Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سد النهضة يغازل البدائل الأوروبية للطاقة

العقوبات الاقتصادية على دولة كروسيا لا تحدث أثراً مباشراً في المدى القريب

تقدر كلفة سد النهضة بنحو 4 مليارات دولار ويهدف إلى بناء أكبر سد لإنتاج الطاقة الكهرمائية في أفريقيا (أ ف ب)

خلال مؤتمر صحافي عقدته في القاهرة مطلع الأسبوع الحالي، قالت الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي والبحر الأحمر أنيت ويبر "يزداد اهتمامنا في ضوء الحرب الروسية ضد أوكرانيا في ما يخص حاجات الطاقة، ونحاول تنويع مصادر الطاقة وتحقيق الاستقرار".

ما تبع تصريحات المسؤولة الأوروبية من أجواء وتلميحات، يدفع إلى التساؤل لأي مدى يكون سد النهضة كأحد الخيارات الأوروبية البديلة للطاقة في الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم، بخاصة أوروبا  بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؟ 

أجواء متباينة

تأتي تصريحات المسؤولة الأوروبية ضمن ظروف متباينة سواء في ما تشكّله قضية سد النهضة حالياً من خلاف لا يزال يبحث عن حل في اتفاق قانوني، يعالج توترات العلاقة المائية بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان.

وتتهم الدولتان إثيوبيا بالتصرف الفردي، وفرض أمر واقع بعد الخطوات المنفردة في ملء بحيرة الخزان، وأخيراً البدء بعملية توليد الطاقة الذي شرعت فيه أديس أبابا في 20 فبراير (شباط) الماضي، مما اعتبرته مصر تجاوزاً لاتفاقية المبادئ بين الأطراف الثلاثة المبرمة في مارس (آذار) 2015.

وعلى مستوى آخر، ما يتبع حالياً تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وتتسبب فيه العقوبات الاقتصادية التي تحاول كل من الولايات المتحدة وأوروبا فرضها على روسيا، من آثار اقتصادية مركّبة، وإخراج روسيا من نظام الاقتصاد العالمي (سويفت)، إلى جانب تبعات مترتبة على قطع حاجات الغاز الروسي عن أوروبا الذي تعتمده كمصدر رئيس للطاقة.

 وكانت الولايات المتحدة أعلنت أنها تتواصل مع  عدد من الدول المنتجة للغاز لتوفير إمدادات الغاز لأوروبا، كبديل عن الغاز االروسي، في حال توقّفه جراء الانعكاسات السلبية للعقوبات.

وأشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أن "بلاده تعمل لإيجاد بدائل للغاز الروسي حتى لا يكون الاعتماد عليه".    

وضمن إفاداتها، قالت ويبر حول الاهتمام بسد النهضة إنها "تزور مصر من أجل النظر بشكل أعمق، وبحث الآليات التي يمكن أن يقوم بها الاتحاد ومصر معاً بشأن السد وأمن البحر الأحمر".

وفي حيثيات المخاوف التي تقود الخطى الأوروبية، وصفت زيارة قام بها وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى الجزائر، ضمن الترتيبات التي تُجريها أوروبا، لأي توقعات بتوقف صادرات الغاز الروسي. ووفق مصدر جزائري، "البحث عن منفذ إنقاذي من الجزائر لاحتمال توقف صادرات الغاز الروسية نحو أوروبا".

خنق الاقتصاد الروسي

يقول الخبير الاقتصادي منصور راشد محمد إن "العقوبات التي تفرضها أميركا على روسيا على الرغم مما تهدف إليه في خنق الاقتصاد الروسي (بحسب المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف)، لا تشمل حتى الآن النفط والغاز، وهذا واضح في استثناء البنوك الروسية التي تغطي مبيعات الغاز والنفط في مقاطعة نظام "سويفت"، وتشير تصريحات الرئيس بوتين إلى التزام روسيا تعهداتها للدول الأخرى في ما يتعلق باتفاقات الغاز طويلة الأمد".

ويضيف محمد "في تقديري أن العقاب الاقتصادي على دولة كروسيا لا يُحدث أثراً مباشراً في المدى القريب، فموسكو وفق التوقعات، قادرة على توفير أكثر من  مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لعدد من دول العالم، ويتم تصدير أكثر من 200 مليار متر مكعب من هذه الكمية إلى أوروبا وحدها، التي تعتمد على تدفقات الغاز الروسي بنسبة 45 في المئة من جملة استهلاكها السنوي البالغ حوالى 555 مليار متر مكعب وفق التقديرات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح الخبير الإثيوبي "اقتصاد بهذا القدر من المرونة، تصعب محاصرته، كما يصعب حرمان أوروبا سريعاً من الغاز الروسي الذي يشكّل رئة بالنسبة إليها ومتنفساً لا يمكن الانتظار إلى حين إيجاد بديل عنه. وهناك دول عدة ترفض تطبيق العقوبات الشاملة على روسيا منها اليونان والمجر وجورجيا وصربيا. كما أن أكثر الخبراء الاقتصاديين في أوروبا يحددون أنها ستحتاج على الأقل إلى فترة عامين لإيجاد بديل للنفط والغاز الروسيين، وأن الارتفاع المتوقع في أسعار الطاقة سيؤثر بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، خاصة في أوروبا".

تداعيات يتسع مداها

في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أمدرمان الإسلامية صلاح الدين عبد الرحمن الدومة أن "تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية يتسع مداها إلى فضاءات عدائية، لا تخضع لحسابات واقعية في معظم الأوقات، مما يؤدي إلى نتائج غير مطلوبة".

ويضيف "الدوافع قد تكون واضحة في البداية، ولكن تسوقها حماسة في معظم الأوقات، فالقرارات الأميركية - الأوروبية بشأن تعطيل الاقتصاد الروسي والتأثير فيه بعزل وحرمان البنوك الروسية مشاركة  النظام المصرفي العالمي (نظام سويفت)، عقوبات معلوم مردودها. لكن محاربتها في تسويقها، فالغاز هذا غير واقعي، وله مردود سلبي على أوروبا نفسها التي لا تستطيع تحمّل انقطاع الغاز عنها ليوم واحد".

ويوضح الدومة "الحروب أحياناً تكون خاضعة لدوافع تؤدي إلى نتائج غير محبذة للطرفين المتصارعين، وهذا ما انتبهت إليه الولايات المتحدة وروسيا نفسها تجاه المخاطر المحدقة بأي استفزازات للسلاح النووي، مما دفع البلدين إلى تنسيق مستمر عبر خطوط مفتوحة لتلافي أي أخطاء غير محسوبة جراء تطورات الحرب".

ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى "جوانب أخرى لا تزال مصدر تنافس، تتفاعل فيها الأفعال وردود الأفعال كالجانب الاقتصادي الذي تعتمده أميركا والغرب كمصدر ضغط، لكن على الرغم من ذلك، روسيا من جهتها ماضية في حربها لتحقيق أهدافها القريبة والمتمثلة في تأمين حدودها من الخطر الأوكراني الذي تسعى إلى تجريده من أي أسلحة تشكل تهديداً  لحدودها". 

تخطيط وأجندة

أما في ما يتعلق بسدّ النهضة وما يمكن أن يوفره من طاقة يمكن تسويقها لأوروبا في المستقبل، يوضح الدومة أنه "مشروع يحتاج إلى تخطيط وأجندة متعددة سواء في رأس المال المطلوب له كمشروع يمتد لآلاف الكيلومترات عبر الأراضي السودانية والمصرية، متجاوزاً مياه البحر الأبيض المتوسط حتى تصل كابلاته إلى أوروبا، إلى جانب فرضيات أخرى في توافقات الدول المعنية بالمشروع. وفي هذه الحالة، تشارك كل من مصر والسودان في المشروع بحكم الجغرافيا، فضلاً عمّا يتطلبه المشروع من تنسيق سياسي واقتصادي بين الدول الثلاث". 

ويضيف "حتى الآن، مشروع سد النهضة وعلى الرغم من الإعلان الإثيوبي عن تدشين توليد الكهرباء منه، لا يزال موقع حوار لم يكتمل اتفاقه ليمثّل مشروعاً تعاونياً بين إثيوبيا ودولتَي المصب.من جانب آخر، مشروع سد النهضة يمكن أن يأخذ الصفة العالمية كمشروع قاري، ولكن يحدث ذلك بعد النجاح في تجاوزه العقبة الإقليمية بتوافق كامل بين البلدان الثلاثة يترجم في تعاون حقيقي ومشاريع إقليمية مشتركة".

من جهته، يؤكد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد أن "ما يُقبل عليه العالم من تغيّرات في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها يتطلب حلولاً مناسبة لمختلف القضايا في الاقتصاد والبيئة والطاقة".

ويضيف أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد وفي حفل توليد الكهرباء من مشروع سد النهضة في 20 فبراير الماضي، أشار إلى الوظيفة المتسعة للسد كمشروع عالمي في توصيل إنتاجه من الطاقة الكهربائية إلى أوروبا".

 ويوضح أن "رؤية آبي أحمد تتحقق الآن حين قال إن لدى بلاده رغبة لا تقتصر على إنتاج الطاقة واستخدامها وإفادة الدول المجاورة، ولكن أيضاً تصدير الطاقة إلى أوروبا".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات