Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تطوير المنظومة القضائية والأمنية في الجزائر لمواجهة الجرائم المعلوماتية 

"محاربة الظاهرة تتطلب إيجاد آليات تعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والأكاديميين والمؤسسات البحثية"

وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي (موقع وزارة العدل)

تواصل الجزائر ضبط منظومتها القانونية، توازياً مع تطور المجتمع، وبعد النصوص الكثيرة التي تم إصدارها لتنظيم مختلف المجالات والقطاعات والممارسات، جاء الدور على مواجهة الجريمة السيبرانية التي باتت تحظى باهتمام واسع لدى السلطات.

وأوضح وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد طبي، أن مكافحة الجريمة السيبرانية تقتضي تطوير المنظومة القضائية والأمنية، لما لها من آثار خطيرة على الأنظمة المعلوماتية، وعلى الحياة الخاصة للأشخاص، ولتطورها المستمر، وقال إنه يضم صوته لأصوات المتخصصين الداعين إلى توسيع ثقافة مواكبة العصر من خلال توخي الحيطة والحذر عند ولوج الفضاء السيبراني، وهو "ما يستدعي البحث عن أنجع الطرق لحماية معطياتنا الشخصية، التي أصبحت مهددة من خلال فتح الرسائل بغضّ النظر عن مصدرها وتنزيل تطبيقات غير موثوقة، ومشاركة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت".

وأشار طبي إلى أن السلطات العليا للبلاد بادرت بإنشاء قطب وطني متخصص في مكافحة الجريمة المعلوماتية لمواجهة المخاطر العديدة لها، خصوصاً على الأنظمة المعلوماتية والحياة الخاصة للأشخاص، وشدد على أنها صعبة الإثبات أمام القضاء، لأن الدليل في مثل هذا النوع من الجرائم لا يكون شيئاً ملموساً أو شهادة شهود، بل يتعين البحث عنه بمساعدة المتخصصين في الخبرات التقنية والفنية المناسبة.

وأضاف وزير العدل أن صعوبة إثبات الجريمة الإلكترونية تكمن أيضاً في كونها من دون حدود جغرافية، بحيث يمكن أن يوجد الجاني في قارة، والضحية في قارة أخرى، كما تتسم بطابعها المنظم والعابر للحدود، الأمر الذي يشكل تهديداً للأمن القومي لأمم بأكملها. وأبرز أن مصالحه الوزارية تولي اهتماماً بالغاً بموضوع الجريمة الإلكترونية، حيث أبرمت 48 اتفاقية تعاون مع المؤسسات الجامعية والتكوينية لفائدة قضاة المجالس القضائية، و43 اتفاقية تعاون لقضاة الجهات الإدارية، بهدف تطوير مداركهم الفكرية، بالتالي بلوغ مكافحة ناجعة وفعّالة لهذا النوع من الإجرام.

هاجس يؤرق السلطات

وبالعودة لتصريحات وزارة العدل الجزائرية، فإن الجرائم المعلوماتية باتت هاجساً يؤرق السلطات، بخاصة أن أسرار الدولة والأشخاص أصبحت على مرمى "الفضائح" التي يبغى بعض الأطراف استغلالها في إضعاف الدولة، ولعل الصعوبة التي واجهتها الجهات القضائية والأمنية  في مواجهة هذا النوع من "الاعتداءات"، بسبب استمرار التعامل وفق قواعد قانونية وُجدت خصيصاً لمكافحة الجرائم التقليدية، هي من فرضت تحديات كبيرة قانونية وتقنية وإجرائية على المستويين القضائي والأمني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد أصبحت الجرائم المعلوماتية تشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي للدول، بعدما انتقلت من جرائم محدودة بتخريب البيانات الشخصية وتحويرها وتدمير المعطيات والتلاعب بالحياة الخاصة، وغيرها، إلى الاعتداء على البنية التحتية بما تتضمنه من دخول وخروج وتخزين واعتراض للمعلومات.

تكييف الأجهزة مع التطورات

وفي السياق، يعتبر الباحث في الشؤون الأمنية، عمار سيغة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن مخاوف العالم من التهديدات غير التقليدية، ومنها الجرائم الإلكترونية، تجلّت في الآونة الأخيرة، والجزائر ليست في معزل عما يدور من صراعات وتحديات، وقد صنفت هذه الأفعال ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، بعد أن أدركت خطورة الظاهرة والعالم يحبس أنفاسه مع التطور الرهيب في المعلوماتية. وقال إن اهتمام الجزائر بموضوع الجريمة السيبرانية هو تكملة لوضع الأطر القانونية لمعاقبة كل من يستغل الوسائط المعلوماتية لتهديد أمن واستقرار البلاد، مشيراً إلى أن ما يرتبط بين تطوير واستقلالية الأجهزة القضائية وسبل مكافحة الجريمة السيبرانية يندرج ضمن تكييف الأجهزة مع التطورات الحاصلة داخلياً ودولياً.

ويواصل سيغة أن الجزائر انطلقت في تفعيل مخابر البحث والتحري في الجريمة الإلكترونية، وتلتها بمعاقبة "المجرمين". ويأتي هذا الإجراء في الوقت الذي أدخلت فيه المعلوماتية ضمن آليات الدفاع، وباتت تسيّر المنظومة العسكرية والأمنية. وأوضح بخصوص الاهتمام الذي تُوليه السلطات لهذا المجال، أن ذلك يعكس وعي وإدراك المعنيين بمخاطر ومستقبل التهديدات الإلكترونية على الأمن القومي، لا سيما في ظل هُلامية الظاهرة وصعوبة حصرها والتحكم فيها، وكل ذلك يمكن اعتباره مبررات موضوعية لتريّث الجزائر وتأخرها في مواكبة أجيال الإنترنت التي أحدثت ثورة معلوماتية غيّرت مفاهيم القوة الصلبة. 

تطوير مهارات المتخصصين

إلى ذلك، ترى الباحثة في علوم الإعلام والاتصال، دليلة العوفي، أن الجزائر ما زالت على غرار الكثير من الدول، تستعمل الوسائل التقليدية في التعاون الدولي الرسمي لمواجهة الجرائم المعلوماتية، وهذا لا يتماشى مع طبيعة هذا النوع من الجرائم التي تتطلب السرعة، وتتميز بالديناميكية، لا سيما ما يتعلق منها بالأدلة الرقمية التي تزول بسرعة. وقالت إن الجزائر بحاجة إلى تطوير البنية التحتية المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتطوير المنظومة القضائية والأمنية، وجعلها تتماشى مع التطورات الدولية. 

وأبرزت العوفي أن محاربة الجريمة المعلوماتية في الجزائر مرهونة ببناء القدرات البشرية، وهذا لن يتأتى إلا بوضع برنامج وطني لتطوير مهارات المتخصصين في أمن المعلومات، الذين يدعمون المؤسسات العمومية والخاصة، من أجل حماية أنظمتها الحساسة من التهديدات من جهة، وزيادة الوعي والتدريب في مجال أمن المعلومات لدى مستعملي الإنترنت من جهة ثانية، مضيفة أن محاربة الجريمة المعلوماتية تتطلب إيجاد آليات تعاون بين مختلف الأطراف المعنية من حكومة ومجتمع مدني وقطاع خاص وأكاديميين ومؤسسات بحثية، مع وضع هذا الاهتمام من الأولويات الاستراتيجية للبلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير