Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل في تونس بعد العفو عن جرائم الصكوك من دون رصيد

أكثر من 1.7 مليون قضية لدى المحاكم حتى أواخر سنة 2021

ارتفاع عدد قضايا جرائم الصكوك من دون رصيد أمام القضاء التونسي يرهقه (أ ف ب)

أقرت تونس في 13 فبراير (شباط) الحالي عفواً عاماً في شأن جرائم إصدار الصكوك من دون رصيد مصرفي. وقد حررت هذه الخطوة عدداً من المستثمرين وصغار التجار وأصحاب المؤسسات من ثقل قانوني وعقابي تعمَّق خلال العامين الماضيين إثر تفشي جائحة فيروس كورونا.

ووفق نتائج دراسات عدة، فإن العديد من الشركات، خصوصاً الصغرى منها، أضحت عاجزة عن سداد مستحقاتها تجاه المزودين بسبب الإشكاليات الناجمة عن مسألة الصكوك بفعل تأثيرات جائحة "كوفيد-19" وتوقف نشاط هذه الشركات وعجزها.

ونص العفو العام في جرائم الصك من دون رصيد، الذي جاء في شكل مرسوم رئاسي ضمن التدابير الاستثنائية التي أقرها الرئيس التونسي قيس سعيد منذ 25 يوليو (تموز) 2021، على أن ينتفع بالعفو العام كل من أصدر صكاً من دون رصيد حُرّرت في شأنه، قبل تاريخ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية، شهادة في عدم الخلاص أو محضر احتجاج في عدم الدفع بمقر البنك.

وألزم المرسوم أن يوفر المعني قبل 31 ديسمبر (كانون الأول) 2022 الرصيد في المصرف على ذمة المستفيد، أو تأمينه على ذمة هذا الأخير في الخزينة العامة للبلاد التونسية، والإدلاء بما يفيد إعلامه بذلك أو ما يفيد خلاص كامل مبلغ الشيك بكتاب ثابت التاريخ أو بحجة رسمية.

كذلك يقوم المعني بدفع مصاريف الإعلام للمصرف المسحوب عليه أو مصاريف الاحتجاج المحرر في مقر المصرف والإعلام به للمستفيد أو تأمينها في الخزينة العامة التونسية.

ونص المرسوم، الذي جاء في فصلين، على أنه ينتفع بالعفو العام كل من كان محل تتبع قضائي لدى المحاكم على اختلاف درجاتها، أو صدر بحقه حكم من أجل إصدار صك من دون رصيد قبل تاريخ نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، وقام بتطبيق مقتضيات الفصل الأول من المرسوم، وذلك قبل 31 ديسمبر 2022.

وأكد المرسوم أن العفو لا يمس بحقوق الغير، خصوصاً بحقوق القائم بالحق الشخصي، ولا يشمل العفو المصاريف القضائية ولا التي لم تستخلص ولا الاستصفاء الذي تم تنفيذه ولا الخطية التي تم استخلاصها.

حل ترقيعي وقتي

وتفاعلاً مع هذا الإجراء يقول عبد الرزاق حواص، الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، إن هذا المرسوم لن يحل المشكل الأساسي وهو تجريم الصك من دون رصيد، معتبراً أنه مرسوم لا يقدم حلولاً جديدة، خصوصاً أنه يشترط خلاص الدين وتوفير الرصيد المطلوب وهو المعمول به الأكثر حالياً، وكل قادر على خلاص رصيد الصك سيكون قانونياً في حل من التتبعات القضائية.

ويؤكد حواص أن الحل الوحيد الذي لا مناص منه هو رفع العقوبات نهائياً عن جرائم الصك من دون رصيد، مشيراً إلى أن هناك دولاً مثل قطر وموريتانيا والأردن اتجهت بعد جائحة "كوفيد-19" وتعثر المؤسسات في خلاص ديونها إلى رفع العقوبات عن الشيك من دون رصيد.

ويشير إلى أن المرسوم الجديد لا يُميِّز بين المتعثر الذي لم يتمكن من خلاص رصيد الصك ولا يزال يشتغل ومن توقفت أنشطته نهائياً بسبب عدم قدرته على خلاص مبلغ الصك.

ويتعجب من تركيز هذا المرسوم على ضمان حق البنوك وكأن الإشكال يهم البنك فحسب، والحال أن العلاقة في ما يخص الصك هي علاقة بين دائن ومدين، وهي علاقة تعاقدية بين هذين الطرفين، ولا دخل للبنك فيها.

ويعتبر هذا العفو حلاً ترقيعياً وقتياً، إلا أنه يبقى في انتظار استئصال ما يصفه بـ"الورم وإجراء عملية جراحية ضرورية"، هي إلغاء العقوبة نهائياً على الصك من دون رصيد.

ويوضح حواص أن المنتفعين الحقيقيين بهذا الإجراء لا يتجاوز عددهم العشرات الذين صدرت بشأنهم أحكام باتة بعد خالص رصيد الشيكات الباقية في ذمتهم، وهو ما سيمكنهم من تسريع إجراءات عملية العفو عنهم فحسب.

البرلمان المنحل شرع في دراسة الملف

وقد أصبح التعامل بالصكوك البنكية في تونس أمراً متداولاً بشكل كبير، واعتباره وسيلة دفع عادية من دون الأخذ في الاعتبار العواقب الوخيمة المترتبة عن ذلك في حال إصدار صك من دون رصيد بنكي.

وتعتبر فكرة إلغاء عقوبة الصك من دون رصيد قديمة نسبياً، إذ شرعت اللجان الخاصة في البرلمان التونسي المنحل (في 25 يوليو 2021) في دراسة مقترح قانون بهذا الشأن منذ 2020.

وعقدت لجنة التشريع العام في البرلمان جلسة عمل في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 خصصتها للاستماع إلى أصحاب المبادرة التشريعية المتعلقة بتنقيح أحكام الصك من دون رصيد الواردة في المجلة التجارية.

ويقترح أصحاب المبادرة التخلي عن الأحكام الزجرية والعقوبات السجنية المتعلقة بإصدار أو قبول صك من دون رصيد، التي لم تثبت نجاعتها وفاعليتها في الحد من هذه الجريمة، علاوة على ما تسببه من أضرار وسلبيات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الدولة نفسها التي تتولى القيام بمصاريف طائلة لا فائدة منها على مرتكبي هذه الجريمة. والحال أن النزاع في الأصل يقوم على علاقة مدنية بين طرفين لا دخل للدولة فيها.

واقترح أصحاب المبادرة جملة من الحلول البديلة لعقوبة السجن والمتمثلة أساساً في عدد من التضييقات الإدارية والمالية، التي تفرض على المدين وتجعله في وضعية شبيهة بوضعية الشخص المفلس من دون منعه من العمل والإنتاج بهدف خلاص شيكاته في آجال معقولة.

واستعرضوا مجموعة من الحلول الأخرى كتوسيع نطاق التسوية لتصبح أمام البنوك، وتوسيع صلاحيات قاضي تنفيذ العقوبات ليحكم بالسراح الشرطي على مرتكب هذه الجريمة.

إقرار بوجود إشكال قانوني

من جهته، يلاحظ أنيس الوهابي، المتخصص في المحاسبة، أن تونس تشهد تسجيل آلاف قضايا الصك من دون رصيد، نظراً إلى تورط العديد من الأشخاص، خصوصاً أصحاب الشركات الصغرى والمحال التجارية بسبب الاستسهال في التعامل بالصكوك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الوهابي أن هناك ضغطاً قوياً تكوَّن في العامين الماضيين مع استفحال جائحة كورونا وتداعياتها على عدد كبير من أصحاب المشاريع والشركات، في اتجاه إقرار عفو عن جرائم الصكوك من دون رصيد، خصوصاً إسقاط قيمة أقساط المبالغ المالية المتخلدة في ذمة المطالبين بالخلاص.

وتعليقاً على العفو العام الصادر أخيراً، يفيد الوهابي أنه يرمي إلى تخفيف العقوبات والخطايا ومصاريف التتبع على الأشخاص المطالبين بخلاص هذه الصكوك، منتقداً حصر آجال الخلاص في ظرف سنة واحدة (نهاية العام الحالي)، وهو ما اعتبره فترة وجيزة قد لا تكفي للمعنيين بالخلاص لتسوية وضعياتهم قانونياً.

وعن موقفه من المنادين بوجوب إسقاط أصل الدين في قضايا الصكوك من دون رصيد، يقول الوهابي إن هذا الأمر لا يستقيم، لأن هناك حقوق الدائنين الواجب الحفاظ عليها، متابعاً "من حيث المبدأ، فإن العفو الصادر يقر صراحة بأن هناك إشكالاً كبيراً في تونس في معالجة هذا الملف من الناحيتين القانونية والاقتصادية".

ويؤكد الوهابي ضرورة أن يرافق العفو العام في قضايا الصكوك من دون رصيد إصلاح جذري للمنظومة التشريعية.

جرعة أوكسجين

من جانبه، يعتقد عبد اللطيف بن هدية، رئيس المرصد التونسي للخدمات المالية (مستقل)، أن العفو جرعة أوكسجين وسيسهم في التخفيف عن الأشخاص المتورطين في هذا النوع من الجرائم، ولا سيما أصحاب الشركات، مع إمكانية عودتهم إلى نشاطهم السابق.

ويلفت بن هدية إلى أن ملف الصكوك من دون رصيد في تونس ملف مُعقد نسبياً وحساس، إذ تم استسهال القانون المنظم للصكوك من طرف العديد من الأشخاص، ومنهم أصحاب الأنشطة التجارية، واعتباره وسيلة دفع مؤجلة، والحال أنه وسيلة دفع بالحاضر.

ويكشف عن أنه حتى أواخر 2021، هناك أكثر من مليون و700 ألف قضية صك من دون رصيد منشورة لدى المحاكم التونسية، وأن معدل القضية الواحدة يتطلب زهاء ثلاث سنوات للفصل فيها، ما يرهق المحاكم وربما يسهم في اندثار شركات.

ويعتبر أن العفو العام الجديد في مسألة الصك من دون رصيد بنكي ألزم القاضي ببطلان إجراءات التتبع القضائي في حال خلاص أصل الدين ومصاريف التتبع، معرباً عن ارتياحه لهذا الإجراء.

ويطالب بن هدية بضرورة إقرار تسهيلات للشركات الخاصة التي تتعامل مع الدولة، خصوصاً شركات المقاولات والبناء باعتبارها تنجز مشاريع لفائدة الدولة ولم يقع خلاصها، مشيراً إلى أن هذه الشركات قد أصدرت صكوكاً من دون رصيد للحصول على التجهيزات والمواد الأولية للإيفاء بتعهداتها تجاه مشاريع الدولة.