Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبر موجة "هنا" الإذاعية… الأذن تعشق قبل العين

يعيش الراديو في الـ 13 من فبراير يومه العالمي الذي يوافق أول بث للأمم المتحدة عبر الأثير

الأمم المتحدة تولي عناية كبيرة بالإذاعة وتحتفي بها في يوم عالمي (غيتي)

"الأذن تعشق قبل العين أحياناً"، ليس أكيداً أن مخترع الإذاعة كان يعرف هذه المقولة قبل أن يشرع في اختراع جهازه الذي غير مجرى الأخبار، إلا أنه أكدها فعلاً، فعبر نداءات "هنا لندن" التي ردت عليها جارتها النازية "هنا برلين"، أطلق العرب من خلال مصر الموجة بـ "هنا القاهرة"، ثم توالت موجات الـ "هنا" في كل مكان في العالم، ليغدو الصوت وسيلة لتعلق الناس وتجمهرهم لمعرفة قرار البرلمان البريطاني من دخول الحرب العالمية الثانية، أو ما هو الشيء الفظيع الذي كسر اليابان في هيروشيما وناغازاكي، أو كم طائرة إسرائيلية أسقطتها القوات العربية في "حرب النكسة" التي تبين زيفها في ما بعد، فعشقت الأذن هذا المذياع الصغير وكرهت أيضاً.

الوسيلة الإعلامية الجديدة أتت بعد سنوات من هيمنة الصحف على نشر الخبر، فقال صحافي وراق بعد ظهوره "رجل يتكلم في موناكو، ويسمعه آخر في لندن، إنها النهاية"، لينقلب حال الإعلام بعدها ويعاد ترتيب الأدوار بوظائف جديدة لكل وسيلة، وتأثير بالغ للصوت لا تحمله الكلمة المكتوبة.

هنا لندن

استكمالاً لقطار الذكريات نستذكر صوت المذيع كمال سرور يصدح بعبارة "هنا لندن" للسيدات والسادة المستعمين ثم يلحقها بالأخبار باللغة العربية عبر الأثير البريطاني، والتي لا يزال يتذكرها الجيل القديم من العرب عند ذكر كلمة "راديو".

وإن كان المذيع كمال سرور أول مذيع ناطق بالعربية في تاريخ إذاعة "بي بي سي"، إلا أنه قد لا يكون الأول في تاريخ الإذاعات العربية، وكما يشير يونس بحري أول مذيع في إذاعة برلين في مذكراته، إلى أن الإذاعة العالمية لعبت دوراً بارزاً قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، في التوجيه السياسي ودغدغة المشاعر العربية ببث آيات من القرآن وبرامج ترفيهية مدعمة بالأفكار والأهداف النازية في العالم.

ولم تكن القنوات الإذاعية الأجنبية الأولى في تاريخ الإذاعات العربية، إلا أنها استطاعت في فترة وجيزة احتلال القلب العربي كجميع وسائل التلقي والإعلام.

ونعود إلى الحاضر بالتزامن مع الاحتفال بيوم الإذاعة، الذي اختارت المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) تاريخ 13 فبراير (شباط) من كل عام يوماً عالمياً له، وهو التاريخ الذي يتزامن مع بث أول إذاعة للأمم المتحدة عام 1946.

ويقول الإعلامي السعودي المخضرم جاسم العثمان إن الراديو "لا يزال يصارع من أجل الصمود، إذ كان أول وسيلة ترفيهية تقنية، وصموده أثر في محتواه لأن من الطبيعي أن تؤثر فيه وسائل التقنية الأخرى، مثل التلفزيون الذي يبث الأعمال الدرامية، والإنترنت التي تبث الأخبار".

ويشير الإعلامي سليمان السالم إلى بداية الإذاعة في السعودية والدول العربية، إذ عاصر فترة ما قبل انتشار الفضائيات ولمس مكانة المحطات الإذاعية في حياة الناس، وبخاصة الإخبارية. ويضيف، "كانت من عادات الحياة اليومية في الصباح الاستماع إلى الأخبار إما من إذاعة محلية للبلد، سواء من يختار محطات الإذاعة للاستماع إلى الأغاني صباحاً أو سواها، ثم تبدأ دورة البرامج اليومية التي كانت مكثفة وتعتمد على طرح القضايا الجادة والترفيهية من دون أن يطغى جانب على آخر".

ميلاد الإذاعة السعودية

وقال السالم إن ميلاد الإذاعة السعودية جاء في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود عام 1949 "عندما أصدر مرسوماً ملكياً وضع فيه الإطار العام للإذاعة". وبالفعل أنشئت أول محطة إذاعية سعودية في مدينة جدة، حيث بدأ إرسالها في اليوم الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 1949، ببث كلمة ألقاها الأمير فيصل (الملك بعد ذلك) بمناسبة الوقوف بعرفة في الحج، تضمنت تهنئة الحجيج بمناسك الحج والترحيب بقدومهم في الأراضي المقدسة، حتى بدأ البث الإذاعي من إذاعة الرياض بعدها بتسع سنوات عام 1965.

تاريخ الإذاعة العربية

وتعود نشأة الإذاعة في الوطن العربي إلى ما قبل العام 1938 على فترات مختلفة وأوضاع وظروف متباينة، ففي بعض الأقطار نشأة الإذاعة في الوطن العربي بمبادرات فردية من قبل بعض المهتمين بهندسة الراديو، وفي بعض الأقطار على يد القوى الاستعمارية التي أوجدتها أساساً لتحقيق أهداف عسكرية واستراتيجية، في حين لم تظهر في أقطار أخرى إلا غداة استقلالها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير الباحثة ريم عبود في دراسة نشرتها بعنوان "مدخل إلى الإذاعة والتلفزيون"، إلى أن الجزائر ومصر أولى الأقطار العربية التي عرفت الإذاعة المسموعة في حوالى عام 1925، وظهرت في الحالتين على يد أفراد وإن اختلفت بالطبع، ففي الجزائر ظهرت على يد مستوطن فرنسي قام بإنشاء محطة إرسال على الموجة المتوسطة لم تتعد قوتها 100 كيلوواط، ثم ارتفعت عام 1928 إلى 600 كيلوواط وتذيع باللغة الفرنسية، والأخرى بقوة 200 كيلوواط وتذيع باللغة العربية، إلى أن ظهرت أول إذاعة رسمية في الجزائر عام 1963.

أما مصر فقد عرفت الإذاعة عام 1926، عندما استصدر هواة اللاسلكي في ذلك الوقت رخصاً من وزارة المواصلات لإنشاء محطات إذاعية أهلية، وظهرت المحطات الأهلية في كل من القاهرة والإسكندرية، ومنها راديو القاهرة، راديو فؤاد، مصر الحرة، مصر الملكية، أبو الهول، الجيش، وكان بعضها يذيع باللغة العربية والأخرى باللغة الأجنبية، وتم إلغاء هذه الإذاعات العام 1932 لتترك مكانها للمحطة الحكومية التي بدأت إرسالها عام 1934.

ومنذ ذاك الوقت توالى ظهور الإذاعات العربية  خلال النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي فظهرت في تونس عام 1935، وفي العراق عام 1936، وفي لبنان عام 1938، وفي ليبيا عام 1939، وفي الأربعينيات في كل من السودان عام 1940، وسوريا عام 1941، والصومال عام 1943، واليمن الشمالية عام 1947، وفي الأردن عام 1948، وتأسس النظام الإذاعي في السعودية عام 1949، وفي الخمسينيات ظهرت الإذاعة في كل من الكويت عام 1951، واليمن الجنوبي عام 1954، وموريتانيا عام 1956، وقطر عام 1968، والإمارات عام 1969، وسلطنة عُمان عام 1970.

الإذاعة عالمياً

وكانت أولى الإذاعات في العالم ظهوراً إذاعة KDKA في مدينة بيتسبرغ، ولاية بنسلفانيا عام 1920، تلتها شركة البث البريطاني وإذاعة "بي بي سي" في الظهور عام 1922، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الإذاعات مصدراً مهماً لتلقي المعلومات، إضافة إلى الترفيه والتسلية.

خلال الحرب العالمية الثانية لعبت تلك الوسيلة دوراً مهماً في بث أخبار الحرب للشعب، بخاصة بعد إغلاق محطات التلفزيون، وقامت الحكومات باستخدام الإذاعات لكسب التأييد الشعبي للحرب من قبل الجمهور، أما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فقد تغير مجرى الإذاعة بعد أن كانت مصدراً للترفيه من خلال سلسلة من البرامج، ليصبح تركيزها على بث الموسيقى، وانتقل الجمهور المستهدف من العائلات إلى المراهقين والشباب، وظهرت بعدها موسيقى الـ "روك آند رول" الشهيرة.

ويعد عام 1926 أحد أعوام نهضة الراديو، بدءاً من عرض برامج درامية عدة، إلى برامج حوارية والتنافس على من يسبق الآخر في سرعة إيصال المعلومة، كذلك الحصول على مواد ترويجية.

فيما يعد العصر الذهبي للمحطات الإذاعية بين أعوام 1930 ومنتصف 1950، مع تحول المذياع إلى وسيلة لتسلية العائلات، ليتحول هذا الأمر إلى روتين يومي، يجتمع فيه الأقرباء والأصدقاء لمتابعة برنامج إذاعي معين. كما أدى تقدم وتطور الإذاعات وبرامجها إلى اكتساح شهرة المذياع عدداً كبيراً من وسائل الترفيه والاطلاع والتسلية، مثل الجرائد والندوات وغيرها، فمما يذكر أن المراسل الميداني كان يذهب لتغطية حدث أو ندوة معينة، ثم يعود بالخبر إلى المحطة الإذاعية لتلاوته وإعلام الناس به.

ولكن تأثرت مكانة المحطات الإذاعية خلال الفترة الأخيرة في ظل تطور وسائل إعلام الصورة (التلفزيون والإنترنت) أو بشكل أدق يمكن القول إن هذه المحطات تعرضت إلى إعادة هيكلة من جانب الجمهور، بحيث لم يعد الجمهور يستمع إلى الإذاعة بوجود التلفزيون، ومن ثم المنصات الرقمية كما كان في السابق.

إذاعة السائقين

هذا التغيير فطنت له الإذاعات وبدأت بتحديد شريحتها المخلصة التي لا تزال تستمع إليها، وهو ما انعكس على المحتوى بشكل كبير، إذ باتت الشريحة التي لا تزال تدير مفتاح الراديو تستمع إليه من دون تجاوزه إلى منصات أخرى، وهم سائقو السيارات في الرحلات الطويلة والمزدحمة، الذين لا يملكون القدرة على مشاهدة التلفاز أو تصفح هواتفهم لانشغال أيديهم وأعينهم بالطريق، فيوظفون مسامعهم مع الإذاعة.

ويشير المذيع يوسف اليوسف، الإذاعي في راديو "إم بي سي إف إم" إلى أن الاستماع إلى الإذاعة في ما يلمسه من تفاعل "بات يقتصر على سائقي السيارات، ولذلك أدرك القائمون عليه أن أي برامج جادة أثناء القيادة قد لا تكون مسموعة لحاجتها إلى التركيز، وتم التحول إلى برامج أكثر ملائمة لشخص منشغل بالقيادة".

وأضاف، "مضامين برامج المحطات الإذاعية عموماً منوعة، وبعض المحطات لا تزال تطرح برامج حوارية جادة وتلقى متابعة من المستمعين، بخاصة تلك التي تدور حول المشكلات الاجتماعية التي لا يناسبها التلفزيون، وباتت التسلية والمسابقات والمحتوى الفني والغنائي طاغية على المحتوى".

وأضاف حول صمود الإذاعة، "ما دامت الإعلانات التجارية تتدفق على المحطات الإذاعية فهذا يعني أنها ليست في خطر، وتؤكد أن الشركات التجارية هي التي تحكم على الاستمرارية المالية للمحطات الإذاعية الرسمية والخاصة، لأن الربح عنصر أساس في وجودها، وبالتالي تلجأ هذه المحطات أكثر فأكثر للتماهي مع النمط الثقافي الحديث والتركيز على البرامج التي تجذب الشباب، وبالتالي الإعلانات التجارية. 

ويمكن إضافة أمر آخر على حديث اليوسف، وهو أنه ما دام الناس لا يزالون يملكون حاسة السمع فستصمد الإذاعة حتى يتخلى الناس عن آذانهم، فكل وسيلة إعلامية لديها جمهورها الذي يفضلها ما دامت تقدم محتوى يتماشى مع حاجاته وتطلعاته، خصوصاً مع صعود موجة الـ "بودكاست" التي أصبح في كثير من وسائل الإعلام تقنية رديفة تبث برامج تستهدف شريحة الأذن العاشقة للصوت قبل العين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير