Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أصداء الحرب الأوكرانية – الروسية تتردد في أوروبا... والتاريخ

آذنت الحرب الروسية على أوكرانيا بتغيير وجه الاتحاد الأوروبي وطي صفحة مرحلة ما بعد الحرب الباردة

يبدو أن الأزمة الأوكرانية – الروسية لا تهدد بانفراط عقد الاتحاد الأوروبي، بل تسهم في تغيير وجهه، وكان المأخذ عليه إلى وقت قريب أنه عملاق اقتصادي وقزم على المستوى العسكري، يفضل الحوار وحل الأزمات من طريق الدبلوماسية. ولكنه بعد القرار بتسليح أوكرانيا، ولو بعد فوات الأوان، ينعطف إلى مرحلة جديدة في تاريخه. وسلطت الحرب الأوكرانية الضوء على شقاق في المجتمع الروسي بين جيل "سوفياتي أمني" يتحدر منه فلاديمير بوتين، وبين جيل "أوروبي" الهوى مسالم، فعلى ما لاحظ الخبير في الشؤون الدولية والباحث في معهد العلوم الانسانية بفيينا، إيفان كراستيف، فإن الرئيس الروسي وأبناء جيله يريدون "إعادة كتابة الماضي"، فهم يرون أن الاتحاد السوفياتي اندثر من دون هزيمة عسكرية أو غزو عسكري، وأبناء هذا الجيل يريدون تصويب هذه "الكارثة"، فأنظارهم متجهة إلى الماضي وليس إلى المستقبل، على قول كراستيف.

وإلى هذا الجيل ينتمي كذلك قائد الأركان الروسي سيرغي شويغو، ولاحظ أندريه سوداتوف وإيرينا بوروغان في "فورين أفيرز"، أن كفة الجيش الروسي رجحت في هذه العملية العسكرية، وكانت ثمرة تغير في بنية الكرملين الأمنية خلال العقد الماضي، ففي السنوات الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم يكن الجيش ضالعاً في توجيه كفة القرار في روسيا، وكان مجرد تابع لأجهزة الأمن التي يتحدر منها بوتين، ولكن في وقت لاحق، ومنذ 2008 على وجه التقريب، صار الجيش الروسي لاعباً مؤثراً في رسم سياسات بلاده وتوجيه دفتها، وأحرز عدداً من النجاحات، منها قضم القرم في 2014 والتدخل في سوريا عام 2015.

ومضت موسكو قدماً نحو ترسيخ دوائر نفوذها في الفلك السوفياتي السابق منذ الحرب على جورجيا عام 2008 وضم شبه جزيرة القرم في 2014، وإحكام قبضتها أخيراً على بيلاروس وآسيا الوسطى.

 

 

روسيا من سوريا انطلقت؟

من جهة أخرى ينبه الباحث الفرنسي جان - بيار فيليو إلى أن ما فات واشنطن والعواصم الأوروبية هو الصلة الوثيقة بين تفريط باراك أوباما بخطوطه الحمراء في 2013 حين قُصفت الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي، وبين تفلت موسكو من عقال النظام الدولي، فقضمت أولاً القرم في 2014 بعد أشهر من التراجع الأميركي عن توجيه ضربة تقتص من استخدام السلاح الكيماوي، وتدخلت في سوريا عام 2015 وعززت مرابطتها البحرية غرب المتوسط في قاعدة طرطوس البحرية والقاعدة الجوية في اللاذقية، ثم بسطت نفوذها في ليبيا.

 وبالعودة إلى الكتلة الأوروبية، أسهمت ثلاثة عوامل في تغيير وجه الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة.

 أولاً "بريكست"، فمنذ التصويت عليه في 2016 ووصولاً إلى مسار إقراره الفوضوي والمتعثر، فتعثر مسار بريطانيا في التغريد خارج سرب الكتلة الأوروبية أسهم في شد أواصر الاتحاد وبرزت المملكة المتحدة على صورة أمثولة مفادها أن من ينسحب من الكتلة يخسر على المستوى الاقتصادي ويبدد فرصاً كثيرة في لعب دور وازن على الساحة الدولية، وأسهم ذلك في تراجع موجة السياسيين الشعبويين على الرغم من إحراز سياسيين يجمعون الاستبداد إلى الليبرالية بعض النجاح، كما في بولندا.  

وثانياً جائحة كورونا، وأخيراً الحرب على أبوابه في أوكرانيا. فأمام الأخطار الناجمة عن جائحة كورونا، برز دور الاتحاد الأوروبي في تنسيق سبل التصدي للفيروس وضخ الأموال لتقويم الأثر الاقتصادي المترتب على الجائحة ولجم الأثمان الاجتماعية الناجمة عنها، على غرار ارتفاع معدلات البطالة القسرية في مراحل الإغلاق العام [الحجر] وخسائر القطاعات الاقتصادية.

وثالثاً، الحرب الروسية الشعواء على أوكرانيا. اليوم مع مد أوكرانيا بالسلاح وإحكام طوق العقوبات الاقتصادية والمالية على موسكو (مساعي إقصاء روسيا عن نظام سويفت) والحظر "الجوي" عليها (إغلاق الدول الأوروبية مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المدنية والعسكرية على حد سواء)، طوت أوروبا صفحة ما بعد الحرب الباردة وكشرت عن أنيابها على ما يقال بالعربية. والحق أن الاتحاد الأوروبي انضم إلى المساعي البريطانية في دعم أوكرانيا، وكانت لندن سباقة إلى مد كييف بالعتاد العسكري والخبرات العسكرية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

المزيد من تحلیل