Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة المصرية تتدخل لحل أزمة "الإيجار القديم"

أكثر من 8 ملايين شقة تنتظر الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر

تعاقب السنوات دون تدخل تشريعي من الدولة أدى إلى توريث أزمة الإيجار القديم لجيل جديد من الملاك (أ ف ب)

ملف شائك قررت الحكومة المصرية أن تقتحمه أخيراً، بعد عقود من غياب الحسم من جانب حكومات وأنظمة سابقة، ألا وهو مصير ملايين العقارات المؤجرة بنظام قانون الإيجار القديم، الذي يسمح بثبات قيمة الإيجار مهما طالت المدة الزمنية، لأن العقد لا ينص على مدة زمنية محددة، ما أدى إلى وجود شقق في القاهرة ومدن مصرية كبرى، لا يتخطى إيجارها الشهري 10 جنيهات (0.64 دولار أميركي)، وأحياناً أقل، مع توارث تلك الشقق من المؤجر لمن كان يقيم معه من الأسرة.

توريث المشكلة

تعاقب السنوات دون تدخل تشريعي من الدولة أدى إلى توريث الأزمة لجيل جديد من الملاك، الذين باتوا يملكون وحدات سكنية على الورق دون حق في زيادة قيمة الإيجار، وهم كذلك عاجزون عن بيع الوحدات التي تقدر قيمتها بالملايين في أغلب الأحيان. لكنهم، في الواقع كل ما يتقاضونه سنوياً نظير إيجار وحداتهم قد لا يرقى للحد الأدنى للأجر الشهري للموظف، الذي حددته الدولة بـ 2400 جنيه (152 دولاراً أميركياً)، ويرى هؤلاء أنه من غير المنطقي استمرار الوضع على ما هو عليه بامتلاكهم ثروات لا يستطيعون التصرف فيها.

وعلى الجانب الآخر، يعتبر المستأجرون وحداتهم السكنية حقاً مكتسباً، أقره القانون، وليس هناك ما يجبرهم عن التنازل عنه، وكثيرون منهم تقاعدوا، ولا يستطيعون تحمل نفقات إيجار شقة بأسعار اليوم، أو أن دخلهم لا يؤمّن لهم وحدة سكنية بمواصفات منزلهم الحالي نفسها "شبه المجاني" بالنظر إلى قيمة الإيجار المطلوب، كما يؤكد المستأجرون أنهم حين حصلوا على الشقة دفعوا جانباً كبيراً من قيمتها، فيما كان يعرف باسم "الخلو"، وهو مبلغ كان يدفع نظير إخلاء الشقة للمستأجر.

تاريخ الأزمة

أصول الأزمة ترجع إلى أكثر من قرن، إذ يرجع أول قانون لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر إلى عام 1920، الذي نص على عدم جواز طرد المستأجر من الوحدة إلا بحكم محكمة يستند إلى عدة قواعد، أبرزها عدم سداد قيمة الإيجار.

وفي عام 1941 ووسط الأوضاع المضطربة الناتجة من الحرب العالمية الثانية، صدر قانون يمنع المؤجر من زيادة القيمة الإيجارية. وأعقبت ثورة يوليو (تموز) 1952 قوانين عدة اعتُبرت في صالح المستأجرين، فبعد أشهر من الثورة صدر قانون يخفض القيمة الإيجارية بنسبة 15 في المئة للوحدات السكنية المنشأة بين 1944 وسبتمبر (أيلول) 1952، ثم صدر قانون عام 1958 خفض قيمة الإيجار بنسبة 20 في المئة للوحدات المنشأة في وقت لاحق على القانون السابق، وكذلك قانون صدر عام 1961 نص على نفس نسبة التخفيض للمباني المنشأة منذ 1958، وحتى صدور ذلك القانون.

وجاء قانون جديد عام 1965، ليضيف مزيداً من التخفيضات على قيمة الإيجار، شملت المباني المشمولة في القوانين السابقة. لكن قانون تنظيم إيجار الأماكن المفروشة الصادر عام 1977 ألغى كل قوانين الإيجار التي صدرت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ومنح للمؤجرين مزايا إضافية، إلا أن عقود الإيجار التي حُررت وفق القوانين السابقة تظل سارية، باعتبار أنه لا يوجد قانون يطبق بأثر رجعي، وظل الملاك أو المؤجرون يطالبون بمزيد من التعديلات التشريعية، فصدر قانون عام 1981 بهدف تحقيق التوازن بين المؤجر والمستأجر، وأشرك الطرفين في قيمة صيانة المبنى، وزاد من إيجار الأماكن المخصصة لغير السُّكنى، ثم تدخلت الدولة من جديد في عام 1996 بما يعرف بـ"قانون الإيجار الجديد"، الذي أقر للمرة الأولى تحديد مدة العلاقة الإيجارية، وألغى تحرير العقود وفق القوانين السابقة.

ووفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر عام 2017، تصل عدد الشقق المؤجرة بنظام الإيجار القديم إلى 3 ملايين شقة، لكن تقديرات جمعية المتضررين من قانون الإيجار القديم، التي تجمع المؤجرين تقول، إن تلك الشقق تتجاوز 8 ملايين شقة، منها مليونا وحدة سكنية مغلقة، أي أن المستأجر في حيازته يبقيها دون سكنها، نظراً إلى انخفاض قيمة الإيجار، إذ قال عمرو حجازي، نائب رئيس الجمعية، إن قيمة الضرائب العقارية التي قد تحصلها الدولة إذا جرى حل أزمة "شقق الإيجار القديم" تتجاوز 150 مليار جنيه، وفق تصريحات لوسائل إعلام محلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حديث الرئيس

وخلال السنوات الماضية، أبدى عديد من أعضاء البرلمان عزمهم التقدم بمشاريع قانون تحل الأزمة سواء بزيادة قيمة الإيجار أو تحرير العلاقة الإيجارية بعد فترة محددة بين المالك والمستأجر، إلا أن تلك التحركات لم تجد سبيلها للتوصل إلى قانون متكامل يعرض أمام أعضاء البرلمان بالكامل للتصويت.

وفي أغسطس (آب) من العام الماضي، ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حجراً في نهر أزمة الإيجار القديم بقوله خلال مناسبة جماهيرية، إن حل تلك المشكلة يتمثل في تكثيف المعروض من الشقق السكنية، وإن "الملكية يجب أن تعود لها قيمتها".

وتابع، "هناك شقق في وسط البلد إيجارها 20 جنيهاً وقيمتها ملايين، من حق المواطن يقعد فيها، لكن من حق صاحبها أيضاً أن يستمتع بقيمتها"، ما اعتبر مؤشراً على توجه الدولة لحسم الأزمة المستمرة منذ عقود.

لجنة لحل الأزمة

رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أكد، في اجتماع مجلس الوزراء الخميس الماضي، أن حكومته مستمرة في "اقتحام عديد من الملفات الموروثة والشائكة، والتعامل معها للوصول إلى حلول جذرية في شأنها، ومن ذلك ما يتعلق بملف الإيجارات القديمة"، وفق بيان للحكومة.

وأشار مدبولي إلى تشكيل لجنة تضم ممثلين من الحكومة وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ لحل هذه المشكلة التاريخية، وفق تعبيره، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، على أن تراعي الفئات الاجتماعية الأكثر احتياجاً وتتيح فترة انتقالية لتوفيق الأوضاع.

وأوضح السفير نادر سعيد، متحدث مجلس الوزراء، أن تلك اللجنة بدأت أعمالها أمس الخميس، وتستمر اجتماعاتها خلال الأسابيع المقبلة لوضع قانون يحدد علاقة المؤجر والمستأجر ثم طرحه للحوار المجتمعي. مضيفاً، في تصريحات تلفزيونية، أنه من المنتظر أن يحافظ القانون المنتظر على حقوق كل الأطراف، وأن يحدد فترة انتقالية قبل تحرير العلاقة بين الطرفين، لافتاً إلى أن الدولة ستوفر وحدات سكنية.

وكانت الحكومة قد تدخلت في ملف الإيجار القديم بصورة جزئية خلال الأشهر الماضية، بتقديم مشروع قانون يختص بالأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية، مثل الشركات لغير الغرض السكني، ووصل إلى مراحله الأخيرة في مجلس النواب الذي ينتظر أن يقره قريباً، حيث يمنح القانون مهلة لا تتجاوز 5 سنوات، لتوفيق أوضاع المستأجرين، ثم يجري إخلاؤها.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات