Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المناهج المدرسية الفلسطينية تحرج السلطة وتتسبب في أزمة مالية

اقترح مسؤول أوروبي حجب تمويل بحوالى 10 ملايين دولار "ما لم تلب الكتب المعايير الدولية"

تحدث مسؤولون في الاتحاد الأوروبي عن وجود مضامين إشكالية جداً في الكتب التعليمية الفلسطينية (اندبندنت عربية)

تتنافس طالبات الصف الخامس الابتدائي في "مدرسة بنات بيت قاد" في مدينة جنين (شمال الضفة الغربية) على جمع معلومات وصور وأبحاث عن "عملية كمال عدوان" التي نفذها فلسطينيون في عام 1978 بالقرب من مدينة حيفا. الفائزات بالنشاط الصفي الذي طلبته معلمة اللغة العربية سيحصلن على علامات إضافية في الشهادة الدراسية، فيما ستمنح الاذاعة المدرسية فرصة لبعضهن لقراءة مواضيع تخصصت في الحديث عن حياة منفذي تلك العملية.

مسألة فنية سياسية

درس اللغة العربية الذي يتحدث عن حياة دلال المغربي (منفذة عملية كمال عدوان)، ويصف عمليتها التي حصدت عشرات القتلى الإسرائيليين بـ "البطولية"، هو واحد من عشرات الدروس الفلسطينية المتنوعة التي رصدها "معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" (IMPACT-SE) والتي يقول إنها "تحرض على الكراهية ومعاداة السامية والعنف".

وشددت تقارير المعهد خلال السنوات الثلاث الماضية على حض الاتحاد الأوروبي، أكبر مانح منفرد للسلطة الفلسطينية، بالتوقف عن دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية الفلسطينيين الذين يصممون المناهج التعليمية ويدرسونها.

وأشار موقع "واي نت" الإسرائيلي في وقت سابق إلى أن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي يتولون أموال الدعم المقدَمة للفلسطينيين، أقروا بوجود مضامين إشكالية جداً في الكتب التعليمية الفلسطينية، تشمل "معاداة السامية وتحريضاً على العنف وتعظيم أعمال إرهابية".

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن "الاتحاد الأوروبي لم يقدم أي مساعدات تقريباً للسلطة الفلسطينية منذ عام 2020". وذكرت الصحيفة أن "إرسال أموال الاتحاد الأوروبي إلى الفلسطينيين تعثر إلى حد كبير عندما سعى مسؤول في المفوضية الأوروبية في بروكسل إلى ربط أجزاء من المساعدة بتغييرات في الكتب المدرسية الفلسطينية، التي بدأت كمسألة فنية وأصبحت مسألة سياسية".
وطالب مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع أوليفر فاريلي بـ "مؤشرات عملية واضحة" للتحقق مما إذا كانت الكتب المدرسية الفلسطينية تلتزم بالمعايير الدولية. واقترح فاريلي حجب حوالى 10 ملايين دولار "ما لم تلب الكتب المدرسية للسلطة الفلسطينية المعايير الدولية"، وتحدث علناً عن رغبته في فرض شروط أكثر صرامة على المساعدات الأوروبية لقطاع التعليم التابع للسلطة الفلسطينية.

معايير عالمية
في المقابل، شكك المسؤول الإعلامي للاتحاد الأوروبي في فلسطين شادي عثمان في صحة المعلومات الواردة في وسائل إعلام إسرائيلية. وقال لـ "اندبندنت عربية" إن "موازنة عام 2022 هي جزء من رزمة تعد لأربع سنوات لم تقر بعد، وهناك برمجة كاملة للدعم الأوروبي لكل المنطقة. وفي عام 2020 تم تحويل 26 مليون يورو (28 مليون دولار) من الموازنة السابقة، ذهب معظمها لدفع رواتب الموظفيين الفلسطينين، مضيفاً أن "هناك دراسة مولها الاتحاد الأوروبي من خلال مؤسسة أوروبية، اختصاصها العمل على المناهج التعليمية على مستوى العالم، وليست خاصة بفلسطين وتقويم وضع المناهج الفلسطينية بالنسبة إلى المعايير الدولية الموضوعة من قبل الأمم المتحدة، وهي معايير عالمية".

أما المدير التفيذي لـ "معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" (IMPACT – SE) ماركوس شيف الذي يراقب ويحلل المناهج الدراسية الفلسطينية، فرأى في بيان أن "هذا إجراء حاسم يتحدث عن الإحباط المستمر الذي يشعر به المشرعون الأوروبيون الذين لم يعودوا ببساطة مستعدين لتمويل تعليم الكراهية في الفصول الدراسية الفلسطينية. إنهم يطالبون بتعليم الأطفال الفلسطينيين التسامح والتعايش والاحترام".

وأصدر المعهد أخيراً تقريراً جاء فيه أن "السلطة الفلسطينية فشلت في تغيير موادها التعليمية على الرغم من تعهدات الاتحاد الأوروبي بالقيام بذلك".

في المقابل، اتهم منتقدون المعهد بالانحياز إلى إسرائيل ومعاداة الفلسطينيين، ووجد تقويم أجرته حكومة المملكة المتحدة عام 2018 أن تقرير "معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" الذي تم تقديمه أخيراً حول الكتب المدرسية الفلسطينية "لم يكن موضوعياً في نتائجه ويفتقر إلى الدقة المنهجية".

واعتبر البنك الدولي أن المنهج الفلسطيني الذي تدرسه مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الـ "أنوروا" نظام تربوي عالمي فعّال. من جهة أخرى أثبتت تقارير أن مناهج الاحتلال الإسرائيلي تحرض على العنف والكراهية والعنصرية.
رفض فلسطيني

وأصدرت السلطة الفلسطينية أوائل عام 2018 سلسلة كتب مدرسية جديدة من الصف الخامس إلى الصف الـ 11، وقيل حينها إن هذا الإصدار يأتي في ختام عملية إصلاح شاملة للكتب المدرسية الفلسطينية. ومع ذلك استمر المسؤولون الإسرائيليون والأوروبيون والأميركيون في انتقاد الكتب المدرسية الفلسطينية، فيما يرفض الفلسطينيون هذه الادعاءات قائلين إن المناهج تعبر عن "الرواية الوطنية الفلسطينية".
وقال المدير العام للمناهج في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ثروت زيد لـ "اندبندنت عربية"، إن "التقارير الواردة من قبل جهات غير حكومية في إسرائيل تتحدث عن احتواء المناهج الفلسطينية على عبارت تحريضية وعنف وإرهاب، بعيدة كل البعد من الحقيقة، فنحن ملتزمون بقيم التسامح والسلام ضمن المعايير العالمية التي نصت عليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة الـ (يونسكو)، ومن حقنا كفلسطينيين اختيار المنهاج المناسب الذي يقول إن عاصمة فلسطين هي القدس والتراث جزء من هويتنا الفلسطينية، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال إنكار الشهداء الفلسطينيين الذين قاوموا الاحتلال مثل دلال المغربي، فهذه ثوابت وطنية لا يمكن تخطيها، ويسعى الإسرائيليون من خلال لوبي يضغط على دول الاتحاد الأوروبي إلى طمس الوعي الوطني الفلسطيني، وهذا لن يحصل". متسائلاً، "أليس من حق الفلسطينيين الحديث عن حقوقهم وأن تكون لهم سيادة على منهاجهم التعليمي؟".

لا تفاوض

وكان تقرير للمركز الألماني "جورج إيكرت" للبحوث الذي كلفه الاتحاد الأوروبي بتقويم المناهج الفلسطينية عام 2020 توصل إلى أن المناهج الفلسطينية لا تحتوي على تحريض ضد "إسرائيل"، إذ دحضت نتائج البحث الذي استمر عاماً ونصف العام وعاين 172 كتاباً بشكل قاطع اتهامات المنظمات الإسرائيلية التي ادعت وما زالت تدعي أن الكتب المدرسية الفلسطينية تحرض على اللاسامية، إذ أشار البحث إلى أن "الكتب المدرسية الفلسطينية تنادي بالتسامح والرأفة والعدل، بل وتفصل بين أشكال النقد الفلسطيني الموجه إلى إسرائيل وبين النصوص التي تدرس في باقي المواد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن نتائج جورج ايكرت لم ترق لوسائل الإعلام الإسرائيلية، إذ ادعت صحيفة "يدعوت احرنوت" أن "التقرير مليء بالأخطاء"، وأنه اعتمد على كتب إسرائيلية باللغة العربية تدرس في مدارس القدس الشرقية، وقدمها ككتب فلسطينية تروج للسلام مع إسرائيل والتسامح وقبول الآخر".
المفوض العام للاتحاد الأوروبي ماتشس بوبسكي التي تشرف على كل المساعدات المقدمة للفلسطينيين، وتحديداً تلك المرتبطة بالتعليم، كتبت رسالة إلى رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية طالبته فيها بالتوقف فوراً عن استخدام الكتب التي تشمل مضامين إشكالية، وقالت بوبسكي "لا يوجد تسامح لدى الاتحاد الأوروبي حيال العنف والكراهية"، مشددة على أن "هذه أسس غير قابلة للتفاوض".
وكان اشتية قال خلال جلسة حكومية نهاية العام الماضي إن "المنهاج الفلسطيني نتاج تاريخنا وثقافتنا ونضالنا وديننا ومساهمتنا الحضارية عبر آلاف السنين". وأضاف أن "ما لم يتم التنازل عنه على طاولة المفاوضات لن يتم التنازل عنه في المنهاج، القدس عاصمة دولة فلسطين في المنهاج وفي السياسية وفي الاقتصاد".

وزاد اشتية، "إذا كان البعض يربط مساعداته لنا بهذا فإننا سنمول طباعة كتبنا من فاتورة الماء والتلفون والكهرباء إن لزم".

أزمة مالية

ويرى مراقبون أن نقص التمويل الدولي قد يزيد المخاوف من أن السلطة الفلسطينية ستشهد أزمة مالية متفاقمة، إذ أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن المساعدات الدولية للسلطة تقلصت من 1.3 مليار دولار في عام 2011 إلى 400 مليون دولار عام 2020، في حين بلغت مديونية السلطة للبنوك حالياً حوالى ملياري دولار.

ووفقاً للمعطيات التي أوردتها صحيفة "ذي ماركر" الاسرائيلية، فإن الدول الأوروبية جمدت خلال السنوات الماضية معظم المساعدات التي قدمتها للسلطة الفلسطينية، وتبلغ قميتها الإجمالية نحو 600 مليون يورو، واكتفت بتقديم بضع عشرات من ملايين الدولارات كمساعدات إنسانية في ظل تفشي جائحة كورونا. وعلى الرغم من قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجديد المساعدات المالية للسلطة، أشارت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية إلى أن معظم هذه المساعدات (235 مليون دولار) مخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطين (أونروا)، كما جمدت الدول العربية المساعات المالية للسلطة عام 2020 من دون تقديم تفسيرات، وأنه عام 2021 حولت الدول العربية 32 مليون دولار للسلطة، مقارنة بنحو 265 مليون دولار في 2019، الأمر الذي أجبر السلطة الفلسطينية على إعلان خفض أجور العاملين في القطاع العام بنسبة 50 في المئة.
وبنهاية العام الماضي اتخذت الحكومة الفلسطينية جملة من الإجراءات المالية لمعالجة الأزمة والتخفيف من تداعياتها، وقال مستشار رئيس الوزراء لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات اسطفان سلامة، "نعتبر الدعم الدولي غير مستقر وسيتوقف يوماً ما، ونحن بالفعل نتبنى استراتيجية تمكننا مستقبلاً من الاستغناء عن الدعم الخارجي للنفقات الجارية (الموازنة) وتوجيهه بالكامل نحو المشاريع التنموية، لكن توقفه في ظل الظروف الراهنة كان له طابع خاص عمّق الأزمة".
وذكرت صحيفة "هآرتس" عبر موقعها الإلكتروني أن وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس أطلق حملة "بهدف حشد المجتمع الدولي للانضمام إلى جهود إسرائيل لتعزيز السلطة الفلسطينية خوفاً من انهيارها، وفي محاولة لمنع تدهور أمني قد ينتج من ذلك لاحقاً".
 

المركز الوطني

يُذكر أن رئيس الوزراء الفلسطيني وبعد أن التقى مفوض سياسة الجوار وشؤون التوسع بالاتحاد الأوروبي أوليفر فاريلي في مقر الاتحاد بالعاصمة البلجيكية بروكسل نهاية أكتوبر (تشرين أول) الماضي لبحث سبل تعزيز دعم الاتحاد وتجاوز المعوقات الفنية وغيرها، باشر تأسيس مركز وطني للمناهج الفلسطينية، وصادق مجلس الوزراء الفلسطيني نهاية يناير (كانون ثاني) الماضي على نظام المركز، وأكد مجلس الوزراء في بيان صحافي أنه أنشئ بهدف "الارتقاء بنوعية التعليم والتعلم، وأن مهمته الأساس تتمحور في إعداد الخطط وتطوير المناهج التعليمية وفق أحكام المادة الـ (35) من قانون التربية والتعليم الساري، إضافة إلى إقرار المنهاج والمقررات والكتب المدرسية وفقاً للمعايير الوطنية بما يحقق الجودة والنوعية".

المزيد من الشرق الأوسط