Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغلاء يثير غضب الشارع السوداني والحكومة تتوعد "المخربين"

"تعد سياسة الاستدانة من الجهاز المصرفي إيجابية في حال تم صرفها في مشاريع إنتاجية، وتبرز سلبيتها عند استغلالها في الصرف الجاري"

حذر مراقبون سودانيون من حدوث قفزات عالية في سعر الدولار ما سينعكس سلباً على أسعار السلع والخدمات في البلاد (اندبندنت عربية - حسن حامد)

تضرب الأسواق السودانية هذه الأيام موجة غلاء وانفلات غير مسبوقين في أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية هي الأسوأ منذ أمد طويل، نتيجة تصاعد سعر الدولار مقابل الجنية السوداني إلى أعلى مستوياته، مما أجبر السلطات المتخصصة على إعلان توحيد سعر صرف الجنيه من دون تدخل البنك المركزي في عملية تحديد الأسعار، واتخاذ قرارات حاسمة ومتشددة لوقف ما سمته بـ "تخريب الاقتصاد الوطني" من خلال المضاربة والتلاعب بسعر الدولار.

وشنت الأجهزة الأمنية حملات مكثفة ضد العاملين في سوق تجارة العملة، وألقت القبض على عشرات المضاربين.
وقفز سعر الدولار يوم الثلاثاء الثامن من مارس (آذار) الحالي، الذي صادف أنه أول يوم لتنفيذ قرار تحرير سعر الصرف في المصارف الرسمية، من 467 إلى 530 جنيهاً، بينما بلغ في السوق الموازية 560 جنيهاً، مما أغضب المواطن السوداني الذي بات عاجزاً تماماً عن مجاراة تصاعد الأسعار المستمر وتغطية كُلف معيشته اليومية، فضلاً عن إصابة معظم القطاعات الاقتصادية بشلل كامل مع توقف معظم المصانع في البلاد، لا سيما تلك العاملة في إنتاج المواد الغذائية عن تسعير وبيع المنتجات جراء التدهور المريع في قيمة العملة المحلية.
وكانت "اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية" برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو أصدرت الإثنين الماضي 16 قراراً يهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وحمايته. وتضمنت تلك القرارات توحيد سعر الصرف وتأمين انسياب المواد البترولية، بخاصة وقود الفيرنس (نظيف الاحتراق) والغاز، لضمان انسياب الإمداد الكهربائي وتسهيل إجراءات توفير حاجات شهر رمضان، وإنشاء محكمة خاصة بالاقتصاد لمحاكمة مخربي الاقتصاد الوطني، بخاصة العاملين في مجالات التهرب الضريبي والتلاعب بالدولار وتهريب الذهب والسلع، وتحديد سعر تأشيري تشجيعي للقمح وزيارة اللجنة العليا لميناء بورتسودان لمعالجة مشكلات عمله وتفعيل آلية الوفرة الدوائية ومنع الاستيراد إلا عبر استمارة الاستيراد (IM) وتفعيل القوة المشتركة لمكافحة التهريب ومراجعة منشور "بنك السودان المركزي" في ما يتعلق بحصائل الصادر والإسراع في تطبيق نظام النافذة الموحدة لتسهيل عمليات الصادر والوارد والاستثمار، واستكمال قيام بورصة الذهب وتفعيل الاتفاق التجاري بين السودان ومصر ومراجعة أداء الوزارات عبر بيوت خبرة متخصصة، وإشراك اتحاد أصحاب العمل والغرف والتجارية في أعمال اللجنة للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم ومراجعة الرسوم على غرام الذهب.
ويأتي هذا الغلاء في ظل مصاعب اقتصادية تواجهها البلاد منذ إعلان قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان حال الطوارئ في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي اعتبرها المجتمع الدولي والإقليمي "انقلاباً عسكرياً"، مما قاد معظم الدول والمؤسسات الدولية المالية إلى التوقف عن تقديم ما وعدت به من مساعدات في شكل منح وقروض تقدر بمليارات الدولارات.


خطوة صحيحة

وتعليقاً على مآلات وتطورات الوضع الاقتصادي في البلاد وما تم اتخاذه من خطوات لوقف تدهوره، أوضح الباحث الاقتصادي محمد الناير أن "اتجاه الحكومة السودانية إلى تحرير العملة المحلية خطوة شبيهة بما تم في العام 1992 بانتقال سعر الصرف إلى المرن (المدار)، فهذه السياسة من الناحية النظرية صحيحة 100 في المئة بأن يكون سعر الصرف موحداً وخاضعاً لسياسة العرض والطلب، لكن في الإطار العملي فإن نجاحها من خلال تحقيق مؤشرات إيجابية يعتمد على توفر احتياط مقدر من النقد الأجنبي من دون أن يكون هناك استنزاف لهذه العملات".
وبين الناير أن "السوق الموازية ستكون في حال ترقب لهذه الخطوة لأيام عدة لاختبار موقف الدولة الاقتصادي، فإذا وجد لديها المقدرة على تغطية الطلب من العملات الأجنبية وانسياب تدفقها بكل يسر في البنوك والصرافات من دون عراقيل فسيستقر سعر الصرف، لكن إذا حدث العكس فستقفز هذه العملات الصعبة إلى أرقام عالية".
واستبعد الباحث الاقتصادي "حدوث ارتفاع كبير في الأسعار على المدى القصير (أقل من شهر)، باعتبار أن السوق السودانية اعتادت على سياسة سعرية غير صحيحة، وذلك باحتسابها كلفة الدولار بأسعار مبالغ فيها، لكن إذا حدثت قفزات عالية في سعر الدولار خلال الفترة المقبلة فسينعكس ذلك سلباً على أسعار السلع والخدمات، وبالتالي سيتأزم الوضع الاقتصادي إلى أبعد حد".

توقف البيع

وفي ظل هذه التطورات توقفت معظم المصانع، بخاصة العاملة في مجال إنتاج المواد الغذائية، عن تسعير وبيع منتجاتها نتيجة التصاعد المستمر لسعر الدولار مقابل الجنيه السوداني وارتفاع كلفة الإنتاج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب الأمين العام السابق للغرف الصناعية أشرف صلاح، فإن "القطاع الصناعي وكافة القطاعات الاقتصادية الأخـرى تعيش حال شلل كامل وارتفاع مخيف لأسعار مدخلات الإنتاج الصناعي بسبب الانفلات الرهيب في سعر صرف الدولار، مما جعل هذه المصانع عاجزة تماماً عن تسعير منتجاتها، بل إن معظمها توقف عن البيع إلى حين استقرار الوضع".

وأكد صلاح أن "الغرف الصناعية" كشريكة في المسألة الاقتصادية ظلت تحذر مراراً من آثار وتداعيات موازنة عام 2022 المتوقعة، نظراً إلى ما تحمله من مصاعب كبيرة على المواطن السوداني والاقتصاد بشكل عام، إذ تتضمن عجزاً كبيراً فضلاً عن أن هناك شكوكاً في الأرقام التي أوردتها، وكذلك في كيفية تحصلها على الإيرادات الذاتية.
ولفت الأمين العام السابق للغرف الصناعية إلى أن "اعتماد الموازنة على الإيرادات المباشرة وغير المباشرة والتي يتم دفعها بواسطة المنتجين والمواطنين لها آثارها الكارثية على مستوى الأسعار، وهذا ما ظهر جلياً الآن، إذ تشهد الأسواق ارتفاعاً جنونياً لم يسبق حدوثه من قبل".

اللجوء إلى الاستدانة

وكان وكيل وزارة المالية السودانية عبدالله إبراهيم أقر في وقت سابق بوجود "مشكلات حقيقية تواجه اقتصاد البلاد تسببت في حدوث القفزة العالية للدولار في السوق الموازية، من أبرزها عدم وجود موارد كافية للإيفاء ببنود الصرف على موازنة الدولة وتغطية تمويل العجز في ظل زيادة الأجور بنسبة 600 في المئة، مما قاد هذه الوضع إلى اللجوء للاستدانة من بنك السودان المركزي، الأمر الذي أثر في كل مؤشرات الاقتصاد الوطني، وتسبب مباشرة بارتفاع معدلات التضخم".

لكنه يرى أن "سياسة الاستدانة من الجهاز المصرفي تكون إيجابية في حال تم صرفها في مشاريع إنتاجية، وتبرز سلبيتها عند استغلالها في الصرف الجاري".
وأقر إبراهيم خلال حلقة نقاش عن الوضع الاقتصادي الراهن وسيناريوهات الانتقال إلى النمو، بأن "عجز الموازنة حالياً كبير لجهة أن تعويضات العاملين في الدولة ودعم المحروقات والولايات تمثل 90 في المئة من حجم الإيرادات"، لافتاً إلى أن "الدولة تتحمل 96 في المئة من كلفة تشغيل الكهرباء، مما أثر في موازنة الدولة تجاه عدم الإيفاء بالصرف على قطاعات مهمة أخرى مثل الصحة والتعليم".
وتوقع إبراهيم زيادة نسبة العجز بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا التي أدت إلى زيادة أسعار النفط، مما يعني أن بند الدعم في الموازنة سيواجه إشكالات مستمرة، بيد أنه أكد أن وزارة المالية فقدت مسؤولية إدارة الاقتصاد الوطني ولم تعد لديها قدرة الولاية على المال العام، كما اشتكى من وجود مشكلات في الشمول المالي ورسم السياسات، وأعاب على بنك السودان المركزي عدم إشراك منتجي الذهب في سياساته.

المزيد من العالم العربي