Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الضغوط المعيشية تنعكس حال غليان شعبي في السودان

انتقادات واسعة لتخبّط حكومة تسيير الأعمال وفشلها في كبح التدهور

خلال الشهرين الماضيين، تدهورت قيمة العملة السودانية، وزادت فاتورة الكهرباء ثم تبعتها كل أسعار السلع (اندبندنت عربية - حسن حامد)

تتنامى موجة من الغضب الشعبي بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في السودان، والزيادات المتوالية والمطّردة في أسعار كل السلع والحاجات، بصورة ضاعفت الضغوط المعيشية والحياتية بين الناس في مختلف أنحاء البلاد على مدى الشهرين الأخيرين، فيما يواصل الجنيه السوداني رحلة التدهور أمام العملات الأجنبية، وتشهد السوق انفلاتاً واشتعالاً يومياً للأسعار، ما يضع حكومة تسيير الأعمال المؤقتة، أمام غضب شعبي، يؤجج الاحتجاجات في ظل الجداول المعلنة أصلاً للتظاهرات من قبل "لجان المقاومة" و"تجمع المهنيين السودانيين" التي تنتظم في البلاد منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

تدهور متسارع

ففي غضون الشهرين الماضيين حتى اليوم، تدهورت قيمة العملة الوطنية، وزادت فاتورة الكهرباء ثم تبعتها كل أسعار السلع ثم جاءت زيادات المحروقات وأخيراً أصدرت الحكومة قرارات برفع سعر غاز الطهي ورسوم الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية العامة بصورة فلكية، بينما بلغت أسعار الدواء مجدداً أرقاماً خرافية، أفضت إلى ضغوط معيشية في غاية الصعوبة، أدت إلى رفع درجة السخط العام، على الرغم من تدخل مجلس السيادة الانتقالي من خلال تجميد زيادات أسعار الغاز ورسوم المستشفيات الحكومية الأخيرة، بحجة إخضاعها إلى مزيد من الدراسة. 
في الوقت ذاته، تتسارع وتيرة تدهور قيمة العملة الوطنية، إذ سجّل سعر صرف الدولار منتصف الأسبوع الحالي، ارتفاعاً ملحوظاً أمام الجنيه السوداني في السوق الموازية، فقفز إلى 515 جنيهاً، مقارنةً بالسعر الرسمي 467 جنيهاً، موسعاً الفجوة بين السعرين بـ48 جنيهاً.
وقال رجال أعمال وناشطون وأكاديميون إن التدهور الاقتصادي المستمر أثار استياءً بالغاً وسط المواطنين السودانيين، متهمين الحكومة الحالية، التي يشارك فيها المكوّن العسكري الحكم مع الحركات المسلحة، بالعجز عن استقطاب أي موارد خارجية بعد توقف كل أنواع الدعم الخارجي لدرجة جعلت كل الأُسر والبيوت تئنّ تحت وطأة الغلاء الطاحن.


تخبط وارتباك

في السياق، قال رجل الأعمال بكري أحمد مصطفى، "من الواضح أن القرارات التي ظلت تتخذها الحكومة بزيادة الأسعار، ثم يتم تجميدها لإﺧﻀﺎﻋﻬﺎ ﻟﻤزيد ﻣﻦ الدﺭﺍﺳﺔ، تعكس مدى التخبّط في سياسات المنظومة الحكومية، وكأنها تعمل كجزر منعزلة من دون تنسيق وتكامل الأدوار، وإلا فما معنى أن تصدر وزارات المالية والطاقة قرارات بزيادة أسعار غاز الطبخ وخدمات المستشفيات الحكومية بصورة فلكية ثم يجمّدها مجلس السيادة، تماماً مثلما حدث من قبل وتراجعت الحكومة عن أسعار الكهرباء، لكنها للأسف أعادتها مرة أخرى باستثناء القطاع الزراعي غير الاستثماري، بعد ضغوط وإغلاقات نفّذها مزارعو الشمالية". وأضاف، "يبدو الأداء الاقتصادي لحكومة المهمات التي يقودها وكلاء وزارات مكلفون مهمات الوزراء، من دون وجود رئيس للوزراء، باهتاً ومرتبكاً، بحثاً عن حلول لم تعُد ممكنة، بينما يتدحرج الوضع الاقتصادي بسرعة نحو الركود والكساد".
وأرجع مصطفى معاودة ارتفاع الدولار واتساع الفجوة بين السعرَين الرسمي والموازي، إلى "شح المعروض والطلب المتزايد على الدولار بغرض حفظ قيمة النقود أو الاستيراد، والمضاربات، إلى جانب زيادة الكتلة النقدية، بسبب لجوء الحكومة والقطاع الخاص بشكل أكبر إلى الاقتراض من البنوك، ما تسبب بدوره في صعود التضخم وأسعار السلع".
من جانبه، اتهم الأستاذ الجامعي عبد اللطيف الأمين، الحكومة بـ"العجز عن تقديم أي شيء في مصلحة المواطن، بل على العكس أصبحت تمدّ يدها كل يوم إلى جيوب الناس وتخصم قوت المواطن لتسيير أعمالها والتزاماتها، في ظل ندرة وشح ليس في السلع فحسب، بل أيضاً في الرؤى والأفكار لاستنباط أي موارد بعد انقطاع العون الخارجي". وأضاف، "توالت الضربات على ﺍﻟﺸﻌب بعدما رفعت الحكومة ﺗﻜاﻠيف وأسعار كل شيء بصورة لم تعُد تطاق، سواء في المأكل أو المسكن أو ﺍﻟﻌﻼﺝ في ظل تضارب ولا مبالاة من السلطات".

"الحرية والتغيير" على الخط

بدوره، دخل المكتب التنفيذي لـ"قوى الحرية والتغيير" على خط الأزمة المعيشية، باقتراح تشكيل لجنة لتنسيق الحراك الميداني بهدف كبح تدهور المعيشة والوضع الاقتصادي كمعركة مقدَّمة على سواها، بعدما أصبح تدهور الحياة المعيشية والانهيار الاقتصادي قضية تطرق أبواب ملايين الأُسر السودانية.
وأوضح المكتب التنفيذي في اجتماع استثنائي له، ناقش الوضع السياسي والانهيار الاقتصادي وتطوراته المتسارعة في دار "حزب الأمة القومي" هذا الأسبوع، أن "قوى الثورة مواجَهة بظرف دقيق يستدعي كل مخزون حكمتها ويوجب وضع كل الخلافات جانباً وقيام جبهة عريضة من كل قوى الثورة".
وأشار المكتب التنفيذي في بيان إلى أن "قوى الحرية والتغيير ستصدر موقفاً تفصيلياً حول سياسات النهب والإفقار التي يتّبعها الانقلابيون، ووضع قضية الحياة المعيشية وتضاعف أسعار الطعام والأدوية والخدمات الصحية والمياه والكهرباء وغاز الطبخ بهذه الصورة التي لا تتحمّلها فئات واسعة من الشعب، في مقدمة أجندة العمل اليومي".
ودعا البيان إلى "دعم وحدة لجان المقاومة كونها تمثل قلب ثورة ديسمبر المجيدة، ولا يمكن تجييرها لمصلحة أي جهة بعينها كونها النبض المرتبط بالشارع، كما أنها تمثل جميع فئات شعبنا الكريم وعلينا جميعاً عدم تعريضها للخلافات، مثل ما حدث في تجربة تجمع المهنيين، فهي حائط صد ومنظِّم لجهود الملايين من أبناء شعبنا التواقين للديمقراطية والحكم المدني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تأجيج التظاهرات

في سياق متصل، انتقد الناشط السياسي بكري يوسف، "الزيادات المتوالية في الأسعار التي قضّت مضاجع كل الأُسر السودانية وأحدثت حالاً من الغليان في الشارع السوداني، ما يرجِّح ضخ مزيد من الحيوية في المواكب التي اتسعت دائرة المشاركة فيها لتشمل الجميع، حتى ربّات المنازل". وقال إن "المليونيات لم ولن تهدأ، لكن هذه الزيادات من شأنها أن تعيد الزخم لحراك جماهيري شامل وغاضب تضافرت من أجله كل الأسباب السياسية والمعيشية وقسوة الحياة نتيجة القرارات الحكومية التي تضغط بشدة على الناس".
وكشف يوسف أن "الخرطوم شهدت هذا الأسبوع ميلاد مجموعة كلّنا معاكم، كأوّل حراك مجتمعي مساند للثوار، لاقى تجاوباً واسعاً من كل قطاعات المجتمع المدني وعدد كبير من الكيانات النسوية والمهنية والسياسية، من أجل الحكم المدني الكامل، ويضم مجموعة من الأمهات والآباء، حددوا الساعة الواحدة من ظهر 26 فبراير (شباط) الحالي موعداً لانطلاقة فعالية التلاحم والوحدة والمساندة للثوار، دعماً لمسار الثورة، في شارع الستين شرق الخرطوم".
كذلك رأى الباحث الاقتصادي محمد الناير أن "خروج الناس على الضائقة المعيشية بات هو الأهم لتكثيف الضغط على الحكومة حتى لا تتجرأ على اتخاذ مثل هذه القرارات غير عابئة بآثارها في حياة السودانيين"، مشيراً إلى أنه "من الطبيعي بل والمفترض أن تقود تلك القرارات وتضاربها إلى خروج المواطنين إلى الشارع احتجاجاً على الأوضاع المتدهورة، بعدما كانوا يخرجون مراراً لأسباب وأهداف سياسية، ليس من ضمنها معاشهم أو الضغوط الحياتية".

تراجع كبير

واعتبر الناير أنه "من الواضح أن هناك تضارباً كبيراً في السياسات الاقتصادية وكذلك في القرارات التي تصدر عن الحكومة الانتقالية، لكن مثل تلك القرارات الضاغطة بشدة على المواطنين تزايدت بعد إجراءات قائد الجيش في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، على الرغم من أنها أعلنت أن معاش الناس وتوفير الخدمات لهم من أهم أولوياتها، غير أن الأمور ظلت تمضي بعكس ذلك تماماً، فصدرت قرارات تلقي بالعبء الإضافي على المواطن السوداني وتشكل ضغطاً عليه إرضاءً للمجتمع الدولي وسياسات البنك وصندوق النقد الدوليّين، من دون أدنى اعتبار لآثارها السلبية في عجلة الإنتاج وتداعياتها على المواطنين في بلد فاقت نسبة الفقر فيه 60 في المئة. كما ظل الوضع الاقتصادي يتراجع بصورة كبيرة ربما يصل معدل التضخم نتيجتها إلى 500 في المئة خلال هذا العام".
وأردف الباحث الاقتصادي، "تؤكد تلك القرارات أن الحكومة لم تعُد تهتم بحياة المواطنين وخدماتهم، ولا بقضية الإنتاج بقدر ما تريد مزيداً من الإيرادات بأي صورة، فيما تهتم كل حكومات العالم برفاه وخدمات شعبها، باعتباره صاحب السلطة التي تأتي بالحكام من صناديق الاقتراع، لكن عندنا في السودان تتجاهل الحكومة المواطن وتفاجئه يومياً بزيادات لا طاقة له بها".
ووصف الناير، "الزيادات على أسعار السلع والخدمات التي صدرت تباعاً خلال الفترة القليلة السابقة، وثم تجميدها ليُعاد فرضها مرة أخرى، تؤكد عدم وجود دراسة كاملة لآثارها السلبية في كل القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية، مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي، بخاصة في ظل غياب الاستقرار السياسي والسيولة الأمنية، فلا بد من أن تكون هناك رؤية تصالحية مع المواطن المغلوب على أمره".
وكان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني جبريل إبراهيم أعلن في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن الولايات المتحدة أوقفت 700 مليون دولار من المساعدات الطارئة، وكذلك 500 مليون دولار من الدعم المباشر للموازنة من وكالات التنمية، كان من المتوقع وصولها نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ‏وجُمّد أيضاً مبلغ 150 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي لتعزيز الاحتياطيات الرسمية.
وقال المتحدث باسم وزارة المالية أحمد الشريف إن "الموازنة العامة للدولة لسنة 2022، ستعتمد على الموارد الذاتية واستنباط موارد حقيقية لا تلقي أي أعباء على المواطنين، مع تنويع مصادر الإيرادات ورفع كفاءة استخدام الموارد وتمكين القطاع الخاص من المساهمة في تحريك قطاعات الإنتاج وإنعاش الاقتصاد الوطني وتعافيه من تداعيات جائحة كورونا".
وعمدت المؤسسات المالية الدولية وعدد من الدول، إلى تجميد مساعدات بملايين الدولارات كانت مخصصة لدعم التحول الديمقراطي والحكومة المدنية في السودان. كما تأثرت أهلية السودان في الحصول على إعفاء من ديون خارجية تُقدَّر بحوالى 50 مليار دولار، بموجب مبادرة صندوق النقد الدولي الخاصة بالدول الفقيرة المثقلة بالديون، فضلاً عن توقف عدد من مشاريع التنمية التي كانت ستموَّل من البنك الدولي، ما أدى إلى مزيد من التراجع الاقتصادي.

المزيد من العالم العربي