Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 الآراء تختلف حول نشأة المسرح السعودي وتتفق على مراحل تطوره

عباس الحايك يقدم مقاربة للتجارب والمسارات ويرسم صورة بانورامية عن رواده

من مسرحية "درايش النور" (وزارة الثقافة السعودية)

تأخر ظهور المسرح في العالم العربي لقرون، ولم تنقله الحضارة العربية في ما نقلت من معارف وفنون من الإرث الثقافي اليوناني إبان ازدهارها. ويحدد النقاد عام 1847 كبداية لنشأة المسرح العربي بصورته الغربية المعروفة على يد ابن مدينة صيدا اللبناني مارون النقاش ومسرحيته "البخيل". وأسباب هذا التأخر كانت محل نقاش وجدل وبحث في القرن الماضي، في كتب عديدة من بينها كتاب المصري أحمد شمس الدين الحجاجي "العرب وفن المسرح".

يقدم المؤلف المسرحي والناقد السعودي عباس الحايك مقاربة بالنص والصور حول "المسرح السعودي: تجارب ومسارات" بطلب من الهيئة العربية للمسرح، ويرسم مسار المسرح السعودي منذ نشأته حتى الآن والمراحل التي مر بها عبر ستة فصول. يناقش في أولها مسألة تضارب الآراء حول بداية نشأة المسرح في السعودية. فهي عرفت كما عرفت البلدان العربية الأخرى فنوناً للفرجة الشعبية مثل حفلات السامر والراوي الشعبي، إلا أن التأريخ لبداية المسرح السعودي تأخر لنحو قرن، بعيداً من فنون الفرجة تلك. كما أن هناك آراء عدة حول بدايته، فبعض الباحثين يؤرخون له بعام 1960 وهو التاريخ الذي كان مقرراً أن يظهر فيه أول مشروع مسرحي سعودي وهو مسرحية "فتح مكة" تأليف محمد مليباري على مسرح قريش في مكة المكرمة. إلا أن هذا المشروع جرى إجهاضه من قبل المناهضين لهذا الفن. وهناك من يجعل البداية في عام 1974، مع عرض مسرحية إبراهيم الحمدان "طبيب بالمشعاب" المقتبسة من مسرحية موليير "طبيب رغم أنفه" وعرضت في الرياض ولاقت اهتماماً كبيراً ورعاها التلفزيون السعودي وقتها.
 

غياب التوثيق
 


وهناك مَن يرى أن البداية كانت مع تأسيس جمعية الثقافة والفنون التي انطلقت من الأحساء مع مسرحية "العزوبية" تأليف خالد الحميدي، وإخراج حسن العبدي عام 1972. ويخرج الحايك بعد عرضه آراء الباحثين واختلافها حول تحديد تاريخ معين لبداية المسرح السعودي بنتيجة مفادها أن غياب عملية التوثيق هو الذي أفرز هذه الضبابية، وعدم الوضوح في التأريخ للمسرح السعودي بمشروع لم ينفذ، أو مسرحية سبقتها عروض، إضافة إلى إرهاصات أو عروض مسرحية سابقة على هذا التاريخ. لذا يصعب تحديد تاريخ معين لبدايات المسرح في السعودية.

يفند الحايك بشكل موضوعي الأسباب المنتشرة عن تأخر ظهور المسرح في السعودية مقارنة مع الدول العربية الأخرى بنحو قرن، بأن البعض يرجعه إلى الطبيعة السيسولوجية والديموغرافية للمجتمع السعودي المكون من البدو الرحل وسكان الريف وسكان الحضر، ولكل من هؤلاء طبيعة وحياة وأنماط اجتماعية خاصة. إضافة إلى التعاطي المؤدلج مع هذا المسرح من قبل شريحة تعاملت معه بالرفض وعدم الرضا، لأنه يرتبط عند بعضهم بالفساد وانحلال القيم مع الإشارة إلى البيئة البدوية وحركة التنقل والترحال، مبررين بأن عدم الاستقرار لا يشكل مناخاً مناسباً لظهور أشكال تعبير فنية كالمسرح الذي يحتاج إلى مجتمع مديني يستوعبه. فالبعض يرى أن الجزيرة العربية قبل توحيدها على يد الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1932، كانت الحال فيها غير مستقرة، الأمر الذي يستحيل معه وجود المسرح بمفهومه الشامل. إضافة إلى عامل الأمية وانغلاق المجتمع. ويرد الحايك على تلك الأسباب بأن هذه الأطروحات لا تبدو منطقية. فالطبيعة الجغرافية والسوسيولوجية لا تختلف كثيراً عما كانت عليه الحال في كثير من البلدان العربية. وأن السعودية كما كان فيها بدو رحل، عرفت المدن المستقرة مثل مكة وجدة التي ارتبطت مبكراً بالأحساء والقطيف اللتين كانتا بوابة العبور من الهند إلى العراق وإلى أوروبا في الماضي.


إلا أن هذه الحواضر لم تعرف المسرح، ولم تتقبله إلا متأخراً. لكن كانت لديهم ظواهر شبه مسرحية مثل ظاهرة الراوي المقابل للحكواتي. ويذهب المؤلف إلى الرأي القائل بأن العائق الأول أمام المسرح في السعودية هو الطابع التديني والتعامل المؤدلج مع كل أشكال الفنون والمسرح واحد منها.


المسرح المدرسي
 

يعرج الحايك  على روافد المسرح السعودي التي يحددها في المسرح المدرسي والمسرح الجامعي ومسرح الطفل وإشكاليات المسرح النسائي. وفي صدد حديثه عن المسرح المدرسي يقول، "لا يمكن الاختلاف على أن بدايات المسرح السعودي مغايرة لبداياتها في غير بلد عربي، فعلى غير العادة يكون المسرح المدرسي سابقاً للتجارب المسرحية للكبار، وليس نتيجة لوجود مسرح للكبار. وبدأ النشاط التمثيلي في المدراس السعودية عام 1928 في المدرسة الأهلية في عنيزة. وهذا القول يمكن مناقشته في ضوء تجارب المسرح المدرسي في بعض البلدان العربية الأخرى. ففي حالة لبنان على سبيل المثال، فإنه  مع توقف تجربة النقاش المسرحية لأسباب سياسية ودينية، فإن المدارس حملت راية المسرح هناك. المدارس اللبنانية كانت تقيم في نهاية كل عام عرضاً مسرحياً مستقى من التاريخ العربي وحكاياته الشعبية، مثل مسرحيات ابن السموأل والمهلهل وشهداء نجران ونكبة البرامكة وإخوة الخنساء.


وكان الطلبة يشاركون في تأليف هذه النصوص. وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حرص كثير من الرواد بخاصة في بيروت على تعزيز الهوية العربية، وقد احتضت المدارس المسيحية المسرح، كما يشير لويس شيخو في كتابه "تاريخ الآداب العربية"، بأن أعادت لهذا الفن شرف مقامه بعدما ساءت سمعته عبر تشخيص الروايات التمثيلية العربية سنة 1882، فكانت تختار الوقائع الخطيرة، ولا سيما الحوادث الشرقية ليرسخ في قلوب الطلبة حب الوطن مع ذكر تواريخ بلدهم. وكان المسرح المدرسي في البلدان العربية الرافد المهم والحلقة الأولى في حلقات الوصول إلى مسرح محترف. ولم تكن تجربة السعودية بعيدة عما حدث في البلدان العربية، بل كانت متوافقة معه.


الفرق المستقلة


ثم يتناول الحايك الفرق المسرحية الخاصة في السعودية التي أسهمت في تحقيق حراك مسرحي داخل المملكة، ذاكراً أن ليس هناك ما يوثق لأول فرقة مسرحية خاصة داخل المملكة سوى ما ذكره المسرحي عمر جاسر أكثر من مرة في حوارات صحافية له، وفي الندوات المسرحية حول أسبقيته في إنشاء أول فرقة مسرحية سعودية، وهي فرقة فنون جدة التي أسسها مع عبدالله باحطاب في عام 1986، واستمرت إلى عام 1992، وبدأت نشاطها بمسرحية "رحلة إلى الجحيم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويناقش المهرجانات المسرحية في السعودية التي كانت بدايتها مع مهرجان الجنادرية الذي ضم بين أنشطته عروضاً مسرحية، لتتوالى بعدها المهرجانات المتخصصة في المسرح على مدار السنوات والعقود التالية وحتى الآن. ويعرض لحركة التأليف المسرحي في السعودية. فالنص المسرحي السعودي بدأ مبكراً بداية من عام 1932، عندما كتب الشاعر حسين سراج نصه الشعري "الظالم نفسه". وكان أغلب النصوص المسرحية التي تكتب من كتاب عرفوا في أجناس أدبية أخرى، مثل الشعر والرواية والقصة القصيرة، وصولاً إلى كتاب المسرح الذين كانت الكتابة للمسرح هي شاغلهم مثل محمد العثيم، وعبد العزيز الصقعبي، وعبدالعزيز السماعيل، وفهد ردة الحارثي، وسامي الجمعان، وفهد الأسمر، وغيرهم من الأسماء الذين يفرد لهم صفحات خاصة بأهم أعمالهم وأنشطتهم المسرحية. ويفرد مساحة متميزة من كتابه لتجربة الكاتبة السعودية ملحة عبدالله التي كتبت أكثر من 54 نصاً مسرحياً في الفترة ما بين عام 1992 و2013. وقد استقرت في القاهرة وأكملت دراستها الثانوية وهي في الثامنة والعشرين من عمرها وصولاً إلى حصولها على الماجستير والدكتوراه في المسرح من المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة عن "أثر الهوية الإسلامية على المسرح السعودي" كأطروحة للماجستير، و"أثر الهوية الإسلامية على المسرح في دول مجلس التعاون الخليجي" في رسالتها للدكتوراه. وقدمت أعمالها المسرحية على خشبات المسرح في مصر والمغرب والأردن وفي مختلف الدول العربية، وقدمتها الإذاعة المصرية أيضاً. فكانت تجربة ثرية انطلقت دون خوف لتقدم للمسرح السعودي والعربي نصوصاً ودراسات نقدية مهمة في وقت كان خروج المرأة السعودية للعمل صعباً.

يقدم عباس الحايك في شكل بانورامي مميز صورة واضحة للمسرح السعودي من نشأته حتى الآن، كاشفاً عن مراحله وخصوصيته، إضافة إلى البعد التوثيقي لأهم أنشطة المسرح السعودي، سواء في عملية النشر أو الكتابات النقدية التي كتبت حوله، ومن دون أن يغفل المعوقات التي تؤثر على انطلاقة المسرح في المملكة مع اقتراح سبل للتغلب على هذه العقبات.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة