Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مليارات الناس تشملهم عواقب أزمة المناخ

التقييم الأحدث والبالغ الأهمية الذي أصدرته "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" يحذر من أن نصف سكان العالم يرزحون تحت خطر تبعات تغير المناخ نظراً إلى أن الوقت ينفد أمام العالم "لتأمين مستقبل صالح للعيش ومستدام"

أرجئ تنظيم مباريات هوكي في بحيرة كولورادو الأميركية بعد تأخر الجليد شهراً كاملاً جراء ارتفاع درجات الحرارة وصيف مديد (أ ب)

تبين أن نصف سكان المعمورة معرضون بشدة للعواقب التي تخلفها أزمة المناخ، وأن الفرصة السانحة لنا لتأمين مستقبل "صالح للعيش" يحظى به الجميع تتلاشى بسرعة، كما جاء في تحذير أطلقه تقييم كبير جديد اضطلع بإعدداه كبار العلماء في العالم.

وفق الفصل الثاني من التقرير الشامل الصادر عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (اختصاراًIPCC ) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فإن الاحترار العالمي الذي يعزا إلى الإنسان بشكل قاطع "لا لبس فيه" سبق أن أخذ يترك اختلالات خطيرة في العالم الطبيعي، وللأسف ليس ممكناً عكس مسار بعض آثاره.

التقييم، علماً أنه يعتبر الرؤية الأجدر بالثقة حول تغير المناخ العالمي، وينشر كل سبع سنوات تقريباً، يبحث في أوجه تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المجتمعات والنظم الأيكولوجية (البيئية)، ويستكشف مدى قدرة العالم على التكيف مع تغير المناخ.

يذكر أن جلسات الموافقة النهائية الخاصة بتقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" عقدها المجتمعون افتراضياً، وقد صدرت بموافقة 195 حكومة من الدول الأعضاء، واستمرت حتى وقت متأخر من الليل.

وحذر الباحثون الذين تولوا إعداد التقرير من أن "تغير المناخ يشكل تهديداً على رفاه الإنسان وعافيته وصحة كوكب الأرض. وأي تأخر إضافي في اتخاذ إجراءات عالمية استباقية منسقة بشأن التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره سيسفر عن ضياع فرصة قصيرة ما برحت تتلاشى بسرعة لتأمين مستقبل قابل للعيش ومستدام للجميع".

وذكر التقرير أن "المستقبل القريب" سيحمل معه ارتفاعاً في درجة الحرارة يتجاوز 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت) [قياساً على مستويات ما قبل العصر الصناعي]، علماً أنه الحد الطموح المدرج في ’اتفاق باريس’ للمناخ". ومعلوم أنه حتى الآن، ارتفعت درجة حرارة العالم بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ويشهد الكوكب فعلاً مزيداً من موجات الحر والعواصف والفيضانات وحرائق الغابات الشديدة الأثر. في الواقع، حتى إن تجاوزت درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية بشكل مؤقت ستحدث زيادات من المتعذر تفاديها في مجموعة من المخاطر المتعددة، وفق "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ".

 

الإبقاء على الارتفاع في درجات الحرارة عند الحدود الأقرب إلى 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يقلص التهديدات الناشئة بصورة كبيرة، مقارنة مع مستويات أعلى من ارتفاع الحرارة، ولكن "ليس في المستطاع استبعاد بعضها". جهودنا المبذولة من أجل التكيف مع تغير المناخ لم تكن كافية، وفي بعض الأماكن، بلغت الحد الأقصى فعلاً.

بينما يقول الباحثون، إننا بحاجة إلى إجراءات "قادرة على إحداث تغيير" بسرعة أكبر، يؤكدون أيضاً أن النهوض بذلك يشتمل على طرق صحيحة وأخرى خطأ.

في غضون ذلك، سيزداد التكيف مع تغير المناخ صعوبة فيما تستمر درجات الحرارة في الارتفاع. وفي بعض المناطق، سيتحول التكيف من كونه مهمة محفوفة بالتحديات إلى أمر "متعذر" في حال تجاوزت درجات الحرارة درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت) [قياساً بمستويات ما قبل العصر الصناعي]، وفق التقرير.

تشمل النتائج الرئيسة الأخرى التي خلص إليها التقرير ما يلي:

يعيش حوالى 3.3 إلى 3.6 مليار شخص في ظروف شديدة التأثر بتغير المناخ.

لم يعد في المستطاع إصلاح بعض الخسائر الواقعة، من قبيل الانقراضات الأولى للأنواع الحية المدفوعة بتغير المناخ.

"تتوالى" الآثار السلبية لتغير المناخ على امتداد السواحل والمدن، وفي المناطق الجبلية. وتفضي هذه المخاطر إلى نقاط حرجة لا عودة فيها في النظم الأيكولوجية ذات الطبيعة الحساسة، وفي النظم الطبيعية المتأثرة بذوبان الجليد والتربة الصقيعية، والتغير في هيدرولوجيا المناطق القطبية.

تقاسي الشعوب وفئات السكان والنظم البيئية الأكثر هشاشة الأضرار الأشد الناجمة عن تغير المناخ.

تطرأ التقلبات المناخية الأشد ضراوة في وقت متزامن، معرضة الملايين من الناس لانعدام حاد في الأمن الغذائي والمائي، لا سيما في أفريقيا، وآسيا، والأميركيتين الوسطى والجنوبية، والدول الجزرية الصغيرة، والمنطقة القطبية الشمالية.

تقييم العواقب التي يطرحها تغير المناخ على الصحة العقلية والنفسية للمرة الأولى وربطها بارتفاع درجات الحرارة والصدمات النفسية الناجمة عن الحوادث المناخية الشديدة الوطأة، وفقدان سبل معيشة المجتمعات وثقافتها. وبالتأكيد، يتأثر بشكل خاص الأطفال والمراهقون والمسنون والمرضى الذين يكابدون أصلاً حالات صحية.

هوسونغ لي، رئيس "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، وصف التقرير الأخير بأنه "تحذير جدي وملح من مغبة التقاعس عن اتخاذ التدابير اللازمة".

وأسر لي "أن ما نتخذه اليوم من خطوات سيحدد لاحقاً أوجه تكيف الناس مع تغير المناخ واستجابات الطبيعة لمخاطر المناخ المتزايدة".

وصدر التقرير، الذي شارك فيه 270 خبيراً في المناخ يتوزعون على 67 دولة، في ظل غزو تنفذه القوات الروسية ضد أوكرانيا. والأسبوع الماضي، تبين أن العلماء الأوكرانيين انسحبوا مكرهين من جلسة الموافقة على تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" التي كانت تعقد افتراضياً عبر شبكة الإنترنت، وذلك بعدما اعتراهم الخوف على سلامة أسرهم.

الجمعة الفائت، أفادت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية أن العلماء الأوكرانيين حاولوا أن يبقوا ضمن عملية إصدار التقرير الأساسي، حتى في خضم اختبائهم في الملاجئ ومصارعتهم غياب منافذ الإنترنت.

خلال إحاطة إعلامية عقدت، الأحد الماضي، أدلت البروفيسورة دانييلا شميدت، واحدة من الباحثين الرئيسين لدى "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" من "جامعة بريستول"، ببيان مؤثر حول الصراع.

وكشف البروفيسورة شميت أن "الوفد الأوكراني (في القمة المناخية) طلب منا جميعاً متابعة العمل، معرباً عن مدى استيائه من أن موقفه هذا سيصرف الانتباه عن الأهمية التي يكتسيها التقرير" المناخي.

وفي معرض إشارتها إلى غزو أوكرانيا، أضافت البروفيسورة شميت أن "رئيس الوفد الروسي في الجلسة أعرب بوضوح شديد أن [غزو أوكرانيا] ليس رغبة الشعب الروسي كله، وأنه لم يسأل عن رأيه" في هذه الخطوة.

والثلاثاء، نشر علماء وصحافيون روس متخصصون في مجال العلوم خطاباً مفتوحاً ضمنوه إدانة شديدة اللهجة للهجمات العسكرية ضد أوكرانيا.

"كثيرون منا لديهم أقارب وأصدقاء وزملاء في حقل العلوم يعيشون في أوكرانيا. قاتل آباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا معاً ضد النازية"، كتب هؤلاء مشيرين إلى أن هذه الحرب ستحول روسيا إلى دولة "منبوذة"، وأن النهوض بالبحوث العلمية لن "يكون وارداً" من دون وجود تعاون دولي.

 "حدود صعبة"

يعكس التقرير التقدم الذي تحقق في السنوات الأخيرة في حقل "الإسناد"، العلم الذي يتناول الكيفية التي يؤثر فيها تغير المناخ الناجم عن الإنسان على تكرر الظواهر المناخية القاسية ومدى حدتها.

والحال أن أرواح المئات من الناس قد أزهقتها موجات حر ضربت العالم العام الماضي من الولايات المتحدة وكندا حتى الهند، فضلاً عن العراق وبلاد أخرى في الشرق الأوسط. أما الفيضانات فلم تكن أكثر رأفة، إذ حولت مناطق برمتها في نيجيريا والهند والصين وألمانيا وبلجيكا والمملكة المتحدة إلى خراب، فيما اندلعت من دون هوادة حرائق الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية وسيبيريا، وأجزاء من جنوب أوروبا والغرب الأميركي.

وتقود الحوادث المناخية القاسية إلى عواقب متتالية ما برحت السيطرة عليها تزداد صعوبة.

وجد التقرير الجديد أن أجزاء كثيرة من عالم الطبيعة شارفت على الحد الأقصى لقدرتها الطبيعية على التكيف مع تغير المناخ، من بينها الشعاب المرجانية في المياه الدافئة والغابات المدارية المطيرة.

تواجه بعض المجتمعات التي تعيش على طول السواحل وأصحاب المزارع الصغيرة ما يسمى "القيود الناعمة" [الخفيفة] المترتبة عل التكيف مع تأثيرات المناخ، من قبيل عدم توفر الأموال.

كذلك نجد أن قدرة الناس على التكيف محكومة بـ"قيود خشنة". فعند تجاوز درجات حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، تفرض موارد المياه العذبة المحدودة قيوداً قاسية محتملة على المقيمين في الجزر الصغيرة، والمناطق التي تعتمد على الأنهار الجليدية وذوبان الجليد.

وعند ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، ستلحق بالزراعة أضرار إضافية، بما في ذلك بالمحاصيل الغذائية الأساسية المتعددة الأنواع، لا سيما في المناطق الاستوائية.

صب التقييم الجديد تركيزاً أكبر بأشواط، مقارنة مع التقارير السابقة، على الاعتماد الكبير للبشر على الطبيعة والنظم البيئية الصحية. ويدعو إلى الحفاظ على نحو 50 في المئة من الموائل على اليابسة وفي المياه العذبة والمحيطات، إلى جانب إصلاح النظم البيئية المتدهورة. ويؤكد التقرير بشكل خاص ضرورة استقاء المعرفة من الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية للقيام بذلك.

في الجلسة أيضاً، نوقشت بإسهاب الآثار المادية التي يتركها تغير المناخ على الناس، فأشار الباحثون إلى أنه في المناطق كافة، تسببت حوادث الحر الشديد في وقوع وفيات كثيرة والإصابة بأمراض عدة.

وازدادت الأمراض المتصلة بتغير المناخ المنقولة بالطعام والمياه نتيجة الظروف التي تسمح للأمراض بالانتقال إلى مناطق جديدة أو التكاثر بشكل أفضل. مثلاً، نجد أن الأمراض الحيوانية والبشرية، من بينها حالات العدوى التي يمكنها أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر على شاكلة فيروسات "كورونا"، آخذة في الظهور في مناطق جديدة. وقد تفاقمت مخاطر الأمراض المحمولة بالمياه والغذاء في بعض المناطق.

كذلك ارتبط التعرض المتزايد لدخان حرائق الغابات والغبار الجوي بحالات ضيق في القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي. وفي الوقت نفسه، تؤدي الظواهر المناخية البالغة الشدة من قبيل الفيضانات إلى عرقلة قدرات المجتمعات على الحصول على الرعاية الصحية.

في سياق متصل، وجد العلماء علاقة بين تأثيرات تغير المناخ على الصحة النفسية والعقلية وارتفاع درجات الحرارة، ومواجهة صدمات نفسية ناجمة عن الظواهر الجوية والمناخية البالغة الضراوة، وفقدان مجتمعات عدة سبل معيشتها وثقافتها.

ووفق التوقعات، سيرتفع معدل القلق والضغط النفسي في ظل حصول ارتفاعات إضافية في الاحتباس الحراري، خصوصاً في صفوف الأطفال والمراهقين والمسنين ومن يعانون أصلاً حالات صحية.

"سوء التكيف"

تعتبر المدن، التي تأوي أكثر من نصف سكان العالم، بؤراً ساخنة للتأثيرات والمخاطر الناجمة عن تغير المناخ، ولكنها تشكل أيضاً جزءاً مهماً من الحل.

الظواهر المناخية الشديدة الوطأة المرتبطة بالمناخ، مثل موجات الحر والعواصف والجفاف والفيضانات، إلى جانب الحوادث المناخية البطيئة من قبيل ارتفاع مستوى سطح البحر، تؤثر سلباً على البنية التحتية مثل شبكات الطاقة والنقل العام. ويبقى أصحاب الدخل المنخفض والمجتمعات المهمشة الأكثر تضرراً، فيما يملكون أقل الموارد التي تسمح لهم بالتكيف مع تأثيرات تغير المناخ.

ولكن مع ذلك، من شأن المدن أيضاً أن تكون موطناً لتطبيق إجراءات التكيف، وذلك مثلاً عبر "المباني الخضراء" الصديقة للبيئة، والإمدادات المأمونة من المياه النظيفة والطاقة المستمدة من مصادر متجددة، والنقل المستدام الذي يساعد على الربط بين المناطق الحضرية ونظيرتها الريفية.

منذ التقرير الأخير الذي أصدرته "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" في 2014، توفرت لدى الخبراء معلومات إضافية عن تدابير جرى تنفيذها من أجل التكيف، منها ما أتى ثماره، ومنها ما انطوى على عواقب سلبية غير مقصودة.

أحد الأمثلة على ما يسمى "سوء التكيف" الجدران البحرية. صحيح أن الأخيرة ربما تساعد في حماية الناس من الفيضانات في مكان ما، بيد أنها تسبب مشاكل لمن يعيشون على طول الساحل.

وذكر الباحثون أن سوء التكيف يؤثر سلباً بصورة خاصة على الشعوب الأصلية، والأقليات الإثنية، والأسر ذات الدخل المنخفض.

تذكيراً، نشر الفصل الأول من الدورة السادسة لتقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" في أغسطس (آب) الماضي، وكشف أنه "وعلى الأغلب، سيصل ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة مئوية [قياساً بمستويات ما قبل العصر الصناعي] في مرحلة ما خلال العشرين عاماً المقبلة. وبدوره، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التقرير بأنه "يدق ناقوس الخطر الذي تواجهه الإنسانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الجزء الثالث المرتقب من التقرير، فسيركز على التخفيف من حدة آثار تغير المناخ، أي الخطوات التي ينبغي اتخاذها بغية الحد من الانبعاثات التي تتسبب باحترار الكوكب، ومن المتوقع صدوره في بداية أبريل (نيسان) المقبل.

النبأ السار، أنه على الرغم من التحذيرات الحازمة التي تضمنها تقرير اليوم، أوضح الباحثون أيضاً أن فرصة كبيرة للتكيف مع آثار تغير المناخ ما زالت سانحة أمامنا، ولكن لا بد من وضع استراتيجيات معجلة، إلى جانب خفض انبعاثات غازات الدفيئة التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

الدكتورة هيلين آدامز، علماً أنها واحدة من كبار المحاضرين في الحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع تغير المناخ وباحثة في "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، قالت إن المسار مرهون بالخيارات التي تتخذها المجتمعات ويرتئيها صانعو القرار. مثلاً، إذا قررت البلاد توظيف الاستثمارات في الرعاية الصحية الشاملة للمساعدة التصدي للارتفاع الذي تسجله حالات الأمراض المرتبطة بالمناخ، أو وضع أنظمة إنذار مبكر تنبه إلى الأحوال المناخية القاسية.

وقالت الدكتورة آدامز، إن "الأمور سيئة نعم. ولكن مستقبل الأرض رهن بنا [بما سنفعله]، وليس بالمناخ".

© The Independent

المزيد من بيئة