Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب تفاقم أزمات التوريد وسلاسل الإمداد وتأثيراتها أسوأ من "كورونا"

"فاو" تحذر من ارتفاعات جديدة وقياسية في أسعار السلع مع تعطل الشحن وتوقف المصانع

تُعد أوكرانيا خامس أكبر مصدّر للقمح في العالم بـ 17 مليون طن سنوياً (رويترز)

في وقت كان يستعد فيه العالم للتخلص من أكبر أزمة تشهدها سوق الإمدادات، جاءت الأزمة الروسية - الأوكرانية لتعيد الأوضاع إلى المربع "صفر"، في ظل امتداد التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة اليورو، وتداعيات العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا التي تمثل الكثير من واردات عدد كبير من السلع في السوق العالمية.
وأحدثت الحرب الروسية- الأوكرانية هزة عنيفة في سلاسل التوريد العالمية، التي لا تزال في حالة فوضى بسبب وباء كورونا، مما زاد من ارتفاع التكاليف وإطالة فترات التسليم وتحديات أخرى للشركات التي تحاول نقل البضائع حول العالم. وتسببت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بإلغاء بعض الرحلات الجوية أو تغيير مسارها، مما زاد من الضغط على سعة الشحن وأثار مخاوف بشأن المزيد من الاضطرابات في سلاسل التوريد.
تأتي التحديات الجديدة بعد أكثر من سنتين من الاضطرابات والتأخير وارتفاع الأسعار للشركات التي تستخدم سلاسل التوريد العالمية لنقل المنتجات حول العالم. وفي حين أن التداعيات الاقتصادية للحرب والعقوبات الشاملة على روسيا لم تتضح بعد، فإن العديد من الصناعات تستعد لسوء الوضع.

موجة ارتفاعات جديدة في أسعار السلع

وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، في تقرير حديث، إن أسعار الغذاء على مستوى العالم سجلت ارتفاعاً قياسياً في فبراير (شباط) الماضي، وقفزت بنسبة 20.7 في المئة أو بمقدار 24.1 نقطة على أساس سنوي، وفي مقدمتها الزيوت النباتية ومنتجات الألبان.
وبلغ مؤشر منظمة الأغذية والزراعة "فاو" لأسعار الغذاء، الذي يتتبع السلع الغذائية الأكثر تداولاً على مستوى العالم، ما متوسطه 140.7 نقطة في فبراير، مقابل 135.4 نقطة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي. وأسهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية في زيادة التضخم مع تعافي الاقتصادات من أزمة فيروس كورونا، فيما تحذر المنظمة من أن ارتفاع التكاليف يعرض السكان الأشد فقراً إلى الخطر في الدول التي تعتمد على الواردات.
ونظراً للترابط بين الأسواق العالمية، فمن المؤكد، أن تتأثر كل سلاسل التوريد حتى التي ليس لها روابط مباشرة بالمنطقة. ومن هذه التأثيرات، ما تشهده أسواق السلع من ارتفاعات متتالية في الأسعار، حيث سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع تكاليف النقل عالمياً. وقفزت أسعار النفط بالفعل بنسبة 33 في المئة، منذ بدء التوترات الروسية الأوكرانية، إلى مستوى 118 دولاراً للبرميل.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن بالفعل عن عقوبات قاسية ضد روسيا. وهذه العقوبات والإجراءات، سواء كانت في شكل تعريفات أو عقوبات أو عمليات حظر صريح، من شأنها أن تؤدي إلى تكاليف إضافية لا يمكن تجنبها ويجب استيعابها من قبل الشركات المصنعة في مكان ما في سلسلة التوريد.
كذلك، هناك مدخلات المعادن الثمينة وهي أكثر خطورة من السلع، حيث إن أوكرانيا غنية بالمعادن الثمينة، بما في ذلك البلاديوم والنيكل وغاز النيون، وتُستخدم جميعها في صناعة الرقائق الإلكترونية. وأصبحت هذه المنطقة "الخطة ب" لعدد من الشركات التي تتطلع إلى استخراج المعادن الثمينة من مواقع أخرى غير الصين.

ارتفاع قياسي في أسعار القمح عالمياً

أما بالنسبة لصادرات القمح، فإن أوكرانيا هي خامس أكبر مصدر للقمح بكمية 17 مليون طن سنوياً، بينما روسيا هي الأكبر عالمياً بـ44 مليون طن سنوياً. وترتفع أسعار الشحن اليوم، عن مستواها في عام 2021، بأكثر من 80 في المئة، بينما أسعار النفط الخام مرتفعة بأكثر من 50 في المئة منذ مطلع العام الحالي، في حين أن أسعار الغاز الطبيعي صاعدة بأكثر من 30 في المئة منذ مطلع العام. كذلك، فإن أسعار القمح تسجل في الوقت الحالي أعلى مستوياتها منذ عام 2008، بينما أسعار الزيوت النباتية عند أعلى مستوى منذ عام 2012.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السياق ذاته، فإن مختلف الشركات العاملة في صناعات عدة أهمها السيارات والطاقة، وحتى تعبئة زجاجات المشروبات، أوقفت الإنتاج في أوكرانيا، بل وأقدم بعضها على إغلاق مصانع، الأمر الذي يضيف مزيداً من العراقيل أمام سلاسل التوريد الضعيفة بالفعل.
وفي 25 فبراير (شباط) الماضي، أوقفت شركة "جابان توباكو" عملياتها في مصنعها بمنطقة كريمنشوك في وسط أوكرانيا، حيث يعمل نحو 900 موظف. كما أوقفت "كوكاكولا أتش بي سي" لتعبئة الزجاجات، عملياتها في ذلك البلد، وأرسلت العمال إلى منازلهم، لتنضم بذلك إلى عدد متزايد من الشركات التي اتخذت القرار نفسه، بما في ذلك "كارلسبرغ"، و"نستله"، و"أيه بي إينبيف إيفس"، وهي مشروع مشترك بين "أنهاوسر - بوش إنبيف" و"أنادولو إفيس".
وزادت الحرب الروسية في أوكرانيا حدة الضغوط المفروضة على سلاسل التوريد، التي تفاقمت بالفعل بسبب موجات تفشي فيروس كورونا، والقيود على السفر، والعجز المتكرر في المكونات الرئيسة مثل الرقاقات الدقيقة. كما سيتأثر نقل البضائع من الصين إلى أوروبا، حيث تمر السفن عبر هذه المنطقة.

أزمة في سوق الشحن ووقف أعمال الشركات

وفي سوق الشحن، قالت شركات "طوكيو مارين هولدينغز"، و"سوميتومو ميتسوي مارين"، و"سومبو جابان إنشورنس"، إنَ البحر الأسود سيُصنَّف على أنه منطقة مرتفعة الخطورة بدءاً من مارس (آذار) الحالي، وسيؤدي هذا على الأرجح إلى رفع أقساط التأمين المطلوبة لشحن البضائع أو نقلها عبر هذه المياه. ومن غير الواضح إلى متى سيستمر هذا التغيير.
وفي منتصف فبراير (شباط) الماضي، أُضيفت المياه الأوكرانية والروسية في البحر الأسود وبحر آزوف إلى قائمة المناطق المعرضة للخطر، وذلك بقرار من اللجنة الحربية المشتركة، التي تضم ممثلين عن "لويدز أوف لندن"، و"إنترناشيونال أندررايتنغ أسوسيشن أوف لندن".
وأوضحت شركة "آي تي تي"، أن نقل البضائع من الصين إلى أوروبا "سيتأثر بالحرب المشتعلة في أوكرانيا. واعتمدت الشركات بصورة أكبر على نقل البضائع باستخدام السكك الحديدية، بعدما قفزت أسعار الشحن البحري، بسبب تكدس الموانئ خلال الجائحة.
وفي إطار الإغلاقات ووقف الأعمال، قالت "كوكاكولا أتش بي سي"، إنها أصدرت "خططاً للطوارئ، تتضمن وقف الإنتاج في أوكرانيا، وإغلاق المصنع، ومطالبة العاملين لديها في البلاد بالمكوث في منازلهم، واتباع الإرشادات المحلية". كما أوقفت شركة صناعة مشروب الشعير الدنماركية "كارلسبرغ"، التي يوجد لديها 1300 عامل في أوكرانيا، عملياتها في 2 من أصل ثلاثة مصانع، وسرّحت العمال إلى منازلهم. أما "نستله"، أكبر شركة للأغذية في العالم، فأغلقت 3 مصانع مؤقتاً، ولديها 5 آلاف عامل في البلاد.
ووفق تقرير حديث لشركة "فيتش سوليوشنز"، فإن العقوبات الأميركية على شركات التكنولوجيا تنذر بتأجيج مخاطر نقص الرقائق بين شركات صناعة السيارات في روسيا، المعرضة كذلك لمخاطر خسارة إمدادات مكوّنات السيارات التي تستوردها من الاتحاد الأوروبي. كما سيكون للنزاع عواقب على قطاع السيارات العالمي أيضاً، لأن روسيا تُعد من بين أكبر منتجي المواد الخام الداخلة في صناعة المركبات الكهربائية، والسيارات التي تعمل بالبترول والديزل. وأضاف التقرير، أن "حدوث أي اضطرابات في إمدادات هذه المواد الخام ستكون له تأثيرات وخيمة على شركات صناعة السيارات حول العالم، خصوصاً في أوروبا وأميركا الشمالية".