Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لدينا أمل جديد": بعد أشهر على سقوط كابول الأفغان يبحثون عن بداية جديدة في المنفى

واجه الفارون من أفغانستان بعد استيلاء حركة "طالبان" على السلطة عدم اليقين بشأن مستقبلهم في الخارج... تستمع هولي بانكروفت إلى شهادات البعض ممن يبنون حياة جديدة، فيما يبقى آخرون عالقون في مسارات اللجوء

عشاء نظم للاجئين الأفغان بعد إجلائهم من كابول، يوم 7 سبتمبر 2021 في باريس (غيتي)

قبل صعوده على متن رحلة أخذته الأسبوع الماضي إلى أوكلاند، سمح المصور الفوتوغرافي مسعود حسيني أخيراً لنفسه بالتفكير في مستقبل يعيشه كما يرغب.

وغادر الفائز بجائزة "بوليتزر" كابول على متن آخر رحلة تجارية أقلعت من المدينة في أغسطس (آب) الماضي بعد قضائه أشهراً على الجبهات الأمامية، في توثيق تقدم طالبان بالصور، وانتهى به المطاف في هولندا بتأشيرة مؤقتة فيما كان يفكر في خياراته واحتمالات تقديمه طلب لجوء، وظل عالقاً في هولندا طيلة الأشهر الستة الماضية، وهو عاجز عن العمل أو التنقل بحرية أو العثور على مكان له. وعندها، أعطته نيوزيلندا أملاً على شكل تأشيرة دخول.

وقال الحسيني لـ"اندبندنت" قبل ركوبه الطائرة يوم الأحد الماضي، "عليّ أن أجد طريقة لكي أصبح مواطناً مجدداً في هذا العالم - وربما تمكنت من فعل ذلك في نيوزيلندا".

بعد قراءة المقابلة التي أجراها الحسيني مع ااندبندنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تواصلت وزارة الهجرة معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأمّنت له تأشيرة دخول وتذكرة سفر إلى أوكلاند.

وصرح نائب وزير الهجرة النيوزيلندي بأن حسيني أعطي "تأشيرة زيارة للضرورة من أجل إعادة التوطين في نيوزيلندا".

وقال فيل تويفورد، "يواجه جيل من الصحافيين أسسوا صحافة حرة تنبض بالحياة في أفغانستان الآن تهديداً حقيقياً ليس على قدرتهم على أداء مهامهم فحسب، بل على سلامتهم وسلامة عائلاتهم كذلك".

بعد مرور ستة أشهر على سقوط كابول، ليس حسيني سوى واحد من آلاف الأفغان الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم الآن في المنفى. وهو من المحظوظين.

وطنت الولايات المتحدة 68 ألف أفغانياً حتى الشهر الماضي، فيما وصل 28 ألف أفغانياً إلى الاتحاد الأوروبي حتى أواخر ديسمبر (كانون الأول)، ولكن عدد الذين منحوا حق اللجوء من بينهم غير معروف.

استقبلت إسبانيا 1700 أفغاني في إطار "عملية أنتيغون" وحصل 5 آلاف آخرون على حياة جديدة في إيطاليا - كما فتحت الممرات الإنسانية لاستقبال 1200 آخرين.

ولكن البلدان الأخرى لم تظهر كرماً مماثلاً. في يونيو (حزيران) العام الماضي، أعلنت اليونان من طرف واحد بأن كل طالبي اللجوء القادمين من أفغانستان قد يُعاد إرسالهم إلى تركيا لأنها بلد آمن.

وفي هذه الأثناء، لا يزال الباقون عالقين في دول ثالثة مثل ألبانيا أو طاجكستان، على أمل أن توافق المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة على طلبات حصولهم على تأشيرات الدخول.

وقالت أوليفيا سندبرغ دياز، مستشارة السياسات لدى لجنة الإنقاذ الدولية (International Rescue Committee) لـ"اندبندنت"، "لا يزال أشخاص كثيرون في حال من الضياع. اختلفت ردود الأفعال على الوضع في أوروبا. وظهرت بعض الممارسات الجيدة، ولكن بشكل عام، لم نرَ التزاماً علنياً ملموساً لإحضار الناس إلى بر الأمان".

وأضافت السيدة دياز أن كثيرين من طالبي اللجوء لا يزالون منفصلين عن عائلاتهم، إما لأن الدول بطيئة جداً في مسألة إعطاء الأولوية للم شمل العائلات أو لأن وجهة نظرها ضيقة حول أي من أعضاء الأسرة يعدون من "العائلة النواتية". وحتى لو نجح أحدهم في إيجاد مكان لجوء في أوروبا، لا يمكن أن يعاد لم شمله مع أهله أو إخوته وأخواته في أغلب الأحيان.

وهذا هو الوضع الذي تعيشه سليمة أرينفار البالغة من العمر 28 عاماً، التي وصلت لايبزيغ قادمةً من كابول في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وكانت المعيلة الوحيدة لأسرتها في أفغانستان وهي قلقة على سلامة أفراد عائلتها. وقالت، "أطرق كل الأبواب الممكنة لإحضار عائلتي إلى ألمانيا، ولكنني لا أجد سبيلاً لذلك".

عملت أرينفار مترجمة مستقلة مع الإعلام الغربي أثناء استيلاء "طالبان" على أفغانستان كما أدت بعض الوظائف لصالح الحكومة الألمانية.

وقالت أثناء حديثها من داخل نزل في ميونيخ: "إن الفتيات مثلي قلقات للغاية بشأن أسرهن. نحن عازبات هنا ويصعب علينا أن نعيش من دون عائلاتنا".

ولكنها أثنت كثيراً على طريقة دعم الحكومة الألمانية لها. وقالت، "ساعدنا المسؤولون هنا على فتح حساب مصرفي والحصول على إذن بالإقامة وتأمين صحي وعلى التسجيل في البلدية". وتتوقع أن تحصل على بطاقة الهوية الأسبوع المقبل، مما سيفتح أمامها مجال العمل في البلاد.

وأضافت: "خطتي هي شق طريقي المهني في مجال الإغاثة الإنسانية في ألمانيا، والعودة يوماً ما إلى أفغانستان لتقديم المساعدة".

عدد قليل من الدول، مثل ألمانيا، أسس طرقاً آمنة وقانونية للحماية، كما يقول رشاد جلالي، مسؤول السياسات في المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين.

"ما زال القسم الأكبر ممن تم إجلاؤهم يقطن في المخيمات، وأماكن السكن المؤقتة وفي بعض الحالات النزل".

ويعد الأشخاص الموجودون في هذه الأماكن الانتقالية المؤقتة أكثر المواطنين الأفغان تعليماً، وفقاً لسنام نراغي - أندرليني، مؤسسة الشبكة العالمية لعمل المجتمع المدني، وهي منظمة مناصرة للسلام.

وما زالت الأغلبية داخل أفغانستان، حيث يقبع كثيرون في منازل آمنة تدعمها المنظمة. أما الباقون "فجالسون في نزل، ومخيمات حيث يعانون تفاقم المشاكل النفسية، ويصل إليهم مزيد من الأخبار السيئة من بلادهم. هؤلاء هم خيرة المواهب والكفاءات الأفغانية".

في أغسطس (آب) الماضي، وضعت الشبكة العالمية لعمل المجتمع المدني قائمة تضم نحو 300 اسماً وتفاصيل شخصية عن أفراد معرضين لخطر شديد إضافة إلى أسماء عائلاتهم - ويصل عددهم الإجمالي إلى ألفي شخص - وأرسلتها إلى الحكومات الغربية. وكانت قائمة جاهزة بالأفراد الذين وعد السياسيون بمساعدتهم بشكل صريح ومباشر.

بعد مرور ستة أشهر على هذا، وافقت ألمانيا على إعادة توطين نحو 84 عائلة من القائمة، ولا تزال كندا تراجع الطلبات ولم توافق سوى على حالات قليلة، فيما لم تفعل الحكومة البريطانية أي شيء تقريباً، كما تقول السيدة نراغي - أندرليني.

وأضافت، "تذهب الحكومة البريطانية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتتحدث عن حماية النساء بناة السلام والناشطات في مجال حقوق المرأة. تقول الحكومة شيئاً عبر وزارة الخارجية في أحد المنتديات، وعندما يحين وقت التصرف على الأرض، لا تفعل شيئاً، بل في الواقع، توقفت وزارة الداخلية عن إعطاء الأولوية للنساء الأفغانيات المعرضات للخطر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدكتورة نيلام راينا التي ساعدت في عملية إجلاء الأفغان الذين عملوا لصالح الحكومة البريطانية رأت أن طلباتهم تقابل بـ"الصمت المطبق". وعلقت قائلة، "لا يمكنني استخدام كلمة "محرج" للحديث عن الحكومة البريطانية لأنه ما يحدث أكثر من محرج".

أطلقت المملكة المتحدة برنامج إعادة توطين المواطنين الأفغان الشهر الماضي، وهو يهدف إلى إعادة توطين حتى 20 ألف أفغاني خلال فترة السنوات الخمس المقبلة.

ولكن هذا البرنامج تعرض للانتقاد لأن ثلث الأماكن الموعودة أعطيت لأشخاص موجودين على الأراضي البريطانية أساساً - مما أثار المخاوف بألا يعود بإمكان أشخاص كثر لا يزالون في أفغانستان بلوغ بر الأمان.

ولكن الدكتورة راينا أضافت أن الحكومة الألمانية تعمل "بفعالية منقطعة النظير. إن مستوى التنسيق فيها مذهل. يعمل أحد الأشخاص على فرز الأوراق الرسمية فيما يدقق آخر في تقارير "كوفيد"، ويهتم ثالث بجوازات السفر - وتنجح هذه العملية بشكل مثالي".

"عززت الولايات المتحدة الموارد في هذا الإطار كذلك، كما بدأت الحكومة الكندية بتفعيل العمل. وتؤدي دول أخرى مهامها بشكل جيد أيضاً".

أشارت السيدة دياز من لجنة الإنقاذ الدولية إلى إيرلندا باعتبارها مثالاً إيجابياً إضافياً، إذ جعلت سياساتها المعنية بإعادة لم شمل العائلات أكثر مرونة.

وحذرت من أن "البرتغال وفنلندا وبلجيكا تستقبل أشخاصاً كذلك، ولكن الطريق لا يزال طويلاً. من المقلق فعلاً مدى سرعة تحول الانتباه عن الموضوع".

منذ سقوط كابول، لم تهدأ حركة معصومة طاجيك ذات الـ22 ربيعاً.

أولاً، انتقلت من منزلها في كابول إلى المطار، ثم عادت أدراجها بعد قيام لصوص بنهب المطار، كي تعود في النهاية لتركب الرحلة الوحيدة التي استطاعت إيجادها - وهي طائرة متجهة إلى كييف في أوكرانيا.

وقالت طاجيك التي عملت مستشارة في كابول: "يشعر الناس هنا بالقلق. يخشون اندلاع الحرب وأنا أعرف هذا الشعور تماماً. أعتقد أن حظوظي في النجاة هنا أعلى من تلك في كابول، وبصراحة عليّ أن أكون واقعية لأنني أعلم بأنه من غير الممكن أن أغادر".

تنتظر طاجيك، التي عرضت عليها منحة كاملة لإكمال دراسة الماجستير في علوم البيانات والسياسة العامة في الولايات المتحدة، ريثما تنتهي إجراءات تأشيرة دخولها كطالبة، لكن صلاحية جواز سفرها شارفت على الانتهاء، ولم تتمدد سوى عن طريق ختم من السفارة الأفغانية في كييف.

لا يمكنها طلب اللجوء في أوكرانيا لأن ذلك سيفرض عليها تسليم جواز سفرها، وهو إثبات الهوية الوحيد الذي يسمح لها بالحصول على المال من الحوالات النقدية التي تصل إليها عبر "ويسترن يونيون".

ومع أن الأشخاص الذين تعرفهم يخزنون الطعام والمال تحسباً للغزو الروسي، أكثر ما يقلقها هو تأثير الحرب على تأشيرة سفرها.

وبشكل التعليم أولوية بالنسبة لعاطفة حسني أيضاً. وتقول السيدة التي استقرت الآن في مورسيا في جنوب شرقي إسبانيا، "عندما كنت أسكن في أفغانستان، كنت أعمل بجهد مع صديقاتي لكي نتعلم. أردنا متابعة شهادة الماجستير في الخارج ثم العودة إلى أفغانستان".

تعيش حسني الآن مع شقيقتها، وعائلة سورية في شقة وفرتها الحكومة الإسبانية.

ويحصلون كل شهر على بدل إعاشة نقدي، وعليهم تقديم فواتيرهم لإيضاح طريقة إنفاقهم للمال.

ولكن بعد قبول طلب لجوئها أخيراً، بات بإمكان حسني الانتقال الآن إلى "المرحلة الثانية"، حيث يسمح لها باختيار مكان إقامتها ولن تضطر لتقديم فواتير تبرر مدفوعاتها.

وقالت: "عندما وصلت إلى إسبانيا كان كل شيء منظماً. لم نبقَ في المخيم سوى ليلة واحدة، قبل أن يرسلونا إلى المدينة، حيث كانت الشقة حاضرة لاستقبالنا. لقد حالفنا الحظ".

قبل انهيار كابول، كانت حسني تستعد لإكمال دراسة الماجستير في ألمانيا. لم يتحقق ذلك الحلم، ولكنها حصلت بالمقابل على منحة لدراسة التنمية الدولية في مدريد.

وأضافت: "لم أتخيل يوماً أنني سأكون في إسبانيا. أشعر بتشاؤم كبير حول مصير أفغانستان، ولكنني أعلم بأنه لدينا أمل جديد هنا".

*نشرت اندبندنت هذا المقال في 15 فبراير 2022

© The Independent

المزيد من متابعات