Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر... لماذا يقبل صالح بتجاوزات دستورية ويرفض الحل السياسي للأزمة؟

"النظام القائم" يحضّر لـ "سيناريو على مقاسه" والهدف من التمديد كسب الوقت لإنهاك الحراك واستنزافه

تظاهرة في 19 مارس 2019 في الجزائر العاصمة تدعو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة (رويترز)

السياسة كانت حاضرة في الجزائر مع صلاة عيد الفطر التي حضرها رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي ورئيس البرلمان معاذ بوشارب، ما فتح المجال للتساؤل حول أسباب تمسك قائد الأركان بـ"الباءات" على الرغم من تعهده بالاستجابة لكل مطالب الحراك، خصوصاً بعد "التزامه الصمت" في شكل "قبول" إزاء التجاوز الدستوري للمجلس في تعاطيه مع الوضع الذي وصلت إليه البلاد، مع تأجيل الانتخابات المقررة في الرابع من يوليو (تموز) 2019.

صمت قايد صالح

تجاوز قائد الأركان الجزائري مشكلة تأجيل الانتخابات بنجاح، علماً أنه كان متمسكاً بموعد "4 جويلية" حتى آخر نفس، وقد اعتبره المخرج الوحيد للأزمة التي تعيشها البلاد، على الرغم من رفض الحراك والطبقة السياسية إجراءها بإشراف رموز النظام البوتفليقي. وقد رمى بالثقل على المجلس الدستوري لإخراجه من المأزق الذي وضع فيه نفسه عبر "حيلة دستورية"، ربما تكون قد أراحته في ما يتعلق بمشكلة تأجيل الرئاسيات، لكن فتحت عليه سيلاً من الانتقادات، خصوصاً بالنسبة إلى التجاوزات الدستورية التي حصلت، وهو الذي حرص على احترام الدستور، ثم تمسكه ببن صالح لتسيير المرحلة المقبلة في شكل تمديد رغم "أنف" الحراك الرافض، ما طرح العديد من التساؤلات حول أسباب قبول قايد صالح بتجاوزات دستورية، مثل منح صلاحية استدعاء الكتلة الناخبة للرئيس المؤقت بن صالح، في حين يرفض مرحلة انتقالية أو حلاً سياسياً بغطاء دستوري؟

القوى غير الدستورية تحكم

اعتبر رابح لونيسي، المحلل السياسي الأستاذ في جامعة وهران في تصريح لـ "اندبندنت عربية" أن "مسألة التجاوز الدستوري هي ظاهرة معروفة في الجزائر، خصوصاً في فترة بوتفليقة، وبتواطؤ الجميع الذين كانوا معه في السلطة"، قائلاً إن "البيان الأخير للدستور هو أكبر خرق له، خصوصاً في ما يتعلق بتمديد عهدة بن صالح، فالمادة 103 لا تمدد لبن صالح في حالة انعدام المرشحين، كما مهدت لذلك الكثير من القنوات الخاصة التابعة للسلطة، على اعتبار أن الدستور لا ينص على حالة انعدام مرشحين، وإنما يسمح له بالتمديد عند وفاة مرشح في حالة الدور الثاني للرئاسيات". وتابع "نعتقد أن هناك محاولة لتحقيق ما أراده بوتفليقة بالتمديد له لسنة واحدة، لكن من دون بوتفليقة المريض، ولكن مع بن صالح الضعيف جداً"، مؤكداً أن "ما يحدث يدل أن القوى غير الدستورية ذاتها التي كانت تختفي وراء بوتفليقة، هي نفسها تقريباً التي تختفي وراء بن صالح اليوم".

خرق الدستور لرفض المرحلة الانتقالية

"التمديد يهدف إلى كسب الوقت لإعادة تنظيم السلطة بيتها وإنهاك الحراك واستنزافه حتى يتفتت"، أضاف لونيسي، الذي أوضح أن "النظام يعي جيداً أنه يستحيل تحقيق التغيير إلا بمرحلة انتقالية، وورقة طريق واضحة، كما حصل في كل الدول التي عرفت عملية انتقال ديمقراطي". وتابع "لتحقيق ذلك، يجري تشويه كل من يطرح مبادرة، ويحذرون من فراغ دستوري"، مشيراً إلى أن "الذين يدّعون أنهم يتمسكون بالحل الدستوري، يذكروننا بالمتمسكين بالحل الأمني في التسعينيات، وكبدوا الجزائر أكثر من 200 ألف قتيل، بسبب رفض نداءات العقلاء آنذاك بالحل السياسي، وتعرضوا إلى التشويه والتخوين، وهي التهمة ذاتها الموجهة اليوم لدعاة الحل السياسي والمرحلة الانتقالية". ودعا صناع القرار إلى "الاستماع لصوت العقلاء وعدم تضييع الوقت أكثر على الجزائريين".

إيجاد حل للأزمة

لونيسي اعتبر أن "الادعاء بالتمسك الحرفي بالدستور هو فقط وسيلة لتنفيذ حرفي للمادة 102 التي ستُبقي على النظام القائم وكمحاولة لرفض المرحلة الانتقالية"، مشدّداً على أن "القبول بخرق الدستور لتبرير رفض المرحلة الانتقالية، هو في الحقيقة رفض صريح لتغيير النظام ورفض لمطالب الحراك". وخلص إلى أنه "كلما مر وقت أكثر، من الممكن أن يتفتت الحراك ويضعف، ثم تنظم رئاسيات شبيهة بالسابقة، ويأتي قايد صالح، بالرئيس الذي يريده، ويعود الوضع الى نقطة الصفر، ما قبل 22 فبراير من العام 2019".

واجتمعت أحزاب من المعارضة لغرض إيجاد حل للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد، واتفقت على اعتبار ما صدر عن المجلس الدستوري اجتهاداً غير دستوري، مشددة على "ضرورة الحوار الجاد والمسؤول الذي يسمح بتحقيق مطالب الشعب، ورحيل رموز النظام المرفوضين شعبياً، من أجل نجاح هذا الحوار، واستمرار الحراك وسلميته وحضاريته لحين تحقيق مطالبه الحقيقية، وعقد لقاء وطني جامع لحل الأزمة وتلبية مطالب الشعب".

وعرض الحقوقي مقران آيت العربي مبادرة للخروج من المأزق الدستوري، فقال إنه "بعد تشبث السلطة باستمرار رئيسَيْ الدولة والحكومة الحاليين، فإن عزيمة الجزائريين على رحيلهما ستزداد، وعليه لا بد من العمل على تشكيل حكومة كفاءات، تكون مسؤولة أساساً عن الإعداد للرئاسيات، وذلك في غضون فترة زمنية معقولة، تتراوح بين ستة إلى 12 شهراً، والتشريع بموجب المراسيم". واقترح "تعيين رئيس دولة وحكومة للفترة الانتقالية، بعد جمعية تأسيسية ذات سيادة، تُنتخب بالاقتراع العام، تقوم هذه الأخيرة بتعيين رئيس دولة، واعتماد ميثاق للحريات وحقوق المواطنين، واعتماد دستور يجري وضعه بناء على استفتاء شعبي، وهو الذي سينظم انتخابات رئاسية وتشريعية في ظل الدستور الجديد".

لا أثر لحرص قايد صالح على الالتزام بالدستور

في المقابل، يتواصل ظهور "الباءات" المرفوضة، شعبياً... فبعد استقبال رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، في مقر رئاسة الجمهورية، الوزير الأول نور الدين بدوي، لتقييم الوضع السياسي، على ضوء إعلان المجلس الدستوري القرار المتعلق بالعملية الانتخابية، إضافة إلى أهم الإجراءات التي يتعين اتخاذها في المرحلة المقبلة، أدى "الباءات" الثلاث، صلاة عيد الفطر كما جرت عليه العادة مع رؤساء الجمهورية، ضاربين مطالب الشعب عرض الحائط، ما يوحي أن "النظام القائم"، يحضّر لـ "سيناريو على مقاسه"، وقد بدأت ملامحه تظهر مع بيان المجلس الدستوري.

من جانبه، قال المختص في القانون الدولي اسماعيل خلف الله في تصريح لـ "اندبندنت عربية" إنه "بينما كان كثر ينتظرون أن يصدر المجلس الدستوري فتوى دستورية، تجمع بين الشقين الدستوري والسياسي، لوضع حد لحالة الانسداد، فوجئنا بفتوى تشوبها عيوب كثيرة لم تستند إلى أي مرجع دستوري، وقد ذهبت حتى إلى تمديد فترة بن صالح"، معتبراً أنه "على الرغم من هذه الانتهاكات، لم نر أي أثر لحرص قايد صالح على الالتزام بالدستور، لا لشيء في اعتقادي، سوى ربح الوقت، لمسح الساحة، وبتر أذرع الجنرال مدين وسعيد بوتفليقة".

بن صالح يهدد باستمرار المأزق

"لا يجوز لبن صالح دستورياً الاستمرار في الحكم على اعتبار أنه كان مكلفاً بتنظيم الانتخابات، وبما أن المجلس الدستوري صرّح باستحالة تنظيمها، فعليه أن يستقيل، كما الحكومة التي كانت مهمتها تصريف الأعمال وتوفير ظروف تنظيم الانتخابات"، وفق رأي المراقبين الذين يوضحون أن "مطلب الحراك ليس رفض إجراء الانتخابات في 4 جويلية، وإنما رفض إشراف رموز النظام البوتفليقي عليها، وهو ما يضع الموعد المقبل على المحك، في ظل التمسك ببن صالح وتوسيع صلاحيته إلى استدعاء الكتلة الناخبة وتحديد موعد الاستحقاق، وقد تجد البلاد نفسها أمام المأزق نفسه".

المزيد من العالم العربي