Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متحف اللوفر في جزيرة السعديات وجان نوفيل صامد في ساحة رياض الصلح

ملايين الزوار خلال سنوات قليلة والشراكة الفنية مع فرنسا استثنائية

المعماري الفرنسي جان نوفيل مصمم متحف اللوفر في أبو ظبي  (غيتي)

مرة أخرى نجدنا مصرين هنا على أن نبدأ حكايتنا من صورة قد يكون طاولها قدر من التشويه، لكنها على الرغم من ذلك تبدو صامدة من دون أي صورة أخرى على أحد الجدران الخشبية في ساحة رياض الصلح وسط العاصمة اللبنانية بيروت، فجهل معظم "الثوار" ورجال الأمن بهوية صاحب الصورة أنقذها من مزيد من التشويه، فبقي الأخير ينظر بربع ابتسامة شاهداً أخيراً على ما حدث ويحدث في تلك الساحة منذ ما يزيد الآن على ثلاث سنوات، لكن العمراني الفرنسي جان نوفيل الذي تحتل صورة كبيرة له ذلك الجدار ليس متطفلاً هنا. هو هنا بالتحديد لأن أصحاب مشروع عمراني كبير يقام في ذلك المكان وضعوا صورته إشارة إلى مكانته الكبيرة التي جعلته يكلف بإقامة المشروع الممتد لمساحة طويلة، لكن "الثورة" ومضاربات ما قبلها أخرت المشروع ودمرت أسواره فلم يبق سوى صورة لنوفيل يجهل كثر من الذين عبثوا بالمكان ماذا تفعل هنا، فيترددون من دون إلحاق مزيد من الأذى والتشويه بها.

تعويض ما

ولكن هناك في المقابل قلة من الذين ارتادوا تلك الساحة البيروتية المهجورة ذات يوم ولا يزالون يفعلون حتى اليوم، يعرفون من هو جان نوفيل، ويعرفون ارتباطه بالعالم العربي وأنه ليس ارتباطاً جديداً بل يعود إلى بدايات الربع الأخير من القرن الـ 20، حين بنى ذلك الصرح البهي على ضفة نهر السين في باريس، "معهد العالم العربي"، ولكن أكثر من ذلك وأحدث حين بنى ما يعتبر اليوم الصرح الفني الأكبر والأهم في طول العالم العربي: "متحف اللوفر" في جزيرة السعديات في أبوظبي، وهو مبنى يمكن القول إن نوفيل عوض به قبح ذلك المبنى الذي أقامه قبل سنوات في عاصمة قطر ويحلو له أن يقول اليوم ضاحكاً، بحسب بعضهم، إنه إنما بناه بطلب "تفصيلي" من أصحابه ويفضل أن ينساه.

ولكن من المؤكد أن جان نوفيل لن ينسى لا معهد العالم العربي ولا لوفر السعديات من بين المباني البديعة التي تحمل توقيعه، وبشكل خاص ذلك المتحف المقام في تلك الجزيرة الظبيانية إلى جانب عدد من صروح أخرى تنتظر دورها لتنجز ليس على يديه هذه المرة بل بتوقيع زملاء له كبار من المعماريين العالميين، مما سيجعل من السعديات تحفة معمارية استثنائية.

لا محظورات في الفن

من المعروف أن جان نوفيل ولد في فرنسا عام 1945 ودرس في غير معهد للفنون الجميلة قبل أن يتخرج من قسم الهندسة المعمارية عام 1972 قبل سنوات قليلة من بدء اشتغاله على مشروع مبنى "معهد العالم العربي" الذي سجل أول انطلاقة عالمية له، حتى وإن كان مبنى باريسياً، فهذا المعهد المقام على ضفة "السين" الذي لخص فيه هذا العمراني علاقة جمالية مدهشة بين الغرب والعالم العربي تلوح منذ الإطلالة الأولى على المبنى وكأنها إطلالة على بساط عربي عملاق من خلال الجدران متغيرة الضوء والتشكل تبعاً للمناخ الخارجي ما إذا كان صحواً أو غائماً، اجتذب ملايين الزوار من شتى أنحاء العالم من الذين وجدوا في هذا الصرح العربي معلماً باريسياً جديداً، وفتنهم عمرانه بقدر ما ستفتنهم عروضه، وهي التجربة التي سيعود نوفيل ويكررها من حيث المزاوجة بين المبنى ومحتوياته ليصبح كل هذا جزءاً من زيارة فريدة من نوعها، ونعني بالتجربة الجديدة متحف اللوفر في السعديات الذي أقيم على مساحة لا تقل عن 24 ألف متر مربع انطلاقاً من فكرة ولدت في ذهن عبدالله بن زايد الذي كان وزيراً للثقافة في الإمارات عند بدايات الألفية الجديدة فحواها لم لا يكون لدينا على تلك الجزيرة ما يضاهي المتاحف العالمية الكبرى؟ ثم تطور السؤال في ما يشبه الحلم البعيد، ولم لا يكون لدينا ما يتآخى مع متحف اللوفر، أعظم متاحف العالم؟ ونعرف أن الوزير الإماراتي الشاب انتقل من حيز الحلم إلى العمل الممنهج، لا سيما حين أدرك أن متحفاً حقيقياً للفن القديم والمعاصر ينقل زاوية من بلاده إلى ومن العالم لبلاده، ويحتضن تاريخ الفن يجب أن يبتعد من المحظورات، ففي الفن الحقيقي الذي يستحق هذا الاسم لا مكان للمحظورات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شراكة عربية - فرنسية

وهكذا راح المشروع يتطور تحت اسم "لوفر أبوظبي" وتحديداً بدءاً من عام 2005 من خلال مداولات جرت مع مدير متحف اللوفر الباريسي، فيقدم الطرف الإماراتي الدعم المادي اللازم، فيما يقدم اللوفر الفرنسي خبرة وتقنيات، بل حتى أعمالاً فنية على سبيل الإعارة ريثما يتمكن نظيره الجديد من اقتناء أعمال خاصة به.

وكان الرئيس الفرنسي في ذلك الحين جاك شيراك من كبار وأوائل المتحمسين للمشروع هو الذي عرف بتقاربه الوثيق مع العالم العربي، ويبدو أنه هو من أسهم في أن يتم رسو عمران المتحف على جان نوفيل الذي كان قد أدهش عالم العمران بمشروع "متحف رصيف براملي" الذي سرعان ما أضحى من مفاخر باريس إلى جانب "معهد العالم العربي"، وهكذا انطلق المشروع بتوقيع عقد بين الإمارات والسلطات الثقافية الفرنسية تعهدت الإمارات بموجبه بإنفاق 950 مليون دولار على المشروع خلال 30 سنة، فيما تعهدت فرنسا بالأشغال التقنية والإدارية كما بإعارة المتحف الظبياني 300 قطعة في السنة الأولى من الافتتاح ثم 250 قطعة في السنة التالية فـ200 قطعة في الثالثة وهكذا. وإذ كان من المتفق عليه أن يفتتح المتحف رسمياً وللجمهور في 2010 فإن الافتتاح تأخر حتى 2017 ليحقق منذ ذلك الحين نجاحاً فاق المتوقع.

وكما أشرنا بشكل موارب أعلاه، ينقسم المشروع إلى قسمين، أولهما المتحف الدائم ويضم المقتنيات التي ستحصل عليها إدارة المتحف عاماً بعد آخر، وكذلك القطع المستعارة من فرنسا، وثانيهما المعارض الموسمية التي باتت تقام بانتظام.

وبالنسبة إلى المقتنيات سيثير الدهشة تمكن لوفر أبوظبي من أن يمتلك اليوم نوعية وكمية من أعمال تحمل توقيعات تتراوح بين إدوار مانيه وبابلو بيكاسو مروراً بغوستاف كايبوت وبول غوغان والياباني هوكوزاي ورينيه ماغريت وإيف كلاين وبيات موندريان وكلي وشاغال بين أسماء كبيرة أخرى عدة.

القبة المعدنية المدهشة

أما بالنسبة إلى المعارض الموسمية فباتت كثيرة وبالغة التنوع، بخاصة أن تنظيمها يراعي خصوصية المكان، فنجدنا تارة أمام معرض عن فنون الخط وآخر عن اللوحات اليابانية وثالث عن "طرق الجزيرة العربية" ورابع مدهش عن "رمبراندت وفرمير والعصر الذهبي الهولندي" وغير ذلك عن "موعد في باريس، بيكاسو شاغال وموديلياني". وتطول اللائحة التي تمكنت خلال عدد قليل جداً من السنوات من اجتذاب ملايين المتفرجين.

يمكننا القول هنا إن المعارض الدائمة والموسمية تشكل عاملاً فعالاً في اجتذاب هذه الأعداد التي يمكن اعتبارها هائلة مقارنة مع عدد السكان، ولكن كذلك مع عدد المقيمين أو الزائرين القادمين من بلاد أخرى. غير أن من الإنصاف القول أيضاً إن عمران المتحف نفسه يشكل قوة جذب لا تقل أهمية، إذ إن جان نوفيل عرف كيف يشتغل بقوة على التراث العمراني العربي لنراه يستعمل بنية السوق والتوزع المكاني وحتى هندسة الحمامات والزوايا الصوفية وغير ذلك من العناصر التي دائماً ما ارتبطت بالجغرافيا المدينية العربية، لتكوين تفاصيل المتحف وقاعاته وكل ذلك تحت قبة لا يقل قطرها عن 180 متراً تعتبر من مفاخر هذه القطعة العمرانية، وترتبط وظائفياً بالجدار الشهير في "معهد العالم العربي" من حيث تفاعلها مع الضوء، إذ إنها صنعت من معادن خاصة تسمح بمرور الضوء من أعلى إلى داخل القاعات، وغالباً من دون حاجة إلى ضوء اصطناعي، مما يضيف إلى إنجازات نوفيل في مجال المزاوجة بين الداخل والخارج، ولا ريب أن تأخر افتتاح المتحف عن الموعد المضروب نحو سبع سنوات، نتج من دقة العمل على تلك القبة وجدته وصعوبته.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة