Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع يشتد بين مالي وفرنسا وفي الخلفية روسيا و"شرعية" الانقلاب

تتهم دول الساحل القوات الفرنسية بالسلبية وعدم التدخل بقوة للقضاء على الجماعات المسلحة

العقيد اسيمي غويتا الذي نصّب نفسه رئيساً انتقالياً لمالي (أ ب)

هل بدأت فرنسا تفقد نفوذها في غرب أفريقيا، وما سبب الغضب الشعبي والرسمي على كل ما تقوم به القوات الفرنسية في المنطقة؟
بعد أفريقيا الوسطى التي فضلت روسيا على فرنسا جاء الدور على مالي وربما بعدها تأتي غينيا وبوركينافاسو اللتان تعيشان ظروفاً مشابهة سياسياً واقتصادياً أدت إلى انقلابين عسكريين في ظرف أقل من 4 أشهر. وفي تطور جديد للأزمة بين فرنسا ومالي، استدعت باماكو السفير الفرنسي لديها للاحتجاج على تصريحات مسؤولين فرنسيين عن الوضع في مالي، قبل أن تطالبه بالمغادرة خلال 72 ساعة.
وبررت السلطات المالية هذا القرار بتصريحات "معادية" أطلقها مسؤولون فرنسيون ضدها، أخيراً، في إشارة لما وصف به وزيرا الدفاع والخارجية الفرنسيين، المجلس العسكري في مالي بأنه "غير شرعي وخارج عن السيطرة".
وردت مالي على لسان وزير خارجيتها عبد الله ديوب، الذي قال، إن بلاده لن تقبل مثل هذه التصريحات "غير المقبولة"، والتي "تنم عن ازدراء"، مؤكداً أن "مالي لا تستبعد أي شيء" في علاقاتها مع فرنسا.

مالي تتمرد على شريكها الرئيس

ويجمع المراقبون على أن هذا القرار يمثل تصعيداً جديداً للتوتر الحاصل بين مالي وفرنسا منذ الانقلاب العسكري في أغسطس (آب) 2020 الذي أطاح حكم الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا، ثم الانقلاب الثاني على قادة المرحلة الانتقالية في مايو (أيار) العام الماضي، ويؤكدون أن تصاعد التوتر بين البلدين سيكون له تأثيرات كبيرة على علاقات فرنسا بدول الساحل الأفريقي.
وأثار القرار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض له، فكتب صالح كزابرو زعيم المعارضة في تشاد الدولة المجاورة لمالي، "ما يحدث حالياً بين باماكو وباريس يأخذ منعطفاً غير عادي خارج القاعدة في العلاقات الدولية لدولتين مرتبطتين منذ فترة طويلة جداً. أي كسر سيكون ضاراً لكليهما".
وكتب المدون المالي، إدريس ايات "مالي تطرد سفير فرنسا... إنها ثورة من مستعمَرة فرنسية سابقة، تتماشى فيها قرارات الحكومة مع رغبة الشعب". وغرد الناشط مامين الوداد "فرنسا في موقف لا تُحسد عليه بعد طرد سفيرها من مالي، حيث إنه لم يسبق لها مواجهة مثل هذا التمرد الذي يهدف إلى ردع سياساتها في أفريقيا. وقد باتت أمام ثورة تاريخية لا يمكن السيطرة عليها وخصوصاً أن الشعوب الأفريقية بأكملها اتفقت على معاداتها. لقد فات أوان تغيير سياساتها وحان وقت رحيلها".
في المقابل، كتب الفرنسي فرانك ديبو "لنتركهم مع الروس والصينيين، أكيد سيندمون. لقد أعطت فرنسا كثيراً... ولدى الفرنسيين ما يكفي من الهموم".
لكن هل أُجبرت فرنسا حقاً على التخلي عن مالي، وبالتالي إفساح المجال لروسيا والصين، أم أن التطورات الأخيرة لم تكن مناسبة للقوة الاستعمارية السابقة وأثرت سلباً على نفوذها في غرب أفريقيا؟

النفوذ الفرنسي في الساحل

تدخلت فرنسا عسكرياً في مالي في عام 2013 وتمكنت من دحر الجماعات المسلحة المتطرفة وتحرير شمال البلاد (إقليم أزواد) من سيطرة المتشددين، وتوسعت العملية لتشمل دولاً أخرى كالنيجر وتشاد وبوركينافاسو حيث تنتشر جماعات مسلحة استطاعت جمع شتاتها والعودة بقوة خاصة في مناطق وسط مالي وغرب النيجر وشمال بوركينافاسو منذ عام 2017.
وبررت فرنسا عودة الجماعات المسلحة بعدم فاعلية الجيوش المحلية وفشل القوة العسكرية الأفريقية التي تم تشكيلها من جيوش دول الساحل الخمس إضافة إلى حرب العصابات التي باتت تتبعها الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، والتي أكسبتها دعم المجموعات المحلية والأساليب القتالية التي تنتهجها بالانتقال بين الحدود غير المراقبة والانتقام من التجمعات السكنية التي لا تساندها.
وتضاعف خطر جماعات "داعش في الصحراء الكبرى" (EIGS) و"نصرة الإسلام والمسلمين" (GSIM) و"كتيبة ماسينا" في شمال ووسط مالي، وأصبحت أكثر نشاطاً وفتكاً من أي وقت مضى، والأسوأ من ذلك أنها اتخذت من استهداف المدنيين، استراتيجية رئيسة.
في المقابل، اتهمت دول الساحل القوات الفرنسية بالسلبية وعدم التدخل بقوة للقضاء على ما تبقى من الجماعات المسلحة وتركها تتكاثر وتكسب أراضي جديدة، كما انتقدت غياب التمويل الفعلي للقوة العسكرية الأفريقية المشتركة، الذي وعدت بها دول عدة من بينها فرنسا.

فرنسا ترفض الاعتراف بالعسكر في مالي

في قمة نواكشوط يونيو (حزيران) 2020 التي جمعت فرنسا ودول الساحل، وقبلها في قمة باو الفرنسية في يناير (كانون الثاني) من ذات العام، أكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن القوات الفرنسية ستواصل حربها ضد التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي، بل وأعلن عن زيادة عدد القوات ليصل إلى 5300 جندي. لكن بعد نحو شهرين من انعقاد قمة نواكشوط بدأت هذه الوعود تتلاشى وأصبحت فرنسا تهدد بالرحيل عن الساحل. وكان الانقلاب العسكري على حكم إبراهيم بوبكر كيتا في 18 أغسطس (آب) 2020 بمالي سبباً رئيساً في تراجع فرنسا عن وعودها العسكرية والتزاماتها المالية تجاه دول الساحل، وازداد الوضع سوءاً عقب الانقلاب الثاني في 24 مايو (أيار) 2021، الذي قاده قائد الانقلاب الأول العقيد اسيمي غويتا، بعد إعلان الرئيس الانتقالي باه نداو عن تشكيلة حكومية جديدة لا تتضمن قادة الانقلاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد الانقلاب الثاني، أعلنت باريس تعليق العمليات العسكرية المشتركة مع القوات المالية، وبعد أسبوعين من الانقلاب وتحديداً في 10 يونيو 2021 أعلن ماكرون عن "تحول" في الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، وأكد أنه مع انتهاء عملية "برخان" بحلول النصف الأول من عام 2022، سينتقل عدد الجنود الفرنسيين المشاركين فيه من 5100 جندي إلى 2000.
واستلم أسيمي غويتا رئاسة مالي ونصب نفسه رئيساً انتقالياً ووعد بتنظيم انتخابات رئاسية في فبراير (شباط) 2022 كما كان مقرراً سابقاً. وطيلة هذه الفترة، كانت قرارات مالي تلقى استهجاناً في فرنسا خصوصاً بعدما أعلنت باماكو نيتها التفاوض مع الجماعات المسلحة، وهو ما ترفضه فرنسا بشدة، ثم بعدها قرار مالي تأجيل الانتخابات الرئاسية وتمديد الفترة الانتقالية لـ5 سنوات.
ولم تنجح جهود الدبلوماسيين في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ودفع فرنسا إلى الاعتراف بالمجلس العسكري في مالي، كما لم تنجح مشاركة جرعات اللقاح أو خطة التعافي الطموحة للقارة الأفريقية التي قدمها ماكرون، في استعادة صورة فرنسا ولا في التغلب على الانتقادات الشعبية والسياسية التي وجِّهت إليها بخصوص مسألة الوجود العسكري في منطقة الساحل.
ووصلت العلاقات بين المجلس العسكري في مالي وفرنسا إلى أدنى مستوياتها وتصاعد التوتر بين البلدين  خصوصاً بعد إعلان السلطات المالية عن اتفاق مع مجموعة الأمن الروسية الخاصة "فاغنر" للمساعدة في مكافحة الإرهاب.
وأدت عقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (تضم 15 دولة) على مالي بسبب عدم التزامها بإجراء الانتخابات وإعادة السلطة للمدنيين، إلى أزمة جديدة بين باماكو وباريس بسبب اتهام مالي لفرنسا باستغلال المنظمات الإقليمية وإطلاق تصريحات غير مقبولة تجاه المجلس العسكري.
وسارعت الحكومة المالية إلى المطالبة بمراجعة اتفاقيات الدفاع مع فرنسا، كما طالبت قوة عسكرية من الدنمارك بمغادرة مالي بسبب عدم وجود اتفاق عسكري بين البلدين.

ولم تعلق مالي على آخر هجوم لجماعات متطرفة على معسكر فرنسي وسط مالي، والذي أودى بحياة جندي فرنسي يعمل ضمن قوة "برخان"، في المقابل بادر وزير خارجيتها عبد الله ديوب بإعطاء تصريحات للإعلام الفرنسي تؤكد أن التوترات بين باريس وباماكو مردها أن المجلس العسكري في مالي "أثّر على مصالح فرنسا" بإلغاء الانتخابات المقررة في 27 فبراير (شباط) الحالي، وقال "يريدون عودة نفس الأشخاص لتولي السلطة. وكل ذلك لأننا أثرنا على مصالحهم".

خلافات يستغلها الإرهابيون للتمدد أكثر

ورأى الباحث السياسي في شؤون غرب أفريقيا أحمدو جانكي أن "العلاقات بين باريس ومالي تعيش أزمة عدم ثقة تطورت بسبب تصريحات مسؤولي البلدين ورغبة كل طرف في فرض إرادته". وأضاف أن "المجلس العسكري في مالي الذي يعتزم البقاء في السلطة لسنوات عدة يتذرع بالسيادة الوطنية لتبرير تعاونه مع روسيا على الرغم من وجود قوات فرنسية تعمل على محاربة الإرهاب على أرضه منذ 9 سنوات... فقد أتاحت له موسكو الفرصة للحصول على أسلحة ومعدات عسكرية. ووصل بالفعل أخيراً عشرات الجنود الروس إلى مالي. في المقابل، ترى باريس أن باماكو لم تقدّر تضحياتها طيلة السنوات الماضية وتنتقد بشدة تصريحاتها حول شروط وجود فرنسا وشركائها الأوروبيين المشاركين في قوة تاكوبا الأوروبية".
واعتبر الباحث أنه "إذا كان من حق باماكو البحث عن شركاء آخرين غير فرنسا، فمن حق الأخيرة الاعتراض على العمل جنباً إلى جنب مع قوات روسية موجودة في مالي بشكل غير متوافق مع مشاركة قوات القبعات الزرق (مينوسما) أو القوات الأوروبية ومهمتها مكافحة الإرهابيين.
وأكد جانكي أن "حالة عدم الاستقرار والخلاف بين الحلفاء سيستفيد منه الإرهابيون. ما من شك في أن الجماعات المسلحة ستستغل هذه الظروف وسيكون من الصعب السيطرة على العنف المتطرف المتصاعد في منطقة الساحل عامة".
ويختم حديثه بالتأكيد على أن "الانتصار في هذه الحرب لن يتحقق إلا عبر إرادة موسعة ومبادرات جريئة. ولن يتحقق بأي حال إذا استغرق الحلفاء في الخلافات".

المزيد من تحلیل