Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سبب مقاومة الأوكرانيين الشديدة ضد الجيش الروسي الأكبر والأفضل؟

مراجعة الأمن القومي والدعم الغربي وتغيير الثقافة العسكرية وكتائب المتطوعين

في عام 2014، وصف محللون عسكريون، الجيش الأوكراني بأنه متهالك، وأسطوله البحري في حالة يرثى لها، وهو تقييم يتفق مع ما ذهب إليه الجنرال فيكتور موزينكو، القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية الذي قال، إن جيش بلاده كان في حالة خراب، لكن بعد ثماني سنوات، اتضح مع بدء الهجوم الروسي في 24 فبراير (شباط) الماضي، أن أداء الجيش الأوكراني قوي بشكل مدهش ضد الجيش الروسي الأكبر حجماً والأفضل عتاداً، فما سبب تلك المقاومة الشديدة للأوكرانيين في المفهوم العسكري؟

قوة روسية غير مسبوقة

يعد حجم القوات البرية التي دفع بها الجيش الروسي للهجوم على أوكرانيا غير مسبوق (أكثر من 150 ألفاً)، فهو يتجاوز الأعداد التي دفع بها السوفيات خلال غزو أفغانستان 1979- 1989 (115 ألفاً)، كما يتجاوز بفارق كبير حجم القوات التي شاركت في حرب الشيشان الأولى 1994-1996 (70 ألفاً)، وحرب الشيشان الثانية 1999-2000 (80 ألفاً)، وحرب جورجيا في 2008 (79 ألفاً)، بل إن عناصر القتال البرية الروسية بما فيها من نيران الدعم ووحدات المشاة والمدرعات والمدفعية المنتشرة في أوكرانيا، تمثل ما بين ربع وثلث القوة الكاملة لقدرات الحرب البرية للجيش الروسي الدائم (من دون احتساب وحدات الاحتياط) وفقاً لتقديرات الخبراء العسكريين الغربيين.

 لكن، على الرغم من هذه القوة الضاربة، واجهت القوات الروسية مقاومة أشد مما كانت تتوقعه من القوات الأوكرانية، ويستمر الروس في شن هجوم بطيء ويسعون لتطويق أكبر مدينتين في البلاد، كييف وخاركيف، كجزء من استراتيجية موسكو العسكرية لإرهاق القوات الأوكرانية وإجبارها على الاستسلام، غير أن إدوارد إريكسون، الضابط المتقاعد وأستاذ التاريخ العسكري في قسم دراسات الحرب بجامعة مشاة البحرية الأميركية، يشير إلى أن الروس اعتقدوا أنهم سيحرزون تقدماً سريعاً، وربما يصلون إلى أهدافهم النهائية بسرعة، إلا أنهم لم يتمكنوا من تنفيذ هجوم واسع النطاق بعد أسبوعين من القتال الوحشي.

وبينما حقق الروس مكاسب جيدة عبر جنوب أوكرانيا، مدعين السيطرة على بعض الموانئ المهمة على ساحل البحر الأسود، إلا أن المدن الأوكرانية الشرقية التي تضم عدداً كبيراً من السكان الناطقين بالروسية، مثل سومي وماريوبول وأوديسا، تقاوم بنجاح الهجمات الروسية في مقاومة شرسة شأنها شأن كييف وخاركيف، فما السبب وراء هذا المقاومة، وكيف تحول الجيش الأوكراني من جيش متهالك إلى قوة قتالية محترفة؟

أربعة عوامل

يعتقد وليام كولينز، وهو المدير المؤسس لمعهد الحرب الحديثة بالأكاديمية العسكرية الأميركية في "ويست بوينت"، أن هناك أربعة عوامل غيرت القدرات الدفاعية للجيش الأوكراني منذ أن غزت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، وجعلت أداءه مفاجئاً، أولها يتعلق بالجهد الملتزم الذي بذلته الحكومة الأوكرانية عام 2016 لإصلاح وتحديث جيشها، وثانيها يعود إلى المساعدات والمعدات العسكرية الغربية، والتي بلغت مئات الملايين من الدولارات.

لكن العامل الثالث كان حاسماً في أرض المعركة كونه يتعلق بالتغييرات المهمة التي أدخلت في التفكير العسكري الأوكراني وسمح للقادة والضباط الصغار باتخاذ قرارات مصيرية في ميدان المعركة، بعدما كانوا حتى وقت قريب، بحاجة للحصول على إذن لتغيير الأوامر الصادرة عن القيادة العليا، وهو ما يحدث عادة عندما تجعل ظروف ساحة المعركة هذه الأوامر العليا غير ذات صلة بالواقع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما العامل الأخير والأهم، فهو ظهور ثقافة وطنية للعمل التطوعي العسكري بين الشعب الأوكراني وتنامي الحس القومي للدفاع عن أوكرانيا، والذي من أجله تم إنشاء وكالة حكومية لتنظيم وتدريب المدنيين على الدفاع والتصدي للهجمات العسكرية.

مراجعة الأمن القومي

في عام 2014، أطلقت الحكومة الأوكرانية مراجعة شاملة ونزيهة لأمنها القومي واستراتيجية الدفاع العسكري، وحددت هذه المراجعة عدداً من المشكلات التي أدت بشكل مباشر إلى ضعف الأداء القتالي للجيش الأوكراني، والذي تجلى بوضوح خلال مواجهات القرم، وتراوحت أوجه القصور من عدم القدرة على مكافحة الهجمات الإلكترونية إلى ضعف تقديم الرعاية الطبية، فضلاً عن انتشار الفساد، وعدم تقاضي الجنود رواتبهم، ونقص الإمدادات الأساسية، وعدم فعالية اللوجيستيات والقيادة بشكل عام.

ولمعالجة أوجه القصور هذه، دفع الرئيس الأوكراني آنذاك بترو بوروشينكو عام 2016 بمجموعة إصلاحات تشمل خمس فئات هي: القيادة والسيطرة، والتخطيط، والعمليات، والخدمات الطبية واللوجيستية، والتطوير المهني للقوة، وذلك عبر خطة طموحة حددت هدفاً لإكمالها خلال أربع سنوات فقط، على الرغم من أن الأوكرانيين في ذلك الوقت، كانوا يخوضون حرباً ضد الانفصاليين الروس في دونباس، وهو جهد شاق دفع المسؤولين الأوكرانيين إلى تسريع الإصلاحات بسبب الخوف العميق من احتمال قيام روسيا بهجوم على شرق أوكرانيا، وعلى الرغم من عدم تنفيذ الإصلاحات المدرجة في الخطة حتى الآن، فإنها أحدثت تحسينات كبيرة على مدى السنوات الست الماضية، وشوهدت الأدلة في عمليات مواجهة الهجوم الروسي.

الدعم الأميركي والغربي

ولدعم الإصلاحات العسكرية الأوكرانية، زادت الولايات المتحدة مساعدتها المالية لأوكرانيا بعد فترة وجيزة من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 ودعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا، حيث قدمت إدارة باراك أوباما عام 2014 مبلغاً قدره 291 مليون دولار أميركي، وبحلول نهاية عام 2021، كانت الولايات المتحدة قد قدمت 2.7 مليار دولار ضمن عمليات التدريب وتوفير العديد من المعدات العسكرية الدفاعية، فقد دربت الولايات المتحدة خمس كتائب سنوياً من الجنود الأوكرانيين في قاعدة "يافوريف" العسكرية الأوكرانية منذ عام 2015 وحتى بداية 2022.

وفي عام 2016، طلب بوروشينكو من كبار مستشاري الدفاع في كل من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وليتوانيا وألمانيا، تقديم المشورة لأوكرانيا بشأن تحديث قواتها المسلحة بهدف الوصول إلى معايير حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وقواعده وإجراءاته بحلول عام 2020، وكانت إحدى قواعد "الناتو" تتطلب سيطرة مدنية على الجيش، بينما كان وزير الدفاع الأوكراني في ذلك الوقت جنرالاً في الخدمة الفعلية. وكان الالتزام بمعيار "الناتو" هو التأكد من أن أوكرانيا كانت قادرة على دمج دعمها اللوجيستي مع وحدات "الناتو" الأخرى عند نشرها.

واشتمل الدعم الغربي على أسلحة ومعدات مختلفة، بما في ذلك عربات "الهامفي" والطائرات "الدرون" وبنادق القنص والرادارات التي تحدد مصدر نيران العدو والأدوات الحرارية التي تستخدم لتحديد الأهداف أثناء النهار أو الليل، حيث كان أحد العناصر بالغة الأهمية للأوكرانيين هو ضرورة الحصول على صواريخ أفضل مضادة للدبابات، لأن الأسلحة الأوكرانية المتوافرة آنذاك لم تكن قادرة على اختراق دروع الدبابة الروسية "تي-90" خلال محاولات روسيا دعم الانفصاليين عام 2014.

وفي عام 2017، خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، قدمت الولايات المتحدة المجموعة الأولى إلى أوكرانيا من صواريخ "جافلين" المتطورة القادرة على ضرب الدبابات من مسافة ميل (1.60934 كيلومتر)، ونصف ميل، وعندما أصبح الغزو الأخير وشيكاً، أرسلت الدول الغربية أسلحة وذخائر إضافية إلى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ "ستينغر" من ليتوانيا ولاتفيا، وصواريخ "جافلين" المضادة للدبابات من إستونيا، والصواريخ المضادة للدبابات من المملكة المتحدة، فضلاً عن طائرات "الدرون" التركية من نوع "بيرقدار 2"، التي حصلت عليها أوكرانيا قبل أشهر قليلة من الحرب ويستخدمها الأوكرانيون بكفاءة في المعارك الدائرة الآن.

تغيير الثقافة العسكرية

في عام 2014، ثبطت الثقافة العسكرية الأوكرانية القديمة الموروثة من الاتحاد السوفياتي، عزيمة الضباط الأوكرانيين الصغار الذين كانوا يديرون القتال على الأرض، وبسبب عدم قدرتهم على اتخاذ القرارات، كان يُطلب منهم الحصول على إذن قبل أن يتمكنوا من التصرف، وبالتالي استبعاد ما يسمى في المفاهيم العسكرية المبادرات المنضبطة، والتي تحدث عندما لا تتناسب الأوامر الأولية الصادرة من القيادات الأعلى لإدارة المعركة، مع الوضع المتغير في ساحة القتال بسبب متطلبات السرعة والقدرة على المناورة والفتك في الحرب الحديثة، وهنا يمكن أن تكون هذه المبادرات المنضبطة هي الفرق الحقيقي بين النجاح والفشل.

وعلى سبيل المثال، أدرك الأوكرانيون أثناء محاربة الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الروسية في دونباس عام 2014، أن قادة الكتائب والفصائل، لا يمكنهم انتظار الموافقة من مقر القيادة الأعلى في كل خطوة من المعركة والتي كانت ببساطة سريعة جداً بما لا يسمح بانتظار الأوامر.

وعلاوة على ذلك، ظهرت ثقافة جديدة أيضاً لدى الأوكرانيين تعتمد على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، والنتائج أكثر أهمية من طبيعة العمليات، وأدى هذا التحول، إلى جانب ثماني سنوات من القتال في إقليم دونباس، إلى خلق جيل من الضباط المستعدين للقتال.

كتائب المتطوعين

منذ عام 2014، توافد متطوعون من مختلف أنحاء أوكرانيا إلى دونباس، لمحاربة الانفصاليين المدعومين من روسيا، وبذلت الحكومة الأوكرانية في الفترة الأخيرة السابقة على الحرب، الكثير لإنشاء كتائب متطوعين كاملة، غير أنه لم يكن هناك سوى القليل من الوقت للتدريب. وتم توزيع المتطوعين على وحدات أنشئت بسرعة بزي مموه غير متطابق وأرسلوا إلى خطوط المواجهة الأمامية مع خليط من الأسلحة.

وعلى الرغم من عدم جهوزيتهم الكاملة، فقد أتاح هؤلاء المتطوعون لأوكرانيا القدرة على إعلان التعبئة، وساعدوا في الحفاظ على خط الجبهة الأمامي صامداً لمنع المزيد من الاختراق الروسي في عمق أوكرانيا، وبالنظر لأهمية هذه القوات، أصدرت أوكرانيا قانوناً دخل حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني) 2022 لمعالجة المشاكل في تنظيم الجهود التطوعية، وأنشأ القانون قوات الدفاع الإقليمية لتكون فرعاً قائماً بذاته داخل الجيش، وفي حين بدأت روسيا غزوها قبل أن يتم تأسيس هذه القوة بشكل كامل، إلا أن هذه القوة وفرت هيكلاً منظماً يمكن الاستفادة منه مع استمرار الحرب.

على الرغم من هذه الإصلاحات ومقاومة أوكرانيا حتى الآن، لا تزال روسيا تقزم الجيش الأوكراني والمتطوعين، الأمر الذي يمثل تحدياً هائلاً يتطلب العزيمة من الأوكرانيين، بينما يترقب الجميع ما الذي يمكن أن تصل إليه هذه الحرب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير