Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط يغيب القطاعات الأخرى في العراق

الحكومات المتعاقبة لم تقدم خططاً لتنويع مصادر الدخل

الاعتماد على النفط من أبرز وجوه الاقتصاد الريعي في العراق (رويترز)

يشكل النفط منذ سنوات العمود الفقري للموازنات العراقية، وعلى الرغم من امتلاك العراق العديد من مصادر الدخل التي ترفد الموازنة بالإيرادات، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تقدم خططاً لتنويع مصادر الدخل بسبب غياب السياسة الاقتصادية، فقد بلغت نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي ثلاثة في المئة لعام 2020، وهي نسبة ضئيلة، إضافة إلى تعطل قطاعات حيوية عدة بسبب الإهمال وتدهور الوضع الأمني في بعض المناطق ومشكلات الطاقة والفساد المستشري في البلد.

لا سياسة اقتصادية

يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي صالح لفتة إن "الحقيقة التي لم تعد خافية هي أن العراق لا يمتلك سياسة اقتصادية واضحة المعالم، وليس لديه خطط مستقبلية لمواجهة الأخطار الاقتصادية وما يمكن أن يحدث لو أصبح النفط الذي يشكل أكثر من 90 في المئة من واردات الموازنة العامة لا يكفي لسد حاجات العراق المالية".

ويتابع لفتة، "على الرغم من الاعتراف الحكومي والشعبي بضرورة الإصلاح وإيجاد البدائل والحديث عن تطور كبير في قطاعات مختلفة لتأخذ مكان النفط، إلا أنها في الواقع مجرد تصريحات تطلقها الحكومة ويكررها الإعلام الرسمي لتنتهي مثل ما بدأت من دون تغيير، فجائحة كورونا والإغلاق العالمي وانخفاض أسعار النفط كشفت هشاشة الاقتصاد العراقي". 

ويضيف، "لم تستغل الحكومات المتعاقبة الوفرة المالية بعد 2003 لتطوير القطاعات غير النفطية الكفيلة بالتحول الاقتصادي والتنمية الشاملة". ويسأل، "ما حجم نمو السياحة في العراق، وما هو حجم التطور في هذا الجانب؟"، لافتاً إلى أنه "لو تم اتخاذ خطوات جادة لتطوير القطاع السياحي الواعد لشاهد الجميع الآن ملايين السياح من مختلف البلدان يطوفون في جميع أنحاء العراق، لتضيف السياحة كثيراً إلى اقتصاد البلد جاذبة العملة الصعبة وموفرة فرص عمل جديدة".

ويعتقد أن "ما صرف وخصص من الموازنة العامة للدولة لتطوير الزراعة ودعم الفلاحين كانت كفيلة بجعلها ركيزة للاقتصاد الوطني، وما هجرة العوائل من الريف إلى المدن إلا دليل على حجم الخراب".

ويرى أن "هناك مليارات صرفت في ما يسمى الاستثمار والطاقة النظيفة، لكن ذلك بقي دون المستوى المطلوب". 

تتميز بالصفة الريعية المطلقة

وفي السياق ذاته، يؤكد المتخصص في الشأن الاقتصادي بسام رعد أن "إيرادات الموازنة تتميز بالصفة الريعية المطلقة، إذ تمثل عائدات النفط لغاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 حوالى 88 في المئة، فيما تشكل نسبة الإيرادات غير النفطية حوالى 12 في المئة من إجمالي الإيرادات، ومن خلال متابعة موازنات الأعوام الماضية نلاحظ أنها لا تقدم حلولاً جذرية واستراتيجية لتنويع مصادر الدخل، إذ بلغت نسبة إسهام الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي ثلاثة في المئة لعام 2020، وهي نسبة ضئيلة، ويلاحظ أن أكثر من 80 في المئة من المشاريع الصناعية معطلة بسبب الإهمال ومشكلات الطاقة، إضافة إلى الفساد المستشري في البلد والذي أسهم في تدمير الصناعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير رعد إلى أن "التخلي عن المصانع والمزارع أدى إلى إضعاف القدرة الإنتاجية وبات البلد مستورداً لمعظم المنتجات الزراعية والصناعية والسلع من دول الجوار، وتشير التقديرات إلى أن العراق يستورد منتجات وسلعاً بقيمة لا تقل عن 65 في المئة سنوياً من أموال الإيرادات النفطية، وهذا مؤشر خلل كبير وخطر".

ويعتبر أن "البلد بحاجة إلى تنمية ودعم الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة الداخلية لتنويع مصادر الدخل وضمان تحقيق رفاهية المواطنين على المدى المتوسط والبعيد"، مضيفاً أنه "من أجل التنويع الاقتصادي الناجح وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، فالعراق بحاجة إلى بناء قطاعات صناعية وزراعية فاعلة توفر المنتجات والسلع الأساس، وفي الإمكان استثمار الإيرادات النفطية في خلق هذه القطاعات".

نظرة متفائلة

ويلاحظ المتخصص في الشأن الاقتصادي نبيل جبار العلي أن "الحكومة وضعت في تقديراتها لموازنة 2021 نظرة متفائلة نحو قيمة الإيرادات غير النفطية المغذية لحسابات الدولة، فقد وضعت تقديراتها بنحو 20 تريليون دينار لسنة 2021، وهو قد يكون تقديراً عالياً وغير واقعي، إلا أنه من غير المستبعد تحقيقه خصوصاً مع تصحيح مسارات تلك الإيرادات".

ووفق بيانات المحاسبة في وزارة المالية فإن مجموع الإيرادات غير النفطية حتى نهاية 2021 تقارب 12 ترليون دينار، أي أنها حققت ما نسبته 60 في المئة فقط مما كان مخططاً له بداية السنة المالية، بحسب العلي. 

ويتابع أن "سبب إخفاق الحكومة في تحقيق تقديراتها بشأن الإيرادات غير النفطية لسنة 2021، هو إخفاق خطتها في إجراء استقطاعات من الرواتب التي تدفعها الحكومة للموظفين العموميين، أو إخفاقها في محاولة فرض رسوم وضرائب على مرتباتهم، إضافة إلى إخفاقها في فرض ضرائب الدخل على بعض المؤسسات مثل المولات ومراكز التجميل والحلاقة وغيرها".

وأشار إلى أنه "بالعودة لبيانات المحاسبة للسنوات الماضية نجد أن أعلى إيرادات متحققة كانت في سنة 2017 بمقدار 12.25 ترليون دينار وبنسبة 17 في المئة من حجم الموازنة السنوية، أما سنة 2020 فبلغ حجم الإيرادات النفطية قرابة 8.8 ترليون دينار بنسبة تقارب ثمانية في المئة من حجم الإيراد العام للبلد".

ويقدر العلي حجم الإيرادات غير النفطية التي يمكن جنيها خلال سنة 2021، بأنها كالآتي، "الضرائب على السلع والخدمات والمدفوعات الحكومية ثلاثة تريليونات دينار (تمثل نسبته ثلاثة في المئة من كل دينار عراقي مدفوع من الجهات الحكومية للمرتبات والإنفاق العام)، أما الضرائب والرسوم الأخرى ومنها ضريبة العقار ورسوم دوائر المرور وضريبة القيمة المضافة لقطاع الاتصالات وضرائب الدخل على شركات الاتصال، فقد تقارب 2.25 ترليون دينار أو أكثر، وبخصوص الإيرادات التحويلية الناتجة من إيرادات صندوق التقاعد وشركات التأمين وصندوق الضمان وغيرها فتقدر بخمسة تريليونات دينار وأكثر، وفي شأن الإيرادات المتحققة من أرباح القطاع العام فتقدر باثنين تريليون وأكثر، وإيرادات الجمارك أربعة تريليونات دينار، أما الإيرادات الرأسمالية فهي 0.25 تريليون دينار، بمجموع يقارب 16.5 تريليون دينار على أقل تقدير، وهي تمثل ما نسبته 17 في المئة من حجم الإيراد الكلي السنوي لعام 2021".