Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين تقف دول "آسيان" من الحرب الروسية - الأوكرانية؟

رأى بعضها تدخل موسكو فرصة استراتيجية لتقليص هيمنة الغرب وسلطته

اتسمت تصريحات حكومات دول شرق آسيا بالحياد بين طرفي الصراع (أ ف ب)

أقرّت الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا بعد موافقة 114 عضواً في الأمم المتحدة، واعتراض خمس دول، وامتناع 35 دولة عن التصويت. فمعظم دول جنوب شرقي آسيا صوتت بإدانة موسكو، بينما امتنعت فيتنام ولاوس، عن التصويت لتتضح الصورة الضبابية، التي اتسمت بها مواقف هذه الدول حول الحرب المستعرة.

وكانت سنغافورة قد صرحت على لسان مندوبها في الأمم المتحدة بوجوب إرسال الدولة الصغيرة إشارة واضحة ضد الغزو الروسي، فيما دعت معظم دول المنطقة إلى ضبط النفس، معربة عن رغبة دول الأرخبيل الحثيثة في إقامة حوار بين الجانبين، وخفض التصعيد المتنامي.

فيما يرى مراقبون أن الاعتماد على التسليح الروسي، والخشية من انتقاد علني لعضو دائم في مجلس الأمن سبب في تردد مواقف دول الشرق الآسيوي. غير أن الجيش الحاكم في ميانمار وقف إلى جانب التدخل الروسي في أوكرانيا، واصفاً الحرب بالإجراء الملائم لحماية سيادة روسيا الاتحادية.

كما يعد تأييد تلك الدول التدخل الروسي فرصة استراتيجية لتقليص هيمنة الغرب وسلطته، خصوصاً مع دول لا تحظى بعلاقات جيدة مع الجانب الأميركي والغربي.

مواقف ضبابية

مع بداية الحرب الأوكرانية، واكبت "آسيان" التطورات المتسارعة والمقلقة بين روسيا وأوكرانيا، فالتصريحات المتتالية من لدن حكومات دول شرق آسيا اتسمت بالحياد بين طرفي الصراع. ومع تصاعد ردود الأفعال الدولية عن الحرب، أخرجت رابطة "آسيان" في السادس والعشرين من فبراير بياناً يعبر عن موقفها من الحرب الروسية - الأوكرانية.

وذكرت، في البيان، الذي يضم تحت لوائه أعضاء الرابطة العشر، عن قلقها العميق من الأوضاع الحالية دون انتقاد صريح أو إدانة لموسكو. داعين جميع الأطراف المرتبطة بالحرب للانخراط في المحادثات بكل أنواعها وخفض التصعيد.

كما وصف الموقف الرسمي للرابطة بالحذر بعيداً من إدانة روسيا، واستخدم لغة محافظة حتى لا يحسب في جانب دون آخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من البيان الإقليمي المشترك فإن المواقف تباينت بين دولة وأخرى في الرابطة أثناء التعامل مع الصراع، فقد كانت سنغافورة رافضة الهجوم الروسي منذ بداية الأزمة، إذ أعرب وزير الخارجية السنغافوري، فيفيان بالاكريشنان، عن رفض بلاده واستنكارها أي غزو غير مبرر لدولة ذات سيادة تحت أي ذريعة، كما دعا البلد الصغير في كلمته أمام الأمم المتحدة الدول الصغيرة إلى التكاتف لإرسال إشارة واضحة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا ولحماية القانون الدولي.

ويرى مراقبون أن لغة خطاب باقي دول المنطقة قد كانت أقل حدة من سنغافورة، فقد أكدت ماليزيا إيجاد حل سلمي بين روسيا وأوكرانيا، وعبرت كمبوديا على لسان رئيس وزرائها، هون سين، عن أملها في الوصول إلى حل سلمي، فيما دعم وزير الخارجية التايلاندي الجهود المبذولة لتحقيق تسوية سلمية بين الطرفين، مشيراً إلى قلق بلاده العميق من الوضع الحالي. والتزمت مانيلا الصمت طول فترة إزاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حتى خرجت في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن والعشرين من فبراير (شباط) الماضي بإدانة لما سمته "غزو أوكرانيا"، إلى جانب دعوتها إلى إنهاء الصراع وحماية المدنيين في البلاد، فيما نادت وزيرة الخارجية الإندونيسية، ريتنو مارسودي، بخفض التصعيد واحترام القانون الدولي، لافتة إلى العلاقات الجيدة التي تجمع إندونيسيا بكل من روسيا وأوكرانيا.

وكانت فيتنام أكثر دول التكتل حذراً في تعاملها وبياناتها حول الحرب الروسية - الأوكرانية، إذ أشارت وزارة الخارجية الفيتنامية، إلى مراقبة الأوضاع من كثب، داعية كل أطراف الصراع إلى ممارسة ضبط النفس وتسريع جهود المحادثات وتغليب الإجراءات الدبلوماسية للتعامل مع الصراع بطريقة سلمية.

فيما خرج الجيش الحاكم في ميانمار بتصريح مخالف لدول الأرخبيل، مبيناً أن التدخل الروسي في أوكرانيا كان بمثابة إجراء ملائم لحماية سيادتها، حيث تقف بشكل كامل مع موسكو.

وعلى جانب آخر، امتثلت دول "آسيان" بالعقوبات الدولية التي أقرت ضد روسيا، حيث أعلنت وزارة النقل الماليزية مطلع الشهر الحالي عدم السماح لسفينة روسية بالرسو في موانئها، فيما أعلنت جاكرتا في بداية الأزمة أنها لن تفرض أي عقوبات من قبلها على الجانب الروسي، إذ وصفت وزارة الخارجية العقوبات بكونها لا تقدم حلاً لأي قضية.

علاقات روسية في الأرخبيل

يرى محللون أن تذبذب مواقف دول جنوب شرقي آسيا، سببه عدة عوامل أثرت في مواقفها الرسمية من الحرب الروسية - الأوكرانية، فغالبية هذه الدول لا تنحاز إلى طرف دون الآخر في صراع لا يشملها بالأساس.

كما أن من بين الأسباب التي تفضي لحذر جنوب شرقي آسيا هو اعتماد عدد من الدول في المنطقة على التسليح الروسي، إلى جانب إحجام هذه الدول عن انتقاد عضو دائم في مجلس الأمن وتفضيل الرابطة للحوار. كما لا تميل "آسيان" إلى فرض العقوبات الاقتصادية مثل الغرب الأوروبي، فالعقوبات ليست من الوسائل التي تستخدمها الرابطة التي تركز على الحوار أكثر.

كذلك، فإن بعض الدول في المنطقة تنظر إلى الصراع في أوكرانيا، باعتباره بعيداً عنها وغير مرتبط بمصالحها، فهناك رغبة للوقوف على الحياد من اتخاذ إجراءات أو مواقف ضد روسيا التي تربطهم بها مصالح مباشرة ومشتركة.

وتربط "آسيان" وروسيا علاقات جيدة ومصالح اقتصادية مشتركة قوية، فقد أعلنت موسكو مطلع العام الحالي عن نيتها في تعميق العلاقات مع الرابطة وكل أعضائها مع تحسين التركيز على التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، فقد أوضحت وزارة الخارجية الروسية أنها تخطط لتنظيم لقاءات دورية على مستوى المسؤولين الحكوميين.

كما أن روسيا منذ عام 1996 هي شريك للحوار مع آسيان، ووصل حجم التجارة بين الجانبين في عام 2019 إلى 18.2 مليار دولار أميركي، وتستثمر روسيا في المنطقة بمجالات حيوية أهمها الطاقة. وبلغ حجم التجارة بين فيتنام وروسيا 5.7 مليار دولار، وذلك في عام الجائحة 2020 بزيادة 15 في المئة عن عام 2019.

كما أن بعض الدول في جنوب شرقي آسيا، كلاوس وميانمار، رأت في الوضع الحالي فرصة استراتيجية لتقليص هيمنة الولايات المتحدة الأميركية وسلطتها بعد تربعها على قمة النظام العالمي عقب الحرب الباردة، فهي الدول التي لا تحظى بعلاقات جيدة مع الجانب الغربي وواشنطن على وجه الخصوص.

إدانة أممية

انعكست المواقف المتباينة في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي أسفر عن تبني قرار يستنكر الهجوم الروسي على أوكرانيا. وخلصت الجلسة الخاصة التي عقدتها الأمم المتحدة لإدانة روسيا بتصديق واسع مع موافقة 114 دولة على القرار، وامتناع 35 دولة عن التصويت، ورفض خمس دول. ومن بين دول آسيان العشر، وافقت ثماني دول على القرار مع امتناع دولتين فقط، وهما فيتنام ولاوس عن التصويت للقرار الأممي.

وعلى الرغم من امتناع غالبية دول المنطقة عن توجيه إدانة مباشرة لموسكو في مواقفها الرسمية، فقد أيدت هذه الدول قرار الأمم المتحدة بإدانة روسيا على تدخلها العسكري في أوكرانيا.

ومن المرجح أن يكون الضغط الأوروبي للشرق الآسيوي، الذي مُورس أخيراً سبباً مهماً في ارتفاع معدلات التصويت على الإدانة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الأيام الأخيرة، سعى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، لتأكيد إدانة موسكو، والالتزام بمساندة أوكرانيا.

وحشدت الدول الغربية جهودها لدفع المجتمع الدولي إلى إدانة التحركات الروسية، ووضع روسيا في موقف حرج حتى تثبت ما تردد من أقوال على ألسنة الحكومات الغربية بعدم التخلي عن كييف وحرصهم على سيادتها.

وكان سفراء الاتحاد الأوروبي قد حثوا ماليزيا قبل الجلسة الخاصة في الأمم المتحدة على التصويت لصالح مشروع قرار إدانة الغزو الروسي. وفي أعقاب قرار الأمم المتحدة، خرجت رابطة "آسيان" مجدداً لتؤكد دعوتها لوقف إطلاق النار الفوري في أوكرانيا، واللجوء إلى الحل السلمي.

ومع صدور قرار الإدانة الأممي ضد روسيا فإن الخطوات التي ستتخذها دول المنطقة خلال الأيام المقبلة ستشكل الاتجاه الذي سيتعامل به الإقليم مع الحرب الروسية - الأوكرانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير