Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخبط السلطة يقحم الإدارة الدولية للبنان بالتفاصيل وبالانتخابات

سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا تستبقان آثار عزوف الحريري على المشاركة السنية وتمويل الكهرباء مرتبط بترسيم الحدود

إنهاء المفاوضات على الحدود البحرية يساعد في تمكين لبنان من استخراج الغاز والنفط (رويترز)

يتخبط الوضع اللبناني مجدداً بالتناقضات بين أهل الحكم حول إدارة الأزمة الاقتصادية المالية كما هو ظاهر من السجال في شأن إعداد موازنة 2022 التي تفرض زيادة رسوم عديد من الخدمات العامة وتوحيد سعر صرف الدولار الأميركي من جهة، وفي شأن التحضيرات للانتخابات النيابية في 15 مايو (أيار) المقبل التي ما زالت التحالفات فيها غامضة، لا سيما بعد قرار زعيم تيار "المستقبل" الرئيس السابق سعد الحريري عزوفه وتياره عن خوضها من جهة ثانية.

تزاحم مواضيع الصراع وإقالة سلامة

ويحتار سفراء الدول الكبرى وموفدوها إلى بيروت، الذين يستكشفون سبل مساعدة البلد على التخفيف من وقع انهيار اقتصاده على السواد الأعظم من اللبنانيين، والذين يتابعون أوضاع قطاعاته الخدماتية وطرق إعانتها على الاستمرار، ويبحثون عن سبل معالجة أزمته السياسية الداخلية والخارجية، ومن أين يفترض مقاربة المواضيع الخلافية لإيجاد تسوية ما لتلك الأزمة.

وبين العنوانين الكبيرين، الموازنة والانتخابات النيابية، تتزاحم المحطات الناجمة عن الصراع على مواقع السلطة بين القوى المختلفة، ومنها رغبة رئيس الجمهورية ميشال عون بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمجيء ببديل له يكون من الموالين لفريقه، مقابل رفض رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ذلك.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأميركية تعارض إمكان نجاح عون وفريقه، وبدعم من "حزب الله"، في إقالة سلامة من منصبه بحجة اتهامه بارتكابات مالية لم تثبت صحتها من الناحية القانونية، للإتيان بحاكم للبنك المركزي مُوالٍ له، يكون في هذه الحالة مطواعاً لـ"حزب الله" في وقت تخوض فيه وزارة الخزانة الأميركية حرب العقوبات على من يتعامل مع الحزب مالياً.

التعامل اليومي للإدارة الدولية

وتكثر الحملات المتبادلة بين الأفرقاء في شأن المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع المعيشية، وباتت تدخل عنصراً في الحملات الانتخابية، التي تراقبها البعثات الدبلوماسية. ويتطلع المجتمع الدولي إلى إيجاد سبل مساعدة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية على مواجهة تدهور أوضاع العسكريين المعيشية كي يتمكنوا من مواصلة جهودهم لحفظ الحد الأدنى من الاستقرار وضمان أمن الانتخابات. ويتعثر تنفيذ استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، تارةً بسبب صعوبة التمويل، وطوراً بفعل صعوبات تقنية بعد أن تلقت الدول الثلاث وعوداً من واشنطن بالإعفاء من عقوبات قانون قيصر على التعامل مع النظام السوري.

وتضطر "الإدارة الدولية" لشؤون لبنان إلى التعامل في شكل يومي مع التطورات التي تتحكم بأوضاع البلد الصغير في ظل عدم وضوح البوصلة التي تسير شؤونه.

أولوية الموازنة للاتفاق مع صندوق النقد

وفي وقت يتأخر فيه قرار الحكومة في شأن إنجاز الموازنة قبل إحالتها إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها، على وقع لقاءات عبر تقنية الفيديو مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط التصديق عليها، لتكون حجر الزاوية في أي اتفاق معه على خطة للنهوض الاقتصادي يقدم مساعدات مالية لتنفيذها، فإن ما يهم الصندوق أن تكون أرقامها متوازنة بين النفقات والواردات، الأمر الذي يتطلب رفع الرسوم، فيما يصعب على القوى السياسية الموافقة عليه قبيل الانتخابات لآثاره السلبية على المرشحين أمام ناخبيهم، بينما تحث الدول الكبرى على إنجاز اتفاق إطار مع الصندوق قبل الانتخابات خوفاً من أن تحول الخلافات دون تشكيل حكومة جديدة بعدها، ما يؤخر هذا الاتفاق إلى عشرة أشهر، أو سنة على الأقل، تضيع على لبنان إمكان استفادته من ضخ أموال المساعدات في اقتصاده لبدء مسيرة التعافي الطويلة.

المخاوف من تأجيل الانتخابات بعد عزوف الحريري

وفي انتظار معرفة رد الدول الخليجية على الجواب اللبناني عن الورقة الكويتية التي فتحت باب التفاوض والبحث حول معالجة الأزمة بين لبنان وهذه الدول، فإن الاهتمام الدولي بلبنان متعدد الأوجه. وشكلت ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها محور اهتمام الدول المعنية بإدارة شؤونه، جرّاء الخشية من تأجيلها وإحباط احتمالات التغيير الذي يمكن أن ينتج عنها باعتبارها فرصة لإتاحة المجال أمام معادلة جديدة تسمح بانطلاقة الحلول للأزمة بأبعادها السياسية والاقتصادية والمالية. والدول الغربية خصوصاً تعير أهمية لانتقال الأكثرية في البرلمان من يد "حزب الله" وحليفه عون، إلى خليط من القوى السياسية التقليدية المعارضة لهيمنة الحزب على السلطة، ومن ممثلي المجتمع المدني الذين برزوا بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهو أمر بدت المراهنة عليه منطقية بسبب تراجع شعبية عون وصهره ووريثه السياسي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل نتيجة تحميلهما في الوسط المسيحي، جزءاً كبيراً من مسؤولية تدهور الأحوال المعيشية للبنانيين.

تحرك السفيرتين الأميركية والفرنسية

وشهدت الأيام الماضية تحركاً مكثفاً للسفيرتين الأميركية دوروثي شيا، والفرنسية آن غريو في اتجاه كبار المسؤولين وبعض القوى السياسية، بالإضافة إلى تحرك المنسقة الخاصة للأمم المتحدة وممثلة الأمين العام للمنظمة الدولية في بيروت يوانا فرونتسكا. وفيما بدا أن الضغوط الدولية نجحت بنسبة عالية في الحيلولة دون تأجيل الانتخابات، طرأ تطوران أقلقا الدبلوماسيين، مع عودة المخاوف من إمكان تأجيلها. الأول الخشية من أن يؤدي إعلان الرئيس الحريري عزوفه عن خوض الانتخابات إلى فراغ في الساحة السنية يستفيد منه يقود إلى مقاطعة الجمهور السني عمليات الاقتراع، في شكل يطرح مسألة عدم ميثاقية الانتخابات نظراً إلى غياب مكون أساسي عنها، فيكون حجة لتأجيلها. وتلفت أوساط سياسية مطلعة على الموقف الغربي إلى مضمون الموقف الفرنسي تعليقاً على إعلان الحريري عزوفه، بأنه اكتفى بأخذ العلم، لكنه شدد على إجراء الانتخابات في موعدها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذ جرى تبديد هذه المخاوف بإعلان القيادات السنية، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيسي الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، أن لا دعوة إلى المقاطعة، فإن اهتمام الدول التي تراهن على هذه الانتخابات انتقل إلى استطلاع آثار قرار الحريري و"المستقبل" على انخفاض نسبة الاقتراع السني وتراجع التحالفات، ما يؤدي  إلى خلو الساحة لـ"حزب الله" وحلفائه في عدد من الدوائر الانتخابية، حيث لـ"المستقبل" ثقل انتخابي، فيتمكن الحزب من استمالة مرشحين سنة قريبين منه ومن دعمهم عبر حلفائه في الدوائر الأخرى، في شكل يستطيع استعادة الأكثرية النيابية بتحالفه مع هؤلاء ومع "التيار الوطني الحر". وأرسلت السفارة الأميركية طاقماً منها إلى محافظة عكار، الخزان السني لتيار "المستقبل"، لاستكشاف أثر قرار الحريري على نمو التطرف في ظل المعلومات عن استقطاب "داعش" لعدد من شبان عكار الذين جنّدهم التنظيم للذهاب إلى العراق من جهة، وعلى التحالفات مع القوى السيادية الأخرى من جهة ثانية.

استجرار الكهرباء والغاز وشرطا البنك الدولي

المسالة الأخرى التي هي موضوع اهتمام دولي في الشأن اللبناني هي المتعلقة بتأخر تنفيذ استجرار الكهرباء من الأردن والغاز المصري عبر سوريا إلى لبنان لرفع ساعات التغذية. فعلى الرغم من توقيع لبنان الاتفاق مع الأردن وسوريا، بينما تنتظر القاهرة رسالة واضحة من وزارة الخزانة الأميركية بأن نقلها الغاز إلى سوريا في إطار عقد مع الدولة السورية، تعفيها من عقوبات قانون قيصر، تشير معلومات حلقة ضيقة من السياسيين المتابعين لهذه الخطوة، إلى أن العقبات أمام المباشرة في تنفيذ هذه الخطوة يواجه عقبتين: الأولى هي التمويل الذي سعت واشنطن إلى تأمينه عبر البنك الدولي عبر قرض ميسر قد تصل تكلفته إلى 900 مليون دولار أميركي. فالبنك الدولي بحسب معلومات هؤلاء، طلب ضمانات في شأن قدرة لبنان على رد القرض الذي سيمنحه إياه. وسأل كيف يمكنه تمويل هذه العملية في وقت ما زالت الثغرة الكبرى في إدارة قطاع الكهرباء، والمتمثلة في غياب الهيئة الناظمة المستقلة لقطاع الكهرباء بسبب امتناع السلطات اللبنانية، والوزراء المتعاقبين، وهم من "التيار الوطني الحر"، عن المبادرة إلى ذلك، في وقت يشكل تعيين الهيئة الناظمة الخطوة الإصلاحية الأولى الضرورية التي يطالب بها المجتمع الدولي منذ عام 2018 من دون الاستجابة لذلك. وتعتبر الهيئات المالية الدولية أن الضمانة لعدم استمرار الفساد في قطاع الكهرباء هو تعيين الهيئة الناظمة في هذا القطاع، والذي من دونه لا مجال لتقديم مساعدات للبنان.

ترسيم الحدود واقتراح هوكستين

ويكشف مصدر معني بنشاط وزارة الطاقة اللبنانية عن أن مواصلة وزراء "التيار الوطني الحر" الحيلولة دون تعيين الهيئة الناظمة يتسبب، بالإضافة إلى غياب أفق قدرة لبنان على سداد القروض، بات مرتبطاً بدوره بنجاح المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، التي يساعد إنهاؤها على تمكين لبنان من أن يباشر إجراءات جدية لاستخراج الغاز والنفط من المكامن التي تحوي الثروة النفطية في مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة التي يملكها بعد أن يتم الاتفاق على الحدود البحرية عبر الوساطة الأميركية مع إسرائيل التي يقودها المستشار الأول لشؤون الطاقة في الخارجية الأميركية آيموس هوكستين. ويتوقع أن يزور هوكستين لبنان قريباً لهذا الغرض بعد أن كان قد زار إسرائيل وطرح أفكاراً وصفت بأنها "معقولة". وتردد أن هوكستين عاد إلى فكرة كان جس النبض حولها حين زار لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تقضي بأن تتولى شركة تنقيب جديدة توزيع حصص ما يجري استخراجه من غاز ونفط بعد الاستكشاف، لكل من لبنان وإسرائيل، من حقل "قانا" النفطي الواقع في المنطقة العائدة للبنان، والذي يمتد جزء منه إلى المنطقة العائدة إلى إسرائيل، والتي تتخطى الخط 23، الذي سيعتمد الخط الرئيس لترسيم الحدود.

ويعتبر أكثر من مصدر مطلع على التفاوض على الحدود البحرية أن التقدم في هذه المفاوضات قد يساعد على معالجة كثير من الأمور في شأن تقديم المساعدات والقروض للبنان، لكن السؤال يبقى عما إذا كان إنجاز الاتفاق سيتم قبل الانتخابات النيابية والرئاسية (في أكتوبر المقبل)، أم بعدها.

المزيد من العالم العربي