Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تشكل الذكورة والأنوثة مسار الحرب في أوكرانيا؟

النساء أكثر عرضة للعنف والاعتداء ومع ذلك يقاتلن على الخطوط الأمامية مع الرجال

الهجوم الروسي على أوكرانيا يثير من بين قضايا أخرى أسئلة عديدة حول دور المرأة في الحرب (غيتي)

جدّدت المشاهد المتعلقة بالحرب في أوكرانيا جدالاً قديماً حول علاقة الحروب بالذكورة والأنوثة، فمع تداول صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلاعب جودو محترف وتصوير الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أدوار تمثيلية سابقة له بالتوازي مع صور فتيات أوكرانيات يحملن السلاح على الخطوط الأمامية، طفت على سطح الأحداث صورة الذكورة والأنوثة ودورها في تشكيل الحروب، سواء من حيث ميول الذكور للعنف والحرب من الناحية البيولوجية، في مقابل دور المرأة كمسالمة ضعيفة وضحية للحرب، أو كونها قادرة على القتال كالرجال، فما الذي تحدثه الصور المتناقضة من تأثير على الحرب وإلى أي مدى تشكل الذكورة والأنوثة مسار الصراعات؟

ذكورية الحرب 

في خضم مشاهد القتل والتدمير والمآسي التي تسببها الحرب في أوكرانيا كل يوم، تتسلل وسط هذه المشاهد صور أخرى ذات دلالة، يتناقلها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بقصد أو عن غير قصد، لكنها تحدث في النهاية أثرها في النفوس وتتسبب في تشكيل رأي عام مؤيد أو معارض، ومن بين هذه الصور والفيديوهات، مشاهد تعكس مواقف ذات علاقة بمفاهيم الذكورة أو الأنوثة وتتصل مباشرة بالحرب، فعلى سبيل المثال، انتشرت صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المسرح العام وهو عاري الصدر يمتطي الخيل أو خلال منازلة كلاعب جودو محترف، وهو ما يفسره المحللون الغربيون بأنه استعراض للرجولة، يستهدف من ورائه طمأنة نفسه بأنه ينتمي إلى فئة الشخصيات القوية الشهيرة، ولإثبات نظريته القائلة إن القائد الجيد هو الشخص الذي تزدهر رجولته ملتهبة من دون قيود، أو لكي يثبت لناخبيه في روسيا والمجتمع الدولي أن السلطة الذكورية ليست مهددة.

وفي المقابل، يظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في شوارع كييف من دون سترة واقية ضد الرصاص، ويتجول في المستشفيات غير عابئ بخطر اغتياله، في مشهد يعتبره أنصاره بطولياً، ويراه آخرون لا يخلو من ذكورية مبطنة، وبخاصة بعد أن تداول الناس في كثير من دول العالم مقتطفات سينمائية أو مسرحية سابقة له كممثل كوميدي، تظهره بشكل ساخر لا يتناسب مع هيبة لحظة الخطر الحالية التي تواجهها بلاده.

وبصرف النظر عما تعكسه هذه المشاهد من مواقف وتصورات، إلا أنها في بعض الأحيان لا تعد مجرد أسلوب شخصي أو انتهازية سياسية، بل يمكن أن تؤدي إلى عواقب عالمية وخيمة عندما تكون الحرب اختباراً نهائياً للرجولة أو الذكورة.

لكن الحروب، بالنسبة لكثير من القادة السابقين، لم تغذ غرورهم في ساحة المعركة، وكما يقول ماوريتسيو فالسانيا، أستاذ التاريخ الأميركي في جامعة تورينو، فإن الآباء المؤسسين للدولة الأميركية على سبيل المثال، كانوا في كثير من الأحيان كارهين للمرأة وعنصريين، وأحياناً طائشين ووحشيين، لكنهم لم يشتهوا الحروب لمجرد إثبات أنهم رجال حقيقيون، فقد قبلوا الحرب كضرورة عندما يكون كل خيار آخر بلا جدوى، كما رأى بعضهم الحرب كأمر لا مفر منه لأنهم لم يثقوا في الطبيعة البشرية التي تميل إلى العداوات المتبادلة وإثارة النزاعات الأكثر عنفاً وفقاً لما كتبه جيمس ماديسون الرئيس الرابع للولايات المتحدة.

علاقة الحرب بنوع الجنس

لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا يثير من بين قضايا أخرى أسئلة عديدة حول دور المرأة في الحرب وهل هي الضحية الأبرز، أم أنها تجاوزت دور الضحية وأصبحت تقاتل بشجاعة وقوة إلى جانب الرجل يداً بيد وكتفاً بكتف، بخاصة بعد أن انتشر العديد من صور السيدات والفتيات الأوكرانيات وهن ترتدين زي القتال الرسمي وتظهرن كفاءتهن في استخدام الأسلحة الفتاكة. 

بالنسبة لبعض المحللين المتخصصين مثل جوشوا غولدشتاين أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية، فإن أدوار الجنسين لا تكون أكثر بروزاً في أي مكان مما هي عليه خلال الحرب، ومع ذلك فإن فهم الناس للعلاقة بين نوع الجنس والحرب مشوش، وأن الاستبعاد شبه الكامل للنساء من القوات القتالية ظل مستمراً عبر التاريخ وعبر الثقافات باستثناء فترات نادرة جداً وفقاً لاحتياجات الحرب. 

ويشير غولدشتاين في كتابه حول الحرب ونوع الجنس، إلى الأسباب البيولوجية التي تشكل دور النوع في الحرب، والذي يشيع الاعتقاد بها، مثل أن الرجال مبرمجين وراثياً تجاه العنف، وأن هرمون التستوستيرون يجعل الرجال أكثر عنفاً، وأن الرجال لديهم القدرة البدنية لتحمل الحرب أكثر من النساء، لكن غولدشتاين يوضح أيضاً أن الذكورة تعمل كعامل محفز للجنود عبر الثقافات المختلفة على اعتبار أن الحرب اختبار للرجولة، بينما تنتشر ثقافة واسعة بأن دور المرأة يتعلق بمعارضة الحرب بنشاط، بالتالي تعزيز فكرة أن الحرب ذكورية، والسلام أنثوي، ومن ثم يلغي وجود النساء في القوات القتالية، هذه المعايير السائدة. 

وفي مقابل هذا الاعتقاد الواسع الانتشار حول نظام الحرب، اعتبر العديد من الدراسات النسوية أن التركيز الأساسي لهذه الدراسات الأكاديمية، يرجع إلى التحيز ضد النساء في الجيش، حيث تشير النساء الليبراليات إلى عدم وجود فرق بين الرجال والنساء في القدرات، ما يجعل التحيز الذكوري في الجيش ممارسة تمييزية، ويضربن المثل بمشاركة الإناث تاريخياً في الحرب مثل فيلق الأمازون الشهير في مملكة داهومي في غرب أفريقيا، ومشاركة نحو 800 ألف أنثى مجندة في الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، وأن التفرد الذكوري في الدفاع عن الوطن كان انعكاساً للطبيعة الأبوية الذكورية العامة للمجتمع العالمي وانعدام حقوق المرأة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

ومع ذلك، كان للنساء دور مهم تاريخياً خلال الحروب، حيث لعبن مجموعة متنوعة من الأدوار، بدءاً من الأعمال المساعدة في التجهيز للحرب وجمع التبرعات والعمل في المصانع الحربية، وانتهاءً بأعمال الطب وتولي مهام التمريض، حيث تم تجنيد الآلاف من النساء كطبيبات وممرضات، وشاركن في رعاية الجرحى، وهناك حالات تجندت فيها مجندات مثل الرجال للوصول إلى الخطوط الأمامية، لتعويض النقص الكبير في المجندين، كما منحت النساء أدواراً بارزة إضافية، في السكك الحديدية، وكضابطات شرطة وموظفي تصنيع وفي عمليات الذخيرة.

بين الضحية والبطولة 

ومنذ بدء الهجوم الروسي في 24 فبراير (شباط) الماضي، شهد العالم صوراً لنساء يلدن في محطات مترو تحت الأرض وحديثي الولادة ينقلون بسرعة إلى ملاجئ مؤقتة من القنابل، حيث أصبح الوصول إلى المرافق الصحية متعذراً بينما تواجه المرأة الأوكرانية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة خطر الموت، إذ ينتظر أن تلد 80 ألف امرأة، في تجربة مهددة للحياة بالنسبة لهن مع انعدام الخدمات الطبية وانقطاع ضرورات الحياة، كما تشكل النساء الجزء الأكبر من مليوني لاجئ حتى الآن يتدفقون على الدول المجاورة وخارجها، مع أطفالهم وكبار السن، ما يؤكد ما يثبته التاريخ مراراً بأنه عند اندلاع الحروب، تكون النساء والفتيات أكثر عرضة لجرائم الحرب، بما في ذلك كل أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي. 
 
ويمثل العنف القائم على النوع الاجتماعي مشكلة خطيرة لملايين النساء والفتيات، بمن فيهن اللاتي عشن في ظل الصراع في شرق أوكرانيا على مدى السنوات الثماني الماضية، حيث عانت 75 في المئة من النساء لنوع من العنف وفقاً لدراسة صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهن أكثر عرضة للعنف الجنسي والجسدي والاعتداء نتيجة الأزمة والتشرد.

ومع ذلك، أظهرت الأزمة الأوكرانية الحالية عبر صور الحرب التي غمرت التلفزيون، النساء الأوكرانيات في كل مكان على الخطوط الأمامية، حيث انضمت آلاف الفتيات والسيدات منذ بدء الحرب إلى نحو 31 ألف امرأة ممن تم تجنيدهن منذ مارس (آذار) 2021، واللاتي يمثلن أكثر من 15 في المئة من قوات الجيش وفقاً لتقارير غربية، فضلاً عن المزيد من النساء اللاتي يقاتلن في مجموعات المقاومة.

وظهرت مقاطع فيديو وصور على وسائل التواصل الاجتماعي تحكي قصص النساء والأطفال الذين يتوقون إلى محاربة روسيا في الحرب، وأشادت قطاعات واسعة حول العالم بشجاعة هؤلاء النساء ليس فقط لهؤلاء القابعات على الخطوط القتالية الأمامية إلى جانب الرجال، بل أيضاً للسيدات والفتيات اللاتي كرسن جهودهن في مساعدة الدفاع المدني وتحضير وتوفير الغذاء والمأوى في المدن التي تعرضت للقصف، والاعتناء بمن تم إخلاء منازلهم. 

قضية المساواة

وعلى الرغم من الدور البارز للمرأة لدعم بلدها ضد روسيا، لم يتم حتى وقت قريب منح النساء المساواة في الجيش، فعندما هاجمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، قاتلت العديد من النساء من أجل أوكرانيا كمتطوعات وفقاً لما ذكرته الصحف المحلية، لكن على الرغم من أنهن خدمن في أدوار قتالية، فإنهن صنفن على الورق كخياطات أو طاهيات أو غير ذلك من المهن غير القتالية، بحسب ما أفاد موقع "ديفينس وان" الأميركي.

ولهذا السبب، وجدت النساء المتطوعات أنفسهن خارج الحماية القانونية، كما لم يتمكن من الحصول على ضمان اجتماعي ملائم أو الحصول على جوائز عسكرية مقابل خدماتهن، بالتالي مرت مشاركتهن في الحرب دون أن يلاحظها أحد، ولكن في عام 2018 أسفر الكفاح من أجل المساواة عن قانون جديد، أتاح للمرأة الوصول إلى كل الرتب والمناصب العسكرية، وحقوق متساوية في الخدمة العسكرية، وفي عام 2019، تم دفع هذه المساواة أكثر قليلاً عندما بدأ السماح للنساء بالالتحاق بالكليات العسكرية، وفقاً لصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور".

تحيز الكعب العالي

ومع ذلك، ظل هناك بعض المشكلات، ففي العام الماضي فقط، قررت وزارة الدفاع الأوكرانية أن ترتدي المجندات في عرض عسكري للاحتفال بذكرى الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي، الكعب العالي وليس الأحذية الطويلة التي يرتديها الرجال، ما أثار غضب عدد من المشرعين باعتبار القرار متحيزاً جنسياً ووصفوه بأنه وصمة عار لأن النساء في الجيش لا تستحق السخرية، وفي أعقاب رد الفعل العنيف، أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن النساء سيمنحن ببساطة كعباً مريحاً أكثر للمشاركة في العرض العسكري.

وإذا كان هناك أي شك في أن النساء لم يكُنّ جزءاً أصيلاً من القوة القتالية الأوكرانية ضد روسيا في الماضي، فقد تم دحضه بسرعة منذ أن هاجمت القوات الروسية أوكرانيا منذ ثلاثة أسابيع، وكما تقول الجندية في الجيش الأوكراني نادية بابيش لصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، إن لدى النساء أسباب انضمام الرجال نفسها إلى الجيش، وهو رغبتهن في أن تبقى أوكرانيا حرة.

المزيد من تقارير