عادت قضية الاعتداءات على الدبلوماسيين والقنصلية السعودية في باكستان إلى الضوء مجدداً، إثر إعادة اعتقال المشتبه في الهجوم على القنصلية في كراتشي قبل 11 عاماً، وذلك بعد أشهر من إعلان جهات أمنية في إسلام آباد أيضاً، أنه بات مرجحاً أن قتَلة الدبلوماسي السعودي حسن القحطاني، فروا إلى إيران.
يأتي ذلك في حين أوقفت إدارة مكافحة الإرهاب بالشرطة يوم الإثنين المشتبه في اعتدائه على القنصلية السعودية، المدعو سيد زكي كاظمي، بتهمة رئيسة هي "إلقاء قنبلة يدوية على القنصلية السعودية في كراتشي في عام 2011، في حادثة إرهابية لم يُصب فيها أحد بأذى"، لكن المعتدين الذين يُعتقد أنهم ينتمون لجماعة "المهدي" المحظورة، ما لبثوا أن استهدفوا بعد الهجوم بأيام، الدبلوماسي السعودي حسن القحطاني في سيارته فأردوه قتيلاً.
لماذا أطلق سراحه؟
وإذا تأكدت إفادات الشرطة في إقليم السند جنوب باكستان لوسائل الإعلام المحلية أخيراً، بأن المعتقل هو المتهم السابق نفسه، كاظمي، فإن اعتقاله يطرح تساؤلات عدة، إذ كان المتهم اعتُقل بعد وقوع الهجوم وتلقى حكماً بالسجن 14 عاماً مع الأشغال الشاقة، قبل أن يستأنف الحكم وتتم تبرئته.
وفي ذلك الحين، كانت الوقائع التي جرى رصدها من جانب وسائل الإعلام السعودية، أن القنصلية تعرضت في مايو (أيار) 2011 لاستهداف بقنبلتين يدويتين، ألقاهما شخصان من على دراجة نارية، ثم فرّا من الموقع، من دون وقوع أضرار في مبنى القنصلية أو الأرواح، فيما قيضت الشرطة الباكستانية على المتهم في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه. ونظراً إلى سوء الأوضاع الأمنية، قرر رئيس المحكمة عبد النعيم ميمن، محاكمة المتهم في السجن المركزي، وسط إجراءات أمنية مشددة، بعدما قدم المدعي العام أدلة وشهوداً أثبتوا أن المذكور هاجم القنصلية بالقنابل اليدوية.
وأبلغ المدعي العام محكمة مكافحة الإرهاب، حسب مصادر صحيفة "الوطن" السعودية في ذلك الوقت، بأن الأجهزة الأمنية رصدت أيضاً الرأس المدبر للهجوم، المدعو سيد طابش حسين، فحاصرت منزله، لكنه قاوم الشرطة أثناء محاولة القبض عليه، فقُتل بعد تبادل إطلاق النار.
متورط في إرهاب طائفي
في السياق، أعلنت الشرطة الباكستانية إن المشتبه فيه كاظمي متورط كذلك في أعمال قتل ذات طبيعة طائفية في كراتشي، وإنه مطلوب في جنايات مختلفة منها القتل والشروع والإرهاب.
ووفقاً لصحيفة "ذا نيوز" الباكستانية؛ فإن المتهم ينتمي لجماعة "المهدي"، وهي جماعة محظورة، وتم القبض عليه بعد وصول بلاغ عن موقعه؛ مشيرةً إلى أنه متورط في اعتداءات إرهابية عدة لأسباب طائفية؛ منها إلقاء قنبلة على أحد المساجد بكراتشي بعد حادثة القنصلية وحوادث قتل وسرقة أخرى.
وحين وقوع الهجوم على القنصلية السعودية، لم تعلن أية جماعة مسؤوليتها، وقال شهود عيان لحظة وقوع الحادثة إن قنبلتين ألقيتا على القنصلية، سقطت إحداهما داخل المبنى فيما وقعت الثانية خارج سور القنصلية.
وسألت "اندبندنت عربية" السفارة الباكستانية في الرياض، عما إذا تأكد أن زكي الذي اعتقل أخيراً، هو نفسه الذي جرت تبرئته من جانب محكمة الاستئناف أم أنه شخص آخر. وفور ورود تعليق السفارة يتم نشره، وذلك بعد أن قال مفتش شرطة يدعى نعيم أحمد لصحيفة "عرب نيوز" السعودية الناطقة بالإنجليزية، إن المعتقل هو المتهم السابق نفسه، إلا أنه لم يكشف عن الأدلة الجديدة التي أقنعت السلطات الباكستانية بتقديمه إلى العدالة مجدداً، وهو سؤال ضمن أسئلة عدة ننتظر من سفارة إسلام آباد الإجابة عنها.
ويلاحق المتهم كذلك بجنايات أخرى، بينها الشك في ارتباطه أيضاً بمقتل طبيب في عيادته والهجوم على مسجد، ولكن لم يتم توجيه الاتهام إليه في أي من الحالتين حتى الآن، حسب الصحيفة.
تأتي التطورات الجديدة في شأن المتهم بهجوم السفارة، بعد نحو شهر من تأكيد مصدر باكستاني أن "قتلة الدبلوماسي السعودي السابق حسن القحطاني بات مؤكداً أنهم في حماية النظام الإيراني الذي رفض تسليمهم إلى إسلام آباد"، مما يرجح معه أن طهران ستجد نفسها في موقع الدفاع مجدداً إما بالإنكار أو التبرير، أمام انتقاد أو إدانة دول يهمها أن تبقى صورتها لديها نقية، مثل باكستان.
وتقول "عرب نيوز" إن مسؤولاً في مكافحة الإرهاب في الشرطة الباكستانية قال إن سلطاته طلبت المساعدة من نظيرتها في طهران للقبض على المشتبه في قتلهم دبلوماسياً سعودياً يعتقد أنهم يختبئون في إيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما قتلة القحطاني ففي إيران
وأضاف "لقد كتبنا طلباً للمساعدة القانونية المتبادلة من إيران... نعتقد أن المتهمين الثلاثة جميعاً فروا إلى إيران، ولا يمكننا اعتقالهم من دون مساعدة سلطات إنفاذ القانون لديهم".
وكان القحطاني الموظف في القنصلية المشار إليها، قتل في عام 2011 عندما فتح مسلحون النار على سيارته في حي الدفاع بالمدينة بعد أيام من فشل إلحاق الأذى بمقر عمله.
في نوفمبر الماضي، شكلت السلطات الباكستانية فريقاً خاصاً للتحقيق في جريمة القتل بعد أن لم تسفر التحقيقات السابقة عن أي نتيجة. وقال نائب المفتش العام لإدارة مكافحة الإرهاب عمر شهيد حامد في ذلك الوقت إن الفريق كان يعمل على "خيوط مثمرة" من استخبارات البلاد.
شملت مواد التحقيق التي اطلعت عليها الصحيفة حينها طلباً إلى السلطات الإيرانية للمساعدة في القضية ضد ثلاثة مشتبه في قتلهم القحطاني، هم علي مستحسن، ورضا إمام، وسيد وقار أحمد، باعتبارهم متهمين بالتورط في "عمليات القتل المستهدف والأنشطة الإرهابية في باكستان".
وقالت مكافحة الإرهاب الباكستانية إن النشرات الحمراء (الإنتربول) بحق المتهمين قد صدرت بالفعل ضد اثنين من المتهمين الثلاثة، فيما دعت الشرطة وكالة التحقيقات الفيدرالية للشروع في عملية إصدار الثالثة.
ومع النفي الإيراني المتكرر لعلاقتها بالحوادث التي تستهدف المصالح السعودية والباكستانية هنالك، إلا أن أطرافاً باكستانية تتهم طهران بدعمها عناصر تخريبية في البلاد، تنفذ أهدافها في البلد المترامي الأطراف الذي تربطه بإيران حدود واسعة، وتحاول التأثير فيه عبر مواطنيه من الطائفة الشيعة، مما فجر خلافاً مذهبياً في إسلام آباد، تطور قبل سنوات إلى عمليات إرهابية متبادلة بين العناصر المتطرفة من السنة والشيعة.
ويستميت النظام الإيراني في جر باكستان إلى محوره تحت لافتات عدة، مثل التعاون الإسلامي والاقتصادي والتنسيق الأمني، إلا أن مصالح باكستان مع دول الخليج ظلت تدفعها إلى الميل نحو المنطقة العربية، التي تربطها معها علاقات يصفها البعض بالمصيرية، وهو ما يعتقد بعض الباكستانيين أن طهران وأحياناً معها تركيا تسعيان إلى إفساده، في إشارة إلى محاولة الانشقاق عن منظمة التعاون الإسلامي ومقرها في السعودية، التي نشطت فيها الدول الثلاث إلى جانب ماليزيا نكاية بالرياض، التي بذلت جهوداً حثيثة أجهضت المحاولة وهي في مهدها قبل نحو ثلاث سنوات.
ويرى الباحث الباكستاني زاهد شهاب أحمد، في مقال نشرته مجلة "جنوب آسيا" الناطقة بالإنجليزية، أن إسلام آباد "عالقة بين السعودية وإيران"، بسبب ادعاءها حياداً غير ممكن بين إيران والخليج.
وقال "تدعي باكستان أنها تحافظ على الحياد في الخلاف الإيراني السعودي. مع ذلك الحفاظ على هذا النهج شكلي على خلفية احتدام التنافس بين إيران والسعودية، إذ تشير خيارات باكستان إلى ميل نحو المملكة العربية السعودية، استناداً إلى العمل الميداني المكثف في إسلام آباد".
تجديد التنسيق الأمني سبق العملية
وفي سياق التنسيق الأمني بين الرياض وإسلام آباد كانت السفارة السعودية في باكستان نشرت على حسابها في "تويتر" أمس أن السفير نواف بن سعيد المالكي استقبل وزير الداخلية الباكستاني السيد شيخ رشيد أحمد، في لقاء تبادل فيه الطرفان "الأحاديث الودية وبحث المواضيع الأمنية المشتركة وسبل تعزيزها في مختلف المجالات". لكنه لم يشر إلى أن بين المواضيع الأمنية المبحوثة اعتقال المتهم باستهداف السفارة، وبقية العناصر المطلوبين للعدالة.
آخر جهود البلدين في تنمية العلاقة بينهما التي قد تكون أثمرت التحركات الأمنية الجديدة في باكستان ضد المتهمين، زيارة وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف 7 فبراير (شباط) الماضي إسلام آباد، حيث عقد مباحثات مع الوجوه السياسية الكبرى هنالك، فالتقى الرئيس الباكستاني عارف علوي ورئيس الوزراء عمران خان ونظيره شيخ رشيد، مستعرضاً معهم "العلاقات الثنائية بين البلدين، والتعاون الأمني القائم بين البلدين وتعزيز مساراته... إلى جانب مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك".
وتربط الرياض وإسلام آباد علاقات وثيقة استمرت لعقود، جعلت الباكستانيين إحدى كبرى الجاليات المقيمة في الرياض بتعداد يناهز 2.5 مليون شخص، وفق آخر إحصائية أعلنتها السفارة الباكستانية، لكن تقارير إعلامية تتحدث بين الحين والآخر عن استياء أو فتور من جانب أحد الطرفين، خصوصاً باكستان التي ترى في قضية نزاعها مع الهند في "كشمير" أولوية، وتهتم بإسناد موقفها باستمرار أمام جارتها نيودلهي التي تحتفظ الرياض بعلاقات اقتصادية وسياسية معها، جعلت ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقوم بالوساطة بين الجارتين حين تفجرت أزمة الحدود بينهما مجدداً.