Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مدى تأثير أزمة أوكرانيا على استثمارات دول الخليج؟

محللون: الضرر الاقتصادي سيكون موجعاً في البدايات لحين توفير البدائل

حقول القمح في أوكرانيا (رويترز)

مع ارتفاع وتيرة التصعيد على الحدود الأوكرانية الروسية، وارتفاع مؤشرات اندلاع حرب بين الطرفين، سارعت دول الخليج العربي كما سارعت دول العالم إلى سحب رعاياها، ومطالبتهم بمغادرة كييف، في خطوة تهدف لحمايتهم في ظل مواصلة الحشد العسكري على الجانبين الروسي والأوكراني، وأيضاً في شرق أوروبا مع نشر حلف شمال الأطلسي "الناتو" قوات إضافية على الحدود. وعلى الرغم من أن الأزمة بين البلدين توصف في طابعها العام بأنها أزمة سياسية، فإن تداعياتها السلبية على الاقتصاد أمر حتمي في حال تطورها إلى مواجهات بين الطرفين، وبخاصة مع دول الخليج العربي، والتي تتداخل مصالحها الاقتصادية مع الدولتين، إذ تعد أوكرانيا إحدى أهم الدول التي استثمرت فيها دول الخليج العربي في السنوات الماضية، لا سيما في القطاع الزراعي بجانب القطاعات الأخرى التي وقعت فيها الدول اتفاقيات شراكة معها، والتي تطورت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، حيث تولي كييف اهتماماً كبيراً لتطوير تلك العلاقات، لا سيما في المجال الاقتصادي، كان آخرها إصدار رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، في أغسطس (آب) 2020، مرسوماً يعفي مواطني دول الخليج من التأشيرة عند دخول بلاده.

وهنا يعلق المحلل الاقتصادي بندر الأحمدي بالقول، "إن التداعيات السلبية للأزمة تتمثل في أن أوكرانيا بدأت تظهر على المجال الاقتصادي خلال الأيام الماضية مع ارتفاع احتمالات اجتياح روسي لها، بخاصة فيما يتعلق بأسعار النفط التي بدأت في الارتفاع، وانعكس ذلك على البورصات وأسواق المال في المنطقة، والتي بدأت تشهد انخفاضاً في مؤشرها".

وأوضح الأحمدي أن معدلات تلك الآثار سترتفع في حال تمت المواجهة، قائلاً، "لو حدثت الحرب فسيكون لها تأثير سلبي على اقتصاد دول الخليج".

الأمن الغذائي

وتعد السعودية من أوائل دول الخليج التي بدأت العلاقات السياسية مع كييف بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي السابق، وأقيمت العلاقات بين البلدين في عام 1993، عن طريق زيارة الوفد الحكومي الأوكراني برئاسة ليونيد كوتشمافي، رئيس الوزراء الأوكراني في ذلك الوقت إلى السعودية.

 وفي عام 2016 بدأت العلاقات تقوى بين البلدين، لا سيما في مجال الاستثمارات، من خلال الاستثمار السعودي في أوكرانيا في المجال الزراعي، بخاصة القمح، وجاء هذا التوجه بالتزامن مع إيقاف السعودية زراعته في أراضيها، وتصدر أوكرانيا نحو 450 ألف طن من اللحوم سنوياً، حيث تأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول المستوردة للدواجن الأوكرانية بنسبة 18.4 في المئة، تليها على الترتيب: هولندا، ثم الإمارات بنسبة 8.3 في المئة.

ولفت الأحمدي إلى أنه من الآثار الاقتصادية المباشرة على الخليج إيقاف استيراد المواد الغذائية من كييف، حيث إن أوكرانيا تعد إحدى الدول المهمة التي تعتمد عليها دول الخليج في تحقيق أمنها الغذائي".

معوقات في الإمدادات

من جانبه أشار المحلل الاقتصادي والأكاديمي، محمد القحطاني إلى أن جميع الدول ستشهد تأثيرات على الوضع الاقتصادي، بخاصة وأن الطرفين لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، مما يعني أن العالم يواجه إشكاليات في سلاسل الإمدادات سواء الجوية، أو البحرية، أو البرية، قائلاً: "وهذا سينعكس على حجم السلع المتداولة في العالم، إضافة إلى ارتفاع فواتير شركات التأمين على البضائع مما سينعكس على الأسعار حيث سنشهد موجة من ارتفاع السلع، بخاصة في منطقة الخليج العربي التي تعتمد على استيراد غالبية السلع من الخارج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستدرك بالقول، "إن الرياض تعد الأقل ضرراً في هذه الأزمة، لا سيما وأنها استطاعت من خلال التنوع الاقتصادي وفقاً لرؤيتها من تقليص الاعتماد على الخارج، وكان ذلك واضحاً في أزمة كورونا، حيث استطاعت تجاوز الأزمة بسلاسة عندما واجه العالم نقصاً في إمداداته الغذائية".

وأضاف قائلاً، "يمكن لدول الخليج التوجه إلى الدول العربية الشقيقة لاستيراد المواد الغذائية، وتحديداً المنتجات الزراعية التي كانت تعتمد بشكل كبير في الحصول عليها من كييف"، لافتاً إلى أن الضرر الاقتصادي سيكون موجعاً في البدايات لحين توافر البدائل.

أسواق النفط

وبخلاف العلاقات القوية بين الدول الست وكييف، فإن دول الخليج ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع موسكو في العديد من المجالات، بخاصة العلاقات الاقتصادية التي دخلت مرحلة من القوة والصلابة بعد تشكيل تحالف "أوبك+" والذي يجمع بين روسيا ومنظمة "الأوبك"، والتي تدخل دول الخليج في عضويتها.

وهنا أوضح القحطاني أن للأزمة تداعيات أخرى من جانب علاقة دول الخليج مع روسيا، بخاصة أنهم جميعاً أعضاء في "أوبك+" قائلاً، "إن هناك التزاماً بين أعضاء المجموعة، وعندما تتوقف المنظمة ستكون دول أوبك أمام موقف صعب؛ وذلك لأنها تأقلمت مع موسكو عند قيام أوبك+ فيما يتعلق بالنفط وهو المصدر الرئيس للطاقة على مستوى العالم".

وأشار القحطاني إلى أن اندلاع الحرب سيرفع أسعار النفط لكثرة الطلب عليه، موضحاً أن الوضع سيكون فيه العديد من الانعكاسات السلبية التي من بينها ارتفاع أسعار التأمين على نقل موارد الطاقة، والذي يمكن أن يتوقف بسبب الحرب.

من جانبه لفت المحلل السياسي سليمان العقيلي إلى أن إيقاع العقوبات على روسيا سيقلص علاقتها السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة ودول "أوبك"، وربما سيكون لها تأثيرات على "أوبك+" بطريقة غير مباشرة، وبالتالي فإن فاعلية دورها يمكن أن تتراجع ولا نجدها في ذات الإطار.

وأضاف العقيلي أن الأزمة يمكن أن تحدث من خلال الالتزام الروسي تجاه المنظمة، وتقليص حجم إنتاجه، وهذا سينعكس على دول "أوبك" بشكل سلبي، مما سينعكس على المنظمة الوليدة وعلى قدرتها في التماسك كما هو الآن.

نواحٍ أمنية

في السياق ذاته، يرى العقيلي أن الدوافع الأمنية الروسية هي السبب في الأزمة الحالية، بخاصة وأن أوكرانيا تعد جزءاً من الفضاء الأمني الروسي، وأن ومحاولة الناتو الوجود فيها وضمها للحلف فإنه يمثل تهديداً للأمن القومي الروسي من الجنوب، وذلك بعد أن تم ضم جمهوريات البلطيق في الشمال الغربي "بولندا ورومانيا".

وأشار "العقيلي" إلى أن التحركات الروسية الحالية مفهومة، وذلك يرجع إلى أن أمن أي دولة لا يتوقف عند حدودها فقط، لا سيما وإن كانت دولة مؤثرة وتمثل قوى إقليمية كبرى، مستبعداً أن تتفاقم الأزمة إلى مرحلة المواجهة العسكرية، قائلاً، "إن الحرب تؤثر بشكل سلبي على منطقة الخليج بوجه عام، وإن الدول الست لديها استثمارات واسعة في أوكرانيا، والحرب ستكون مدمرة لتلك الاستثمارات وستعمل على توقفها لسنوات، وربما نحتاج لسنوات لعودتها.

وأكد العقيلي أن دخول روسيا في حرب سيزيد من العقوبات الأميركية عليها، مما سيحرم دول الخليج من التواصل مع روسيا واستكمال الشراكة الاقتصادية والسياسية التي بدأت منذ سنوات وثبت جدواها، والتي تأتي من منطلق تنوع في التحالفات لمنطقة الخليج، والتي تعاني في الوقت الحاضر من اختلالات أمنية بسبب عدم الالتزام الأميركي الذي تعودنا عليه في السابق".

ظهور قوي كبري

وأضاف قائلاً: "مما لا شك فيه أن ظهور قوى كبرى، وعودتها للمسرح العالمي تدفع إلى نظام أمني متعدد الأقطاب، وفي اعتقادي أن النظام المتعدد سيكون أكثر فائدة ومنفعة لتحقيق الاستقرار والأمن العالمي؛ وذلك لأننا لاحظنا في السنوات الماضية سلبيات القطبية الواحدة، والتي لمسنا نتائجها في النزعة الهجومية للقطب الواحد، والحرب التي تم تفجيرها في بلد عربي وآخر إسلامي ولم تخرج منهما من دون خسائر ودمار".