Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تطغى موجة الانقلابات في غرب أفريقيا على الديمقراطية الناشئة؟

التقلبات الأمنية والسياسية تمكن الجماعات المسلحة المتشددة من استغلال الثغرات والتسرب بين الحدود المشتركة لشن مزيد من الهجمات

تظاهرة لأنصار الرئيس المالي العقيد أسيمي غويتا دعت إليها حكومة مالي الانتقالية بعد عقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (رويترز)

بعد شهر من انطلاق القمة الأفريقية 35، وبالتزامن مع انعقاد الدورة 35 لمؤتمر الاتحاد الأفريقي يومي (2-3) فبراير (شباط)، ثم ترقب انعقاد قمة الرؤساء والقادة الأفارقة المقرر لها يومي (5-6) من الشهر ذاته، تقف القوى الدولية التي شكّلت الوضع السياسي في غرب أفريقيا عاجزةً عن الحد من موجة الانقلابات الأخيرة في غرب أفريقيا، ما يمكن أن يخلق تأثيراً مباشراً داخلياً بتعميق الصراع السياسي، وإقليمياً بتكوين حزام دول ديكتاتورية تستقوي على موجة الديمقراطية الناشئة في القارة السمراء، ودولياً بالتأثير المزدوج لردة الفعل الدولية التي ستبدأ بفرض عقوبات على هذه الدول، وربما تنتهي بعزلتها عن المجتمع الدولي وتؤثر على العمليات المشتركة في مكافحة الإرهاب.

ويضع تسلم الرئيس السنغالي ماكي سال، رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي لعام 2022 عن دول غرب القارة مدعومة بدول مجموعة (إيكواس)، المسؤولية عن إدارة أزمات أفريقيا على غربها، في ظل ما تشهده القارة، خصوصاً هذا الجزء من انقلابات وأزمات سياسية وأمنية.

وإذ تُعد دول الساحل أكثر ضعفاً بسبب الإرهاب والاضطراب الإثني والطائفي، فإنها على طوال تقلبها منذ استقلالها في دورة ثلاثية بين الانقلاب وفترة انتقالية وحكومة مدنية، تعاني سلسلة ردات فعل داخلية وخارجية، وجميعها تشير إلى مشكلة الانهيار وصعوبة التكيف مع وضع مستقر. وتعود أسباب ذلك إلى سياسات متوالية بين ما تريده شعوب هذه الدول من بسط للحريات والديمقراطية والعدالة، وبين استغلال العسكر الغضب الشعبي من الحروب والاضطرابات الاقتصادية والأمنية والسياسية وقصور أجهزة الدولة، لتنفيذ انقلاباتهم. ولذلك استمرت موجة الانقلابات بحكومات عسكرية مصممة على الإبقاء على الأوضاع كما هي، إن لم تقودها إلى الأسوأ.

تقلبات سياسية

ثمّة مخاوف من زيادة معدل الانقلابات العسكرية في أفريقيا وبشكل متكرر، بمعنى أن بعض دولها شهدت عدداً من الانقلابات الكاملة أو المحاولات الانقلابية، في وقت وجيز، مثلما حدث في السودان ومالي وبعض دول غرب أفريقيا. وتلازم هذه الانقلابات حالة إنكار شاملة، فغالباً ما يصفها منفذوها بأنها "عملية تصحيح مسار" أو "انقلاب مضاد"، أو غيره، حتى نشأت تيارات متضاربة بعضها مناهض للانقلاب، وأخرى مؤيدة له، أملاً في إيقاف حالة الفوضى السياسية والأمنية، مما يخشى أن يكرس لحالة قبول لها، بالتفاوض مع الانقلابيين على إجراء فترات انتقالية شكلية، مقابل تعهدهم تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وهذا ما يبدو أنه يذهب في اتجاه معاكس، كما في حالتي السودان ومالي.

هذه التقلبات الأمنية والسياسية في غرب أفريقيا، تمكن الجماعات المسلحة المتشددة من استغلال الثغرات الأمنية في هذه الدول، والتسرب بين الحدود المشتركة لشن مزيد من الهجمات. ومع توحد الهدف لهذه الجماعات في إطاحة الحكومات الموجودة والسيطرة على هذه الدول، فإن الوسائل تختلف فيما بينها. ففي بعضها تثار التوترات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين مثل بوركينا فاسو، وفي أخرى تستخدم وسائل خطف الفتيات مثلما يحدث في نيجيريا. وتنشط هذه الوسائل بضعف الوجود الأمني واستهداف المناطق الفقيرة وتجنيد سكانها للقيام بعمليات إرهابية.

وعلى الرغم من فاعلية "قوة دول الساحل الخمس المشتركة" المكونة من تشاد وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى الوجود العسكري الفرنسي منذ عام 2014 ضمن قوة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل التي تضم 5 آلاف جندي (عملية برخان)، وبينما حققت هذه القوات بعض النجاح في السيطرة على تمدد الإرهاب، إلا أن ذلك بدأ في التراجع بعد انسحاب القوات الفرنسية العاملة في مالي، كما أعلنت أنها ستقلص عددها خلال العام الحالي إلى 3 آلاف جندي. وبناءً على ذلك، يتوقع أن تعدل الجماعات الإرهابية استراتيجيتها لتصبح توسعية في منطقة الساحل وتتمدد إلى مناطق أخرى، خصوصاً بعد تنفيذ القوات الفرنسية في يناير (كانون الثاني) الماضي عملية مشتركة ضمن (عملية برخان) وجيش بوركينا فاسو ضد هذه الجماعات.

إبراز القوة

وتبدو الصراعات في منطقة غرب أفريقيا مثل استرجاع أحداث الخروج من الاستعمار، بالتمرد على المستعمرين السابقين، رعاة هذه الدول، وعلى رأسهم فرنسا، وذلك بإبراز القوة المتخيلة عبر الانقلابات العسكرية. وبالنسبة لهذه الدول التي حددت نظرتها الاعتبارية على خلفية الوجود الفرنسي ومضت في حسمه، فقد كان محركها إزاء دفاع فرنسا عن القيم الغربية، هو أنها ليست بحاجة لهذا الوجود. والمثال الأبرز هنا دولة مالي التي طالبت الاثنين الماضي 31 يناير السفير الفرنسي في باماكو جويل ميير بالرحيل، وأمهلته 72 ساعة، بعد تدهور العلاقات بين باماكو وباريس، ومرورها بمرحلة من التصعيد اللفظي منذ تولي الجيش السلطة في انقلاب نفذه أسيمي غويتا في أغسطس (آب) 2020، ثم استيلائه على السلطة في 24 مايو (أيار) 2021، بعد انقلابه على رئيس الحكومة الانتقالية باه نداو. وتحايل على وعده بتنظيم انتخابات في فبراير 2022 بدعوى عدم استعداد البلاد لهذه الخطوة بعد، وأنها تحتاج لسنوات عدة أخرى، وأنه سيحتفظ بالسلطة حتى عام 2025، ولكن كان رد باريس أنها لن تترك معركتها ضد الإرهاب في منطقة الساحل، وستستمر باتفاق الدول الأخرى في المنطقة، خصوصاً دول خليج غينيا بسبب سهولة اختراق حدودها.

وبعد أن قلصت فرنسا قواتها، ذكر رئيس الوزراء المالي شوغيل مايغا، المعروف بتصريحاته النارية ضد فرنسا، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن فرنسا تخلّت عن بلاده في منتصف الطريق بقرارها سحب (قوة برخان). وكان من قبل قد ذكر أن بلاده "لا يمكنها حتى الطيران فوق أراضيها من دون إذن فرنسا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مثل هذا الموقف الدافع للاستعانة بـ"شركاء آخرين"، من بينهم قوات "فاغنر" الروسية الخاصة المتهمة بالتورط في صراعات في دول عدة، بينها سوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى. ومع التأكيد الفرنسي والغربي بتعاقد سلطات باماكو مع مجموعة "فاغنر"، لكن المجلس العسكري الحاكم في مالي نفى ذلك. وقال إن هناك مدربين روساً على غرار المدربين الأوروبيين.

ردة الفعل الدولية

أعلن المجتمع الدولي أن الديمقراطية الناشئة في أفريقيا تتعرّض لنكسة، سواء في منطقة القرن الأفريقي بالتمادي في تأجيل الانتخابات، أو في غرب أفريقيا بالانقلابات العسكرية، ما يمحو الأمل في أي مكاسب سياسية محتملة. وخلقت هذه الوقائع تشويشاً في الوضع الأمني والسياسي في هذه المناطق، إلى جانب الصراعات الأخرى الإثنية والطائفية والنزاعات.

غالباً ما يجد مجلس الأمن صعوبة في إصدار إدانة واضحة حول الانقلابات العسكرية في أفريقيا، خصوصاً بعد موجة الديمقراطية الأخيرة، وكأنه يمنح الأفرقاء السياسيين في هذه الدول فرصة للتوافق فيما بينها بالنسبة لتكلفة أي قرار منه، قد يقضي في نهاية الأمر بضرورة التدخل. فعندما أصدر رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق ركن عبد الفتاح البرهان إجراءات 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي صنفت من قبل بعض التيارات السياسية بأنها "انقلاب"، بينما صنفتها تيارات أخرى بأنها "تصحيح مسار"، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش القوى العظمى إلى "التكاتف لضمان وجود رد فعال لوباء الانقلابات". وفي اتصال العقيد أسيمي غويتا معه، عبر للأمين العام للأمم المتحدة عن التزامه بالعودة إلى النظام الدستوري الطبيعي والسلمي والآمن. وفي المحاولة الانقلابية في غينيا بيساو، دعا غوتيريش أيضاً إلى "الوقف الفوري للقتال والاحترام الكامل للمؤسسات الديمقراطية في البلاد"، بينما اكتفى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بإدانة المحاولة الانقلابية في غينيا بيساو.

ومع ذلك، لم تنجح أي من هذه التفسيرات في وصف أزمة الانقلابات، سواء في السودان أو منطقة الساحل، ولكن تظل هذه الدول معرضة إلى أن تطاولها العقوبات الدولية وتعليق المساعدات الدولية. وسبقت ذلك العقوبات الإقليمية الأسرع، إذ قررت مجموعة (إيكواس) والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، في 9 يناير الماضي إغلاق الحدود البرية والجوية بين الدول الأعضاء ومالي وتعليق جميع المعاملات التجارية معها، وتجميد أصولها.

مؤشرات الفشل

مع أن الدول الاستعمارية السابقة لم تُنهِ ارتباطها بمستعمراتها في غرب أفريقيا نهائياً، فإن ارتباطها الخفي بالنخبة الحاكمة، خصوصاً العسكرية، يوضح أن الأزمات في جذور هذه الدول، لم تحل كلياً، وهذا ما يؤدي إلى اشتعال الحروب والنزاعات بين وقت وآخر، مع اعتمادها على توقع الحل الخارجي الذي قد يأتي من هذه الدول أو من قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين، وفي كل الأحوال يكون له ثمنه باعتبار أن القارة تحولت إلى مسرح جديد للصراع والتنافس الدولي.

ويستند ذلك إلى ثلاثة مؤشرات توضح فشل هذه الدول في التوافق على حلول: الأول، أن مشاكل التسوية في فترة المواجهة ضد الإرهاب تحتاج إلى تكيف داخلي قبل التكيف مع المجتمع الدولي، وهذا ما لم تنجح فيه هذه الدول، إذ إن أسباب انهيار العلاقة بين النخب الحاكمة في أفريقيا وشعوبها عميقة الجذور وهيكلية، بمعنى أنها نشأت مع الاستعمار، إذ عد الزعماء السياسيون حتى المناضلين منهم وكلاء للاستعمار، بعضهم قايض على المصالح الوطنية بمناصب سياسية، وبعضهم بأراضٍ وممتلكات.

والمؤشر الثاني، هو التشكيك في مفهوم أن حكومات الدول الأفريقية تراعي القيم الغربية فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كنتيجة طبيعية لموجة الديمقراطية الناشئة. فقد احتضنت هذه الحكومات نوعاً من الليبرالية مع الاحتفاظ بالسياسة التقليدية الراسخة نسبياً مثل النظام القبلي، وظلت تتهرب من مبدأ إدارة البلاد على أساس الديمقراطية الغربية، لأن دولها تمارس عليها الأبوية والفوقية.

أما المؤشر الثالث فهو أن رفض الوجود الغربي والفرنسي، خصوصاً في مالي، وغيرها، ليس رفضاً للماضي الاستعماري فقط، وإنما أيضاً بسبب البطء في التكيف مع عالم سريع التغير في ظل اضطرابات سياسية وركود اقتصادي وتفلت أمني.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل