Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حزب "الأصالة والمعاصرة" المغربي... أزمة قيادة ومصالح شخصية

"سنعمل على الحفاظ عليه وسنقاوم هؤلاء الذين يريدون أن يعبثوا بتلك المؤسسة"

أحد اجتماعات المكتب السياسي لحزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يعيش أزمة داخلية (موقع الحزب)

يعيش حزب "الأصالة والمعاصرة" المغربي أزمة داخلية بسبب ضعف قيادته وانفرادها في أخذ القرار والعمل ضد مصالحه، بالإضافة إلى تغليب المصلحة الشخصية على مصلحته العامة، ويحمِّل عبد اللطيف وهبي، عضو المكتب السياسي المسؤولية للأمين العام للحزب حكيم بنشماس في ما آلت إليه أوضاعه الداخلية، وقال إن الأمين العام ومحيطه يعملان على تفكيكه من الداخل، ما يشكل خطراً على تلك المؤسسة، مضيفاً "سندافع عنه وسنعمل على الحفاظ عليه وسنقاوم هؤلاء الذين يريدون أن يعبثوا بتلك المؤسسة".

النشأة

وتأسس "الأصالة والمعاصرة" عام 2008 على يد صديق العاهل المغربي فؤاد عالي الهمة، الذي يشغل حالياً منصب مستشار في الديوان الملكي، ويوصف بأنه حزب إداري (أنشئ من طرف السلطة) بهدف التضييق على الإسلاميين في الساحة السياسية والظفر برئاسة الحكومة، وبمجرد تشكله، التحق به العديد من القيادات من أحزاب أخرى، وأصبح قوة سياسية في وقت وجيز، وحل ثانياً في الانتخابات التشريعية لعام 2016.

الأزمة

وعرف بوادر الأزمة منذ استقالة إلياس العماري من أمانته العامة عام 2017، والذي اتُهم بالتحكم به وبالانفراد في اتخاذ القرار، وعلى إثر ذلك، اجتمع بعض قيادييه من أجل تدارس سبل إرساء الديموقراطية داخله، وقرر بعضهم دعم حكيم بنشماس لخلافة العماري، لكن الأمين العام الجديد أخلف بالوعود التي قطعها، بحسب مصادر حزبية، وسار على نهج العماري، وقام بطرد العديد من قيادييه الذين يختلفون معه في الرأي.

ودفعت تلك التصرفات عضو المكتب السياسي للحزب عبد اللطيف وهبي، الذي أصبح يتزعم تياراً تصحيحياً داخل الحزب، إلى الدعوة إلى حل المكتب السياسي والمجلس الفديرالي، وأن تتولى لجنة تسيير الحزب برئاسة الأمين العام والتحضير لعقد مؤتمر استثنائي، وأثار ذلك زوبعة داخل الحزب جعلت بنشماس يصف دعوة وهبي بـ "السلوك الشارد والمناقض لخيار مأسسة الحزب وتفعيل الديمقراطية الداخلية، وأنه يحكمها منطق انقلابي على الشرعية الديمقراطية".

اعتبارات النشأة والتطور

ويُرجع المحلّل السياسي إدريس قصوري السبب في تلك الأزمة في حديثه لـ "اندبندنت عربية" إلى "اعتبارات النشأة و التطور، وغياب القيادة الموحدة الجامعة والتي لها رؤيا وإستراتيجية وإمكانات لتدبير الخلافات، والتعامل مع جميع مكونات الحزب، بالإضافة إلى إمكان إنزال القرارات وحسم مجموعة من القضايا، ففي ظل غياب كل هذه العوامل، فعل التصدع فعله، ولا توجد حتى اللحظة، معطيات حول وجود انشقاق داخلي، إنما هناك فقط مشاكل داخلية بين أطراف كان يمكن تجاوزها، لكنها استفحلت، وقد تترتب عن ذلك نتائج سلبية خصوصاً في أفق الانتخابات المقبلة".

وفي تحليله الأزمة، يقول المحلل السياسي بلال التليدي في مقال نشره "برزت الأزمة في أول تمظهراتها بهيمنة الحزب على خمسة أحزاب، لكن لأن الحزب كان يقوده الوزير المنتدب السابق في الداخلية (فؤاد عالي الهمة)، فقد جرى التحكم في الكلفة بآليات سلطوية، ولم تتفجر الأزمة بشكلها المأزقي إلا بعد نتائج انتخابات 2016، وذلك بسبب فشل القيادة في تدبير تناقضات الأعيان التقليديين والأعيان الجدد الذين تمددت مصالحهم بشكل تعدى مصالح الأعيان التقليديين".

الآليات السلطوية

أضاف أنه "في مرحلة وسيطة، كانت قدرة القيادة السابقة (إلياس العماري) على الإيهام بالآليات السلطوية فعالة نسبياً في ضبط تناقضات هذا الركام من الأعيان، لكن مع الفشل في تصدر نتائج الانتخابات، وانسحاب هذه القيادة، ظهر العطب، الذي يبدو في الظاهر مرتبطاً بالصراع على القيادة، ولكنه في الجوهر مرتبط بأزمة في النسق، ولذلك، إذا كانت أزمة اليوم، تمر بالظروف نفسها التي يثار فيها النقاش حول تعديل الفصل 47 من الدستور (الذي يخول الملك تعيين رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية)، وتغيير نمط الاقتراع، فإن الأمر في جوهره يعكس أزمة نسق سياسي، يريد إعادة التطبيع مع منطق الغالبية النسبية، لكنه، يجد السياق الدستوري، والديناميات السياسية والانتخابية، تعاكسه بسبب غياب حزب منافس للعدالة والتنمية، فلا يجد أي آلية ناجعة سواء إحداث تغيير جوهري في النسق، واعتماد الغالبية المطلقة بدل النسبية، أو العودة إلى النسبية مع إزالة تصدر حزب العدالة والتنمية".

الأفول

ويشرح إدريس قصوري كيف كان الحزب قوياً إلى أن ظهر ضعفه أخيراً قائلاً "لقد كان حتى حدود الانتخابات الماضية رقماً صعباً في المغرب بغض النظر عن دواعي التأسيس، وكان يطمح لرئاسة الحكومة وهو الغرض من مشاركته في الانتخابات التشريعية، كما حقق نتائج جيدة في الانتخابات الجماعية التي قبلها، ويضم الحزب مجموعة لا بأس بها من النخبة سواء السياسية المالية أو التكنوقراطية، لكن للأسف بين عشية وضحاها أصبح آيلاً للسقوط ولم تعد له تلك القوة التنظيمية الكبيرة".

يَعتبر بلال التليدي أنه لم يكن استشراف تفجر حزب "الأصالة والمعاصرة" صعباً، ليس لأن الأمر يرتبط بخطيئة الولادة، إذ عرفت أحزاب إدارية سابقة، تقريباً الملابسات نفسها، ولم يمت منها سوى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، وهو الآن يشهد مسار التفكك للاعتبارات ذاتها. ويتساءل التليدي "أين تكمن المشكلة؟ وإلى ماذا ترمز؟ وهل الأمر مرتبط بمشكلة ذاتية داخله؟ أم يتعدى ذلك إلى ما يرتبط بالنسق السياسي وتحولاته؟

ومع نتائج انتخابات 2007، وظهور تحدي صعود حزب "العدالة والتنمية"، بدأ التفكير في تعديل جوهري للنسق، لجهة الانتقال من نمط النسبية إلى نمط الغالبية، نظراً إلى الواقع الذي يفرضه النص الدستوري، والذي رسخ المنهجية الديمقراطية، إذ لم يعد هناك من خيار آخر، لمنع سيناريو تصدر "العدالة والتنمية" إلا بحزب إداري يتصدر نتائج الانتخابات، هذا الرهان المغامر، فرض تحولات تكتيكية لم يكن من الممكن التحكم في كلفتها، منها على وجه الخصوص سؤال التعاطي مع الأعيان، وهل يستمر خيار التوزيع المتعدد لهم على الأحزاب، أم حاجة الوقت فرضت تركيزهم في "الأصالة والمعاصرة"؟

أزمة قيادة

يَعتبر العديد من المراقبين وبعض قياديي "الأصالة والمعاصرة" أن لب الأزمة هي ضعف القيادة، ويقول عبد اللطيف وهبي عضو المكتب السياسي "منذ أن تسلم رئاسة الحزب وبنشماس يراكم الأخطاء من قبيل أخذ القرارات بشكل فردي إذ لا يستشير القيادات الأخرى في الحزب، بالإضافة إلى قيامه ببعض التجاوزات، كما يقوم بخدمة أجندة حزب آخر من داخل حزبنا، وليس له القدرة لا على حل المشاكل ولا على الحوار، إنه يركز فقط على تصفية الحسابات، سنتوجه إلى المؤتمر الذي سيعقد خلال أوائل يوليو (تموز) وسنناقش خلاله الوضعية التنظيمية لمؤسستنا باعتباره أعلى مؤسسة تقريرية داخله".

ويرد حكيم بنشماس أن الحزب تعرض لمؤامرة لضرب وحدته وتماسكه، ولمحاولة انقلاب على أمينه العام، وأقرّ أنه يعيش وضعاً غير صحي، لكنه سينجح بإرادة مناضليه في تجاوز تلك الأزمة، وأن القيادة وعلى رأسها أمينها العام، ستسير في طريق توطيد قواعد الشرعية والقانون الذي يحكم الحزب، مضيفاً أن "الحزب يعيش مرحلة مخاض ستتوج بانبعاث جديد، ومشدداً على ضرورة العمل من أجل تحويل الصعاب والإكراهات التي تواجه الحزب في المرحلة الراهنة إلى طاقة من أجل دعم العمل الوحدوي".

تقييم من الداخل

يحلّل الدكتور نور الدين اشحشاح عضو المكتب الفديرالي لـ "الأصالة والمعاصرة" وضعية الحزب قائلاً "يميل الكثيرون من المتتبعين للشأن الحزبي إلى تبسيط ما شهده الأصالة والمعاصرة وابتذاله بجعله صراع أشخاص، أو صراع قيادات، ويميل الكثيرون من داخله إلى ردود أقرب إلى التلاسن منها إلى الرصانة في تحليل الحدث وتفسيره والخوض في أبعاده وأسبابه، وإذا كان لا مناص من الإقرار بأهمية إسهام القيادات، فمن الموضوعية أيضاً الاعتراف بأن ما شهده اجتماع اللجنة التحضيرية يوم 18 مايو (أيار)، هو تجلّ لحراك داخلي، خاضته قواعد وقيادات تنتمي إلى وضعيات ومشارب عمرية واجتماعية وجغرافية مختلفة، بسبب الاستياء العام من جملة من الممارسات التي طبعت تسيير الحزب، وتراكمت عبر الزمن، في خضم انشغال الحزب بأمور خارجية غطت كثيراً عن الاحتقان الداخلي".

انعدام الإنصاف

أضاف "ومن جملة تلك الممارسات انعدام الإنصاف، واستبدال مبدأ المكافأة على أساس النضال والاستحقاق بقاعدة التقرب من صاحب القرار، الشيء الذي أنتج طبقة ريعية أصبحت قوية ومؤثرة في القرار الحزبي، وميالة إلى استدامة الممارسات الريعية، ومن ذلك أنها تعمل على إغراق الأمين العام في معارك تافهة، وصرف نظر الهياكل عن العمل الحقيقي والمناضلين الحقيقيين، وهذا ما يسمى التهميش المولد للاحتقان، بالإضافة إلى عدم اشتغال دورة النخب، وجرى تهميش الطاقات وإقصاؤها، فتراجع الكثيرون عن النضال، إذ لا يمكن أي أحد أن يشتغل لتستفيد الطبقة الريعية، وقد أدى ذلك إلى استقالة هادئة للكثير من الكفاءات والطاقات التي جذبها وهج البداية في مشروع الأصالة والمعاصرة".

المزيد من تحقيقات ومطولات