمنة – بالدرجة الأولى عبر الحدود إلى بلدان مثل بولندا وهنغاريا ورومانيا.

والآن، نظراً لبياض (بياض بشرة) الأوكرانيين وقربهم من الغرب، ثمة صعوبة بادية عند بعض المعلقين السياسيين والمراسلين الجوالين لإدراك كيفية نشوء هذا النزاع وفهمه. إذ يبدو الأمر كأن إراقة الدماء والاجتياحات مقدرة فقط على البلدان التي يسكنها سود وملونون – كما أن البعض ليس لديه أي غضاضة في التعبير عن شعوره بالهلع إزاء هذا التحول في الأحداث، وربما من دون الانتباه إلى الطريقة التي تجنح بها مشاعره لتغذية عقيدة التفوق العرقي الأبيض، تلك العقيدة التي لا تقيم وزناً لحياة الآخرين (غير البيض في هذه الحالة).

حتى الآن مئات الأوكرانيين قتلوا خلال الاجتياح، وفق ما أدلى به مصدر مسؤول. وبحسب الأمم المتحدة قام نصف مليون شخص بعبور الحدود إلى الدول المجاورة. وقد كتب دانييل هانان في "ذا تلغراف": "إنهم يشبهوننا تماماً. وهذا ما يجعل الأمر صادماً جداً. لم تعد الحرب أمراً تكابده شعوب فقيرة وبعيدة. بل إنها قد تصيب الجميع".

إذن بات مؤكداً: التمييز العرقي ليس موجوداً فقط عند الحدود الأوكرانية، حيث يتحدث أشخاص من أقليات عرقية عن حرمانهم من اللجوء، بل إن الصنف نفسه من التعصب منتشر في أجزاء مختلفة من قطاع الإعلام الدولي. والأمر لا يؤدي سوى إلى تعزيز مشروعية ظاهرة تجريد غير البيض من إنسانيتهم، خصوصاً أولئك الذين يكابدون النزاعات والحروب.

وكان شارلي داغاتا، كبير مراسلي الشؤون الخارجية في قناة "سي بي أس نيوز" (الأميركية)، اعتذر يوم الأحد الماضي بعد أن اعتبر في رسالة على الهواء أنه لا يمكن مقارنة الهجوم على أوكرانيا بالحربين في العراق وأفغانستان، لأن هذا البلد الأوروبي الشرقي (أوكرانيا) أكثر "تحضراً". تابع "مع كل احترامي، هذا بلد لم يشهد نزاعاً مستعراً طوال عقود مثل العراق وأفغانستان. إنه بلد متحضر نسبياً، وعاصمته أوروبية إلى حد ما – وهنا أيضاً علي اختيار هذه الكلمات بانتباه – حيث يمكنك أن لا تتوقع حصول ذلك (استعار النزاع لوقت طويل)، وآمل أن لا يحصل ذلك".

كذلك اضطرت قناة "الجزيرة" الإنجليزية للاعتذار بعد أن قام المذيع بيتر دوبي خلال بثها يوم الأحد الماضي بالقول: "الأسر حين ننظر إليهم هو طريقة لبسهم. إنهم أشخاص من طبقة وسطى مزدهرة. والواضح أنهم ليسوا لاجئين يحاولون الفرار من الشرق الأوسط [...] أو شمال أفريقيا. فهم يبدون مثل أي عائلة أوروبية تعيش في جوارنا".

أما المعلق على "بي أف أم تي في" BFM TV، القناة الفرنسية البارزة الجديدة، فقال خلال تغطية مباشرة: "إننا في القرن الواحد والعشرين، نحن في مدينة أوروبية وهناك قصف بصواريخ الكروز كأننا في العراق أو أفغانستان، يمكنكم أن تتصوروا ذلك! وخلال تغطية أخرى على "بي أف أم تي في" قال الصحافي فيليب كوربي: "إننا لا نتحدث هنا عن سوريين يهربون من قصف النظام السوري المدعوم من بوتين، إننا نتحدث عن أوروبيين يغادرون بسيارات مثل سياراتنا للنجاة بأرواحهم". من جهتها، لوسي واتسون، على قناة "آي تي في"، قالت وهي تحاول بوضوح كبح دموعها: "الآن حل بهم المحال، ونحن لسنا في أمة نامية من بلدان العالم الثالث، بل في أوروبا". كذلك قالت مراسلة الـ "أن بي سي" هالي كوبيلا: "لنتحدث بصراحة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، إنهم لاجئون من أوكرانيا [...] إنهم مسيحيون، وبيض. أنهم [مثلنا] تماماً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

في السياق ذاته وبحديث مع "بي بي سي" قال نائب رئيس النيابة العامة الأوكراني ديفيد ساكفاريليدزيه: "الأمر مؤثر جداً بالنسبة لي لأنني أرى أشخاصاً أوروبيين زرق العيون وشقر الشعر يقتلون". واليوم قدم مذيع "بي بي سي" روس آتكينز اعتذاره لأنه لم يتمكن من مواجهة نائب رئيس النيابة العامة الأوكراني بسبب كلماته تلك. وتحمل المسؤولية في هذا المعرض أمر مرحب به.

واستكمالاً قام الإعلام أيضاً بتمجيد مقاومة المواطنين الأوكرانيين المسلحة بمواجهة الروس وذلك بطريقة لا تحظى بها مقاومة البلدان ذات الشعوب السوداء والملونة. وخلال هذا الوقت، وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، تجري حملات تمويل جماعية لدعم جهود تلك المقاومة، فيما في المقابل فرضت عقوبات على حملات التبرعات المالية لحسابات مثل "باي بال" PayPal، التي يفترض ارتباطها بجهود المعونة العامة في بلدان الشرق الأوسط. ويوم الجمعة المنصرم، عرضت قناة "سكاي نيوز" مقطعاً مصوراً لأشخاص (أوكرانيين) يصنعون خلطات المولوتوف – أي القنابل – وقد جرى في السياق تقديم شرح مفصل لكيفية صنع تلك المقذوفات لتكون بأقصى قدر من الفاعلية. هل يمكن تصور أن يكون هؤلاء (الذين يصنعون القنابل) سوريين أو فلسطينيين؟ كانوا سيصنفون على الفور بأنهم إرهابيون.

كذلك من جهة أخرى فإن اللغة المستخدمة في خضم هذه التغطية موحية أيضاً. مثلاً قام سياسيون أوروبيون، أمثال رئيس الوزراء البلغاري وعضو مجلس النواب الفرنسي جان لوي بورلانغ باستخدام عبارات مثل "مثقفين" و"نخبة" لوصف الأوكرانيين الساعين لملاذات آمنة في أنحاء أوروبا، وقد منحا بذلك الأوكرانيين قيمة وترحيباً أكبر مما لاقاه الأشخاص من ذوي البشرة الملونة اللذين هربوا من بلدانهم التي تنهشها الحروب.

طبعاً لا شيء مفاجئاً على نحو خاص في ما تقدم، كون ذاك يصدر من إعلام غربي وطبقة سياسية بيضاء بالدرجة الأولى. أمام أوروبا طريق طويل لتحسين أطياف التنوع في الإعلام. والأمر ذاته يقال بالنسبة للإعلام الأميركي، حيث يعتبر 77 في المئة من موظفي الإذاعة العامة ومحطات التلفزة من البيض، فيما نسبة البيض من إجمالي عدد السكان هي 60.6 في المئة. هذا يعني أن تمثيل الفئة الاجتماعية المذكورة في مجال الإعلام هو تمثيل يتجاوز حجمها. في المقابل فإن 94 في المئة من الصحافيين في المملكة المتحدة هم من البيض.

التأمل بهذه الوقائع والمعطيات وغيرها الكثير من الأمثلة، جعلني أتصور بأننا نعيش وسط ديستوبيا [خلاف عالم المثل أي واقع مرير]، وفي مجتمع متخيل يكابد معاناة ومظالم هائلة. ومن ثم انتبهت إلى أن هذا الواقع المرير [ديستوبيا] موجود بقوة، لكن يمكننا في أغلب الأوقات الاعتماد على بعض وسائل الإعلام ليس فقط من ناحية عقلنة مظاهر التمييز المستترة تحت مفهوم "وضع الأشياء في سياقها"، بل أيضاً من ناحية شجب تلك المظاهر.

إنه أمر غير مقبول. إذ على رغم أن الإعلام يمثل في أغلب الأوقات قوة للخير، مع منابر مثل "بي بي سي" و"الجزيرة" وقلة غيرها غطت مظاهر التمييز العرقي الحاصلة عند الحدود الأوكرانية، فإن التقدم والارتقاء الجماعي مطلوب هنا.

إنه الوقت الأمثل لكل من هو في مراكز القرار بالمؤسسات الإعلامية، وللصحافيين الذين يغطون الحرب في أوكرانيا، كي يفكروا طويلاً وملياً في كيفية الاستفادة من امتيازاتهم الآن والمضي قدماً في تقديم تغطية متوازنة. خذوا هذه النصيحة من صديقة زميلة نقدية محبطة، على رغم غضبها جراء ما عانته من تغطيات منحرفة ومشوهة بحق أبناء جلدتها السود والملونين.

 

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 01 03 2022

© The Independent

المزيد من آراء