Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خالد إسماعيل: أستخدم العامية في الكتابة لأحقق الصدق الفني

قام بتوثيق حركة الناس في 25 يناير روائياً وبرأيه أن ورش الكتابة تسهم في تسليع الأدب

الكاتب المصري خالد اسماعيل (اندبندنت عربية)

أصدر الكاتب المصري خالد إسماعيل 12 رواية ومجموعتين قصصيتين، منذ أن بدأ مساره الأدبي، قبل نحو ثلاثين عاماً. بدأ بمجموعتي "درب النصارى"، و"غرب النيل"، ثم نشر بعد ذلك رواياته: "عقد الحزون"، و"كحل حجر"، و"العباية السوداء"، و"أوراق الجارح"، و"ورطة الأفندي"، و"26 أبريل"، و"زهرة البستان"، و"أرض النبي"، و"أفندم... أنا موجود"، و"عرق الصبا"، و"قهوة الصحافة"، و"حكايات عائلية". وفي هذه الأعمال تبرز بصفة أساسية الثقافة الشعبية العربية في صورتها المصرية، علماً بأن إسماعيل وُلد ونشأ في كوم العرب، وهي قرية قريبة من مدينة طما في محافظة سوهاج بجنوب الصعيد. وتزامن انطلاق مساره الأدبي مع عمله في الصحافة عام 1988.

وفي حوار أجريته معه بدأت بأن أبديت له ملاحظة مفادها أن مهنة الصحافة تحضر على نحو "فضائحي" في كثير من أعماله الأدبية، فعقب على ذلك بالقول: نحن من خلال واقعنا المهني الصحافي المصري نعرف أن اختيار قيادات المؤسسات الصحافية يخضع غالباً لمعايير "أمنية"، وهذه القيادات لا تملك المواهب بقدر ما تملك القدرة على تحطيم الموهوبين. ولهذا وجدت ورأيت في مساري المهني هؤلاء المشوهين والمغتصبة عقولهم، واللاتي اغتصبت أخلاقهن ودفعن ثمن صعودهن الوظيفي، وعانيت هذا كله. فقررت أن أكتب عن هؤلاء من باب عرض التجارب الإنسانية، وليعرف الناس شيئاً عن الواقع الذي عايشت تفاصيله. وكان الأسبق إلى هذا الميدان الكاتب الراحل فتحي غانم بروايته "زينب والعرش"، وقد رصدت في روايتي "26 أبريل" و"قهوة الصحافة" نماذج بشرية من داخل سياق الصحافة المصرية، ولكن "الفضائحية" التي قصدتها في سؤالك لم تكن هدفاً، لأن ما عشته مع هؤلاء هو الفضيحة بعينها، وأنا حاولت تقديم "نماذج" لشخصيات قُهرت، وقهرت آخرين، وخربت مهنة سامية، وخسر المجتمع كثيراً بسبب سيطرة هؤلاء على الصحف الحكومية والحزبية والمملوكة لرجال الأعمال.

أديب يعمل بالصحافة

وحين سألته: إلى أي مدى استفاد أو خسر في مساره الإبداعي بسبب عمله بالصحافة؟ قال: "في عام 1992 جئت من قريتي بهدف الإقامة الدائمة في القاهرة، مركز مهنة الصحافة ومركز كل شيء تقريباً. وعملت في مجلة "الإذاعة والتلفزيون" الحكومية بعد ضياع حلم العمل في جريدة "الأهالي" اليسارية بوفاة رئيس تحريرها آنذاك فيليب جلاب الذي كان قد وعدني بالتعيين في الجريدة عقب إنهائي خدمتي العسكرية. كنت طوال سنوات دراستي في قسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة أسيوط، أعمل مراسلاً لـ"الأهالي" من محافظتي سوهاج وقنا. ولما التحقت بمجلة "الإذاعة والتلفزيون"، سألت نفسي هذا السؤال: "هل أنا صحافي يهوى الأدب أم أديب يعمل بالصحافة؟"، وحسمت الأمر: "أنا أديب يعمل بالصحافة". وهذه الإجابة جعلتني أركز جهدي في اتجاه امتلاك أدوات الكتابة الأدبية، وبدأت بالقصة القصيرة، وكتبت الرواية، وطوال رحلتي كنت أسمع عبارة "الصحافة محرقة الأديب". وهذه العبارة صحيحة إذا كان الأديب يعمل في الصحف الخبرية اليومية ويطارد المصادر، ويقضي نهاره وليله في جولاته المهنية، بالتالي تحترق المشروعات الأدبية ولا يستطيع إنجاز قصصه وقصائده ورواياته. على الجانب الآخر، كان أدباء كبار يعملون في الصحافة مثل خيري شلبي وعبد الوهاب الأسواني وفتحي غانم. وبالنسبة لي أفادتني الصحافة على مستوى نفسي، فلم أصبح مثل المبدعين الذين يتمنون النشر في الصحف، لأنني في "مطبخ صحيفة" وبين الحين والآخر كنت أنشر مقالات موقعة باسمي. أفادني ذلك لما كتبت الروايات والقصص. جعل لغتي بسيطة دالة وخلصني من تقعير اللغة التراثية والأكاديمية، لأن الصحافة تزرع في ذهن الصحافي مفردة اسمها "القارئ". وعقب كل سطر تكتبه تجعلك تطرح على نفسك السؤال: "هل هذا المكتوب يفهمه القارئ بصعوبة أم يكون ميسوراً عليه؟". فالصحافة على الرغم من كل ما تعيشه من أزمات وتعانيه من أمراض، هي الأنسب للأديب والأقرب، لأنها تضعه في بيئة القراءة والكتابة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبدو لمن يعرف خالد إسماعيل أنه يفضل العمل في "الديسك" على العمل الصحافي الميداني، وعن ذلك يقول: بدأت حياتي الصحافية بالعمل الميداني، وأول ما نشر لي كان حادثة جريمة قتل، في جريدة "صوت سوهاج". وبالنسبة إلى عملي في جريدة "الأهالي"، كنت أجهز رسالة شهرية تحتوي التحقيقات والأخبار والحوارات. تعلمت على أيدي ثلاثة من المحققين الصحافيين المتميزين: جمال الشرقاوي، صباح قطب، ووديع أمين. وكان عملي الميداني مرتبطاً بالقضايا الجماهيرية والخدمات ومشكلات المزارعين، والفساد في المجالس البلدية. وفي مجلة "الإذاعة والتلفزيون"، اكتشفت أن الأولوية هي لـ"تلميع" المذيعات وكبار المسؤولين في هذا المجال الإعلامي. لم أستطع تقديم جهد تحريري يناسب هذه السياسة. حاولت النزول إلى الميدان. على سبيل المثال، تتبعت أثر عمرعبد الرحمن، مفتي تنظيم "الجهاد" في مسقط رأسه، بعد هجرته إلى أميركا. وسافرت إلى المنيا ورصدت ما يجري هناك في بدايات جرائم الجماعات الإسلامية. وسافرت إلى محافظات الدلتا لرصد بعض التجارب التي تستحق أن تقدمها المجلة لقارئها، لكن هذا التوجه لم يلقَ الاهتمام وقيل لي ما معناه إن المجلة لا يهمها سوى العاملين في "ماسبيرو" (مبنى الإذاعة والتلفزيون) فقنعت بالعمل في "الديسك"، وأصبح الأمر"صنعة". وعرفت في الوسط الصحافي بأنني "مراجع"، أو "ديسك مان" بلغة المهنة. وخلال ذلك جربت العمل محرراً ثقافياً فبدأت بمقال يهاجم انحيازات إدوار الخراط بوصفه مقرر لجنة القصة في المجلس الأعلى المصري للثقافة في ما يخص آنذاك تنظيم "ملتقى القاهرة الأول للرواية العربية". رفض مدير تحرير مجلة "الإذاعة والتلفزيون" نشر المقال، فقررت نشره في جريدة "العربي"، الناطقة بلسان الحزب الناصري، لكنهم نشروه مختصراً ومهذباً متضمناً أفكاراً غير التي قصدتها، وعرفت السبب: الإعلانات، فقد كان وزير الثقافة وقتها يغدق على الصحف عن طريق الإعلانات الخاصة بأنشطة الوزارة. وهكذا رضيت من الصحافة بوظيفة محرر صياغة أو "ديسك مان"، ووجهت طاقتي للأدب.

بيئات شعبية

كذلك فإن للعامية حضوراً لافتاً في لغة السرد عند خالد إسماعيل، فهل لذلك علاقة بعالمه الروائي والقصصي الذي يدور في معظمه في بيئات شعبية، سواء في الصعيد أو القاهرة أو الإسكندرية؟ يقول: قضية الفصحى والعامية شغلت أجيالاً مختلفة من الكتاب منذ أيام الرواد طه حسين وتوفيق الحكيم ويحيى حقي، وجاءت ثورة 1919 لتعطي كلمة "الشعب" بهاءً وحضوراً، فظهر سيد درويش وقدم موسيقى الطبقات الشعبية المصرية في مواجهة الموسيقى التركية، موسيقى الطبقة الحاكمة المتغطرسة، وقدم الأدباء، لغة الشعب، في الصور القلمية التي هي المهد الأول لميلاد القصة القصيرة، والرواية. وكان يحيى حقي هو من وضع نظرية "حتمية اللفظ" بمعنى أن اللفظ القادرعلى التعبير عن المعنى المقصود هو الأولى والأهم، بغض النظر عن كونه فصيحاً أو عامياً. وفي سياق النظريات النقدية ظهرت فكرة "الصدق الفني". ومن "المسرح" انتقلت إلى الرواية والقصة فكرة "وعي الشخصية". وهذه المقدمة التي سردتها قصدت الوصول منها إلى أن "العامية" هي اللغة التي يتكلم بها شخوص أعمالي وبها يفكرون. الصدق الفني والقواعد الخاصة بوعي الشخصية تفرض أن تتكلم الشخصيات باللغة المطابقة لدرجة وعيها، فلا يصح ـ عندي ـ أن يقول فلاح لزوجته: زوجتي... أستميحك عذراً، ولتسمحي لي بالذهاب إلى حقلنا على ظهر الأتان الوديعة!، لكنه من المعقول إن يقول: "يا سعاد... أنا واخد الحمارة ورايح الغيط"، هذه الصياغة تجعل القارئ يحترمني، لأنني كنت صادقاً معه في التصوير، ولم أزيف المجتمع المروي عنه أو منه، وحجة أهل الحوار الفصيح أن العرب في أقطار غير مصر، لن يفهموا الحوار العامي المصري، والحقيقة أن السينما والتلفزيون جعلا "المغاربة" و"المشارقة" من العرب، يفهمون اللهجات المصرية من خلال متابعة الأفلام والمسلسلات، وخلاصة القول: العامية شرط من شروط الصدق الذي لا أستطيع التخلي عنه في ما أكتب.

الواقع الإجتماعي

هل يمكن القول إن أفكار خالد إسماعيل السياسية أثرت في تناوله الواقع الاجتماعي في مصروارتباطه بما يمكن اعتباره "انتهازية سياسية" رصدها في أكثر من عمل أدبي له، سواء في ما يتعلق بالتنظيمات اليسارية أو جماعات الإسلام السياسي؟ يقول: نعم. قال ماركس إن الوجود الاجتماعي، يحدد الوعي الاجتماعي. وقال الشعب المصري: "اللي ياكل عيش الخليفة، يحارب بسيفه". فموقعي الاجتماعي جعلني أنظر لهؤلاء "القادة" باحترام شديد باعتبارهم قادة تغييرالواقع، إلى الأفضل والأجمل، ولكن اكتشفت بالتجارب أن هذه التنظيمات اليسارية والإسلامية، سقطت في دائرة "النرجسية" المرضية. ومن ملامح الشخصيات المصابة باضطراب الشخصية النرجسية، العشق المفرط للذات، واعتبار الخلق جميعاً، أدوات لتحقيق طموحها، والسيطرة والاستبداد، والتقليل من شأن الآخر، والبحث عن المخاطرة، والتضحية بكل الناس عقب انتهاء الأغراض والمهام المكلفين بها. وهؤلاء التقطهم قبلي بعشرات السنوات الكاتب لويس عوض في روايته المشهورة "العنقاء" التي رصد فيها "النرجسيين" الأوائل في تنظيمات الشيوعيين المصريين في أربعينيات القرن الماضي. والتنظيمات الإسلامية، بحكم الأيديولوجيا الخاصة بها، تجعل "الأمير" سيداً مطاعاً. والجميع ـ في النهاية ـ كانوا يحرثون في البحر. فشل الشيوعيون وفشل الإسلاميون، في تحقيق الأهداف التي طرحوها على الناس منذ عشرات السنين. وفي رواياتي رصدت معاناتي من هؤلاء النرجسيين والانتهازيين الذين أفسدوا كل شيء بأنانيتهم المرضية التي تسببت في تدمير آخرين كانوا حالمين مخلصين. وفي الوقت ذاته كان هناك مخلصون للأفكار ضحوا بحيواتهم من أجل تطبيقها في الواقع. وهؤلاء على الرغم من استشهادهم ما زالت تضحياتهم محفورة في وجدان من عايشوهم.

تسليع الأدب والجوائز

كيف يرى خاد إسماعيل ظاهرة ورش كتابة الرواية في مصر وغيرها، في السنوات الأخيرة؟ يقول: هي ظاهرة تقع ضمن نطاق "تسليع الأدب" وحل مشكلة البطالة والفقر الفكري لدى من يرون في أنفسهم "أستاذية" متوهمة بالطبع. الكتابة موهبة فردية. والكاتب يستطيع بناء قدراته وأدواته، بدافع من "الموهبة ذاتها، من دون أن يدفع لمعلم مالاً هو في حاجة إليه. هذه الورش كانت بداياتها مع "السيناريو" وحصيلتها، استنساخ المعلمين الذين يعلمون "الصبيان"، والأدب عمل يقوم على التعددية والحرية وكما نقول في مصر "خليهم ياكلوا عيش".

هل يشعر إسماعيل بالرضا أوعدم الرضا إزاء مواكبة النقد الأدبي لأعماله والأعمال الأدبية عموماً مصرياً وعربياً؟ يقول: النقد في مصر، مرتبط بالمصالح. مثلاً، كان لي صديق ناقد، يعمل في جامعة مصرية، كتب عن أعمالي التي صدرت خلال فترة الصداقة التي كانت تجمعنا قبل أن نختلف، وتنقطع العلاقة. بعدها أصدرت أعمالاً كثيرة، فلم يكتب عنها، لأنني أصبحت غير مفيد له. وعموماً خدمتني الظروف في بداياتي، فكتب عني مبدعون أحترمهم، منهم الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي والروائي الراحل عبد الوهاب الأسواني، والكاتب إبراهيم عبد المجيد، والناقد الراحل فاروق عبد القادر. وعرض زملاء صحافيون محترمون أعمالي وسلطوا الضوء عليها، وما زلت أتلقى انطباعات طيبة من أصدقاء يقرؤون أعمالي، ولكن النقد في مصر ليس في أفضل حالاته ولا يعبرعن حقيقة المشهد الإبداعي. وهذا لا ينفي وجود محاولات فردية لتقديم نقد لبعض الأعمال وهؤلاء ـ الأفراد ـ يستحقون الشكر والدعم لأنهم يعملون في سياق غير نزيه، يقدم المصلحة على الإبداع.

في الوقت الراهن باتت الجوائز عاملاً مهماً في دوافع الكتابة الأدبية، فهل يتفق خالد إسماعيل مع هذا الطرح؟ يقول: بدايةً، اسمح لي بالقول إنها ليست جوائز، بل مسابقات، لأن الجائزة من خصائصها أنها تأتي إلى المبدع، ولا يسعى إليها. أما المسابقة فهي التي يسعى الناس لنيلها جوائزها، فيتقدمون بأعمالهم، ويخضعون للجان تحكيم. هذه المسابقات المصرية والعربية أفسدت الأدب، جعلت المبدعين يسعون لنيل المبلغ المالي المرصود، بطرق غيرأخلاقية، وسيطرة "الشلل" و"جماعات المصالح" جعلت هذه المسابقات عملاً يقلل من قيمة المبدع، ويهين كرامته.

ثورة يناير

في روايته "أفندم... أنا موجود" كان لتوثيق ثورة 25 يناير حضور قوي، فما الذي دفع خالد إسماعيل إلى هذا المنحى؟ وكيف ينظر إلى الأعمال الروائية التي تناولت هذ الحدث حتى الآن؟ يقول: روايتي "أفندم أنا موجود" طرحت السؤال الكبيرالذي شغلني: لماذا تفشل الثورات المصرية ولا تحقق أهدافها؟ ولأنني لم أكن من ثوار "ميدان التحرير"، رأيت أن العودة للتاريخ مناسبة للبحث عن إجابة للسؤال. اكتشفت أن ثوار الثورة العرابية كانوا مخلصين لأنهم كانوا متحالفين مع الفلاحين والبرجوازية المصرية ضد الرأسمالية الاستعمارية الغربية الإمبريالية. واكتشفت أن الأميركان هم من قطع الطريق على الثورة التي كانت في أحشاء الشارع المصري حتى يوم 25 يناير 1952. حاول الكاتب جمال الشرقاوي في كتابه العمدة "حريق القاهرة" أن يقول هذا المعنى. أي إن حريق القاهرة وما تلاه من أحداث، كان صناعة أميركية. وثورة 25 يناير 2011 تعرضت أيضاً للأذى الأميركي، وتم إجهاضها بأموال وأصابع تحركها أميركا. والتوثيق الذي لجأت إليه، كان الهدف منه تسهيل مهمة القارئ الذي لم يعش الحدث، ومحاولة للتغلب على "الذاكرة" التي تصاب بالضعف والتشويه. فالكتاب له صفة البقاء والذاكرة الإلكترونية قابلة للتشويه والتحريف، وهذا نابع من إيماني بمقولة شعبية مصرية هي "اللي كتب غلب". والرواية كلها محاولة مني لإبراء نفسي أمام محكمة التاريخ ـ التي أنا مؤمن بوجودها ـ فقد يأتي يوم يحاسب فيه الأدباء على مواقفهم من ثورة الشعب في 25 يناير، وتكون "أفندم أنا موجود" مذكرة دفاع عن موقفي باعتباري أديباً مصرياً عاش اللحظة وانفعل بها وتفاعل مع تفاصيلها.

شجون النشر

يلجأ خالد إسماعيل من وقت لآخرإلى إصدار طبعات جديدة من بعض رواياته، فما الذي يدفعه إلى ذلك وإلى أي مدى هو راضٍ عن تجاربه مع دور النشر التي تعامل معها خلال السنوات الثلاثين الماضية؟ يقول: إصدار طبعات جديدة من رواياتي، الهدف منه إعادة طرح مشروعي الإبداعي على قارئ جديد، لأن الإبداع عندي رسالة. أرى أنني حامل رسالة، ويسعدني ويرضيني أن تصل إلى أكبر قطاع من القراء، وتكتمل فرحتي لما أتلقى ردة فعل من قارئ أو كاتب أو ناقد. النشر في مصر يعيش مأساة مكتملة الأركان، قوامها رداءة الطباعة، ونقص الخبرات الفنية التي تجعل الكتاب جذاباً وممتعاً ومريحاً للقارئ، فضلاً عما يترتب على ازدواجية النشر. فالحكومة تطبع وتنشر. والدور الخاصة تطبع وتنشر. والناشرون يعانون "نظم التوزيع"، ويقولون: "إن الموزعين يأكلون هامش الربح الذي ننتظره من طبع الكتب"، الأمر الذي جعل الناشرين يحملون المبدعين قسطاً غير قليل من تكلفة طباعة الكتب، ولكنني أعترف بأن دار "ميريت" قدمت لي خمسة أعمال ولم تتقاضَ مني قرشاً واحداً. وكذلك دار "الأدهم"، قدمت لي بعض الأعمال ولم تحصل مني على أية مبالغ. المهم هنا هو القول إن الحكومة مطالبة بتسهيل النشر على المبدعين والناشرين وحل مشكلات التوزيع، حتى يتحقق الهدف النهائي من العملية الإبداعية، وهو الارتقاء بالوعي والذوق المجتمعي، بالتالي تحتفظ الدولة المصرية بوزنها الثقافي الذي هو من شروط بقائها على الخريطة السياسية للعالم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة