Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"14 آذار" اللبنانية... من فرقتهم الظروف لم تجمعهم الانتخابات

"حزب الله حوّل الميثاقية من إسلامية - مسيحية إلى سنية - شيعية - مسيحية فسيطر على الميثاقية المسيحية والشيعية وطارت السنية"

لم يكن ذلك المشهد في 14 مارس 2005 غير المسبوق في تاريخ لبنان وليد ساعته (أ ف ب)

شكلت تظاهرة "شكراً سوريا" في الثامن من مارس (آذار) 2005 التي دعا إليها "حزب الله" وحلفاء النظام السوري في لبنان النقطة التي أفاضت الكيل، فكان الرد بمشهدية مليونية حصلت في 14 مارس في ساحة الشهداء في وسط بيروت، عرفت بانتفاضة الاستقلال أو ثورة الأرز، سبقتها تظاهرات يومية غاضبة بدأت فور اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005 محملة النظام السوري مسؤولية الاغتيال ومطالبة بإنهاء الاحتلال السوري للبنان.

لم يكن ذلك المشهد في 14 مارس 2005 غير المسبوق في تاريخ لبنان وليد ساعته، بل جاء نتيجة طبيعية لتراكم ظروف وأحداث ومحطات وتطورات بدأت مع الانقلاب على "اتفاق الطائف"، وتواصلت مع حلّ حزب "القوات اللبنانية" وسجن رئيسها سمير جعجع، ومنع رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل والعماد ميشال عون (رئيس الجمهورية الحالي) من العودة إلى لبنان، وقمع الحريات وشلّ الحياة السياسية، واستمرت مع صرخة الحرية من بكركي (مقر البطريركية المارونية)، وبيان مجلس المطارنة الموارنة الشهير عام 2000 الذي طالب بانسحاب الجيش السوري، مروراً بمحطات أساسية  لتوحيد القوى المعارضة كالمصالحة التاريخية بين الدروز والمسيحيين في الجبل برعاية البطريرك الماروني الراحل نصر الله صفير، وتشكيل تكتل سياسي مسيحي معارض برعاية بكركي ورئاسة المطران يوسف بشارة وتحوله لاحقاً إلى لقاء وطني عرف بلقاء "البريستول" جمع معارضي الوجود السوري في لبنان من كل الطوائف، مسيحيين ودروزاً وسنة وشخصيات شيعية وصولاً إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 .

وحّدت "انتفاضة الاستقلال" كل القوى السياسية المعارضة لنظام الأسد فشكلت الأحزاب والتيارات والقوى المستقلة حركة سياسية باتت تعرف بـ "14 آذار" مقابل الأحزاب والقوى المؤيدة للنظام السوري، والتي عرفت بـ قوى "8 آذار"، وتمكنت حركة "14 آذار" من تحقيق ثلاث نتائج مباشرة تمثلت بكسر الحواجز بين اللبنانيين وخروج الجيش السوري من لبنان واستعادة جزء من الشرعية اللبنانية، لم يدم عقد "14 آذار" مطولاً حتى نجح "حزب الله" في فرطه، وكانت أولى انتكاساته تمايز أحد أبرز مؤسسيه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عنه، على إثر أحداث السابع من مايو (أيار) 2008، ودخول "حزب الله" بيروت، ثم توالت التطورات والتنازلات مروراً بالتسويات حتى  فرط عقد حركة الاستقلال، ولم تنجح محاولات عدة في تشكيل جبهة جديدة سيادية موحدة بعدما بات لكل فريق حساباته وحلفاؤه وتسوياته.

أول المغادرين كان الحزب الاشتراكي

يصف النائب الاشتراكي أكرم شهيب لـ "اندبندنت عربية" "14 آذار بالمحطة التاريخية في تاريخ لبنان المعاصر، فهي وحدت القوى السيادية، وأسقطت الحواجز المذهبية والطائفية، وتمكنت من إخراج جيش حافظ وبشار الأسد وأنهت السيطرة المباشرة السورية"، بحنين، يتحدث شهيب عن "14 آذار" معتبراً أنها تبقى معلم حرية ونموذجاً ديمقراطياً شعبياً إنسانياً بامتياز، مستبعداً أن تتكرر هذه اللحظة التاريخية لأن الظروف، بحسب رأيه، تبدلت والقوى تشتت محلياً، والواقع العربي انشغل بسوريا والعراق وليبيا واليمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهل يتحمل الحزب التقدمي الاشتراكي مسؤولية فرط عقد انتفاضة الاستقلال؟ ينفي شهيب هذا الأمر ويقول، "صحيح أن الحزب التقدمي الاشتراكي ترك 14 آذار لكنه لم ينتقل إلى 8 آذار"، مذكراً بالتسوية الرئاسية التي أحدثت الضرر الأكبر على قوى "14 آذار" عندما تحالف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مع رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون آنذاك، إضافة الى تفاهم القوات اللبنانية مع عون وما سبقها من خروج لحزب الكتائب أيضاً.

"14 آذار" لم تعد موجودة في نظر "المستقبل"

إذا كان اغتيال رفيق الحريري العامل الأبرز الذي ساهم في انطلاق حركة "14 آذار"، فإن خروج تياره السياسي وقرار سعد الحريري تعليق العمل السياسي مع تيار المستقبل، عشية استحقاق ديمقراطي مفصلي في تاريخ لبنان (الانتخابات النيابية)، يشكل العنصر الأقوى في إسقاط أي إمكانية لإعادة جمع القوى السيادية وإعادة إحياء "14 آذار"، على الرغم مما يشهده تيار المستقبل نفسه من انقسامات حول خيارين، إما اعتماد المواجهة وخوض الانتخابات النيابية كما أعلن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة ومجموعة من الشخصيات السنية، أو المقاطعة كما يريد سعد الحريري.

ويعتبر عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار أن "14 آذار" كانت حركة شعب، واجتمع مئات الآلاف خارج طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية رافعين العلم اللبناني وحده، وهتفوا جميعاً للحرية والسيادة والاستقلال، وأجبروا النظام السوري على سحب جيشه من لبنان، صورة "14 آذار"، يقول الحجار، لن ينساها اللبنانيون أبداً، لكنها اليوم، وعلى الرغم من أنها لا تزال في النفوس، إلا أنها كتنظيم وتجمع لم تعد للأسف موجودة، وبحسب الحجار، انتهاؤها حصل بسبب مغادرة قوى أساسية صفوفها بشكل مفاجئ ملمحاً إلى الاشتراكي، في وقت فضّل البعض الآخر، من أجل كسب المراكز والمواقع، عقد اتفاقيات وتفاهمات مع أخصام "14 آذار" التي انتفض جمهور حركة الاستقلال ضدهم حتى وصل البلد إلى الجحيم، أما القسم الآخر فعمل على مصادرة "14 آذار" من أجل مصلحته الخاصة.

وبأسى عميق يتأسف النائب في المستقبل على مصير هذه الحركة، ويقول إننا كنا نعوّل عليها كثيراً وعلى تمكنها من إنشاء دولة استقلال حقيقية وفاعلة وقوية بمؤسساتها الدستورية الحافظة للكيان وللشعب بعيداً من الفساد والفاسدين، ويرى أن كل أطرافها تتحمل مسؤولية ما وصلت إليه، وإن بنسب مختلفة.

"14 آذار" أكثر من انتقام وأقل من مشروع وطن

في خريطة القوى الأساسية التي كانت منضوية في هذه الحركة السيادية، وحده حزب القوات اللبنانية لا يزال يتحدث عن استمرارها، وإن بأشكال مختلفة، وروح "14 آذار" هي ثوابت الحزب، يقول عضو تكتل الجمهورية القوية (تكتل القوات اللبنانية) النائب بيار بو عاصي، القائمة على السيادة والتعددية والديمقراطية، لافتاً إلى أن هذه الحركة كانت أكثر من انتقام ممن اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأقل من مشروع وطن، "14 آذار كانت لحظة وعي لدى كثيرين من اللبنانيين بأن الاستقواء بالخارج لم ولن يجلب إلا الويلات على الداخل، وبأن العودة إلى روح العقد الاجتماعي والميثاق هو الأسلم لبناء وطن مستدام".

هذه كانت نية الجماهير العفوية الصادقة التي نزلت إلى ساحة الشهداء وبقية الساحات، ويضيف بو عاصي أن هذه الحركة كانت واعدة لأن الإطار السياسي التنظيمي كان جاهزاً، لا سيما تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والكتائب، ويستذكر نائب القوات اللبنانية عبور جمهور هذه الأحزاب الحواجز الطائفية بانسيابية غير معتادة في المشهد السياسي اللبناني، ما ساهم في خلق تمثيل سياسي لحركة شعبية.

أما أسباب تراجع هذه الحركة السياسية الشعبية فهي بدأت، بحسب بو عاصي، مع تزايد الخوف نتيجة الاغتيالات المتتالية إضافة إلى الغطاء المسيحي الذي أمنه ميشال عون لـ "حزب الله" من خلال أكبر كتلة مسيحية، مروراً بتنازلات محلية وإقليمية وصولاً إلى السابع من مايو 2008، واتفاق الدوحة وخيبة أمل جمهور ثورة الأرز، فكانت الضربة التي حضرت للضربة القاضية في يناير (كانون الثاني) 2011 من خلال "القمصان السود" (يوم نزل المئات من عناصر حزب الله باللباس الأسود في شوارع بيروت).

يذكر بو عاصي نموذجاً عن تخلي زعيم الموارنة عن مشروع الدولة مستذكراً ما حصل في قداس مار مارون الذي ترأسه البطريرك الماروني بشارة الراعي بحضور رئيس الجمهورية، ويقول، "فيما كان بطريرك الموارنة يدق ناقوس الخطر ويقول إن ركائز وجودنا الأربع بخطر، نهائية الكيان اللبناني، ونهائية وجود المسيحيين ودورهم، ونهائية الولاء للبنان وحده من دون سواه، ونهائية الحياد فلا ارتباط بمحاور الشرق ولا الغرب، كان هناك من يصرخ بشكل هيستيري "تاراتاتا جنرال...، والجنرال زعيم الموارنة يبتسم بفخر"، ونسأل النائب بيار بو عاصي ماذا بقي من "14 آذار" فيرد ماذا بقي من الوطن، ويضيف الجواب لدى المواطن في 15 مايو (موعد إجراء الانتخابات النيابية).

"14 آذار" في 15 مايو

قد تكون ظروف لبنان اليوم هي نفسها التي كانت وراء قيام هذه الحركة، لكن القوى نفسها تبدلت، فالوجود السوري الذي وقفت المعارضة في وجهه تحول إلى نفوذ إيراني تشتكي هذه القوى منه، وبعضها يرفع شعار إنهاء النفوذ الإيراني وسلاح "حزب الله" في معركته في الانتخابات النيابية المقررة في 15 مايو، لكن المفارقة أن هذه القوى نفسها التي واجهت الاحتلال السوري موحدة وفازت بأكثرية مجلس النواب على مدى دورات ثلاث، باتت اليوم مشرذمة منقسمة متخاصمة غير متفقة في ما بينها حتى على مبدأ المواجهة، كما أن الانقسام خرق الصف الواحد، كما هو حاصل داخل تيار المستقبل، وحدهما، الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية قررا المواجهة معاً من خلال التحالف الانتخابي وعلى قاعدة استعادة السيادة، بينما اتخذ حزب الكتائب قرار خوض الانتخابات وحيداً أو مع مجموعات من المجتمع المدني أو شخصيات كانت في تكتل التيار الوطني الحر قبل أن تعلن استقلاليتها بعد تظاهرات 17 أكتوبر (تشرين الأول)، أما تيار المستقبل فاختار رئيسه سعد الحريري الانسحاب وعدم المواجهة معلناً تعليق العمل السياسي مع تياره فارضاً على أعضاء المستقبل عدم الترشح، في المقابل برزت أصوات تطالب بعدم مقاطعة الانتخابات حتى لا تخلو الساحة للسنة المحسوبين على "حزب الله"، وفي مقدّم المصرين على مواجهة النفوذ الإيراني في صندوق الاقتراع الرئيس فؤاد السنيورة، وكذلك النائب السابق مصطفى علوش، وغيره من النواب السابقين والشخصيات السنية التي تدور في فلك دار الفتوى.

ويلخص النائب القواتي بيار بو عاصي هذا الواقع معتبراً أن "حزب الله" حوّل الميثاقية من إسلامية- مسيحية إلى سنية- شيعية- مسيحية فسيطر على الميثاقية المسيحية والشيعية وهمّش التمثيل السُني.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير