كشفت بيانات رسمية حديثة ارتفاع أسعار المنتجين في الولايات المتحدة بأكثر من المتوقع خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مع استمرار اختناقات سلاسل الإمداد، وهي علامة أخرى على أن التضخم المرتفع قد يستمر في معظم العام الحالي.وقالت وزارة العمل الأميركية إن مؤشر أسعار المنتجين للطلب النهائي ارتفع بنسبة واحد في المئة خلال الشهر الماضي، بعد أن زاد بنسبة 0.4 في المئة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وعلى مدى الـ 12 شهراً حتى نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، صعد المؤشر بنسبة 9.7 في المئة في أعقاب قفزة بلغت 9.8 في المئة خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان محللون اقتصاديون توقعوا أن يرتفع مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 0.5 في المئة، وأن يقفز بنحو 9.1 في المئة على أساس سنوي، فيما كانت الحكومة الأميركية أعلنت الأسبوع الماضي زيادة قوية في أسعار المستهلكين خلال شهر يناير الماضي، مع تسجيل معدل التضخم السنوي أكبر زيادة خلال 40 عاماً.
في الوقت نفسه يواجه الاقتصاديون الذين يناقشون التضخم في الولايات المتحدة الأميركية تحدياً صعباً يتمثل في استبعاد تغيرات الأسعار المتقلبة لقياس الضغوط الكامنة، إذ كان من الصعب قراءة المقياس الأكثر شيوعاً للتضخم الأساس الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة أثناء الوباء.
ودخل الإجراء التقليدي حيز الاستخدام على نطاق واسع في السبعينيات من القرن الماضي عندما تسببت أسعار الطاقة المتقلبة في ارتفاع التضخم.
تطوير مقياس التضخم بسبب المتغيرات
تشير ورقة بحثية حديثة لصندوق النقد الدولي إلى أنه خلال معظم العامين الماضيين كان المقياس الأساس التقليدي متقلباً تقريباً مثل التضخم الرئيس، لأن العديد من التغيرات الكبيرة في الأسعار حدثت في قطاعات خارج الغذاء والطاقة، وتشمل الأمثلة شركات الطيران والفنادق والأحداث الرياضية والخدمات المالية. وأشار صندوق النقد إلى أن الإجراءات التي تنجح في ترشيح الحركات العابرة هي تدابير استبعاد خارجية، اثنين من هذه المقاييس التي طورتها البنوك الفيدرالية الإقليمية في كليفلاند ودالاس حذف التغييرات الكبيرة في الأسعار في أي صناعة، وهما يعملان بشكل أفضل من المقاييس التي تستبعد مجموعة ثابتة من الصناعات الإضافية، مثل مؤشر أسعار المستهلك الثابت لبنك الاحتياط الفيدرالي في أتلانتا، فيما طور بنك الاحتياط الفيدرالي في كليفلاند مقياساً متوسطاً يظهر العنصر في منتصف نطاق جميع تغيرات الأسعار كل شهر، في حين أن بنك دالاس لديه منهجية ذات متوسط مقصوص تتجاهل العناصر الموجودة في أدنى 24 في المئة وأعلى 31 في المئة من توزيع كل شهر.
وعلى الرغم من الاختلاف الطفيف بينهما إلا أن كلاهما يعمل على تصفية معظم التقلبات الشهرية في التضخم الرئيس، وكانا مستقرين نسبياً، كما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبطالة وغيرها من مؤشرات الركود الاقتصادي أكثر من التضخم الرئيس أو المقياس الأساس التقليدي، إذ تنجرف إلى أسفل مثلما حدث عندما انكمش الاقتصاد في عام 2020 بسبب التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، ثم يعاود الارتفاع مع انتعاش الاقتصاد، وقد زادت مقاييس التضخم الأساس البديلة هذه بشكل مطرد خلال عام 2021، مما يؤكد ارتفاع اتجاهات التضخم الأساس في الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحتى قبل ظهور وباء وجائحة كورونا وجدت الأبحاث أن هذه الإجراءات أقل تقلباً من التضخم الأساس التقليدي، وأكثر ارتباطاً بالركود الاقتصادي، وعلى مدى العقود الثلاثة التي سبقت الوباء كانت المقاييس الأساس التي تجرد حصة أكبر من تحركات الأسعار الخارجية أكثر استقراراً، وكان لها علاقة أكثر موثوقية بالبطالة، وكان التضخم باستثناء الغذاء والطاقة أكثر تقلباً من متوسط التضخم وتقليص متوسط التضخم، وكانت علاقته أضعف بكثير مع ظروف الاقتصاد الكلي. وقادت نتائج مماثلة بنك كندا إلى اعتماد متوسط مرجح ومتوسط مخفض كمقاييس أولية للتضخم الأساس عام 2016، لتحل محل مقياسها الأساس التقليدي.
وبشكل عام كشف صندوق النقد الدولي أن حجة بنك الاحتياط الفيدرالي للابتعاد من المقياس التقليدي للتضخم الأساس قد تعززت خلال عامي 2020 و2021.
التضخم يهدد صدقية "الاحتياط الفيدرالي"
في السياق ذاته، حذر رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس، جيمس بالارد، من أن التضخم المرتفع في أميركا يهدد صدقية البنك المركزي الذي تجب عليه مكافحته برفع أسعار الفائدة الرئيسة بشكل حاد، وأشار إلى أنه من الضروري رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس بحلول الأول من يوليو (تموز) المقبل.
ويعني ذلك نقلها من نطاق يتراوح من صفر إلى 0.25 في المئة كما كانت عليه منذ مارس (آذار) 2020، إلى نطاق يتراوح من واحد إلى 1.25 في المئة. وكان معدل التضخم بلغ 7.5 في المئة على أساس سنوي خلال يناير، في أسرع وتيرة نمو يسجلها منذ 40 عاماً.
وفي الوقت الحالي يرى المستثمرون أن قيام بنك الاحتياط الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في مارس أصبح حقيقة مؤكدة بنسبة تقترب من 100 في المئة، وجاء هذا التحول بعد أن أظهر تقرير جديد أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 7.5 في المئة خلال الشهر الماضي، وهي أسرع مكاسب خلال 12 شهراً منذ عام 1982، وليس هذا فقط، فقد تسارع التضخم بشكل غير متوقع على أساس شهري.
وفي مذكرة بحثية حديثة كشف بنك "أوف أميركا" أن "الأخطار بالنسبة إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، تتزايد"، وأشار إلى أن المستثمرين ومسؤولي الاحتياط الفيدرالي وبنوك "وول ستريت" يرون أن رفع أسعار الفائدة في ظل المعطيات القائمة أصبح ضرورة حتمية، وقبل بضعة أشهر كان الجدل حول ما إذا كان الاحتياط الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة مرتين أو ثلاث مرات هذا العام، أما الآن فهناك شعور متزايد بأن شهر مارس وحده سيكون بمثابة ارتفاع مزدوج، فيما كان بنك "أوف أميركا" يدعو إلى سبع زيادات في أسعار الفائدة هذا العام، مما يشير إلى تحرك بنحو ربع نقطة في كل اجتماع بداية من مارس المقبل، ولكن بعد تقرير التضخم الأخير أشار محللو البنك الأميركي إلى أنه قد تكون هناك حاجة إلى خطوة أكثر قوة لمواجهة التضخم، ويريد بنك الاحتياط الفيدرالي تجنب رفع أسعار الفائدة بقوة، لدرجة أنه يثير فزع المستثمرين الذين اعتادوا الآن أسعاراً منخفضة للغاية، وقال بنك "أوف أميركا" إن "بنك الاحتياط الفيدرالي لا يريد مفاجأة الأسواق".