Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لدينا حكومة أطفال وباتت قصتها كرواية "سيد الذباب"

فيلم "دولة الصبيان" يتحدث عن يافعين ينخرطون بتهور في السياسة، لكنه يذكرنا في شكل محزن بأحوال حزب المحافظين الآن

بوريس جونسون خلال حديث مع وسائل الاعلام بشأن جائحة "كوفيد- 19"، لندن، 22 أكتوبر 2012 (رويترز)

"من المرجح أن تصبح الأحزاب [السياسية] محركات قوية سيتمكن من خلالها رجال بارعون وطامحون وغير مبدئيين من تقويض سلطة الشعب واغتصاب مقاليد الحكم لأنفسهم". هكذا تكلم جورج واشنطن، أول رئيس لأميركا وأحد آبائها المؤسسين.

على الرغم من اعتقاد بعض المواطنين الحالمين في ذلك البلد، لم يكن الرجل بطلاً. تذكروا أنه امتلك عبيداً. في المقابل، لقد أصاب في هذا الاقتباس، وفق ما أظهرت بوضوح الحوادث الأخيرة في بريطانيا، الدولة التي ساعد [جورج واشنطن] بلاده في التخلص من نيرها.

تظهر كلمات واشنطن في بداية "دولة الصبيان"، وهو فيلم وثائقي سينمائي يعود إلى سنة 2020، وركب موجة من الجوائز وترحيب النقاد كي يصل إلى عقد توزيع بقيمة قياسية (لفيلم وثائقي) بلغت 12 مليون دولار أُبرِم مع شركة "آبل" [عملاق صناعة الرقاقات الإلكترونية]. وباتت خدمة البث الخاصة بالشركة هي المكان الذي يمكن الآن العثور فيه على ذلك الفيلم [دولة الصبيان].

واستكمالاً، يتكون الفيلم من تقرير عن مؤتمر أدارته "الفيالق الأميركية" [منظمة خيرية لقدامى المحاربين] في تكساس، وحضره حوالى ألف صبي مراهق "مهووسون بالسياسة"، يُقسَمون إلى مجموعتين ويُطلَب منهم تشكيل حزبين سياسيين. وبعد ذلك، ينشئون منصات، ويديرون انتخابات أولية، ويتنافس كل حزب مع الآخر على مختلف المناصب التي يستطيع المرء أن يجدها في حكومة دولة نموذجية.

ويقدم "دولة الصبيان" بالفعل إلى المُشاهد بعض الراحة، إذ يتحدث ستيفن غارزا مثلاً بهدوء، أما بخلاف ذلك، يظهر الفيلم ما قد يتوقع المرء رؤيته بالضبط إذا كون مجموعة من الصبيان المراهقين الصياحين، البيض غالباً، والمتميزين في غالبية الأحيان. وفي المقابل، يبدو الأمر أحياناً شبيهاً بنسخة شبابية من حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" وشعارها "علينا أن نسيطر عليهم!".

وسرعان ما يتبنى أولئك السياسيون المحتملون [في الفيلم] تكتيكات حقيرة وقذرة بهدف الوصول إلى ذلك تماماً [السيطرة على الآخرين]. بالتالي، فإنهم يضحون بابتهاج بكل ما يشبه المبدأ، وصولاً إلى إحراق معتقداتهم الخاصة، لمصلحة ما يتصورون أنه قد يرضي الجمهور أكثر من غيره. إنها السياسة وفق رواية "سيد الذباب" [قصة عن سقوط مجموعة من الصبيان المعزولين في جزيرة في براثن التوحش على الرغم من خلفيتهم الحضارية].

لكنهم بالطبع أطفال. مراهقون. متحمسون. طامحون. حريصون على استقطاب الإعجاب. ولديهم القدرة على التعلم من تجربتهم، والنضوج أيضاً. في المقابل، لن يتمكنوا من تحقيق هذه الغاية من خلال مراقبة بعض ممن هم الأكبر سناً بينهم، وكذلك فمن المؤكد أنهم لن يحققوا تلك الغاية عبر مراقبة أولئك المقيمين في هذ الجانب من المحيط الأطلسي.

بينما كنت أشاهد "دولة الصبيان"، فكرتُ، يا للهول، إن ما أشاهده هو الحكومة البريطانية. إنه ما يجري وراء الكواليس في حزب المحافظين. لا شك، في أن المرء لا يفهم حب السلاح هنا. ولا يسمع المرء (تماماً) العنف المتنكر في هيئة "مناصرة الحياة" الذي يصوره الفيلم الوثائقي في أحلك لحظاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ماذا عن الافتقار إلى كل ما يشبه المبدأ التوجيهي، أو النزاهة، أو الرؤية، أو الغرض من الحصول على السلطة والتمسك بها؟ حسناً، لدينا ذلك كله في البرلمان. باستثناء أن الأمر هنا في المملكة المتحدة، ليس صورياً أو ممارسة تعليمية. إنه هنا حقيقي في شكل مروع.

واستطراداً، هنالك الإشارة المتفائلة أحياناً التي يطرحها "دولة الصبيان"، متمثلة في اللحظة الغريبة من الوعي الذاتي لدى المشاركين أثناء محادثة تجري بعد فحص انغماسهم في التكتيكات الرديئة. أين ذلك من [رئيس الوزراء] بوريس جونسون والحكومة البريطانية؟

يوضح تقرير المحققة سو غراي، أو في الأقل المقتطف الذي سُمِح لنا برؤيته، تماماً أن مقر رئاسة الوزراء تحول إلى "منزل الحيوانات" [فيلم عن شباب جامعيين مشاغبين] أثناء الإغلاق، أي إلى جنة لشباب طائشين كحوليين، في حين فوّت البريطانيون العاديون جنازات أحبائهم ومُنِعوا من زيارة المرضى الذين لا شفاء لهم. لقد مات الناس بالآلاف.

والأمر الذي أزعجني في شكل خاص هو أننا أصبحنا أقل حساسية لهذا الوضع. ففي كل مرة يثور غضب ما، يصبح الأمر طبيعياً على نحو متزايد. في بعض الأحيان قد يبدو الأمر كأن المرء يحتاج إلى إتقان "أين والي" [سلسلة كتب ألغاز للأطفال يبحثون فيها عن شخص اسمه والي] كي يعثر على ستيفن غارزا، بين الفينة والفينة، ضمن مقاعد المحافظين. تذكروا أن حامل حقيبة وزارية واحداً شعر بحافز يكفي كي يبتعد عن الحكومة غير الشريفة وغير المهنية في شكل مذهل في آن معاً. يستحق أي شخص يعمل فيها علامة سوداء على سيرته الذاتية.

ولهذا السبب كان "دولة الصبيان" مقلقاً للغاية لي، أي إن هذا ما لدينا الآن على أكمل وجه.

لن تتسامح أي مؤسسة من القطاع الخاص مع ذلك النوع من السلوك الذي انغمس فيه أفراد يتولون قمة الحكومة البريطانية. ومن الصعب أيضاً التخلص من الرؤساء التنفيذيين، لكن أي مجلس إدارة كان ليقيل رئيساً تنفيذياً من نوع بوريس جونسون. وبدلاً من ذلك، وُعِدنا بتعديل، كأن الرجل المسؤول عن بيت المجانين لم يكن مسؤولاً عنه على الإطلاق. ثمة مجموعة من أكباش الفداء كي يمكن للكلب الأكبر الاستمرار في التبرز في أحواض الزهور في حديقة مقر رئاسة الوزراء.

وأظن بأن من الممكن توقع عملية أكثر مهنية، لكنها عملية أقل كذباً وأقل سخرية وأقل فساداً وأقل قسوة. في المقابل، إن حصولها مشكوك فيه.

من شأن جونسون أن يستمر في جر البلد إلى الأبعد داخل الحفرة، بلمح البصر، إذا شعر بأن من مصلحته فعل بذلك. وفي كل مرة يظهر فيها أننا وصلنا إلى القاع، يجد قاعاً جديداً. أهلاً في حكومة "دولة الصبيان". لقد كان واشنطن على حق.

© The Independent

المزيد من تحلیل