يشهد المغرب احتقاناً بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية، وفي الوقت الذي تهدد فعاليات من المجتمع المدني بالنزول إلى الشارع للتظاهر ضد لهيب الأسعار والمطالبة برحيل رئيس الوزراء عزيز أخنوش، تشير الحكومة إلى أن الزيادات هي انعكاس للظروف العالمية الحالية التي أثّرت في أسعار بعض المواد الأساسية في السوق الدولية، فيما تصدّر هاشتاغ #إرحل_ يا_ أخنوش الترند المغربي لأيام.
احتقان مقلق
يحذر مراقبون مما يعتبرونه وضعاً خطيراً يزيد ارتفاع الأسعار في احتقانه، مستغربين من الوضع الاقتصادي الذي يتحكم فيه بعض الجهات الموجودة أصلاً في الحكومة. ويقول عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان إن "ارتفاع الأسعار في المغرب ليس وليد هذه الأيام، بل منذ مدة والأسعار ملتهبة وفي ارتفاع مطّرد، بخاصة أسعار المحروقات، التي تعتبر مصدر ارتفاع كل المواد الأخرى من دون استثناء".
ويوضح أنه بالرغم من انخفاض سعر برميل النفط عالمياً منذ أكثر من خمسة أعوام، إلا أن أسعار المحروقات راوحت مكانها، بل أخذت في الارتفاع، والسبب واضح، كون الشركات الموزعة في المغرب أصبحت هي الموردة، ولم يعُد هناك وجود لشركة "لاسامير"، التي كانت تزود السوق الوطنية بالمحروقات، لتصبح الشركات الموزعة، بعد حذف هذه المواد من صندوق المقاصة تصول وتجول في السوق، وتحدّد الأثمنة من خلال الاتفاق في ما بينها، لتضرب بمبدأ التنافسية عرض الحائط، في ظل غياب رقابة حقيقية من مؤسسات الرقابة الوطنية، بخاصة مجلس المنافسة، مضيفاً أن إخضاع التسعيرة لتقلبات السوق وميزان العرض والطلب، من دون رادع منظم، يُعدّ مصدر التهاب الأسعار.
ويخلص الخضري "إننا أمام معضلة حقيقية، تتجلى في نظام اقتصادي متردٍّ ينهل من قواعد اقتصادية غير ملائمة لتحديات الواقع المغربي، والنتيجة ضرب القدرة الشرائية لمعظم الشرائح الاجتماعية. وأعتقد أن الحكومة الحالية، التي تتميز بارتباط قياداتها بلوبيات الاحتكار والطبقات البورجوازية المتحكمة في السوق وفي الاقتصاد عموماً، ستتورط في مزيد من التهاب الأسعار، بالتالي في تأجيج الاحتقان، الذي سيتفاقم خلال الأشهر القليلة المقبلة، بخاصة إذا استمرت أزمة أوكرانيا"، معتبراً أن الأمر قد يستلزم تدخلاً ملكياً لوضع حد لهذا المنحى الخطير الذي تمضي عليه الحكومة الحالية، باعتبار أن الأوضاع لا تبشر بالخير، والاحتقان بلغ أوجه، والمشكلات الاجتماعية وحوادث الانتحار والطلاق والنزاعات تفاقمت بشكل مهول، وجرائم السرقة والاعتداء على الممتلكات في تصاعد، وسبب كل ذلك بالدرجة الأولى ارتفاع الأسعار وضيق فرص العمل، على حد تعبيره.
دور حركة 20 فبراير
في المقابل، انطلقت في بعض المدن المغربية منذ أيام احتجاجات منددة بارتفاع الأسعار، في حين تستعد فعاليات للخروج إلى الشارع في 20 فبراير (شباط) الحالي. ويوضح أسامة الخليفي، أحد مؤسسي حركة 20 فبراير (التي قادت حراك عام 2011 في خضم موجة الربيع العربي) "بالنسبة إلينا، الاحتجاج يوم 20 فبراير هو إحياء للذكرى 11 للحركة. نعتقد كشباب الحركة أن هناك مطالب تحققت ومطالب ما زالت معلقة، لا يزال هناك استمرار للاعتقال السياسي، وما زلنا نشهد تكريس معضلة الجمع بين السلطة والمال، كما أننا نعيش تراجعات على مستويات عدة سواء سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "صحيح أن الدولة تحقق مكتسبات في ما يتعلق بالقضية الوطنية (قضية الصحراء)، ولكن على الرغم من ذلك هناك مشكلات داخلية، لدينا حكومة لا تعكس تطلعات الشعب المغربي".
ويشير عضو الحركة إلى أنه "لدينا الآن معركة تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية، بالنظر إلى توجهات الحكومة التي لا تكترث للطبقات الكادحة المسحوقة، ولا للطبقة المتوسطة، إنها تخدم مصالح أرباب العمل. لكل ذلك سننزل يوم 20 فبراير إلى الشارع وننتظر رد فعل السلطة، وهو ما سيحدد مآلات الميلاد الجديد لحركة 20 فبراير".
وحول مطلب رحيل رئيس الوزراء، يقول الخليفي "على المستوى الدستوري، يحق للملك عزله في حال اتحد المواطنون على ذلك، وظهر بأن أخنوش بات يشكل عائقاً أمام الإصلاحات الاجتماعية. إن دورنا هو فقط دق ناقوس الخطر وانتظار رد فعل الدولة والحكومة على مطالب الشعب".
السوق الدولية
من جانبها، عللت الحكومة الزيادات في الأسعار بطبيعة الظروف العالمية التي فرضت ارتفاع بعض المواد في السوق الدولية، بحيث قال الوزير المنتدب المكلف بالموازنة فوزي لقجع إن الأسباب التي أدت إلى الصعود الحالي في الأسعار عند الاستهلاك في العالم وفي المغرب ترتبط بالظرفية الدولية الحالية، وإن ارتفاع أسعار عدد من مواد الاستهلاك يرجع إلى الانتعاش الاقتصادي غير المتوقع الذي يعرفه العالم، وإلى الارتفاع المطّرد الذي عرفته أسعار الحبوب والمنتوجات البترولية في السوق الدولية.
وفي عرضه لأسعار بعض المواد الأساسية، أوضح الوزير أن سعر الحبوب ارتفع في السوق الدولية ليصل إلى 315 دولاراً للطن، مقابل 290 دولاراً للطن خلال عام 2021، أي بزيادة تصل إلى 34 في المئة، مقارنة مع سنة عادية مثل 2020، موضحاً أنه بفعل الظروف الجيوسياسية وارتفاع أسعار الشحن والنقل الدولي، زاد سعر القنطار الواحد من الحبوب عام 2022 في السوق الدولية، إلى 34 دولاراً بدلاً من 27 دولاراً عام 2021، ومشيراً إلى أنه خلال ذلك لجأت الدولة إلى اتخاذ إجراءات كتوقيف الرسوم الجمركية على استيراد القمح في فترتين لتوفير المجال الملائم للإنتاج الوطني.
ويرى لقجع أنه لولا تدخل الدولة حالياً في دعم الحبوب المستوردة، كان سعر القنطار الواحد سيرتفع، بالتالي سيزيد سعر كل ما يصنع منه مثل الخبز والاستعمالات المنزلية الأخرى ومنتجات المخابز.
الحكومة غير مسؤولة
في سياق متصل، يوضح الخبير الاقتصادي عمر التيجاني أن الاقتصاد المغربي ليبرالي أو ما يُسمّى بـ"اقتصاد السوق"، ويضم ذلك النموذج مبدأي حرية الأسعار والمنافسة، بالتالي الفاعلون الاقتصاديون هم من يحددون الأسعار بكل حرية، مشيراً إلى أن الدولة لا تحدّد الأسعار بصفة مباشرة، ولا تتدخل إلا في المواد الخاضعة لنظام المقاصة، وهذا يعني -بحسبه- أن المسؤول عن رفع الأسعار ليست الحكومة، إنما الفاعلون الاقتصاديون أي القطاع الخاص، المحرك الأساس للاقتصاد، والفاعل الرئيس في ما يُسمّى بـ"الدارة الاقتصادية".
ويعتبر أن الدولة تبقى أحد الفاعلين في الاقتصاد وليست هي من يتحكم في الاقتصاد بطريقة مباشرة، موضحاً أن المستوردين للمواد من الخارج هم كذلك يحددون ثمن بيع تلك المواد، ويبقى قانون العرض والطلب المتحكم في قرار رفع أو خفض أسعار تلك المواد. وعلى حد تعبيره، فإن اتخاذ قرار رفع الأسعار ليس قراراً حكومياً، لأن الحكومة لا تبيع ولا تستورد، ولكن ومع كل ذلك، تبقى مسؤولة بطريقة غير مباشرة، من جهة باعتبارها المسؤولة عن مستوى معيشة مواطنيها ودعم قدرتهم الشرائية عبر الأجور والنظام الضريبي والتشغيل...، ومن ناحية أخرى عليها ضمان توفير مناخ المنافسة الحرة والشريفة في المجال الاقتصادي.
وحول عدم انعكاس انخفاض أسعار بعض المواد على المستوى الدولي على الأثمنة في السوق المحلية، يوضح عمر التيجاني أن الأمر غريب، قائلاً "لقد شهدنا الأمر في يونيو (حزيران) 2022، حين انخفض سعر برميل النفط إلى مستويات كبيرة في السوق الدولية، ولم ينعكس ذلك على السوق الوطنية"، مضيفاً أنه ربما تتعين الاستعانة بقرار مجلس المنافسة الذي أدان فيه بعض شركات المحروقات بغرامة مالية، وذلك بموجب التفاهمات الضمنية، التي يلجأ إليها بعض الشركات في قطاع معين بخصوص قرار رفع الأسعار أو الاتفاق على ثمن موحّد بين الشركات، لكنه سلوك غير قانوني يخل بمبدأ المنافسة.
وعن العلاقة بين تحرير الأسعار وارتفاعها، يشير التيجاني إلى أنه من الناحية النظرية لا توجد علاقة، موضحاً أنه يمكن لتحرير السوق المساهمة في خفض الأسعار في حال وجود منافسة، ويمكن أن يقع العكس في حال عدم وجود ذلك العامل، بالتالي قد ترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
ويشدد الخبير الاقتصادي على "عدم وجوب تحرير أسعار أي قطاع إلا بعد توافر شروط المنافسة الكافية، فالمنافسة كفيلة بأن تضمن مصالح المستهلكين من جهة، ومصالح المنتجين من جهة أخرى، عن طريق ما يُسمّى بمبدأ ثمن التوازن، فالمنافسة هي ميكانيزم اقتصادي، يعمل لمصلحة الجميع".