بدأ تنظيم "داعش" العام الحالي بزخم دموي تصعيدي على الجبهات العراقية والسورية، في معارك شرسة كان يقودها في البادية بوجه قوات النظام السوري، ومعركة سجن الصناعة في الحسكة ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والهجوم على ثكنات عسكرية عراقية، مما كان يؤشر لعودة هذا التنظيم إلى "قوته" قبل ثلاث سنوات. لكن جاء بيان الرئيس الأميركي جو بايدن، ليعلن عن العملية العسكرية في أطمة السورية على الحدود التركية، حيث قتل فيها زعيم التنظيم عبد الله قرداش (الاسم الحركي: أبو إبراهيم الهاشمي القرشي). وقتلت القوات الأميركية قرداش في المنطقة نفسها تقريباً التي قتلت فيها الزعيم السابق للتنظيم أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وكان مسؤول كبير في البيت الأبيض، قد صرح في 3 فبراير (شباط) الحالي أن الولايات المتحدة على اتصال مع شركائها في التحالف المناهض لتنظيم "داعش" منذ أن فجر قرداش نفسه خلال غارة أميركية. وأضاف المسؤول في تصريحات للصحافيين، "إنها لعلامة فارقة ألا يمشي الحاج عبد الله على وجه الأرض بعد الآن"، مستخدماً لقب زعيم التنظيم. فمن هو أبو إبراهيم الهاشمي القرشي؟
بعد مقتل البغدادي، عين عبد الله قرداش، ويلقب بـ"حاجي عبد الله العفري"، وهو عراقي سبق سجنه في الولايات المتحدة، واتسم قرداش "بالقسوة والتسلط والتشدد"، وكان أول المستقبلين للبغدادي إبان سقوط الموصل. ومنذ الإعلان عن اسم قرداش خليفة للبغدادي تحدثت تقارير كثيرة عن عودة أقوى لتنظيم "داعش"، فلماذا أقدم البغدادي على ترشيح قرداش لخلافته؟
كانت "وكالة أعماق" الناطقة الإعلامية لـ"داعش" قد بثت خبراً أغسطس (آب) 2019، يقول إن "البغدادي" رشح التركماني الأصل عبد الله قرداش، من قضاء تلعفر (أهم معاقل التنظيم المتطرف، وكانت البلدة مرشحة لتكون مقراً رئيساً بعد سقوط الموصل) "لرعاية أحوال المسلمين"، وفق تعبير الوكالة. وأشارت تقارير صحافية عديدة قبل مقتل البغدادي أن قرداش هو القائد الفعلي للتنظيم، لأن البغدادي، وحسب رئيس "خلية الصقور" التابعة للداخلية العراقية أبو علي البصري، كان موجوداً في سوريا ويعاني شللاً في أطرافه بسبب إصابته بشظايا صاروخ في العمود الفقري خلال عملية لخلية الصقور بالتنسيق مع القوات الجوية أثناء اجتماعه بمعاونيه بمنطقة "هجين" في جنوب شرق محافظة دير الزور السورية قبل تحريرها عام 2018. وقرداش معروف في أوساط التنظيم أنه صاحب فكر ودراية كاملة بعناصر التنظيم، على اعتبار أنه بدأ العمل معهم منذ 2003-2004.
والاسم الحقيقي لزعيم "داعش" حسب مصادر عراقية هو "أمير محمد سعيد عبد الرحمن السلبي المولى" والاسم الأكثر تداولاً بصفته خليفة للبغدادي هو العراقي التركماني "عبد الله قرداش" ولد في بلدة المحلبية التابعة لمحافظة نينوى عام 1976، والده كان مؤذناً في أحد المساجد ومتزوجاً من امرأتين أنجبتا سبعة ذكور، أمير أصغرهم، إضافة إلى تسع إناث. كان معتقلاً في سجن "بوكا" (بمحافظة البصرة)، وسبق أن شغل منصباً شرعياً عاماً لتنظيم "القاعدة"، وهو خريج كلية الإمام الأعظم في مدينة الموصل، حسب وكالات. كان مقرباً من القيادي أبو علاء العفري نائب البغدادي والرجل الثاني في قيادة "داعش"، الذي قتل عام 2016.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التدرج في قيادة "داعش"
نقلت مجلة نيوزويك الأميركية عن مسؤول مخابرات إقليمي أن البغدادي كان قد تحول إلى زعيم رمزي لا يتولى قيادة العمليات، وأضاف أن "كل ما كان يفعله البغدادي أن يقول نعم أو لا، لكن لا تخطيط". وكان قرداش ضابطاً بالجيش العراقي في عهد صدام حسين. وتولى في وقت سابق منصب أمير "ديوان الأمن العام" في سوريا والعراق، وهو أحد أقوى الدواوين داخل "داعش"، والمسؤول عن حماية القيادات والتخلص من "أعداء" التنظيم، كما أشرف في وقت سابق على "ديوان المظالم"، وهو ضمن الإدارات الخدمية التي أنشأها "داعش" خلال سيطرته على المدن. وتولى أيضاً منصب وزير الدفاع داخل التنظيم، وأشرف بنفسه على عمليات التفخيخ في أثناء معارك التنظيم ضد "الجيش الحر" بسوريا، ورشحه أبو بكر العراقي، نائب البغدادي السابق، ليكون قائداً لفرع التنظيم بلبنان، إبان تفكير التنظيم في إنشاء فرع هناك، لكن الفكرة أُلغيت في وقت لاحق.
وكان قرداش أحد مرافقي البغدادي في الفيديو الأخير الذي بثه التنظيم بعنوان "في ضيافة أمير المؤمنين"، في أبريل (نيسان) 2019، كما تولى منصب "العسكري العام" لما يُعرف بـ"ولاية الشام" سابقاً، وأشرف بنفسه على قيادة معارك التنظيم في الرقة، حسب وثيقة سابقة نشرها عضو مكتب البحوث والإفتاء التابع لـ"داعش"، أبو محمد الحسيني الهاشمي. ويعتبر قرداش من القيادات المؤسسة لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا إلى جانب قادة آخرين قضى معظمهم خلال ضربات جوية ومعارك، مثل أبو علي الأنباري، وحجي زياد، وأبو مسلم التركماني، وأحمد الجغيفي، وأبو محمد العدناني. انخرط قرداش في عمليات قتال القوات الأميركية بوقت مبكر مع فصائل مختلفة في نينوى، منها جماعة أنصار الإسلام، قبل الانضمام إلى جماعة "التوحيد والجهاد" بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، ثم تنظيم "القاعدة" لاحقاً.
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، انتقل إلى سوريا وانضم إلى مجموعة قيادات بارزة بالتنظيم أغلب أفرادها من العراقيين، وأسسوا لاحقاً "تنظيم (داعش) في العراق والشام" عام 2014، عقب سقوط مدينة الموصل ومدن عدة في شمال العراق وغربه بيد التنظيم، وأعلنوا الخلافة. ومنذ تسلّمه مهامه خلفاً للبغدادي، لم يظهر قرداش علناً أو في أي من إصدارات التنظيم، ولا يُعرف الكثير عنه أو عن تنقلاته. وكانت الولايات المتحدة قد رصدت في أغسطس 2019 مكافأة مالية تبلغ قيمتها خمسة ملايين دولار مقابل أي معلومة تقود إليه. وضاعفت المكافأة في يونيو (حزيران) 2020 إلى عشرة ملايين دولار، بعد أسابيع من وضعه على لائحتها السوداء "للإرهابيين الدوليين".
وكان بايدن قد أعلن أن العملية الأميركية التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي هي "رسالة قوية إلى الإرهابيين في كل مكان بأننا سنطاردكم ونجدكم"، مشيراً إلى أن "الزعيم المُستهدف أشرف على عمليات التنظيم في مختلف أنحاء العالم".
وأضاف في مؤتمر صحافي لإعلان تفاصيل العملية أن "نجاحنا في قتل زعيم داعش هو برهان على قدرة الولايات المتحدة على القضاء على التهديدات الإرهابية في أي مكان". وأشار إلى أن "زعيم داعش المُستهدف كان مسؤولاً عن التخطيط لاقتحام سجن غويران في الحسكة". وتابع أن القرشي كان مسؤولاً عن التحريض على إبادة الإيزيديين عام 2014، موضحاً أنه "تم استهدافه من خلال هجوم جوي بهدف تجنب سقوط خسائر بشرية".