أحيا مواطنو إقليم كردستان ذكرى انتفاضتهم ضد نظام العراقي السابق، وسط تصاعد النقمة الشعبية على تفاقم الأزمة المالية، وتدهور الأوضاع المعيشية والخدمية، فيما نظم موظفون في القطاع العام بمحافظتي السليمانية وحلبجة إضرابات واحتجاجات للمطالبة بدفع مرتباتهم المتأخرة.
وانطلقت أولى شرارة انتفاضة الأكراد من قضاء رانية بمحافظة السليمانية، القريبة من الحدود الإيرانية في 5 مارس (آذار) عام 1991، ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين في أعقاب انهيار قواته التي كانت احتلت دولة الكويت أمام قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وشنّ سياسيون ونواب ومواطنون حملة انتقادات واسعة ضد سياسات حكومة الإقليم التي يُديرها الحزبان التقليديان "الديمقراطي" بزعامة مسعو بارزاني، و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، وشاركتهما أخيراً حركة "التغيير"، محملين إياهم مسؤولية الأزمات و"استشراء الفساد" و"احتكار مقدرات الإقليم لأغراض حزبية وشخصية"، في حين ذهب مواطنون إلى المطالبة بـ"إشعال انتفاضة جديدة".
ويعاني الإقليم أزمات اقتصادية وسياسية متتالية منذ عام 2014 عندما اجتاح تنظيم "داعش" مساحات شاسعة من العراق، وصولاً إلى مشارف المدن الكردية الرئيسة، بموازاة هبوط حاد في أسعار النفط، وقطع الحكومة الاتحادية حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية جراء تعثر الاتفاقات بين الطرفين حول إدارة ملف نفط الإقليم، وما يفاقم أزمته إعلان المحكمة الاتحادية أخيراً "عدم دستورية" إدارة الأكراد لقطاعهم النفطي، وتعليق بغداد دفع السلفة المالية الشهرية المخصصة لمرتبات الموظفين الأكراد.
إضرابات واحتجاجات
وأعلن "المجلس العام للمعلمين المحتجين" في السليمانية الخاضعة لنفوذ حزب "الاتحاد" عن "الإضراب العام تضامناً مع الأساتذة وطلاب الجامعات، احتجاجاً على تأخر صرف الرواتب والمنح المالية". وقال أعضاء المجلس في مؤتمر صحافي، إن "تفاقم الأزمة المالية على الرغم من ارتفاع أسعار النفط يطرح تساؤلات، بينما تتذرع الحكومة بأسباب غير مقنعة بالمرة، وعليها صرف مستحقات الموظفين من دون استقطاع وفي مواعيدها المحددة.
كما انضم للإضراب آلاف الموظفين في مديريات السليمانية ومحافظة حلبجة وإدارة منطقة كرميان ورابرين ومنطقتي كفري وبنجيوين اللتين شهدتا تظاهرات احتجاجاً على تأخير دفع المرتبات، وأقدمت مجموعة من المتظاهرين على قطع طريق رئيس يربط منطقة كفري بمنطقة كلار، فضلاً عن قطع طريق السليمانية وبينجوين.
وتأتي التطورات مع إعلان عمال شركات التنظيف في السليمانية إنهاء إضرابهم العام الذي دام لأيام احتجاجاً على عدم دفع الحكومة المحلية لمستحقاتها المالية منذ أشهر.
وكان "المجلس الاقتصادي" قد عقد اجتماعاً طارئاً بإشراف من رئيس الحكومة مسرور بارزاني على خلفية تعليق بغداد إرسال السلفة المالية، للبحث في "إعادة تنظيم الرسوم وأجور الخدمات، ومراجعة القوانين والتعليمات الحالية، ونشر المعلومات حول الإيرادات العامة للرأي العام وبيان مجالات الإنفاق، وضرورة تنظيم الإيرادات الداخلية وغير النفطية، على أن تتواصل الجهود مع الحكومة الاتحادية لحل المشاكل العالقة". وقال المجلس في بيان، إنه وجّه "وزارة المالية والاقتصاد إلى إجراء اللازم للاستمرار في دفع المرتبات للموظفين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني أكد في بيان، أن "الانتفاضة كانت تعبيراً عن إرادة شعب كردستان الرافضة للظلم والاضطهاد، ومنطلقاً لتأسيس كيان الإقليم الشرعي المقر في الدستور العراقي، وأن حماية مكاسب الانتفاضة وحقوق الإقليم مسؤولية مشتركة لجميع الكردستانيين"، داعياً إلى "تعزيز الوئام ووحدة الصف"، كما أكد رئيس الحكومة مسرور بارزاني من جهته أن "الانتفاضة شكلت نقطة تحول تاريخية، وحققت منجزات عظيمة، وإحدى أهم رسائلها هي أن شعب كردستان لن يتخلى مطلقاً عن حقوقه ومطالبه القومية من أجل الحرية والعيش الكريم"، وحثّ "القوى والشعب على العمل بنفس عزيمة الانتفاضة دفاعاً عن المنجزات والحقوق المشروعة". وختم قائلاً، "سنواصل الدفاع عن حقوقنا الدستورية بكل السبل"، في إشارة إلى رفض الأكراد لقرار المحكمة الاتحادية.
مفترق طرق
لكن موقف زعيم حزب "الاتحاد الوطني" بافل طالباني بدا مختلفاً على الرغم من اتفاقه على كون "الانتفاضة جاءت كرد فعل على الظلم من أجل تحقيق مستقبل زاهر لكردستان"، وأعرب في بيان عن أسفه "للإخفاقات وسوء استخدام السلطة وتردي الخدمات والظروف المعيشية والتي جعلت من المواطن يندم على انتفاضته"، واصفاً الحالة بـ"مؤشر خطير، يحتم علينا أن لا نشوه تلك التضحيات بسبب صراعاتنا الحزبية الضيقة"، محذراً من أن "التنصل عن تحقيق مطالب المواطنين المشروعة سيكون له عواقب وخيمة غير محسوبة النتائج".
كما حذر القيادي في الحزب آريز عبدالله من أن "الإقليم يقف على مفترق طرق، إما عليه أن يجري إصلاحاً حقيقياً، أو أن يواجه انتفاضة أخرى". ولفت إلى أن "نتائج الإصلاح والعدالة تكون في العادة واضحة، أما اندلاع انتفاضة فلا يعلم إلا الله كيف ستكون نتائجها".
إلى ذلك، قال لاهور شيخ جنكي الذي كان قد أبعده بافل طالباني عن زعامة الحزب بصفة مشارك "الذل والعار لكل من استغل منجزات الانتفاضة لتحقيق مصالحه الشخصية".
نفق مظلم
حركة "التغيير" المشاركة في الحكومة أكدت أن "الإقليم يواجه في ذكرى الانتفاضة تحديات جمة متمثلة بالصراعات السياسية وتردي الوضع المعيشي"، مبينة أن "السياسات الخاطئة وغياب استراتيجية وطنية والإغفال المتعمد لمطالب الشعب في تأسيس إقليم ديمقراطي وعادل، تضع اليوم كردستان أمام خطر كبير". وأضافت، "التجربة السياسية في الإقليم تعيش في نفق مظلم، وتحتاج إلى جهود وطنية حقيقية، وأهم خطوة تكمن في إجراء إصلاح داخلي، والاتفاق مع بغداد وفق مبادئ الدستور".
زعيم "جماعة العدل" الإسلامية المعارضة علي بابير هاجم بدوره القوى الحاكمة قائلاً "إذا لم ينتفض الشعب ضدكم، لن تستطيعوا أن تستمروا في هذا الحكم الغارق في الظلم والفساد الحزبي والعائلي"، محذراً من أن "الظلم هو الذي يكتب نهاية الظالمين". وقال، "75 من الشعب قاطع الانتخابات وجزء من 25 في المئة المتبقية صوت للحزبين الحاكمين، هذه الأقلية اليوم وباسم هذا الشعب تمارس حكماً فاشلاً وظالماً".
وفي السياق نفسه، شدد النائب في البرلمان الاتحادي عن الجماعة سوران عمر على أن "تضحيات الانتفاضة ومكتسباتها سلبتها أقلية سياسية وسلطة فاشلة وفاسدة تنتهك حقوق الإنسان، وحولت تجربة الإقليم إلى نموذج سيئ". وأكد أنه "على الرغم من تصدير نصف مليون برميل من النفط يومياً، فإن المواطن يعاني الفقر والبطالة وتردي الخدمات، والموظف محروم من مستحقاته".
في المقابل، وجهت وكالة "باس نيوز" المقربة من رئيس الحكومة انتقادات لاذعة لعمر، ووصفته بأنه "أحد أعداء كيان إقليم كردستان". وقالت إن "هناك حملة تستهدف الإقليم على هامش ذكرى الانتفاضة، وإن النائب المطلوب للعدالة في الإقليم سوران عمر نشر بياناً يثبت خلاله إنكاره لانتمائه القومي".
كما رد النائب عن "الديمقراطي" شوان كريم زراري على النائب عمر بدعوته إلى "التخلي أولاً عن صفقاته الخفية، وأن يكسر صمته تجاه الظلم الذي تعيشه السليمانية، التي فاز فيها بمقعده، واليوم تحولت إلى مكب للنفايات جراء احتكار الحزب المتحكم لمقدراتها (في إشارة إلى حزب الاتحاد)".
القيادي في "الديمقراطي" علي عوني قال لوسائل إعلام تابعة لـ"الديمقراطي" إن "الشعب هو الذي انتفض ضد بابير ولقنوه درساً جيداً، حيث لم يحصل سوى على مقعد واحد في الانتخابات الاتحادية الأخيرة". وزاد أن "بابير لم يساند الشعب في انتفاضته، ولا ساهم في تأسيس حكومة الإقليم، فهو لا يقدم سوى الكلام من أجل التلاعب بمشاعر الشعب". وأوضح، "إذا كنا بحاجة لانتفاضة جديدة، لا بد أن تكون من أجل قلع هؤلاء الذين ليس لديهم أي انتماء لوطنهم وشعبهم وحكومتهم، والذين يعملون لصالح بلدان أخرى، وعلى بابير أن يتعلم من مواقف المعارضة الأوكرانية التي تحارب إلى جانب حكومة بلادها ضد الغزو الروسي، في حين أنه لم يُبدِ أي استعداد لإدانة تنظيم داعش عندما هاجم الإقليم، وكان له الموقف ذاته عندما هاجمتنا قوات الحشد الشعبي".
وطرح رئيس تحرير موقع "ويستكا" الكردي الإخباري سيروان غريب سؤالاً عبر حسابه على "فيسبوك" عما إذا كان الإقليم يحتاج إلى انتفاضة جديدة؟ وأسباب إشادة البعض بنظام حكم حزب البعث السابق، وعن تقييمهم للوضع السائد عموماً.
ورد مواطن يحمل اسم راويز جبار على "صعوبة تحقيق انتفاضة جديدة، لأن الانتفاضة السابقة جرت بمساعدة أميركية، والمنتمين لذلك النظام كانوا من القلة، لكن الأمر يختلف اليوم، فالعديد قد انخرط مع هذه الأحزاب من أجل مصالح ذاتية". وفي المقابل، كتب شيركو صمد قائلاً، "بئساً لذلك النظام، كان يمكن اليوم أن يعدم أي شخص لمجرد أن يُدلي برأيه، ومن الإجحاف أن تتم المقارنة بين تلك المآسي واستقرار اليوم، نحن نحتاج فقط إلى إصلاحات حقيقية".
جبار محسن علق موافقاً على "حاجة الإقليم لانتفاضة جديدة من قبل الطبقة المضطهدة ضد السلطة الظالمة، ضد طبقة متنعمة بحياة مرفهة، بينما يحرم الآخر من مصدر عيشه الوحيد، وهو المرتب".