Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أداء موسكو في أوكرانيا بمثل السوء الذي يودنا الغرب أن نصدقه؟

إذا قررنا أن نتعمد تجاهل الرواية الروسية للحوادث، فإننا نخاطر بالاستيقاظ ذات يوم كي نكتشف أن الكرملين ربح الحرب

جنود أوكرانيون يلقون تحية الوداع على الكولونيل فاليري غودز بعد سقوطه في معارك مع الجيش الروسي (أ ب)

كيف حال الأداء الروسي في حرب أوكرانيا؟ إذا اعتمدتم تماماً على ما يدلي به المسؤولون البريطانيون والأميركيون والأطلسيون من خلال معظم وسائل الإعلام، فإنكم ربما ستعتقدون أنكم قد كونتم صورة منطقية عما يجري إلى حد ما. وتؤشر تلك الصورة إلى أن أداء القوات العسكرية الروسية يسير على نحو سيئ. وبالتالي، تكشف هذه الحرب في الأساس عن سوء تقدير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

إن العملية [اجتياح أوكرانيا] التي اعتقد القادة الميدانيون الروس بأنها ستنتهي خلال يومين، باتت في صدد دخول أسبوعها الثالث. الأوكرانيون الذين كان من المتوقع أن ينشغلوا في فرش الزهور على دروب القوات الروسية الوافدة، واصلوا بدلاً من ذلك رمي زجاجات قنابل "مولوتوف" الحارقة [لصد تقدمهم]، ولا تبدو في الأفق أي إشارة على قرب استسلام العاصمة كييف. بدلاً من ذلك نرى الرئيس الأوكراني قد تحول إلى تشرشل عصرنا هذا، عبر إلقائه الخطب اليومية أمام برلمانات الدول الغربية.

وتسير الأمور نحو الأسوأ بالنسبة إلى الروس في سرديتنا للأزمة. فلقد خسروا (أي الروس) آلاف الجنود، وعلى الأقل ضابطين رفيعي المستوى. وعلى ما يبدو، فقد علقت قافلة عسكرية روسية طولها أربعين كيلومتراً على مشارف العاصمة كييف، بسبب وجود مشاكل روسية في عمليات الإمداد اللوجستية. ويقال لنا أيضاً أن طعام الجنود الروس بات على وشك النفاد، ومعنوياتهم منخفضة. وبين الحين والآخر، يشفق أحد الأوكرانيين الكرماء على مجند روسي مغلوب على أمره، فيجهش الأخير باكياً حينما يقدم له الأول وجبة من الحساء الساخن وفرصة الاتصال بوالدته.

بالطبع، فلقد وصلت روسيا إلى مستوى من اليأس دفعها إلى البدء في ضرب المدن عشوائياً، وتجاهل كل قوانين الحرب [الدولية التي تدعو إلى تحييد المدنيين]. لقد أدى ذلك إلى تدمير "خاركيف"، ثاني أكبر المدن الأوكرانية. وكذلك عمدت إلى تدمير جناح الأمومة في مجمع استشفائي في مدينة المرفأ الاستراتيجي الأوكراني "ماريوبول" (في جنوب البلاد). لقد نجحت روسيا حتى الآن في السيطرة على مدينة واحدة هي "خرسون" التي تقع قبالة شبه جزيرة القرم المحتلة. وحتى في تلك المدينة، خرج سكانها الثائرون إلى الشوارع لمواجهة الدبابات الروسية ملوحين بالأعلام الأوكرانية.

قد يشكل ذلك كله، أو على الأقل بعضاً منه، الصورة الحقيقية للوضع [على الأرض]. لكن الحقيقة أن أياً منا، ممن يراقب الوضع من الخارج لا يعلم حقيقة ما يجري فعلياً، ويشمل ذلك ربما كبار المسؤولين الروس، ووزير دفاعها وحتى الرئيس بوتين. ربما تملك أجهزة الاستخبارات الغربية صورة أدق عن حقيقة [ما يجري]، ويبدو أنها نجحت في اختراق اتصالات رفيعة المستوى [جرت بين القادة الروس]. مع ذلك، إن الازدراء الذي نتعامل به مع ما تمكنت روسيا من تحقيقه، أقله من قبل بن والاس وزير الدفاع البريطاني وهو سياسي من خلفية عسكرية، يبدو لي أنه على شيء من العبثية والرفض (في وضعه الحقائق في نصابها). وكذلك فإن ما يقدم لا يتطابق تماماً مع ما ينقله بعض الصحافيين العاملين على الأرض (إذا أنصتنا إليهم بإمعان) أو حينما تطالعون الخرائط التي تتابع ما يجري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أولاً، بالنسبة إلى مسألة أن تنفيذ العملية الروسية لم يجرِ وفق ما خططت له موسكو، أو فشل العملية في تنفيذ أهدافها إلى ذلك الحد الذي نخبر عنه. يعتمد ذلك على مدى كون الخطة تهدف إلى اجتياح أوكرانيا وصولاً إلى السيطرة على العاصمة كييف خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى بضع ساعات. لو اعتبرنا أن ذلك شكل السيناريو المثالي لروسيا، أو افترضنا عدم وجود سيناريو، فحينها يمكننا أن نستخلص أن الخطة الروسية ليست على ذلك القدر من الفشل. أما بخصوص تلك القافلة العالقة على مشارف كييف، أليس من الممكن أن تبقى هناك عن قصد كورقة للمساومة [في وقت لاحق]؟ ويعني ذلك، حينها، ظهور سيناريو من نوع أنه يمكنك [أيها الرئيس] زيلينسكي إنقاذ كييف [من الاجتياح] إذا تنازلت عن هذا وذاك من الشروط. إن لم توافق فإن روسيا جاهزة للقتال.

ثانياً، إن كل المعلومات التي تردنا نحن في الدول الغربية عن الأوضاع في أوكرانيا تصلنا من الجانب الأوكراني بشكل حصري. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الأوكرانيين ورئيسهم على وجه الخصوص، نجحوا تحديداً في قدرتهم على عرض قضيتهم إعلامياً، بمعنى إبراز أنهم ضحايا اجتياح لم يكن لهم أية يد في إشعاله، ولديهم (كمعتدى عليهم) الحق الأخلاقي والتعاطف الشعبي [العالمي] إلى جانبهم.

لكن السبب الآخر لكوننا نعجز عن سماع وجهة نظر الطرف الآخر يعود إلى نجاحنا في مقاطعتها بشكل فاعل. إذ لم يعد مسموحاً ببث أقنية التلفزيون الروسية الدولية كـ"روسيا اليوم" [آر تي RT]، عبر غالبية المنصات التي توزع محتوى تلك القنوات في المملكة المتحدة، وذلك بسبب قرار جديد لم يصدر عن لندن هذه المرة، بل صدر في بروكسل. وفيما سهلت أوكرانيا وصول الصحافيين وعملهم على الأرض، لمعرفتها بأهمية نشر وجهة نظرها، لم تسهل القوات الروسية عمل أي صحافي غربي ضمن فرق التغطية الإعلامية "المرافقة" للقوات الروسية (لكن يحكى أن بعض الصحافيين الصينيين قد "رافقوا" القوات الروسية) فيما استمر الصحافيون الغربيون العاملون في روسيا عملهم في متابعة آخر الإجراءات هناك، ويركزون في عملهم على ما يجري داخل الدولة [جراء تداعيات الحرب]، بدلاً من متابعة كيفية التغطية الروسية للحرب.

واستطراداً، لست بصدد القول إن الاستماع للمصادر الروسية أو متابعة القنوات التلفزيونية الروسية أو قراءة ما تصدره موسكو سيعني بالضرورة منحنا فكرة أكثر دقة عن حقيقة ما يجري، فالادعاءات التي كانت قد أطلقتها ماريا بوتينا، التي اتهمت [في أميركا] بأنها عميلة روسية ثم صارت نائبة في البرلمان الروسي، ومن ادعاءاتها أن الأوكرانيين يعتدون على أنفسهم، تشكل [تلك الادعاءات] أمراً غريباً للغاية. لكن، إذا كان لأحد الأطراف إمكانية الاحتكار الكامل للمعلومات التي نستهلكها، فالصورة التي ستظهر قد تكون هي الصورة نفسها التي يود، الجانب الغربي، أن نحصل عليها.

 

وكذلك قد يتضمن الموقف الروسي المروج له، دفاعاً عن أن الغالبية العظمى من أهداف [الحملة العسكرية الروسية] تملك أهمية استراتيجية، وفق التعريف الروسي لها، وبالتالي فإنها تدخل ضمن هدف روسيا المعلن المتمثل في "نزع أسلحة أوكرانيا". وعلى نحو مماثل، ربما بالإمكان الأخذ في الاعتبار موقفهم أنهم قطعوا التيار عن المفاعل العامل بالطاقة النووية في "تشيرنوبل" لأسباب تتعلق بالسلامة العامة، وأن الحريق الذي وقع في أكبر معمل للطاقة النووية في أوروبا في منطقة "زابورجيا" لم يحدث في المفاعل نفسه، بل في المبنى المقابل، ولم يشعل الحريق الجنود الروس، بل أشعله الأوكرانيون لتدمير موقع سري لصناعة الأسلحة. وفق ما ذكرت، لستم مضطرين إلى تصديق ما جاء هنا، لكن من الجيد أن تكونوا على علم بوجود روايات أخرى.

وربما من الجيد أن نعرف أيضاً بعض الحقائق التي قد لا تكون مناسبة في هذا السياق، بل إنها برزت بسبب جهود إعلامية غربية مشكورة. ومن هذه الحقائق أن أوكرانيا قد أصيبت بخسائر كبيرة أيضاً. أكثر من ألف أوكراني ربما قتلوا في "خاركيف"، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وحدها. ومن الحقائق الأخرى أن "الممرات الإنسانية" التي رتبت للخروج من مدينة ومرفأ "ماريوبول" قد لغمت ليس من قبل الروس، بل من الأوكرانيين بهدف إعاقة التقدم الروسي. والحقيقة الثالثة هي أنه ربما يكون الرتل العسكري الروسي الكبير قد علق بالقرب من كييف، لكن الجنود الروس كانوا قد تقدموا إلى مسافة قريبة من العاصمة بشكل أكبر مما قيل لنا. وقد كشف عن ذلك كمعلومات سرية لا يجب الكشف عنها، عبر واحد من ثلاثة مراسلي حرب تحدثوا أخيراً في جلسة افتراضية عبر تطبيق الفيديو "زووم" في نادي "فرونتلاين" الشهير للصحافيين الحربيين في لندن.

وفي ذلك الصدد، قد تكون الخرائط (التي تظهر تموضع القوات للطرفين) مفيدة. وإلى حد ما، يتجاهل كثير من التغطية الإعلامية حتى الآن ما يجري في جنوب البلاد مع استثناء حدث واحد هو المعارك العنيفة التي تدور في "ماريوبول" التي يتم تغطيتها بمعزل عما يجري في مناطق أخرى في البلاد. لكن روسيا واصلت تحقيق المكاسب في جنوب البلاد. فبعد سيطرتها على مدينة "خرسون"، يبدو أن القوات الروسية في طريقها للسيطرة على ما تبقى خارج قبضتها من "ماريوبول"، وكذلك تهدد تلك القوات حالياً مدينة "ميكولاييف". وانطلاقاً من تلك النقطة، لم تعد تلك القوات بعيدة عن أكبر مرافئ أوكرانيا التجارية، ميناء "أوديسا".

إذا لم يجرِ التوصل إلى اتفاق على وقف لإطلاق النار، قد تكون روسيا على مسافة أسبوع واحد من السيطرة على كل الساحل الأوكراني على البحر الأسود، وإغلاق كل منافذ أوكرانيا عبر البحر. أما بشأن نية روسيا ترك أوكرانيا ما بعد الحرب دولة معزولة ليس لديها منافذ بحرية، أو أنها ستطلب تنازلات إضافية من كييف مقابل منفذ بحري، فذلك لن يؤثر كثيراً في مجرى الحوادث، إذ تتمثل النقطة التي أحاول الإشارة إليها في أن هذا التقدم الروسي يتعارض مع التقارير الكثيرة التي يجري تناقلها عن الفشل الروسي.

تتمثل الرغبة الغربية، أي رغبتنا نحن، في عدم نشر ما من شأنه ضرب المعنويات الأوكرانية، خصوصاً مع استمرار رفض الحكومات الغربية إلحاق أقوالهم الجميلة [الرنانة والواعدة] بالأفعال التي ربما من شأنها أن تشعل حرباً كاملة بين حلف الأطلسي وروسيا. لكن، إذا تعمدنا استبعاد وتجاهل الرواية الروسية حيال ما يجري من حوادث، فإن الخطر يكمن في أننا قد نستفيق يوماً لنكتشف أن روسيا قد كسبت الحرب.

وبالتالي، إن ذلك الأمر قد يؤدي إلى تداعيين اثنين سلبيين بالنسبة إلى الدول الغربية أو أوكرانيا. إذ قد يؤدي إلى ضرب مصداقية السياسيين الغربيين، والصحافيين، إذا اكتشفنا يوماً أنهم تعمدوا البخل [التقتير] في نشر ما هو حقيقي. ومن شأن ذلك أن يترك الجميع ما عدا الروس غير مهيئين "لليوم التالي للحرب". وحينها، قد يبدو كأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم تتعلما أي شيء من فشل مماثل لهما في العراق.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 11 مارس 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء