Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيزابيل أوبير "المكورنة" كرمها مهرجان برلين افتراضيا

 الممثلة الفرنسية الكبيرة لا تزال متوهجة في الـ68 والسينما هي شغفها الدائم

الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير مكرمة أمس في مهرجان برلين إفتراضياً (الخدمة الإعلامية)

كثر كانوا ينتظرون الممثلة الفرنسية الكبيرة إيزابيل أوبير في مهرجان برلين السينمائي في الفترة من 10 إلى 20 فبراير (شباط) هذا العام، ليس لعرض آخر فيلم ظهرت فيه فحسب، بل لاستلام جائزة "دب ذهبي" فخرية عن مجمل مسيرتها الفنية، تماماً بعد مرور 50 سنة على خطواتها الأولى داخل السينما في دور صغير في "فوستين والصيف الجميل" لنينا كومبانيز. لكن الممثلة الفرنسية الكبيرة التي تقف على عتبة السبعين، أبلغت المهرجان عشية سفرها إلى العاصمة الألمانية أن نتيجة فحص كورونا الذي أجرته جاءت إيجابية، مؤكدة رغم ذلك أنها في صحة جيدة ولا تعاني من عوارض قوية. هذا لا يعني أن حفلة إسنادها الجائزة المهيبة قد ألغيت، بل أقيمت، أمس، في حضور أوبير افتراضياً، إذ ظهرت عبر شاشة. في المقابل، تم إلغاء الندوة التي كانت مقررة معها، لسوء حظ الجمهور البرليني. رواد مهرجان "كان" كانوا أوفر حظاً في يوليو (تموز) الماضي، إذ تنسى لهم أن يجتمعوا بالمئات في صالة بونويل لحضور درسها السينمائي الذي جعلها تستعيد لحظات من سيرتها. سيرة واحدة من أكثر ممثلات السينما الفرنسية قيمة منذ أرليتي وسيمون سينيوريه.

جائزة "الدب الذهبي" التي نالتها أوبير وسبق أن أعطيت لأمثال كرك دوغلاس وصوفيا لورين، ستجد مكانها حتماً بين العديد من الجوائز التي كانت فازت بها الممثلة في كان والبندقية وغيرهما من المهرجانات الدولية. جوائز يصل عددها إلى 119 استحقتها منذ بدأت التمثيل في مطلع السبعينيات، وجعلت منها واحدة من أبرز مواهب جيلها ومفخرة وطنية في بلدها فرنسا، من دون أن ننسى أنها أكثر ممثلات بلدها ترشحاً للـ"سيزار" (المعادل الفرنسي لـ"الأوسكار")، علماً أنها فازت بها مرتين. 

ممثلة التحديات

قال المدير الفني للـ"برليناله" كارلو شاتريان خلال التكريم، أمس، إن أوبير ممثلة "غلامور" وملتزمة في الحين نفسه، ولطالما اختارت "شخصيات تتحدى رؤيتنا". وتابع قائلاً، "إذا أردنا أن نستمد نماذج من الاستعادة التي نقدمها هذا العام عن ممثلات حقبة الثلاثينيات في هوليوود، فيمكنني القول إنها مقدامة بقدر ماي وست، وأنيقة كروزاليند راسل". عندما أطلت أوبير على الحضور عبر الشاشة وهي جالسة في منزلها، اعتقدت أن اللقطة مشهد من أحد أفلامها. أمام سيل المديح الذي تلقته، وبدت محرجة حياله، قالت أوبير، "قد تعتقدون أني بمفردي الآن في منزلي، لكنني في الحقيقة محوطة بـ125 سينمائياً كانوا معي منذ بدأت التمثيل، وطبعاً هناك 100 غيرهم سيرافقونني في السنوات المقبلة (…). لا أستطيع أن أتخيل الحياة بلا سينما. أقله حياتي أنا".

لعل إحدى مزايا أوبير التي عملت في المسرح والسينما والتلفزيون، هي نشاطها المتواصل. فهي لا تكل ولا تمل. في العقد الماضي فقط، أطلت في 36 فيلماً روائياً طويلاً وقصيراً. هذا عدد غير قليل ويعادل أكثر من ثلاثة أفلام سنوياً، وقفت أوبير من خلالها قبالة كاميرا كبار السينمائيين، من ماركو بيللوكيو وكاترين بريا فهونغ سانغ سو وبول فرهوفن. أما "أسيادها" الذين لا يمكن فصلها عن أفلامهم، فهم: أولاً كلود شابرول الذي لعبت في ثمانية من أفلامه لتصبح وجه اللؤم الذي ود مخرج "سيرج الجميل" رسمه من خلالها؛ ثانياً ميشائيل هانكه الذي أتاح لها ولادة جديدة في السنوات الأخيرة؛ ثالثاً بونوا جاكو الذي تعاونت معه في أفلام عدة.

نجاح وتفوق

صحيح أن شابرول استطاع أن يمسك بكاراكتيرها ليسند إليها أكثر أدوارها انسجاماً مع الفكرة التي تكونت عن أوبير عبر الزمن. لكن كان عليها أن تنتظر اللقاء الحاسم بهانيكه كي يحملها هذا النمساوي إلى التكريس النهائي مع "عازفة البيانو" من خلال الشخصية التي وضعتها في مقدمة الأدوار المتطرفة في تاريخ السينما. 

تهمش أوبير دور الموهبة في نجاحها وتفوقها، مكررة أن الحظ كان حليفها لتلتقي سينمائيين بارزين سمحوا لها بأن تضع أقنعة جديدة في كل مرة وتحافظ على الجوهر، وأن تبقى في الحين نفسه حرة وقادرة على عدم إنكار ذاتها والتخلي عنها. في مقابلة لي معها، قالت: "طبعاً، أضعف الإيمان أن يحترم المخرج ذات الممثل، ولكن يحصل ألا نلتقي بالأشخاص المناسبين أحياناً. معظم الممثلين عندما يعتقدون، في السر أو في العلن، أنهم عاشوا تجربة مميزة مع سينمائي معين، يسعون إلى أن تتكرر التجربة. الاستثناء هو ألا يحصل هذا الشيء. لذا، أجد أن من الطبيعي جداً أنني أنجزت أفلاماً عدة مع شابرول وهانيكه وجاكو. هذا ما يجب أن يحصل دائماً".

مذ أطلقها المخرج السويسري كلود غوريتا في "صانعة الدانتيل" في عام 1977، وهي تتنقل بين الشاشة والخشبة، بين سينما مؤلف وأفلام شعبية. لا تؤمن بالهرمية في الفن، ما دام الدور يخاطبها ويتيح لها التجريب واكتشاف ذاتها. عبر السنوات، أظهرت ميلاً واضحاً وصريحاً للتنوع، لا فقط عبر خوض مغامرات سينمائية غير مضمونة النتائج، بل أيضاً عبر الإبحار بعيداً عن موطنها فرنسا، للعمل مع سينمائيين من جنسيات مختلفة. العالم عند أوبير لا ينتهي عند عتبة منزلها كما هو السائد لدى العديد من النجوم الذين يكتفون بنجوميتهم. لا توجد ممثلة معاصرة عملت في هذا العدد من البلدان: في أميركا مثلت تحت إدارة مايكل تشيمينو وهال هارتلي وغيرهما، في إيطاليا مع الأخوين تافياني وماورو بولونييني وماركو فيريري، في بولندا مع أندره فايدا، في ألمانيا مع فرنر شروتر، في روسيا مع إيغور ميناييف. ولم يكن حسها المغامر محصوراً في الغرب، بل حملها إلى أقاصي الشرق، حيث عملت مع الفيليبيني بريانتي مندوزا والكوري الجنوبي هونغ سانغ سو الذي أدارها في فيلم بلا سيناريو، فكان يعطيها جملها كل يوم صباحاً قبل المباشرة في التصوير. 

النظرة الحادة

هناك ممثلات كالنبيذ المعتق، يزددن جمالاً مع تقدمهن في السن، وأوبير صاحبة الـ150 دوراً في السينما والتلفزيون، من هؤلاء. لا تزال تبهر في الثامنة والستين، بل يزداد وهجها. تبهر بنبرة صوتها القاطعة، بنظرتها الحادة القاسية التي تعري الأسرار، بغريزتها التي تعتمد عليها للقيام بكل خياراتها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما كيف تعمل وما هي تقنياتها في المراحل التي تسبق التصوير وخلاله؟ فهذا سر كبير لا تكشفه أوبير بسهولة، بل تكتفي بالقول إنها تقرأ السيناريو ولا تجري استعدادات "لسبب بسيط هو أن ما من شيء ينبغي تحضيره". هذا بالنسبة للسينمائيين المعروفين الذين تعلم ماذا تتوقع منهم، أما الذين بدأوا للتو في المهنة، فمعايير العمل معهم مختلفة تماماً. ولا تخفي أن هناك العلاقة الشخصية والانجذاب اللذين يكونان الفاصل أحياناً في أسباب اختيارها العمل مع أحدهم.

لولا فضولها لما وصلت أوبير إلى حيث هي اليوم. لكنها تؤمن بالمصادفات أيضاً. الفضول والمصادفات تسببا بذهابها إلى أماكن بعيدة. تقول إن أكبر مغامرة عند الممثل هي أن يتم اختيارها. بل هي المغامرة الأعظم. يحلو لها أن تجد نفسها في أماكن تجهل تماماً كيف تكون فيها الأشياء. تشبه المسألة بعلبة تفتحها ولا تعرف محتواها. يستهويها ألا تعرف ماذا ينتظرها في آخر المشوار، مشددة على فكرة أنه لا أحد يصنع الأفلام ليصل إلى نتيجة كان يتوقعها مسبقاً. فالسينما في مفهومها رحلة إلى المجهول تغير صناعها من الداخل قبل أن تغير المشاهدين. 

في النهاية، كما قال الممثل الألماني لارس أيدينغر في حفلة تكريمها: "إذا أردتم أن تعرفوا من هي إيزابيل أوبير فعليكم بمشاهدة أفلامها!". 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما