قدم الأوكرانيون وحلفاؤهم الغربيون منذ بداية الغزو الروسي درساً من الطراز الرفيع حول كيفية تشكيل حرب المعلومات، لكن الهجوم الساحر الأوكراني الذي حظي بإعجاب واسع النطاق في مختلف أنحاء العالم قد يحجب ما يحدث بالفعل على خط المواجهة.
تظهر الاستراتيجية المعلوماتية لأوكرانيا أنها وحلفاءها الغربيين تعلموا درساً أو اثنين عن استخدام روسيا البارع للمعلومات المضللة وكيفية نزع فتيلها.
كان تفنيد السرد الروسي ونشر قصص البطولة الأوكرانية والتضحية المدنية وحملة المراسلة البارعة حول جاذبية الرئيس فولوديمير زيلينسكي من الأمور الحاسمة في توجيه السرد الدائر حول الحرب حتى الآن، وقالت جيل غولدنزيل المستشارة الأمنية والأستاذة في جامعة سلاح مشاة البحرية لـ "اندبندنت": "روجت أوكرانيا لسرد واضح ومتسق في النضال المشروع ضد طرف ظالم".
وفي حديث لها بصفتها الشخصية أشارت السيدة غولدنزيل إلى أن "مقاطع الفيديو التي تصور الرئيس زيلينسكي وهو يحشد قواته وتلك الخاصة بجنود أوكرانيين على جزيرة سنايك [الأفعى] وهم يطلقون عبارات فظة باتجاه سفينة حربية روسية حين واجهوا هجوماً، انتشرت بسرعة وأدهشت الغرب".
لقد كان تضخيم نتائج المقاومة العسكرية وخسائر العدو وإضفاء الصبغة الإنسانية على الجانب الأوكراني بصور الحيوانات الأليفة مع مالكيها والناس المحتشدين في الملاجئ والسخرية الخفية من الغزاة، بمثابة المعادل المعلوماتي الذي يضاهي أسلحة الدمار الشامل، فقد ساعد ذلك في رفع المعنويات داخل أوكرانيا وكان أداؤه طيباً في الغرب، ومن المؤكد أن الفكاهة الأوكرانية استقطبت انتباه العديد من الناس في مختلف أنحاء العالم، فمثلاً كان شريط فيديو يظهر سائقاً أوكرانياً يعرض على طاقم مركبة مدرعة أن يقطرها إلى روسيا بعد نفاد وقودها، واحداً من أشرطة عدة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت السيدة غولدنزيل "لقد نجحت أوكرانيا أيضاً في الإبلاغ عن قانونية قضيتها ومشروعيتها، إذ نشرت جرائم الحرب المحتملة واتهمت روسيا بالإبادة الجماعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقتضي إطلاق مشروع من هذا النوع عملية تخطيط مسبق على المستوى الاستراتيجي بدلاً من الاعتماد على نزوات شخصية، وهذا ما يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد فعلته.
منذ بداية التجمع العسكري الروسي لجأ مساعدو السيد بايدن إلى التكتيك الخاص بإغراق الحيز المعلوماتي لحرمان الكرملين من الحيز المتاح لنشر سرديته، وكان ملء الفراغ المعلوماتي سبباً في تجريد حكومة بوتين من السلاح الأكثر فاعلية، المعلومات المضللة.
فروسيا تزعم من دون دليل أنها كانت تعمل على إنهاء "الإبادة المنهجية لسكان دونباس" الجارية منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وسعت وزارة الخارجية الروسية إلى نشر مزاعم مفادها بأنها تحارب "النازيين الجدد" وتسعى إلى "اقتلاع [اجتثاث] النازية" من أوكرانيا التي يترأسها يهودي.
وفي بيان صدر أخيراً اتهمت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية على نحو عبثي أن "روسيا لم تبدأ حرباً بل تنهي حرباً".
وأغرقت الإدارة الأميركية وسائل الإعلام بمعلومات استخبارية تفصيلية عن التحركات الروسية وخطط السيد بوتين في شأن الغزو الكامل لأوكرانيا وتحذيرات موجهة إلى الحلفاء الأوروبيين، وعلى الرغم من أن هذا التكتيك لم يمنع السيد بوتين من غزو أوكرانيا، ساعد في إحباط بعض مؤامرات روسيا وفند مزاعم الكرملين وحيد [نزع فتيل] العنصر المفاجئ للهجوم.
كذلك تعرضت معلومات الكرملين المضللة إلى مزيد من الإحباط بعد قرارات شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "غوغل" و"يوتيوب"، بتقليم أجنحة وسيلتي إعلام روسيتين ترعاهما الدولة، "آر تي" و"سبوتنيك"، وإبعادهما من منصاتها.
وقال ديفيد بتز أستاذ العلوم الحربية في كينغز كولدج لندن لـ "اندبندنت": "'نجح الأوكرانيون في حرب المعلومات في مواجهة روسيا لأنهم يحظون بتأييد، فكل حكومة في الغرب وكل وسيلة إعلامية حتى الآن على حد علمي، تعمل أساساً على إعادة تدوير الروايات الأوكرانية وتضخيمها".
وحظيت الحرب في مجال الإنترنت بدعم من تقارير عن مقاومة شرسة على الأرض، الأمر الذي جعل هذه التقارير مؤثرة على الرغم من التحذيرات والحاجة إلى التحقق من بعض المزاعم الدعائية الأوكرانية أو حتى تفنيدها.
وقالت لورا إدلسون الباحثة في مدرسة تاندون للهندسة بجامعة نيويورك على موقع "تويتر"، "بطبيعة الحال لا شيء من هذا يشكل أهمية من دون أن تكون الحقيقة الواقعية إلى جانب الطرف المعني. إن زيلينسكي زعيم رائع حقاً. لقد أصابت المقاومة الأوكرانية العالم بالصدمة والإلهام. لا تشكل حرب المعلومات أهمية تذكر إذا فقد الطرف المعني الحرب النارية [الفعلية] ولم يخسرها الأوكرانيون بعد".
لكن فاعلية تكتيكات حرب المعلومات الأوكرانية قد ترقى في نهاية المطاف إلى إضرار الغرب بنفسه.
يشير منتقدون إلى أن المقاومة البطولية التي قد تعطل التقدم الروسي لأسابيع أو ربما لأشهر مقبلة، قد تحقن الغرب من دون قصد بقدر زائف من اليقين في شأن احتمال انتصار أوكرانيا.
في نهاية المطاف، بوسع الأوكرانيين أن يفوزوا بالحرب، لكن الجانب الآخر من الحملة الدعائية الفاعلة، كما يحذر الخبراء، يخلط بين الحقائق والافتراضات المضخمة، ويعزز شعوراً زائفاً بالتفاؤل في شأن نتيجة الحرب.
وقالت ريتا كوناييف المتخصصة في الذكاء الاصطناعي العسكري والحرب الحضرية عبر موقع "تويتر"، "لا أستطيع أن أتوقف عن التفكير في أن الغرب يغوي نفسه بشعور زائف بالتفاؤل بسبب التحدي البطولي الأوكراني الذي قد يؤدي عن غير قصد إلى إطالة أمد هذا النزاع من خلال الأمل الكاذب في سيناريو مستحيل".
إن صياغة السرد أمر بالغ الأهمية في الفوز بحرب المعلومات، لكن النصر العسكري الحقيقي يتحقق على الأرض، ولا ينبغي للدعاية أن تربك هذا التقويم.
© The Independent