Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اعتداء تلميذ على معلم يعيد فتح ملف العنف المدرسي في الجزائر

غياب استراتيجية تربوية واضحة في التكوين والتدريس وتراجع العائلة عن أداء دورها الأساسي

دعوات لإعادة النظر في المنظومة التربوية التي تواجه انتقادات في الجزائر (أ ف ب)

عادت ظاهرة الاعتداء على المعلمين من قبل التلاميذ لتستنفر القطاع التربوي في الجزائر، الذي يعيش على صفيح ساخن، بسبب المشكلات المهنية والاجتماعية. وجاء تعرض معلم مدرسة لضربة كادت أن تفقده البصر، ليستدعي ضرورة إعادة النظر في المنظومة التربوية التي تواجه انتقادات منذ فترة.

حادثة تستدعي التحرك

وشهدت مدينة "طلحة" في الجزائر واقعة مؤسفة، إثر تلقي معلم ضربة قوية بالعصا من الخلف على يد أحد طلابه السابقين، بعد أن ترصده في الشارع. وقال المعلم الضحية في تصريحات إعلامية، "بعد تجاوزي باب المدرسة مباشرة، تلقيت ضربة من الخلف أفقدتني وعيي، ما استدعى نقلي للعلاج في أحدى المستشفيات حيث تم تسجيل كسر في الأنف والجبهة، وتضرر العين اليمنى التي لم أعد أرى فيها شيئاً"، وأوضح متحسراً أن "الطالب المعتدي كان يدرس في أحد الأقسام التي أشرف عليها، وكان مترصداً لي بعصا كبيرة"، مناشداً السلطات المعنية بالتحرك وإنصاف الأساتذة عموماً، لأن ليس من جزاء الأستاذ أن يعامل بهذه الطريقة.

ظاهرة عالمية؟

وليست المرة الأولى التي يتعرض لها المعلم والأستاذ إلى التعنيف، سواء داخل المؤسسات التربوية أو في الشارع. فقد أحصيت أكثر من 160 حالة عنف متبادل بين الأساتذة والتلاميذ سنوياً، وأرجع السبب إلى غياب استراتيجية تربوية واضحة في التكوين والتدريس، وتراجع العائلة عن أداء دورها الأساسي في التربية والاهتمام.

لكن تقرير "اليونسكو" كشف عن "ظاهرة عالمية" بعد إشارته إلى أن 32 في المئة من التلاميذ يتعرضون للعنف المدرسي، وقال إن العنف والمضايقات أو تسلط الأقران في المدارس يمثلان مشكلة عالمية ضخمة، مبرزاً تعرض طالب واحد تقريباً من بين ثلاثة طلاب للمضايقات من قبل أقرانه في المدرسة أو للعنف البدني، وذلك بمعدل مرة واحدة على الأقل.

ممارسات الشارع تنتقل للمدرسة

وفي السياق، يرى أستاذ علم الاجتماع، أسامة لبيد، أنه بات من المستعجل تحرك السلطات المعنية وإنصاف الأستاذ والمعلم، وقال إن هذه الظاهرة تجاوزت الخطوط الحمر ولامست سقف الخطر الحقيقي، على الرغم من تحذيرات متواصلة لخبراء ومتخصصين في علم الاجتماع، من تداعيات استمرار حروب المدارس التي بلغت فيها درجة استعمال الخناجر والسيوف والتسبب في جرائم قتل بشكل يثير قلق المجتمع، مشدداً على أنه "لا بد من إيجاد حلول في أقرب الآجال، وإلا فسيكون الجميع مسؤولين عن إنتاج مجرمي الغد".

ويتابع لبيد أن هذه الظاهرة دخيلة على المدارس الجزائرية نوعاً ما، وتصاعدت في السنوات الأخيرة، وأصبحت تشهدها تقريباً كل المدارس عبر مختلف مناطق البلاد، مبرزاً أن الممارسات العنيفة في الشارع انتقلت إلى المدارس، من شجار وتهديد وضرب باستعمال سلاح أبيض وغيرها، وذلك ما أثبتته دارسات علمية. وأرجع الأسباب إلى الأسرة بالدرجة الأولى بعد أن تخلت عن مسؤولياتها، ومنها غياب الرقابة على الإنترنت، إذ إن الأطفال يدمنون على ألعاب إلكترونية عنيفة في ظل عدم تحرك الوالدين، إلى جانب ما يشاهدونه من رسوم متحركة عنيفة تؤثر فيهم بشكل مباشر، إضافة إلى المشكلات الاجتماعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواصل، إن العنف آخذ في الانتشار بشكل مرعب جداً، إذ "في كل مدرسة نسجل أكثر من 1 في المئة من العنف في أوساط التلاميذ، الذين أغلبهم في سن المراهقة، وذلك عبر محاولتهم تقليد شباب الشارع"، مشدداً على أن المسؤولية مشتركة بين المدرسة والمعلم من جهة، على اعتبار أن مراقبة تصرفات التلاميذ ومعاقبة أفعال العنف غائبة، ومن الجهة الثانية أولياء الأمور الذين يرفضون تدخل المعلم في شؤون أبنائهم. وأبرز أنه أضحى من الضروري إلزام المرافقة الاجتماعية والنفسية في المدارس لمتابعة حالة التلاميذ، كما "ندعو إلى حملات توعية عبر المدارس لصالح التلاميذ وأوليائهم للتحذير من مخاطر العنف، إلى جانب برمجة دورات تكوينية للأولياء".

القوانين في قفص الاتهام

ولا تكاد تخلو صفحات الجرائد من جريمة جرت أطوارها داخل المؤسسات التربوية، المتهم فيها إما معلم والضحية تلميذ أو العكس. وفي أحيان أخرى يتدخل ولي التلميذ ليقتص لابنه من معلم باعتداءات مشينة، فكثيراً ما يتم تناقل صور وأحداث صادمة لأساتذة وتلاميذ وأولياء يتعاركون جسدياً داخل الحرم المدرسي.

وتتوعد وزارة التربية الأساتذة بعقوبات صارمة في حال استعمال العقاب البدني كالضرب، من خلال الإحالة إلى مجالس التأديب وإمكانية الفصل من المنصب، مع رفع دعوى قضائية ضد كل أستاذ يتسبب في إصابات جسدية أو عاهات مستديمة للتلاميذ. وتفرض بعض القوانين الزج بكل أستاذ أو معلم يمارس عقاباً بدنياً أو لفظياً في حق التلاميذ، إلى الحبس لمدة تصل إلى سنتين نافدة، تطبيقاً لقانون مستخدمي التربية المُعدل، واستناداً لمدة العجز التي يحددها الطبيب الشرعي للتلميذ المعنف، وهو النص الذي يثير كثيراً من الجدل وسط الأسرة التربوية، بعد أن اعتبرتها المتسبب في تطاول التلاميذ على المعلمين والأساتذة، وفي تفاقم مظاهر العنف المدرسي.

غير أن حماية المعلم ليست في الحسبان أمام غياب نصوص قانونية، ما يجعل هذه الفئة تدخل في إضرابات واحتجاجات مع كل اعتداء يتعرض له أحد الزملاء، تضامناً وطلباً للحماية.

حلول

إلى ذلك، تعتبر الأختصاصية الاجتماعية، أمينة حيرش، أن العنف لا يولد غير العنف، وأن لكل طفل الحق في بيئة سليمة من أوجه العنف. وقدمت جملة من التدابير التي تثبت فعاليتها في القضاء على مشكلة العنف والتسلط في المدارس أو الحد من انتشارها، إذ شددت على الأولياء بضرورة فتح قنوات الحوار مع أبنائهم، مما لا يسمح للتلميذ بالتحاور مع المجهول عبر قنوات التواصل الاجتماعي، التي تحرض في أحيان كثيرة على العنف وتعرض الطفل للابتزاز والتحرش، داعية إلى الاهتمام بالتوعية ومد جسور الثقة مع الطلاب، لأن الطفل والمراهق ليس بالعدو أو المجرم، بل هو رجل الغد، الذي نصقل سلوكه ونعزز فيه القيم بالتعاون مع الأسرة والمجتمع المدني. واعتبرت أن العنف الذي يتعرض له التلاميذ من المسببات الأولى للتسرب المدرسي.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات