Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا تعود للمربع الأول بعد عقد من المراحل الانتقالية

يضغط قسم كبير من الليبيين على البرلمان للتركيز على التوجه نحو صناديق الاقتراع للخروج من المأزق الحالي

رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح ملتقياً سفير الإتحاد الأوروبي خوسيه ساباديل (صفحة المركز الإعلامي لرئيس البرلمان على فيسبوك)

تقف ليبيا على أعتاب مرحلة انتقالية جديدة هي الخامسة بعد الثورة الليبية عام 2011، وقد تمتد هذه المرة من تسعة أشهر إلى عام ونصف العام، بحسب المقترح الذي دفعت به اللجنة المكلفة وضع خريطة طريق جديدة للبلاد إلى مجلس النواب، بعد الفشل في إجراء الانتخابات العامة نهاية العام الماضي، على الرغم من اعتراض أطراف محلية ودولية كثيرة على خطة البرلمان لإطالة عمر المرحلة الانتقالية لفترة جديدة، بسبب الأخطار المحتملة لهذا التوجه على أكثر من مستوى.
ويحذر مراقبون تحديداً من تبعات أول خطوة اتخذها البرلمان ضمن حزمة الإجراءات التي شرع فيها لتمديد المرحلة الانتقالية، وهي حل الحكومة الحالية وتشكيل أخرى بديلة لها، مما يهدد بالعودة لمرحلة الانقسامات المؤسساتية وما تجره على البلاد من فوضى سياسية مع عواقب اقتصادية وأمنية خطرة.

عقد من التوتر

وكانت أول مرحلة انتقالية في ليبيا بدأت في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، بعد ثلاثة أيام من مقتل العقيد معمر القذافي قرب مسقط رأسه مدينة سرت، حين أعلن "المجلس الانتقالي" دستوراً مؤقتاً للبلاد تحت اسم "الإعلان الدستوري"، نص على إجراء انتخابات تمهيدية في العام التالي لانتخاب سلطات مؤقتة "تشريعية وتنفيذية" تمهد لكتابة دستور دائم في ظرف سنتين، ليتم بعدها إجراء انتخابات عامة تنتج مؤسسات دائمة ومستقرة.

وأُجريت الانتخابات العامة في موعدها المحدد في 7 يوليو (تموز) 2012، في أجواء هادئة تمت بعدها عملية انتقال سلس للسلطة بين "المجلس الانتقالي" و"المؤتمر الوطني" (البرلمان الجديد)، الذي كلف الراحل عبدالحميد الكيب بتشكيل ثاني حكومة ليبية بعد الثورة. وبدا أن كل شيء يسير كما هو مخطط له، واستبشر الجميع بدخول البلاد إلى عهد جديد من الاستقرار والتداول السلمي للسلطة.

وبعد تسلم مهماته انتخب المؤتمر الوطني هيئة لصياغة مشروع الدستور باشرت عملها مع بدء ظهور الخلافات السياسية بين أقوى تيارين سياسيين، وهم تيار الإسلام السياسي والتيار المدني بقيادة الراحل محمود جبريل الذي ترك بصمات واضحة على نقاشات الهيئة الدستورية، مما اضطرها إلى تجاوز المرحلة المحددة لها لتجهيز مسودة الدستور، والتي نص الإعلان الدستوري على إنجازها في ظرف سنتين.

محاولة تمديد أولى
ومع تأخر هيئة الصياغة في تجهيز الدستور الجديد للبلاد، حاول "المؤتمر الوطني" تمديد فترة ولايته وتأجيل انتخاب برلمان جديد حتى تجهز المسودة الدستورية، وهو ما قوبل برفض تام من الشارع الليبي وتظاهرات عارمة في طرابلس وبنغازي، أجبرت المؤتمر الوطني على تنظيم الانتخابات البرلمانية بموعدها في عام 2014، وسط ظروف صعبة، إذ كان الانقسام السياسي على أشده والانفلات الأمني بلغ مداه مع سيطرة تنظيم "داعش" على مدن سرت ودرنة وأغلب أجزاء مدينة بنغازي.

وسط هذه الفوضى ولد البرلمان مرفوضاً من أطراف كثيرة في الغرب الليبي، خصوصاً تيار الإسلام السياسي، مما تسبب بخلافات قانونية، ودخلت المحاكم العليا في الشرق والغرب طرفاً فيها، كما تدخلت البعثة الأممية في ليبيا للمرة الأولى، وقادت مفاوضات بين الفريقين المتنازعين في الصخيرات المغربية التي أنشأت بموجبها "حكومة الوفاق" بقيادة فايز السراج عام 2015.

الانقسام التام

وبلغ الاصطفاف السياسي خلال فترة حكومة السراج، ثالث حكومة تقود ليبيا بعد الثورة، أخطر مراحله، مع الاحتكام إلى السلاح لحل النزاع على السلطة الذي بدأ برفض السراج تأدية اليمين الدستورية في طبرق أمام مجلس النواب، وتشكيل الأخير حكومة انتقالية رابعة، في البيضاء (شرق بنغازي)، تحت اسم "الحكومة المؤقتة" برئاسة عبدالله الثني.

وتبع الانقسام الحكومي انشطار كل المؤسسات السيادية الليبية إلى نصفين في الشرق والغرب، بداية من المصرف المركزي والمؤسسة والوطنية للنفط، وصولاً إلى تصادم جيشين تابعين للحكومتين في مناطق ومدن ليبية عدة، حتى بلغ الصدام ذروته على مشارف طرابلس، فيما عرف بـ "حرب العاصمة" التي استمرت لسنتين.

حكومة خامسة

في منتصف عام 2020، وتحت ضغط دولي كبير، جلس فرقاء ليبيا إلى طاولة المفاوضات أكثر من مرة لمناقشة كل الملفات الخلافية التي كانت وقود الحرب في البلاد. وبعد جولات حوارية مكوكية توصلوا إلى اتفاق تاريخي في جنيف على مرحلتين، أولاً اتفاق لوقف النار، تلاه اتفاق سياسي حدد خريطة طريق لإنهاء المرحلة الانتقالية في الذكرى الـ 70 لاستقلال البلاد في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وإجراء انتخابات شاملة، رئاسية وبرلمانية.

وبموجب اتفاق جنيف شكلت أول حكومة موحدة للبلاد منذ عام 2014، بقيادة عبدالحميد الدبيبة، كان من المفترض أن تنتهي ولايتها بنهاية العام الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومرة أخرى، اعتقد الليبيون حينها أن مرحلة الانقسام ولّت، وأنهم مقبلون على مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي.
تعثر خريطة الطريق

لكن على العكس مما خطط له، تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، بسبب خلافات قانونية وسياسية واعتراضات على ترشح كثير من الأسماء للمنصب الرئاسي، خصوصاً سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس السابق، وقائد "الجيش الوطني" خليفة حفتر ورئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة، الذي اتهمه خصومه بنقض تعهده بعدم الترشح واستغلال أموال الدولة في الدعاية الانتخابية لنفسه.

أربك الفشل الانتخابي المشهد تماماً، ويوشك حالياً على جر البلاد للعودة إلى نقطة الصفر، مع إصرار البرلمان في طبرق على وضع خريطة طريق لمرحلة انتقالية خامسة، تبدأ بتشكيل حكومة جديدة وسط رفض تام لتسليم السلطة من قبل الحكومة الحالية، في مشهد يذكر بما جرى عام 2015، ويهدد بعودة مرحلة الاضطراب والفوضى التي عاشتها ليبيا خلال الأعوام الخمسة التي تلته.

على مشارف مرحلة حرجة

وبسبب التجارب السيئة التي عاشتها البلاد بسبب نزاعات المراحل الانتقالية طوال العقد الماضي، يرفض قسم كبير من الليبيين الدخول في مرحلة جديدة مشابهة، ويضغطون على مجلس النواب للتركيز على التوجه نحو صناديق الاقتراع للخروج من المأزق السياسي الحالي.

في المقابل، تجمع أغلب الآراء أن ليبيا عادت للوقوف على مفترق طرق مع احتمالات مفتوحة على كل السيناريوهات التي يحددها الباحث السياسي كامل المرعاش بثلاثة أمور، أولها أن "يرضخ الدبيبة في نهاية المطاف لتسليم السلطة، خصوصاً إذا لم يحصل على دعم خارجي من بعض الأطراف الدولية"،

والثاني أن "يلجأ الدبيبة إلى تقديم تنازلات كبيرة وتغيير حكومته وتقليصها لحكومة مصغرة، وأن يضم إليها شخصيات قوية توكل إليها مهمة تفكيك الميليشيات وعدم التدخل في المؤسسة العسكرية، وتخليه عن منصب وزارة الدفاع واعتماد قيادة الجيش الحالية لإدارة توحيد المؤسسة العسكرية".

أما الاحتمال الأخير فيتمثل في "تشكيل حكومة جديدة مقرها سرت، وتكون منافسة وموازية لحكومة الدبيبة، مما سيعيد ليبيا إلى مربع الصراع الأول، وربما الانزلاق مجدداً إلى الحرب، لكن هذه المرة بين مكونات عسكرية تنتمي إلى الغرب الليبي، وليس معادلة الشرق والغرب لحسم السيطرة على العاصمة، مع تدخل الدول المتورطة في الملف الليبي لدعم أحد الأطراف بحسب مصالحها، وفي هذه الحال ستخسر الأمم المتحدة صدقيتها وستقف عاجزة تماماً عن التأثير في مجريات الأحداث، مما سيشكل ضربة جديدة لها تضاف إلى إخفاقاتها في سوريا والعراق وأفغانستان".

المزيد من العالم العربي